بحث قانوني عن جريمة تزييف وتزوير الأختام وفقاً لأحكام قانون العقوبات العراقي

القصد الجنائي الخاص لجريمة تزييف الاختام :
كي تتحقق المسؤولية عن بعض الجرائم لا يكفي تحقق القصد الجنائي بمعناه العام بل يجب توفر قصد خاص الى جانب القصد العام حتى تعد الجريمة قائمة بركنها المعنوي بشكل تام . وقد يشترط المشرع هذا القصد الخاص او النية الخاصة أما صراحة بذكره ذلك في نص المادة التي تبين الجريمة وتحددها او قد يفهم ذلك من سياق النص التشريعي وطبيعة الجريمة . وجريمة تزييف الأختام من الجرائم التي تتطلب توافر قصد خاص الى جانب القصد العام لكي يتحقق القصد الجنائي فيها ، ويلاحظ ان اغلب التشريعات ومنها قانون العقوبات العراقي لم تنص صراحة على توفر القصد الخاص في هذه الجريمة . الا انه من خلال فهمنا لنصوص المواد التي تناولت تبيان جريمة تزييف الأختام ومن طبيعة الجريمة نفسها باعتبارها من جرائم التزييف والتزوير والتي تتطلب فيها دائما توافر قصد خاص إضافة للقصد العام لكي يتحقق القصد الجنائي في هذه الجرائم ، كما يتضح ويتبين لنا القصد الخاص الواجب توافره في هذه الجريمة لكي يعد القصد الجنائي فيها متوافر من خلال شروحات فقهاء القانون الجنائي لهذه الجريمة وتناولهم لها بكافة اركانها وجزئياتها . فقد حدد كل من تناول هذه الجريمة بالشرح قصدا خاصا يجب توافره الى جانب القصد العام لكي يكتمل القصد الجنائي وبدون تحقق هذا القصد الخاص ينتفي القصد الجنائي ولا يتحقق . والقصد العام بالمعنى المتقدم هو اتجاه ارادة الجاني مقترنة بعلمه الى اقتراف الواقعة التي جرمها المشرع وبعنصريها السلوك الاجرامي والنتيجة . ويعد القصد خاصاً اذا كان الجاني مدفوعا الى إتيان الواقعة الاجرامية بباعث معين او تحدوه لذلك غاية محددة (1)، وهذا يدفعنا الى التساؤل حول ما يعد جوهر القصد الخاص فهل هو الباعث الذي يدفع الجاني لارتكاب الجريمة ام هي الغاية التي تكون هدفاً للجاني يسعى لتحقيقها ؟ وللاجابة على هذا التساؤل لا بد لنا في البداية من استجلاء طبيعة كل من الباعث والغاية وتحليلها ، حتى يمكن تحديد جوهر القصد الخاص بعد ذلك واستظهار حقيقته . فالباعث مجرد فكرة تجول في ذهن الجاني تدفعه لاقتراف الجريمة ، وقد تناؤها افكار اخرى تثني همة الجاني عن القيام بجريمته ، ويدور صراع بين هذه الافكار أي فكرة الاقدام على القيام بالجريمة او فكرة الاحجام عنها الى ان يتوصل الجاني الى الثبوت على احدهما وهي فكرة الاقدام ، وهذه الفكرة هي التي حركت ارادة الجاني ودفعته لارتكاب الجريمة ، فهذه الفكرة هي الباعث او الدافع ، فالباعث مزيج من عناصر اندفاع غريزية ومن التصور (2). ويقوم الباعث على رغبة الجاني في الاعتداء على المصلحة التي يحميها القانون أي الثقة العامة في جريمة تزييف الأختام ، حتى اذا ما تحقق هذا الاعتداء تحقق الغرض الذي تسعى الارادة الى بلوغه ، ويشترط في الباعث ان يكون معروفاً ومتصوراً لدى الجاني أي ان يتصور الجاني غرضاً يسعى للوصول اليه فان لم يكن لديه هذا التصور فانه يتحرك في فراغ وهذا يتعارض مع طبيعة الباعث النفسية(3). فالباعث هو نقطة بداية القرار الارادي وهو محض احساس نفسي يتولد عنه قوة تدفع الجاني لارتكاب الجريمة ، فهو يمثل الفكرة التي تعد البذرة التي تنمو فيها ومن خلالها الارادة فيعد بذلك داخلاً في تكوينها وبالتالي في تكوين القصد الجنائي(4). اما الغاية فهي تختلف عن الباعث في تعلقها بالنتيجة فهي حالة ذهنية بحتة تتمثل في تصور للنتيجة المترتبة على سلوكه الاجرامي . وبذلك تكون الغاية عكس الباعث . فالغاية تتعلق بالنتيجة دون السلوك . ويختلفان من جانب اخر وهو زمني اذ ان الباعث يكون سابق للسلوك اما الغاية فتكون لاحقة عليه ترتبط بالنتيجة التي يرتبها السلوك .

ومع ذلك هناك ارتباط وثيق بين الغاية والسلوك اذ هو الوسيلة لإشباعها . فمثلاً الحقد على شخص يعد باعثاً على قتله بينما يعد القتل غاية له ووسيلة في نفس الوقت لاشباع الباعث . والغرض والغاية من طبيعة واحدة وينهضان بنفس الدور القانوني . فهما مدلولان متلازمان ينصرفان الى النتيجة بمعناها القانوني (5). فالغاية هي اخر مراحل القصد الجنائي ، وتساهم في العدوان على المصلحة المحمية بنصوص القانون ، والغاية التي يعتد بها المشرع هي التي تساهم في العدوان على المصلحة المحمية قانوناً سواءاً اكانت الغاية قريبة او بعيدة مباشرة او غير مباشرة، وخلاصة القول ان ظاهرة القصد الجنائي المتمثلة بالارادة تبدا بالباعث او الدافع وتنتهي بالغاية او الغرض وان بلوغ الغاية يساوي العدوان على المصلحة التي يحميها القانون ، وبذلك يتضح لنا ان الباعث يستبعد من نطاق القصد تماماً فهو الذي يحرك الارادة التي تعد جوهر القصد الجنائي ، الا انه لا يدخل في تكوينها ومن ثم فلا شان له بفكرة القصد الخاص ، ومن ثم التعويل على الغاية دون الباعث في قيام القصد الخاص ، وبذلك تكون الغاية هي أساس القصد الخاص دون الباعث والتي تتمثل في الهدف الذي يسعى الجاني لتحقيقه من وراء الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون .(6) وبعد تبيان اساس القصد الخاص والذي هو الغاية . لا بد من تحديد جوهر الغاية ولتحديد جوهر الغاية لا بد من الاجابة على التساؤلات التي كانت مثار نقاش وخلاف فقهي . فهل ان الغاية التي يسعى الجاني لتحقيقها من وراء تزييفه للاختام هي نية الاضرار بالغير ؟ ام نية الاحتجاج بالختم المزيف ام انها نية الاستعمال ؟ ستتناول كل من التساؤلات المتقدمة بالبحث والنقاش تباعاً .

فيرى اصحاب الراي الاول وفي مقدمتهم ( شوفوهيلي ) ان الغاية المتطلبة في القصد الخاص تتمثل في نية الاضرار بالغير سواءاً اكان ذلك الاضرار بشرفه او ماله او غير ذلك . ويختلف اصحاب هذا الراي في تحديدهم لمضمون نية الاضرار فيرى الجانب الاول ان تزييف الختم مثلاً لا يعد ان يكون عملاً تحضيرياً لجريمة استعمال الختم المزيف وهو يستمد صفته الآثمة من غاية الجاني والتي تتمثل باستعمال الختم المزيف اضراراً بالغير (7). ويؤخذ على هذا الرأي تضييقه لدائرة القصد الجنائي وذلك بجعل الضرر مناط القصد الخاص بينما هو عنصر متطلب في الركن المادي لا المعنوي .

والواقع ان ما يثلج صدر الجاني ليس الاضرار بغيره ولكن الربح الذي يحققه من وراء فعله .(8) اما اصحاب الجانب الثاني وفي مقدمتهم الاستاذ ” دوندييه دي فابر ” فانهم يذهبون للقول باشتراط نية الاضرار كمضمون للقصد الخاص الا انهم يحاولون تلافي الانتقادات الموجهة للرأي الاول وذلك باخراجهم الضرر من عناصر الركن المادي وجعله بالتالي قصد خاص لدى الجاني . ومما يؤخذ على هذا الرأي انتزاعه للضرر من بين عناصر الركن المادي فالتزييف لا يتحقق الا اذا ترتب عليه ضرر فعلي او محتمل وبالتالي لا يمكن ان يعد الضرر قصد خاص في جريمة التزييف . وخلاصة القول ان الرأي القائل بان مضمون وجوهر الغاية والتي هي جوهر القصد الخاص يتمثل بنية الاضرار بالغير لا يصلح كمضمون للقصد الخاص في جريمة تزييف الأختام(9). اما بالنسبة للتساؤل الثاني المتقدم سابقاً فيجيب عليه ويؤيده الرأي الثاني من الفقه في بحثهم لجوهر القصد الخاص وفي مقدمتهم (جارو) بان مضمون القصد الخاص هو نية الاحتجاج بالشيء المزيف أي ان جوهر القصد الخاص في جريمة تزييف الأختام يتمثل بنية الاحتجاج بالختم المزيف ، فنية الجاني تكون قد انصرفت الى الاحتجاج بالختم المزيف كدليل اثبات مخالف للقانون ، وهدف الجاني من ذلك هو تحقيق مصلحة غير مشروعة مادية او ادبية لنفسه او لغيره ، ودون عبرة بتحققها بالفعل وإنما يكفي مجرد توافر هذه النية لدى الجاني عند تغييره للحقيقة(10). ويؤخذ على هذا الرأي هو انه ليس كل تزييف او تزوير يستهدف الجاني من ورائه إثبات أمر مخالف للقانون ، فضلاً عن ان تحديد نية الاحتجاج بالشيء المزيف كجوهر للغاية التي تمثل جوهر القصد الخاص غير مانع من تصور غايات اخرى قد يكشف عنها التطبيق العملي ، فالجاني قد يهدف من وراء تزييفه للختم الاستعانة به لتحقيق مصلحة او غرض معين يكون موضع اعتبار عنده ، دون وجود نية الاحتجاج بالشيء المزيف(11).

اما الرأي الثالث والذي تكمن فيه الاجابة عن التساؤل الثالث المتقدم الذكر فيرى اصحاب هذا الرأي وفي مقدمتهم الفقيه (جارسون) ان النية التي تمثل الغاية التي تعد جوهر القصد الخاص هي نية استعمال الشيء المزيف فيما زيف من اجله فالقصد الخاص في جريمة تزييف الأختام يتحقق في علم الجاني او امكانية علمه واتجاه ارادته الى استعمال الختم المزيف فيما زيف من اجله ، اذ ان مجرد التزييف لا خطر منه اذا لم تتوافر لدى الجاني نية استعمال الختم المزيف عند قيام الجاني بتغيير الحقيقة في الختم ، فبالرغم من استقلال جريمة استعمال الختم المزيف عن جريمة تزييف الختم الا انه يتطلب ان تتوفر لدى الجاني ارتباط ذهني قائم على عدم قصور قصد الجاني على نية التزييف فقط وانما يجب ان تمتد الى نية استعمال الختم المزيف فيما زيف من اجله(12). يرى اصحاب هذا الرأي ضرورة التفرقة فيما بين نية الاحتجاج ونية الاستعمال ، فالاحتجاج فيه معنى الاثبات بينما الاستعمال يشتمل على كل ما يجول في ذهن الجاني من فروض ونيات كاستخدام الجاني الشيء المزيف كدليل يستند اليه للحصول على حق يأبى القانون ان يمنحه اياه او يعترف له به او لغرض الاساءة لسمعة انسان ، وبذلك وسع اصحاب هذا الرأي من نطاق العقاب على تزييف الأختام الى الحد الذي تتحقق فيه الحماية اللازمة للمصلحة محل الحماية(13). وبدورنا نذهب الى تأييد الرأي الثالث والذي يرى بأن جوهر الغاية التي تعد جوهر القصد الخاص تتمثل بنية استعمال الختم المزيف فيما زيف من اجله ، كون هذا الرأي يعد الرأي الاصوب والراجح لانه يذهب الى تحديد مضمون واضح وواسع ومقنع للقصد الخاص المتطلب في جريمة تزييف الأختام .

القصد الجنائي العام لجريمة تزييف الاختام :
ويتضمن القصد الجنائي العام عنصرين وهما الارادة والعلم ، ويحيط هذان العنصران الجريمة معاً بسلوكها الاجرامي ونتيجتها ، فالعنصر الاول ، الذي هو الارادة ، تعد جوهر القصد الجنائي وهي عبارة عن نشاط نفسي واع اتجه الى تحقيق غرض معين ، وتحكم الإرادة قوانين نفسية لانها محض نشاط نفسي ، واذا اردنا فهم الارادة ودورها في الجريمة فهي محاولة للتغلغل في جوانب الجريمة النفسية والخفية للرجوع والتعرف على المراحل التي تمر بها نفسية الجاني للوصول الى القرار الارادي الذي يهدف ويؤدي الى تحقيق الجريمة ، فتبدأ هذه المراحل بمجرد شعور الانسان او الجاني بحاجة معينة ، ومن ثم يليه على الفور تصور للوصول الى علاقة تكفل اشباع هذه الحاجة ومن بعد التصور الاول تصور ثاني للوسائل التي يمكن من خلالها اشباع تلك الحاجة ، وعند هذه النقطة تنطلق لدى الجاني قوة نفسية تؤثر في اعضاء جسمه وتدفعه الى القيام بحركة عضوية تؤدي الى تحقيق الغرض المقصود من القرار الارادي(1). فالارادة هي انصراف ارادة الجاني الى القيام بالافعال المكونة للسلوك الاجرامي في الجريمة وارادة النتائج التي تترتب على ذلك السلوك ، فارادة الجاني يجب ان تنصب على الافعال التي يتضمنها السلوك الاجرامي في الجريمة ، أي ان الجاني يجب ان يكون مريداً لكل فعل من الافعال التي افترضها(2). ففي جريمة تزييف الأختام يجب ان يكون الفاعل قد انصرفت ارادته الى القيام بالسلوك الاجرامي من خلال القيام بأحد الافعال التي يتكون منها هذا السلوك او القيام بكل هذه الافعال ، فقد يقوم الجاني بتقليد ختم عن طريق اصطناعه او تزويره وبذلك يكون قد اراد فعل تزييف الأختام باقترافه للفعل المكون للسلوك الاجرامي للجريمة وهو مريداً له . وارادة السلوك وحدها غير كافية لتحقيق القصد الجنائي بل يجب ان تنصرف ارادة الجاني الى النتيجة الجرمية التي ترتبت على السلوك الاجرامي فلكي يتحقق القصد الجنائي يجب ان تنصب ارادة الجاني على السلوك الاجرامي وعلى النتيجة او النتائج المترتبة على هذا السلوك ، فارادة الجاني يجب ان لا تنصب على السلوك الاجرامي والقيام به فقط وانما يجب ان تتجه نحو تحقيق النتيجة الجرمية الناشئة عن السلوك الاجرامي(3). أي ان الجاني اذا ما اراد القيام بتزييف ختم فان ارادته يجب ان تكون قد انصرفت الى تحقيق النتيجة الجرمية من وراء فعل التزييف وهي تغيير حقيقة الختم فتغيير الحقيقة تمثل النتيجة الجرمية لجريمة تزييف الأختام ويجب ان يكون الجاني قد اراد تغيير الحقيقة في الختم الذي قام بتزييفه لكي يتوافر القصد الجنائي عنده وبالتالي تتحقق الجريمة بركنها المعنوي والمادي . وينبغي في البداية ان يكون الجاني قد احاط الواقعة المكونة للجريمة بالعلم ، فالعلم يفترض ان يكون الجاني قد علم مسبقاً وتمثلت له كل وقائع الجريمة ، فموضوع العلم ينحصر ويتحدد في التمثل السابق لوقائع الجريمة التي يتحقق فيها العدوان على المصلحة التي يحميها القانون(4). فالقصد العام في جريمة تزييف الأختام يتطلب العلم بسائر وقائع الجريمة ، فالجاني يجب ان يكون عالماً بانه يقوم بتغيير حقيقة ختم ويجب ان يكون عالماً بالحقيقة وان يكون مدركاً بانه بفعله ينتج اثراً مخالفاً ومغايراً لتلك الحقيقة ، فاذا انتفى لديه هذا العلم ينتفي القصد الجنائي لديه ، ومجرد الجهل بالحقيقة غير كاف لتوافر القصد الجنائي لدى الجاني اما في حالة كون الجاني يعلم بالحقيقة ولكنه يجهل انه بفعله يغيرها فلا يعد القصد متوافر لديه ايضاً ، ولا يكفي الاهمال وان كان جسيماً في تحري الحقيقة مقام العلم الفعلي بها ، فلا يكفي لاثبات القصد القول بان المتهم كان بإمكانه ان يتحرى الحقيقة(5). فالجاني يجب ان يكون عالماً بانه بفعله يغير الحقيقة وان هذا التغيير ينصب على ختم ، لكي يتحقق العنصر الثاني للقصد العام وبالتالي يتحقق القصد الجنائي اذ لا يقوم هذا الركن الا بتوافر عنصري العلم والإرادة وفي كل مرحلة من مراحل الجريمة.

المحل القانوني لجريمة تزييف الاختام :
المحل القانوني للجريمة هي المصلحة التي يهدف المشرع حمايتها من وراء نصه على تجريم الاعتداء عليها . وتعد جرائم التزييف والتزوير من الجرائم المهمة وذلك كونها تلحق الضرر ليس بمصلحة واحدة ومحددة فقط وانما تضر بمصالح متعددة(1). وجريمة تزييف الأختام من جرائم التزييف . ولا بد لنا من تحديد المصلحة المحمية فيها لكي نتمكن من الوصول الى المحل القانوني الذي قصد المشرع حمايته من وراء تجريم تزييف الأختام وتغيير الحقيقة فيها . وبتطبيقنا الاحكام العامة في التزوير والتزييف نلاحظ ان المصلحة التي قصد المشرع حمايتها والتي كانت محلاً للجدل بين فقهاء القانون الجنائي تدور حول ثلاثة محاور وهي المساس بادلة الاثبات والثقة العامة والمصلحة الخاصة المرتبطة بالختم . فيرى جانب من الفقه ان التزييف والتزوير لا يمكن عزلهما عن فكرة الاثبات لان فكرة الاثبات مجرد ضابط لفكرة الثقة العامة او هي نتيجة من نتائجها وهذا جانب متأثر بنظرية الاستاذ ( جارو ) في هذا الصدد ففكرة الاثبات مرتبطة بالتزييف والتزوير الا انه ارتباطاً غير مطلق . فيرى اصحاب هذا الراي ان التزييف الواقع على الأختام يعد عدواناً على أدلة الاثبات .(2) ويؤخذ على هذا الرأي ان العدوان يكون على ثقة وضعها الناس في الأختام ألجأتهم اليها ضرورات الحياة وليس عدواناً على ادلة الاثبات كما ان فكرة الاثبات وارتباطها بالتزييف والتزوير وتطبيقها وتقريبها من فكرة المحل القانوني للجريمة يكون اقرب من جريمة تزوير المحررات منه من جريمة تزييف الأختام اذا ما اخذ بهذا الرأي.(3) ويرى جانب اخر من الفقه والذي يمثل الغالبية ان المصلحة المحمية في جريمة تزييف الأختام هي الثقة العامة وتمثل محل الحماية القانونية للجريمة ، وتتمثل الثقة العامة في شعور عام تفرضه طبيعة الحياة الاجتماعية التي توجب على افراد المجتمع ان يضعوا قدراً من الثقة في امور معينة حتى ينتظم سير الحياة في ارجائه . (4) ويلاحظ ان اكثر التشريعات او معظمها قد اعتمدت هذا الاتجاه وعدت الثقة العامة هي محل الحماية القانونية لجريمة تزييف الأختام ، ومن هذه التشريعات التشريع الفرنسي والتشريع اللبناني والتشريع المصري والتشريع الاردني والتشريع العراقي … ويرى الجانب الثالث من الفقه ان المصلحة التي يقصد المشرع حمايتها هي المصلحة المرتبطة بالختم أي ان تغيير الحقيقة في الأختام يعد مساساً بهذه المصلحة وإخلالاً بها ، وبذلك يمكن اتخاذها أساساً وعلة للتجريم في جريمة تزييف الأختام(5). وقد استقر الفقه والقضاء الفرنسيان على ان التزوير والتزييف يلحق الضرر بمصلحة تغاير الثقة العامة ويقصدان بذلك المصلحة المرتبطة بالختم(6). وحصيلة القول ان التزييف في الأختام من الجرائم التي تنطوي على مساس بأكثر من مصلحة قانونية وأولى هذه المصالح هي الثقة العامة والتي تتميز بالثبات في جميع صور التزييف والتزوير ، وثانيهما هي المصلحة المرتبطة بالختم المزيف والتي تتسم بالتغير من حال الى اخرى بحسب تغير جهتها وحماية المشرع لها ، ويتحقق العدوان على هاتين المصلحتين بتحقق الجريمة بكافة اركانها وتتمثل بشكل اساسي بتحقق الضرر او احتمال تحققه والمتمثلة بالنتيجة التي تترتب على فعل الجاني(7). يتضح لنا مما تقدم ان المصلحة المعتبرة في تجريم تزييف الأختام والتي تعد المحل القانوني للجريمة هي الثقة العامة ، ويلاحظ ان المشرع ينتقي المصلحة محل الحماية القانونية ويضفي عليها حمايته القانونية على اساس انها مصلحة متميزة وذات اهمية ، وهذا يسهل على المشرع تحديد الافعال التي تمس المصلحة المحمية ، كما ان المشرع يفاوت في الحماية بين مصلحة واخرى بالرغم من حمايته لها في نص واحد ويرجع السبب في هذا التفاوت في الحماية القانونية الى تفاوت اهمية كل مصلحة عن الاخرى ، فالتزييف مثلاً يحمي بالدرجة الأولى الثقة العامة وفي الدرجة الثانية يحمي المصلحة المرتبطة بالختم وهي مصلحة الجهة صاحبة الختم والمقصود بذلك مصلحة الجهة الخاصة صاحبة الختم او اختام الافراد العاديين(8).

8- يتعلق هذا الامر بالتشريعات التي اضفت الحماية القانونية على الأختام الغير حكومية ومنها التشريع العراقي اما اختام الافراد العاديين فيلاحظ ان قانون الجزاء الكويتي هو الوحيد الذي أضفى الحماية القانونية على اختام الافراد العاديين اما القانون العراقي فلم يضفي حمايته القانونية على هذا النوع من الأختام وانما اخذ بهذا النوع من الأختام في جانب محدد وضيق جداً وهو بالنسبة لاختام المعوق في كلتا يديه والمصدق امام شاهدين وعند كاتب عدل فاخذ به في الاثبات فقط واعترف به في هذا الجانب فقط ودون اضفاء الحماية الجنائية عليه بشكل واضح وصريح .

المحل المادي لجريمة تزييف الاختام :
المحل المادي للجريمة هو الشيء الذي ينصب عليه سلوك الجاني . أي يجب ان يكون شيئاً مادياً تدركه الحواس ويتميز بان له مظهراً طبيعياً ، ومثال ذلك الشخص الادمي في جريمة القتل والشيء المنقول في جريمة السرقة والمحرر في جريمة تزوير المحررات والختم في جريمة تزييف الأختام ، أي ان المحل المادي يمثل موضوع الجريمة الذي يقع عليه السلوك الاجرامي ، والمحل المادي قد يتطلب لتوافره شروط وعناصر معينة تميزه وتحدده عن غيره من الاشياء التي تمثل محلاً مادياً لجريمة اخرى ، فكل محل مادي يتطلب لتوافره تحقق شروط معينة تحدده بشكل واضح عن أي شيء اخر(1). والمحل المادي في جريمة تزييف الأختام هو الختم . ولكن ليس كل ختم يعد محلاً مادياً لجريمة تزييف الأختام ولكن لابد من توا فر شروط معينة في الختم لكي يعد محلاً مادياً للجريمة ، والتشريعات لم تحدد هذه الشروط بشكل صريح الا انه بالامكان استنباطها وتحديدها ، فضلاً ان التشريعات اختلفت في بيانها للاختام التي ترى ضرورة اضفاء الحماية الجنائية عليها ، … وعلينا تحديد شكل المحل المادي وذلك كونه يتميز بان له مظهراً طبيعياً تدركه الحواس فضلاً عن الشروط الواجب توافرها في المحل المادي حتى يمكن اعتباره محلاً يمكن ان ينصب عليه السلوك الاجرامي .أما بالنسبة لشكل المحل المادي والذي هو الختم فيجب ان يكون ذا شكل معين أي يجب ان يكون الختم قد افرغ وصنع بشكل معين متضمناً مع ذلك كتابة او رموزاً او علامات تكوَّن عند اجتماعها معنى معين يفهمه ويدركه الغير لدى النظر اليه ويدل بذلك على انه ختم ويمكن من خلال شكله معرفته وادراكه باحدى الحواس أي سواء بالنظر او اللمس ، وليس من الضروري ان يكون للختم شكل معين بحيث ينطبق على جميع الأختام وانما قد يكون شكل الختم دائرياً او مثلثاً او مربعاً او غير ذلك ، وقد يكون الختم مصنوعاً من الحديد او الخشب او النحاس وما الى ذلك فلا عبرة بنوع المادة التي يصنع منها الختم وانما يكفي ان يكون مصنوعاً من مادة يمكن من خلالها ان يتخذ الختم شكلاً معيناً يمكن من خلاله القيام بدوره ويحقق الغرض الذي اعد من اجله(2). والمهم هو ما يتضمنه الختم أي موضوعه فلا عبرة بالمادة التي يصنع منها لانها تمثل الوعاء بالنسبة لمضمون الختم وبذلك لا تعد عنصراً فيما يحتويه فكذلك مادة الختم التي يصنع منها لا تدخل كعنصر فيه ولذلك لا تلازم بين التغيير في مادة الختم وتغيير الحقيقة التي ينطوي عليها ، فقد يقع التغيير في مادة الختم ولا يؤثر ذلك على مضمون الختم وما يحتويه فلا يكون في هذا الامر تزييفاً كما هو الحال بالنسبة لقطع او اتلاف جزء من الختم ودون ان يحدث ذلك مساساً لمضمونه وما يحتويه من عبارات او رموز ، فقد يقع التزييف على المضمون ويتغير وتبقى المادة سليمة وعندئذ يقع التزييف(3). ولا يشترط لصحة الحكم بادانة الجاني الذي زيف الختم ان يكون الختم موجوداً امام المحكمة فبالرغم من ان المحل المادي لجريمة تزييف الأختام هو الختم والذي يجب ان ينصرف سلوك الجاني نحو تغيير الحقيقة فلا يشترط ان يكون موجوداً امام المحكمة لكي تحكم بادانة المتهم ، فقد يتلفه المتهم او يخفيه فلا يتسنى للمحكمة ان تطلع عليه مما يؤدي الى عدم الحكم بادانة المتهم وبذلك لا يترتب على وجود الختم المزيف من عدمه عدم ثبوت التزييف في الختم ، اذ بالامكان اقامة الدليل على حصول التزييف ونسبته للمتهم مع عدم وجود الختم المزيف امام المحكمة ، فاذا اقتنعت المحكمة بحصول التزييف في الختم وتيقنت من قيام المتهم بذلك التزييف حكمت بادانته بالرغم من عدم وجود المحل المادي للجريمة (4). والقانون يهدف من وراء حماية الأختام والعقاب على تزييفها كونها تعد اداة ذات اهمية درج استعمالها بشكل واسع حماية الثقة التي توضع فيها ، فهذه الثقة هي المقصودة من وراء حماية المشرع للاختام ، وهذه الأختام لا بد من تحقق شروط معينة فيها حتى يمكن ان يضع الافراد ثقتهم بها وبالتالي تتحقق حماية القانون لها ، اذ ان التزييف المعاقب عليه هو الذي يقع في ختم يتمتع بقوة الاثبات أي ختم صالح لا ثبات حق او صفه او حالة قانونية فيجب ان يقع التزييف في ختم يمكن ان تنشأ عنه عقيدة مخالفة للحقيقة لدى الاشخاص الذين يقدم اليهم ، فالختم لا يمكن ان تتحقق فيه جريمة تزييف الأختام ما لم تكن في الختم قدرة على الاقناع أي ان له قوة او قابلية اثبات ، فمتى ما كان للختم قابلية اثبات حق او حالة قانونية معينة توفرت فيه قوة الاثبات ، والتي تعد الشرط الاول الواجب توافره في الختم لكي يمكن اعتباره محلاً مادياً للجريمة ويجب اضفاء الحماية الجنائية عليه(5). وشرط قوة الاثبات في الختم لا يكفي لوحده لكي يعد الختم محلاً مادياً لجريمة تزييف الأختام وانما يجب ان يتوافر الى جانبه شرط ثاني وهو الاثر القانوني للختم فيجب ان تكون هناك اهمية قانونية يتضمنها الختم ، أي ان يعلق القانون اهمية على الحق او الصفة او الحالة القانونية التي يملك الختم القدرة على اثباتها ، فلا يمكن العقاب على تزييف ختم ليس هناك اهمية قانونية بالنسبة لما يمكن اثباته به وقائع وحالات قانونية. يجب ان يترتب على الوقائع والحالات والصفات او الحقوق القانونية التي يمكن للختم اثباتها اثاراً قانونية ، فلا يكفي بذلك تحقق قوة الاثبات في الختم ولكن يجب ان يتحقق الى جانب ذلك اثراً قانونياً للختم

النتيجة الجرمية لجريمة تزييف الاختام :
النتيجة الجرمية هي ” ذلك التغيير في العالم الخارجي والذي يترتب على السلوك الاجرامي ويدخله المشرع في اعتباره عند التجريم “(1). وبذلك يكون للنتيجة مدلولان ، مدلول مادي والذي هو التغيير في العالم الخارجي والذي يكون تغييراً محسوس ويمكن ادراكه ، ومدلول قانوني والذي هو التغيير الذي يعد موضع اعتبار المشرع عند تجريم السلوك الاجرامي الذي ترتب عليه التغيير في العالم الخارجي أي المدلول المادي للجريمة(2). فالنتيجة الجرمية في جريمة تزييف الأختام تكون بتغيير الحقيقة في الأختام والذي يكون اما بتقليد اختام واصطناعها او بادخال تعديل او اضافة او حذف فيها يؤدي الى تغيير الحقيقة فيها ، فتكون النتيجة الجرمية للجريمة متمثلة بتغيير الحقيقة في الأختام والتي تكون كأثر للسلوك الاجرامي الذي يكون متحققاً اما بالتزوير او التقليد ، فالتغيير الذي حدث في العالم الخارجي يجب ان يكون من شأنه تغيير حقيقة الأختام حتى تعد النتيجة الجرمية لجريمة تزييف الأختام متحققة بمدلوليها المادي والقانوني وذلك لان هذين المدلولين يعدان متلازمان ومترابطان لكي يمكن اعتبار النتيجة الجرمية متحققة بالشكل الذي تعد فيه كعنصر مستقل في الركن المادي للجريمة (3). فعنصر النتيجة الجرمية في جريمة تزييف الأختام يتمثل بتغيير مادي في العالم الخارجي يحدث في الأختام من شأنه تغيير الحقيقة فيها على وجه يعده المشرع نتيجة جرمية للسلوك الاجرامي . وتغيير الحقيقة في الأختام يجب أن يكون معاصراً وملازماً لوقت مباشرة السلوك الاجرامي فلا يتصور ان يتأخر ويتراخى لوقت لاحق وبعيد عن وقت تمام(4)السلوك الاجرامي . وجرائم التزييف والتزوير تتطلب ان يكون تغيير الحقيقة فيها من شأنه احداث ضرر ، فيعد الضرر عنصراً أساسياً لا بد منه لوجود وتحقق تلك الجرائم ، وقد اختلف شراح القانون الجنائي في مواقفهم بالنسبة لعنصر الضرر وتوافره في الجريمة ، فيرى الجانب الاول ان الضرر له اهمية كبيرة في الجريمة بحيث لا بد من دراسته باعتباره ركناً مستقلاً فيها يترتب على تخلفه عدم قيام الجريمة ، بينما يرى اصحاب الجانب الثاني ان الضرر عنصر من عناصر الركن المادي للجريمة ولا يمكن اعتباره ركناً مستقلاً فيها وبذلك لا يترتب على عدم تحققه عدم قيام الجريمة(5). ويرى أصحاب الجانب الثالث ان الضرر مجرد اثر يترتب على تغيير الحقيقة التي تمثل النتيجة الجرمية للجريمة(6). وجريمة تزييف الأختام من جرائم الخطر ، فمجرد تمام السلوك الاجرامي فيها يعني تحقق نتيجتها الجرمية ، ولا يشترط تحقق الضرر لتمام الركن المادي لجريمة تزييف الأختام وذلك لانها من جرائم الخطر فضلاً عن كونها من الجرائم الوقتية والتي تتم بمجرد تمام السلوك الاجرامي وبناءاً على ذلك فمجرد احتمال وقوع الضرر يكون كافياً للعقاب على تزييف الأختام(7). ولا بد ان تكون النتيجة الجرمية متحققة نتيجة لسلوك الجاني ، أي لا بد من وجود وتحقق علاقة السببية التي يراد بها الصلة التي تربط ما بين السلوك الاجرامي والنتيجة الجرمية كرابطة العلة بالمعلول ، بحيث تثبت ان السلوك الاجرامي الذي اقترفه الجاني هو الذي ادى الى حدوث وتحقق النتيجة الاجرامية ، ولعلاقة السببية اهمية كبيرة فهي التي تربط بين عنصري الركن المادي للجريمة وتحقق بذلك وحدته وكيانه وبالتالي لا يتحقق الركن المادي ولا يقوم بشكل متكامل بدونها ، ويترتب على ذلك في حالة انتفاء علاقة السببية بين السلوك الاجرامي والنتيجة الجرمية فان مرتكب السلوك في هذه الحالة لا يسأل الا عن الشروع في الجريمة التي اراد تحقيقها(8). يتبين لنا من ذلك انه لا بد ان يكون تغيير الحقيقة في الأختام والذي يعد النتيجة الجرمية في جريمة تزييف الأختام متحققاً نتيجة لسلوك الجاني الذي قام بفعل التزييف ، اذ يجب ان يكون السلوك الاجرامي وهو فعل التزييف هو السبب في تحقق النتيجة الجرمية والتي هي تغيير حقيقة الأختام ، فاذا كانت النتيجة الجرمية متحققة ولكنها لم تكن بسبب سلوك الجاني وانما نتيجة لسلوك غيره ، فانه لا يسأل الا عن الشروع في جريمة تزييف الأختام لان النتيجة الجرمية لم تتحقق نتيجة لسلوك الجاني وبذلك تنتفي علاقة السببية بين سلوك الجاني والنتيجة الجرمية .

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك

بحث قانوني عن جريمة تزييف وتزوير الأختام وفقاً لأحكام قانون العقوبات العراقي