يضمن المؤجر للمستأجر التعرض له في الانتفاع بالعين المؤجرة ويأتي هذا الضمان منسجماً مع التزام المؤجر بضرورة تمكين المستأجر في الانتفاع بالعين المؤجرة في مقابل الأجرة التي يدفعها المستأجر. ويضمن المؤجر التعرض الصادر منه شخصياً أو من أحد اتباعه، سواء كان تعرضاً مادياً أو تعرضاً مبنياً على سبب قانوني. كذلك يضمن التعرض الصادر عن الغير إذا كان مبنياً على سبب قانوني، ولا يضمن التعرض المادي إلا إذا اتفق على خلاف ذلك. وقد تناول المشرع العراقي ضمان التعرض والاستحقاق في المواد: 753، 754، 755. وحينما لا نجد نصاً قانونياً بشأن أمر معين في هذا المجال يمكن الرجوع إلى الأحكام الخاصة بعقد البيع بشرط أن يكون ذلك متفقاً مع طبيعة عقد الايجار المعروفة لدينا. في ضوء ما تقدم سنعرض في مطلبين متعاقبين لدراسة ضمان التعرض الصادر من الغير.

المطلب الأول : ضمان التعرض الصادر عن المؤجر

نصت المادة (753) من القانون المدني العراقي على أنه ((1-لا يجوز للمؤجر أن يتعرض للمستأجر في استيفائه المنفعة مدة الاجارة ولا أن يحدث فيث المأجور تغييراً يمنع من الانتفاع به أو يخل بالمنفعة المعقود عليها.

2ـ ولا يقتصر ضمان المؤجر على الأعمال التي تصدر منه أو من أتباعه بل يمتد هذا الضمان إلى كل تعرض مبني على سبب قانوني يصدر من أي مستأجر آخر أو أي شخص تلقى الحق عن المؤجر)). كما نصت المادة 23/ الفقرة (7) من قانون ايجار العقار رقم 87 لسنة 1979 على ما يلي:

عن خمسمائة دينار ولا تزيد عن ألف دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل ((يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنتين وبغرامه لا تقل مؤجر تعرض للمستأجر في الانتفاع بالمأجور دون وجه حق.)).

يتضح من هذه النصوص أن المؤجر ممنوع عليه التعرض الشخصي للمستأجر سواء كان تعرضاً مادياً أم قانونياً ويعتبر من صور لتعرض القانوني أن يدعي المؤجر بحق على العين بحيث يمنع المستأجر من الانتفاع بها. فإذا لم يكن المؤجر مالكاً للمأجور وتملكه بعد الاجارة فلا يستطيع أن يستند إلى حق الملكية الذي إليه لينزع المأجور من تحت يده المستأجر(1). ومن ذلك أيضاً أن يظهر حق ارتفاق على الأرض المؤجرة لأرض أخرى مجاورة لها، ثم تؤول هذه الأرض بالميراث إلى المؤجر فيحاول استناداً إلى ملكية الأرض المجاورة أن يباشر حق الارتفاق على العين المؤجرة في الأمثلة السابقة أن يخرج المستأجر من العين أو يخل بانتفاعه بها، لأنه ضامن لحق المستأجر في الانتفاع، ولا يجوز الاسترداد لمن وجب عليه الضمان، إذ أن الضمان والاسترداد لا يجتمعان(2). أما التعرض المادي فهو أي فعل يعطل به المؤجر استعمال المستأجر للمأجور دون أن يستند في هذا إلى حق قانوني يبيح له ذلك. فإذا أراد أن يحدث في المأجور تغييراً مادياً يخل بالانتفاع من دون ضرورة فإن هذا يعتبر تعرضاً مادياً يمنع المؤجر من اجراءه. ومن صور التعرض المادي كذلك أن يطلق المؤجر مواشيه للرعي في الأرض المؤجرة والقاؤه الأوساخ من الطابق الأعلى الذي يسكنه شخصياً على الطابق الأسف المؤجر.

وكذلك تأجير العين المستأجر آخر أو التنازل عن حق ـ الانتفاع فيها. وقد ثار الخلاف الفقهي بالنسبة لمنافسة المؤجر للمستأجر في مزاولة حرفة أو مهنة معينة، وهل يعتبر هذا صورة من صور التعرض المادي أم لا؟ يرى البعض أن الأصل في ذلك حرية المالك في استعمال ملكه كيف شاء، فإذا أجر لشخص شيئاً لينتفع به انتفاعاً معيناً فإن هذا لا يمنع أن ينتفع هو الآخر بملكه كانتفاع المستأجر بالمأجور، فالذي يؤجر دكاناً لآخر لا يمتنع عليه أن يزاول نفس المهنة التي يزاولها المستأجر في دكان ملاصق للدكان المستأجر. ولكن بعض الشراح يذهب إلى أن المؤجر لا يستطيع ممارسة انتفاع مشابه لانتفاع المستأجر بالمأجور في نفس الجهة وإلا اعتبر متعرضاً له. ولكن الراجح هنا أن المؤجر يضمن عدم منافسة المستأجر إذا تعهد له بذلك صراحة أو ضمناً، وهو أي (المؤجر) يضمن عدم المنافسة التي لا يقصد بها سوى الاضرار بالمستأجر لأن في ذلك اساءة لاستعمال الحق وهو ما نؤيده كذلك(3). وضمان المؤجر لتعرضه الشخصي لا يقتصر على فعله هو بل يشمل جميع الأفعال التي قد تصدر من أتباعه وهو ما أشارت إليه الفقرة الثانية من المادة (753) مدني عراقي.

والقانون وإن لم يحدد معنى التابع. إلا أن المتفق عليه هو أن معنى التابع هذا أوسع من معنى التابع في المسؤولية التقصيرية، فالأتباع الذين يسأل عنهم المؤجر أكثر من الأتباع الذين يسأل عنه في المسؤولية التقصيرية(4) ويعتبر من اتباع المؤجر الوكيل والولي والوصي والقيم أي كل من ينوب عن المؤجر نيابة اتفاقية أو قانونية أو قضائية. ويعتبر من الاتباع كذلك الخلف الخاص للمؤجر وخلفه العام كما ويعتبر من الاتباع مستخدمو المؤجر وعماله والأصدقاء والضيوف والخدم وأفراد العائلة(5). ويشترط لقيام ضمان المؤجر عن فعل من يسأل عنهم أن يقع الفعل من أحدهم بحكم ماله من صلة بالمؤجر وإلا فإنه لا يضمنه فإذا منع وكيل المؤجر أو عامله أو البواب المعين من قبله المستأجر من دخول العين المؤجرة أو حال دون استقبال زائريه أو دونه وصول خطاباته ورسائله أو لو سرق البواب أمتعة المستأجر أو اشترك في سرقتها، اعتبرت هذه الأعمال تعرضاً صادراً من المؤجر شخصياً وتستوجب ضمانة، أما إذا عهد المستأجر إلى بواب المنزل ادارة أمواله في أثناء غيابه فبدد البواب هذه الأموال أو أتلفها لم يضمن المؤجر ذلك، لأن هذا العمل قد جرى بالنظر إلى صفة البواب الشخصية، وليس بصفته من أعوان المؤجر في تنفيذ التزامه.

المطلب الثاني : ضمان التعرض الصادر من الغير

لا يقتصر ضمان المؤجر على الأعمال الصادرة منه أو من أحد أتباعه، بل يمتد هذا الضمان إلى الأعمال الصادرة من الغير بشرط أن تكون مبنية على سبب قانوني، فهو لا يضمن التعرض المادي من الغير بخلاف التعرض الشخصي الصادر منه، فهو ضامن له سواء كان قانونياً أو مادياً. ويستوي لقيام التعرض القانوني أن يحصل عن طريق فعل مادي يستند فيه المدعي إلى حق يدعي وجوده على المأجور كأن يبني في الأرض المؤجرة أو يزرعها مدعياً ملكيتها، أو أن له حق انتفاع أو حق ايجار، أو أن ينصب التعرض في شكل دعوى يرفعها المدعي طالباً ثبوت حق له مما يخل بانتفاع المستأجر. ولا يهم كون الحق غير قائم على أساس قوي فيستوي لقيام التعرض أن يكون قائماً على أساس ما أو لا أساس له على الاطلاق، ويستوي كذلك أن يكون الحق المدعى به حقاً عينياً أو شخصياً. ففي كل هذه الأحوال تقوم مسؤولية المؤجر عن التعرض الصادر من الغير، وإلى ذلك أشارت المادة (754) مدني عراقي بقولها: ((ولا يقتصر ضمان المؤجر على الأعمال التي تصدر عنه أو من أتباعه بل يمتد ـ هذا الضمان إلى كل تعرض مبني على سبب قانوني من أي مستأجر آخر أو من أي شخص تلقى الحق عن المؤجر))(6). وإذا حصل تعرض للمستأجر من الغير وجب عليه أن يبادر إلى أخطار المؤجر بذلك لكي يقوم بواجبه في دفعه، ولم يستلزم القانون شكلاً خاصاً لهذا الاخطار كذلك لم يحدد القانون موعداً يجب أن يتم الاخطار خلاله، ولكنه أوجب أن يقوم المستأجر بالإخطار في وقت ملائم يسمح للمؤجر بأن يدافع عن حقوقه وأن يباشر واجبه في دفع التعرض. فإذا لم يقم المستأجر بإخطار المؤجر بحصول التعرض، أو تأخر في هذا الاخطار فإنه يتحمل نتائج تقصيره وعلى ذلك فإذا ثبت المؤجر أنه كان في امكانه أن يدفع التعرض لو اخطر به في الوقت الملائم، فلا يكون للمستأجر أن يرجع عليه بالضمان إذا فقد حقاً من الحقوق التي له على العين المؤجرة، بل أن للمؤجر فيهذه الحالة أن يطالب المستأجر بتعويض ما لحقه من ضرر نتيجة لنجاح المتعرض في تعرضه، كما لو وضع شخص يده على العين المؤجرة مدعياً أنه مالكها، فلم يخطر المستأجر المؤجر بذلك بل اكتفى بترك العين للمتعرض، فقد المؤجر بذلك حيازتها التي لم يكن له سواها سنداً لملكيته أو تملكها المتعرض بالتقادم المكسب.

أما لو ثبت أن المتعرض كان لا بد أن ينجح في دعواه ولو قام المستأجر بإخطار المؤجر في الوقت المناسب، أو كان المؤجر يعلم بالتعرض رغماً عن عدم اخطاره به، فإن عدم قيام المستأجر بالإخطار أصلاً، أو تأخره فيه لا يؤثر على حقه في الرجوع على المؤجر بالضمان(7). وعلى كل حال فإن نتيجة الدعوى أما أن تكون في صالح المؤجر وفي هذه الحالة يثبت الحق للمستأجر في المأجور كما هو. وأما أن يكسب المدعي هذه النتيجة فيترتب لذلك ضمان الاستحقاق على المؤجر فيستطيع المستأجر أن يطالبه بالفسخ أو بانقاص الأجرة على حسب ظروف الدعوى التي أقامها مدعي الاستحقاق وبحسب نتيجة هذه الدعوى، فإذا زال الانتفاع تماماً أمكن الفسخ، وكذلك إذا نقص هذا الانتفاع بشكل كبير، أما إذا كان مقدار ما أصاب المأجور من الاستحقاق مما يقلل من الانتفاع بحيث لا يعيق المستأجر عن ممارسة الانتفاع بصورة جدية. فإنه (أي المستأجر) يستطيع أن يطالب بانقاص الأجرة بنسبة ما نقص من انتفاعه. ويثبت له في كل الأحوال مطالبة المؤجر بالتعويض عن الأضرار التي أصابته نتيجة للفسخ ونتيجة للتعرض الحاصل من مدعي الاستحقاق وذلك إذا أثبت على المؤجر أي خطأ أو اهمال بسبب مسؤوليته عن التعرض والاستحقاق( 8). أما بالنسبة للتعرض المادي فلا يضمنه المؤجر حيث لا علاقة له به. ويشترط لذلك أن يكون المتعرض من الغير، وأن يقع هذا التعرض بعد تسليم العين المؤجرة إلى المستأجر، لأن المؤجر طبقاً لالتزامه بالتسليم، عليه أن يدفع التعرض الواقع قبل التسليم ولو كان تعرضاً مادياً. ويشترط أن يكون التعرض مادياً لا يقوم على اي سبب قانوني يدعيه الغير، كأن يرسل الغير ماشيته ترعى في الأرض المؤجرة دون أن يدعي حقاً في ذلك، أو يحرق زراعة المستأجر، أو يسرق منقولات المستأجر دون أن ينسب اهمال إلى المؤجر أو تابعيه في ذلك، أو يحدث اعتداء على العين المؤجرة. والحكمة من عدم ضمان المؤجر لهذا التعرض أنه لا يمكن أن ينسب إليه باي شكل، وقد يكون هو ضحيته إذا حدث اتلاف العين المؤجرة بسبب التعرض، بل قد يكون هو ضحية المستأجر، إذا كان التعرض بسبب خلافات بين المستأجر والمتعرض(9). وقد أشارت المادة (755) مدني عراقي إلى حالة من حالات التعرض المادي الصادر من الغير بالقول:

1ـ إذا غصب المأجور ولم يتمكن المستأجر من رفع يد الغاصب، جاز أن يطلب فسخ العقد أو انقاص الأجرة.

2ـ فإذا قصر في رفع يد الغاصب، وكان ذلك ممكناً ولم ينذر المؤجر بوقوع الغصب فلا تسقط عنه الأجرة. وله أن يرفع على الغاصب الدعوى بالتعويض).

إن الحق الذي يعطيه هذا النص للمستأجر في طلب الفسخ أو انقاص ـ الأجرة ليس أساسه مسؤولية المؤجر عن ضمان التعرض فالمؤجر غير مسؤول عن ضمان التعرض المادي الصادر من الغير وإنما أساه تحمل المؤجر لتبعة حرمان المستأجر من الانتفاع بالمأجور، فحيث يحرم المستأجر بسبب لا يد له فيه من الانتفاع بالمأجور كالغصب الذي لا يتمكن المستأجر من دفعه أو هلاك المأجور أو لغير ذلك من الأسباب، فإن الذي يتحمل تبعة ذلك هو المؤجر لا المستأجر ويتمثل تحمله لهذه التبعة في حق المستأجر في طلب فسيخ الايجار أو انقاص الأجرة دون أن يكون له حق في التعويض لأن التعويض جزاء للمسؤولية عن الضمان ولا محل لهذا الجزاء في تحمل تبعة الحرمان من الانتفاع بالمأجور وهذه القاعدة أساسها أن الأجرة تقابل بالانتفاع فإذا زال هذا الانتفاع أو نقص وجب الفسخ أو انقاص الأجرة. غير أن يجب على المستأجر أن يبادر إلى اخطار المؤجر بكل أمر يستوجب تدخله كاغتصاب المأجور مثلاً أو احداث ضرر فيه حتى يتمكن هذا من دفع الضرر المتسبب عن هذا التعرض للمأجور وإلا كان المستأجر مسؤولاً عن تعويض المؤجر عن الضرر الذي تسبب عن هذا التقصير وفقاً للقواعد العامة، ولا يستطيع المستأجر في هذه الحالة من باب أولى أن يطالب بفسخ الايجار أو انقاص الأجرة إذا كان قد قصر في دفع التعرض بالرغم من تمكنه من ذلك، ولكن يبقى حق المستأجر بالرجوع على المتعرض بالتعويض ثابتاً بصراحة نص الفقرة الثانية من المادة (755). وأساس المطالبة بالتعويض هنا هو قواعد المسؤولية التقصيرية كما يجوز للمؤجر أيضاً بموجب هذه القواعد الرجوع على المتعرض عما أصابه من ضرر بسبب تعرضه(10).

الاتفاق على تعديل أحكام الضمان

إن جميع القواعد المتقدمة المتعلقة بضمان التعرض لا تعتبر من النظام العام بل تعتبر مفسرة لإرادة المتعاقدين، حيث يجوز الاتفاق على خلافها تشديداً أو تخفيفاً أو اعفاءً. فيجوز أن يتفق المؤجر مع المستأجر على ألا يضمن إلا نوعاً معيناً من التعرض أو أن لا يضمن إلا التعرض المبني على سبب قانوني الصادر من أجنبي عنه كما أنه يصح أن يشترط عدم ضمانة لتعرضه الشخصي مثلما يصح أن يشترط المستأجر على المؤجر ضمان الأخير لكافة أنواع التعرض بما في ذلك التعرض المادي الصادر من الغير. ولكن المادة (759) من القانون المدني العراقي قيدت ذلك بالقول: ((يقع باطلاً كل اتفاق يتضمن الاعفاء أو الحد من الضمان التعرض… إذا كان المؤجر قد اخفى عن غش سبب هذا الضمان))(11) ويأتي هذا النص تطبيقاً للقواعد العامة التي تقضي بأن الغش يفسد كل شيء والاتفاق على الاعفاء من الغش غير جائز لأنه مخالف للنظام العام.

____________________

1- د. الصراف ـ المصدر السابق ـ ص372، د. العامري ـ نفس المصدر ـ ص247.

2- السنهوري ـ ص303، تناغو ـ ص159.

3- د. الصراف ـ ص372.

4- لاحظ المواد 918، 219 مدني عراقي.

5- د. ثروت ـ المصدر السابق ـ ص194.

6- د. الصراف ـ 375.

7- د. شنب ـ 157.

8- انظر المادة (754) مدني عراقي. د. الصراف ـ ص375 ـ 376.

9- انظر في ذلك: د. تناغو ـ ص178. د. السنهوري ـ الوسيط ـ ج6 ـ فق 282ـ ص372.

10- د. العامري ـ ص259ـ260.

11- ويطابق هذا الحكم نص المادة 578 من القانون المدني المصري.

اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .

ضمان المؤجر للمستأجر التعرض في الانتفاع بالعين المؤجرة