بحث ودراسة المادة 73 من قانون العمل الجزائري
المقدمة:
يعد العمل أهم عنصر لمعيشة الأفراد، ذلك أنه مصدر رزقهم و قوت أولادهم، و قد شهد عدة تطورات عبر مختلف المراحل التاريخية بدءا من النشاط الفردي لسد الحاجات الشخصية وصولا إلى العمل التابع المأجور، و لقد كانت علاقة العمل في بادئ الأمر قائمة على منطق القوة ثم السيادة المطلقة لمبدأ سلطان الإرادة في التعاقد و سيادة قانون العرض و الطلب لا سيما في بداية القرن 19 بازدياد حجم النشاطات الصناعية و التجارية خاصة مع الثورة الصناعية التي شهدتها أوروبا، و قد ظل العمال لزمن ليس بالقصير بعيدين كل البعد عن كل أشكال الحماية من سوء المعاملة و الاضطهاد و الاستغلال و تدني الأجور، ضف إلى ذلك ظروف العمل السيئة و الصعبة، و كثرة حوادث العمل، مما أدى إلى ظهور الحاجة إلى وجوب تكوين أو إحداث تكتلات عمالية تطالب بحقوق العمال، و هذا عن طريق الضغط على أرباب العمل في رفع مستوى الأجور، و من ثم تحسين وضعية العمال.
و أمام تزايد حدة الصراع بين التكتلات العمالية و أصحاب العمل الذي أصبح يهدد السلم و الأمن الاجتماعي كان لزاما على الدولة ان تتدخل بوضع قوانين تكفل تحقيق التوازن و الإستقرار في مجال العمل، و ثم نشاء قانون العمل الذي توسع مضمونه و نطاقه و تنوعت احكامه ليبعث روح الأمن و الطمأنينة في العلاقة بين العامل و صاحب العمل.
غير أنه و مع ذلك فإن أمر إنهاء تعسف أصحاب العمل في إنهاء علاقة العمل و مساسهم بحقوق العمال ظل نسبيا خاصة في ظل قانون 90/11 الصادر بتاريخ 21 أفريل 1990 و هو ما أدى إلى ضرورة تدخل الدولة من جديد بتعديل قانون 90/11، المتضمن علاقات العمل، و وضع أحكام و قواعد من شأنها أن تنظم حالات انتهاء علاقة العمل و تكفل تحديد الأسباب الجدية لإنهاء علاقة العمل، و ذلك بموجب قانون 91/29 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991 المعدل و المتمم لقانون 90/11 المتعلق بعلاقات العمل.
و في هذا الإطار نشير إلى أن انتهاء علاقة العمل التي تجمع بين المستخدم و العامل، قد تكون بصورة عادية كالاستقالة التي تعتبر حقا للعامل يمارسه متى شاء شريطة أن يقدمها لصاحب العمل في وثيقة مكتوبة، و أن لا يترك منصب العمل إلى بعد انتهاء فترة الإشعار المسبق، و كذا استحالة التنفيذ و العجز الكلي عن العمل و ذلك استنادا إلى الأحكام العامة الواردة في القانون المدني و في تشريع العمل، و سواء كانت استحالة مطلقة أو نسبية مثل في حالة وفاة العامل، إذ تعتبر شخصية العامل محل اعتبار في عقد العمل أو الإحالة على التقاعد، إذ أن هاته الأخيرة تعتبر أحد الأسباب الطبيعية لإنهاء علاقة العمل، و سواء كانت بطلب من العامل أو ساحب العمل، هذا أو بإضافة إلى أنه من بين الحالات العادية لانتهاء علاقة العمل و المذكورة سالفا.
هناك حالات غير عادية تنتهي بموجبها علاقة العمل، إذ قد ينتهي عقد العمل غير المحدد المدة بالبطلان أو الإلغاء القانوني كما ورد في قانون علاقة العمل، كما أنه يمكن أن ينتهي طبقا للقواعد العامة للعقود الملزمة للجانبين، بالفسخ الانفرادي الذي يستند إلى الإرادة الحرة للطرفين.
هذا و قد ينتهي عقد العمل بالتسريح التأديبي أي بسبب ارتكاب العامل خطاء جسيم أثناء العمل أو بمناسبته، و يوجد هذا النوع من التسريح مبرره في حماية مصالح صاحب العمل و عدم الإخلال بالقواعد التي تحكم و تنظم المؤسسة المستخدمة، هذا و لقد كانت عملية تصنيف و تحديد الأخطاء الجسيمة المنصوص عليها في المادة 73 من قانون 90/11 المعدل و المتمم بقانون 91/29 و لازالت موضع خلاف فقهي و قضائي نظرا إلى إختلاف قطاعات العمل و مستوياته، و من تم اختلاف الأحكام القضائية في تكييف الأخطاء المهنية المتأرجحة بين الجسامة و البساطة، و عليه تطرح إشكالية: ماهية التسريح التأديبي، إجراءاته، و أثاره، و كذا متى يعتبر التسريح تعسفيا و ما أثار ذلك؟.
ذلك ما سوف نحاول الإجابة عليه من خلال نص المادة 73 ، و كذا من خلال كتابات القانونيين و الدارسيين لقانون العمل و اجتهادات المحكمة العليا في ذلك، إذ سوف نتطرق في بادئ الأمر إلى التسريح التأديبي و كل ما يتعلق به من إجراءات و آثار هذا في المبحث الأول، و إلى مفهوم و آثار التسريح التعسفي في المبحث الثاني، أما المبحث الثالث فخصصناه إلى سلطة و دور القاضي الإجتماعي في تنفيذ الأحكام.
الخطة المتبعة:
المبحث الأول: التسريح التأديبي مفهومه وآثاره
o المطلب الأول: الخطأ الجسيم كسبب للتسريح التأديبي
الفرع 1: طرق تحديد صور الخطأ الجسيم
الفرع 2: تحليل الأخطاء التي تضمنتها المادة 73 من قانون 90/11 المعدل والمتمم
o المطلب الثاني: إجراءات التسريح التأديبي وآثاره
الفرع 1: إجراءات التسريح التأديبي وآثاره
الفرع 2: آثار مخالفة إجراءات التسريح التأديبي
المبحث الثاني: التسريح التعسفي، عبء إثباته والآثار الناتجة عنه
o المطلب الأول: مفهوم التسريح التعسفي
الفرع 1: متى يعتبر التسريح تعسفيا
الفرع 2: عبء إثبات الإنهاء التعسفي
o المطلب الثاني: الآثار المترتبة عن التسريح التعسفي
الفرع 1: إعادة الإدماج مع الاحتفاظ بالامتيازات المكتسبة
الفرع 2: طلب التعويض
المبحث الثالث: الرقابة القضائية على الإنهاء التعسفي
o المطلب الأول: نطاق الرقابة ودور القاضي
o المطلب الثاني: مدى سلطة القاضي في تنفيذ الأحكام الجماعية
الخاتمة
المبحث الأول: مفهوم التسريح التأديبي و آثاره:
إن من بين الأسباب القانونية التي تؤدي إلى إنهاء علاقة عمل المبرمة بين العامل و المستخدم أي صاحب العمل، هو التسريح التأديبي و الذي يكون نتيجة ارتكاب العامل خطأ مهني جسيم.
و لقد تعرض المشرع الجزائري إلى التسريح التأديبي في كل القوانين المتعاقبة سواء تلك التي ألغيت بموجب القانون رقم 90/11 المتعلق بعلاقة العمل منها الأمر رقم 75/31 المؤرخ في 29/04/1975، المتعلق بالشروط العامة لعلاقات العمل في القطاع الخاص، و القانون رقم 78/12 المؤرخ في 05/08/1978 المتضمن القانون الأساسي العام للعامل، و النصوص التطبيقية له خاصة القانون رقم 82/06 المؤرخ في 27/02/1982 المتعلق بعلاقات العمل الفردية، و كدا المرسوم رقم 82/302 المؤرخ في 11/09/1982 المتعلق بكيفيات تطبيق الأحكام التشريعية الخاصة بعلاقات العمل الفردية.
و حتى يكتمل الحديث عن التسريح التأديبي يجب أولا أن نعرج إلى وضعية النص الذي كان سببا في ظهوره محاولين بذلك مقارنته مع النص الجديد الذي تضمن هذا المفهوم(1).
لقد خولت المادة 73 من القانون رقم 90/11 قبل تعديلها لأصحاب العمل الذين يشغلون أكثر من 20 عامل سلطة إعداد النظام الداخلي الذي يجب أن يعرض لزوما على أجهزة المشاركة أو ممثلي العمال حسب الحالة لإبداء الرأي فيه، ثم إيداعه لدى مفتشية العمل المختصة إقليميا للمصادقة على تطابقه التام للتشريع و التنظيم المتعلقين بالعمل، و ذلك في أجل 8 أيام، و قد جعل المشرع دخول هذا النظام الداخلي حيز التنفيذ مرهون بإيداع نسخة لدى قلم أمانة ضبط المحكمة المختصة إقليميا، مشروطا بضرورة ضمان المستخدم له إشهارا واسعا بين أوساط العمال المعنيين به، وقد نصت المادة 77 من نقس القانون على أنه يشمل النظام الداخلي لزوما القواعد المتعلقة بالتنظيم التقني للعمل، الوقاية و الصحة، الأمن و الانضباط، تحدد طبيعة الأخطاء المهنية و درجات العقوبات المطابقة لها، و إجراءات التنفيذ.
وبناء على كل ما سبق نصت المادة 73 قبل تعديلها على التسريح و قد جاء فيها:
” يتم العزل في حالة ارتكاب العامل أخطاء جسيمة حسب الشروط المحددة في النظام الداخلي، يحدد النظام الداخلي الشروط التي تسمح للعامل المعني الاستفادة من التعويض عن العزل المنصوص عليه في الفقرة السابقة”.
إن ما يلاحظ من خلال هذا النص هو أن المشرع الجزائري خول لأصحاب العمل بموجب الأنظمة الداخلية التي يضعونها سلطة تحديد الخطاء الجسيمة و درجات العقوبات التي يقررونها لها، و هو الأمر الذي أحدث تباينا كبيرا فيما بين المؤسسات، فما تعتبره مؤسسة ما بموجب نظامها الداخلي خطاء جسيم ينجم عنه العزل قد لا يعتبر كذلك في مؤسسة أخرى، و هو الأمر الذي أدى الإخلال بمبدأ المساواة بين العمال و نتيجة للانتقادات التي وجهت إلى هذه المادة تدخل المشرع بموجب قانون 91/22 و قام بتعديل المادة 73 جاعلا الأخطاء الجسيمة محددة على سبيل الحصر، كما غير مصطلح العزل بمصطلح ‘ التسريح التأديبي” و موضحا الإجراءات التي ينبغي إتباعها و مراعاتها عند الإعلان عنه.
و عليه سوف نتناول في المطلب الأول طبيعة الأخطاء الجسيمة باعتبارها سبب للتسريح التأديبي، و في المطلب الثاني الإجراءات و الأثار المترتبة عن التسريح التأديبي بسبب إرتكاب العامل لخطاء جسيم ما.
المطلب الأول: الأخطاء الجسيمة كسبب للتسريح التأديبي:
لم يورد المشرع تعريف الخطاء الجسيم، و إنما حدد صوره في فقرات تعد أكثر شيوعا من الناحية العملية، و لذا سنتعرض إلى بعض التعريفات التي أوردها بعض الفقهاء و الأساتذة، فعرفه الدكتور أحمية سليمان بأنه ” ذلك التصرف الذي يقوم به العامل فيلحق أضرار بمصالح أو ممتلكات صاحب العمل، أو يخالف به إحدى التزاماته المهنية، أو يلحق به خسائر و أضرار إما لصاحب العمل أو العمال الآخرين، مما يجعل استمرار العامل في العمل أمر غير مقبول إما لخطورته و إما بسبب المحافظة على النظام و الاستقرار في مكان العمل(1)، كما عرف الخطاء الجسيم بأنه ” ذلك الانحراف الشديد للعامل في سلوك الرجل العادي و الحريص، متعمدا، مخلفا أضرار جسيمة بالمؤسسة و وسائلها”.
أما محكمة النقض الفرنسية فعرفته بأنه(2): ” خرق العامل الأجير لإلتزاماته الواردة في عقد العمل، أو في النصوص القانونية أو التنظيمية أو المهنية، و التي تجعل استمرارية العلاقة بين العامل و الهيئة المستخدمة مستحيلة، و لقد ذهب المشرع الفرنسي إلى القول بأن التسريح التأديبي الناتج عن الخطأ الجسيم لا بد من أن يكون مقيدا بشرطين أساسين هما: وجود السبب الحقيقي، و السبب الجدي، و التسريح الخالي من هذين السببين يعد تسريحا تعسفيا، فما المقصود بهذين الشرطين؟
أولا: مفهوم السبب الحقيقي(3): لقد عرفه القضاء الفرنسي بأنه ذلك السبب الذي يعد في نفس الوقت موجودا و صحيحا و موضوعيا.
الشرط الأول: أن يكون السبب موضوعيا: يقصد بالسبب الموضوعي السبب الذي لا يكون صادرا عن أهواء صاحب العمل، كأن يدعي بأن العامل ذو سلوك سيء، دون ان يقدم الدليل على التصرفات السيئة المنسوبة إلى العامل، و دون أن يقوم بتحديد المراد بالسلوك السيء، و بالمقابل يعتبر تسريح العامل موضوعيا، إذا كانت تصرفات هذا الأخير مع غيره من العمال غير لائقة. و في هذه الحالة يحق لصاحب العمل تسريح العامل حفاظا على السير العادي و الحسن للمؤسسة.
الشرط الثاني: أن يكون السبب موجودا: إذا كان التسريح يخلو من أي سبب يكون تعسفيا، فإذا إدعى مثلا صاحب العمل عدم كفاءة العامل المهنية بدون أن يقدم مفهوما دقيقا لعدم الكفاءة، أو قدم مفهوما ناقصا بحيث لم يقتنع به قاضي الموضوع اعتبر تسريح العامل تعسفيا، و إذا فصل بائع من منصب عمله لأنه لم يكن موفقا في عمله، أو إذا فصلت ممرضة لأنها لم تكن لها القدرة علي مسايرة عملها، فيجب على قضاة الموضوع أن يبحثوا و يتحققوا، هل فعلا أن النتائج التي توصل إليها البائع كانت غير مرضية؟ و هل أن الممرضة لم تكن فعلا قادرة على ممارسة عملها؟ فإذا توصل القضاة إلى أن النتائج التي حققها البائع كانت معتبرة، و أن الممرضة لم تكن مقصرة في تأدية عملها، كان التسريح تعسفيا لعد وجود السبب الحقيقي.
الشرط الثالث: أن يكون السبب صحيحا: يكون السبب صحيحا إذا كان خاليا من أي نية سيئة، و هو ما ذهب إليه الإجتهاد الفرنسي، في قضية تسريح عاملة بفندق لأخذها ما بقي في صحن الزبائن، غير أن قضاة الموضوع اعتبروا أن مثل هذا التصرف لا يشكل سوى سرقة تافهة بسيطة، و بالتالي لا يعد سببا استند إليه صاحب العمل لتسريح هذه العاملة بينما السبب الحقيقي لهذا التسريح يرجع إلى الشهادة التي أبدتها العاملة المسرحة ضد صاحب العمل في قضية طلاقه لزوجته، و لذلك اعتبر قضاة الموضوع أن تسريح هذه العاملة يعتبر تعسفيا يستوجب التعويض(1).
ثانيا: مفهوم السبب الجدي(2) : لقد عرف وزير العمل الفرنسي السبب الجدي أثناء المناقشة البرلمانية، و قبل التصويت على قانون العمل المؤرخ في 13 جويلية 1973 بأنه ” السبب الذي يكتسي نوعا من الخطورة مما يؤدي إلى الإخلال بعلاقة العمل و من تم استحالة استمرارها، نظرا للضرر الملحق بالمؤسسة”.
– هذا و نتساءل في هذا الخصوص حول إمكانية تنازل صاحب العمل عن التمسك بالخطاء الجسيم و ما أثر ذلك؟
إن تنازل صاحب العمل عن حقه في إنهاء العقد إذا ما ارتكب العامل خطاء جسيما، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى عدم جواز حرمان العمل من مكافأة مدة خدمته و من أجره عن مهلة الإخطار(3) عند انقضاء العقد في الوقت لاحق، و هذا نظرا للارتباط الذي أوجده المشرع بين حق صاحب العمل في إنهاء العقد لارتكاب العامل خطاء جسيما، و حقه في حرمان العامل من أجره عن مهلة الإخطار، و يتأسس هذا الحكم على أن عدم استعمال صاحب العمل لحقه في إنهاء العقد في هذه الحالة، يتضمن تنازلا منه في التمسك بالخطاء الجسيم ذاته، و يفقد صاحب العمل بالتالي الحقوق المترتبة على ارتكاب العامل الخطاء الجسيم.
و يثور التساؤل في هذا الصدد، حول مدى دلالة تأخير صاحب العمل في انهاء العقد على تنازله عن حقه في التمسك بالخطاء الجسيم.
إن القاعدة في هذا الصدد هي أن صاحب العمل بحكم كونه صاحب المصلحة الأولى في المؤسسة، و هو الأقدر على تقدير مدى تأثير خطاء العامل على حسن سير المؤسسة المستخدمة، و على ذلك فإن تأخير صاحب العمل في إنهاء عقد العمل و تسريح العامل يتضمن اعترافا من جانبه بأن هذا الخطاء لا يستحق إنهاء العقد، بناء على عدم تأثيره على حسن سير المنشأة، و يرفع بالتالي صفة الجسامة عن الفعل أو السلوك الخطئ المنسوب إلى العامل و ما سيتتبع ذلك من عدم جواز تسريحه تأديبيا و إلا عد التسريح تعسفيا(4).
و قد تشدد القضاء الفرنسي في هذا الإتجاه، و أوجب أن يكون إنهاء صاحب العمل للعقد فور علمه بالخطاء الجسيم الصادر من العامل، بحيث أن تأخره في إنهائه و لو لأيام قليلة لا يجعل من خطاء العامل جسيما.
و لقد بالغ القضاء في تشدده إلى حد القول بأن صاحب العمل لا يحتفظ لمهلة للتروي بشأن البحث في مصير العقد بعد صدور خطاء جسيم من العامل، فرضا صاحب العمل بتشغيل العامل خلال هذه المدة يفيد عدم إضرار العامل بحسن سير المؤسسة المستخدمة.
و إن هذا التشدد منتقد، كما يرى الدكتور أحمد شوقي محمد عبد الرحمان، إذ كان من الأجدر أن يترك لقاضي الموضوع سلطة تقديرية بشأن تفسير إرادة صاحب العمل من حيث إتجاهها إلى التنازل عن التمسك بالخطاء الجسيم من عدمه، مستعينا في ذلك بالظروف الملابسة لوقوع الخطاء.
و لا يعتد بتأخير صاحب العمل في انهاء العقد، إذ ذلك راجعا إلى الإجراءات التي يتعين على صاحب العمل اتباعها بناءا على أحكام النظام الداخلي للمؤسسة أو القانون.
و عل كل فإن توقيع صاحب العمل جزاءا تأديبيا عل العامل قبل إنهائه للعقد، لارتكابه خطاء معنيا كالوقف عن العمل، فلا يجوز له بعد ذلك التمسك بجسامة هذا الخطاء و المطالبة بحرمان العامل من أجره عن مهلة العطلة، عند إنهائه للعقد في وقت لاحق، ذلك أن توقيع صاحب العمل عقوبة تأديبية على العامل في وقت سابق على إنهاء العقد يتضمن تنازلا من جانبه عن التمسك بالخطاء الجسيم الذي يجيز له حرمان العامل من أجره في مهلة العطلة عند إنهائه للعقد.
ولكن يا ترى ما هي طرق تحديد طبيعة و نوعية الخطاء الجسيم، ذلك ما سوف نتناوله في الفرع الأول من هذا المطلب.
الفرع الأول: طرق تحديد صور الخطاء الجسيم(1): هناك طريقتين التنظيمية و القانونية.
أولا: الطريقة التنظيمية: و نعني بها أنه يتم تحيد طبيعة و نوع الأخطاء الجسيمة عن طريق النظام الداخلي للمؤسسة، و عليه سوف نتطرق بصفة وجيزة إلى تعريف النظام الداخلي و اجراءات وضعه بصفة موجزة.
1- تعريف النظام الداخلي: إن النظام الداخلي له أهمية بما كان في المجال التأديبي، ذلك أنه يترتب على عدم وجوده أو خرق إجراءاته اعتبار التسريح حتى و لو كان قانوني تعسفي، و هو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 02/07/1996 في قضية رقم 41656 – غياب النظام الداخلي يجعل التسريح تعسفيا و يعفي القاضي من الفصل في الموضوع و النظر في القضية.
أما المشرع الجزائري فقد عرف النظام الداخلي في المادة 77 بأنه:” وثيقة مكتوبة يحدد فيها المستخدمة لزوما القواعد المتعلقة بالتنظيم التقني للعمل و الوقاية الصحية و الأمن، و الانضباط، كما يحدد النظام الداخلي في المجال التأديبي طبيعة الأخطاء المهنية و دراجات العقوبات المطابقة و إجراءات التنفيذ(1).
إذن من العناصر الأساسية التي يجب ذكرها في النظام الداخلي هي تحديد طبيعة و نوعية الأخطاء المهنية و درجات العقوبات و الجزاءات المقررة لها، و تجدر الإشارة إلى أن النظام الداخلي هو حق معترف به قانونيا لصاحب العمل حماية لمصالح المؤسسة، و بالتالي فهو التصرف بالإدارة المنفردة لصاحب العمل عند إعداده، غير أنه يتخذ بعد ذلك الطابع التعاقدي، إذ ألزم المشرع المستخدم بعرضه على لجنة المشاركة أو ممثلي العمال عند غياب هذه الأخيرة لإبداء الرأي .
و يعتبر الرأي الاستشاري للجنة المشاركة إجراءا شكليا جوهريا، و على مفتش العمل المختص إقليميا التأكد من مدى احترام صاحب العمل لهذا الإجراء قبل المصادقة عليه.
2- إجراءات وضع النظام الداخلي: يقوم صاحب العمل بإعداد و وضع النظام الداخلي للمؤسسة و ذلك لحماية مصالحه و لكنه حتى يكون هذا النظام الداخلي ساري المفعول، فإنه على صاحب العمل أن يلتزم و يتبع جملة من الإجراءات حددها المشرع في الفصل السابع من الباب الثالث من قانون رقم 90/11 المتضمن علاقات العمل و هي:
أ- وجوب عرض النظام الداخلي على الأجهزة المشاركة، أو ممثلي العمال في حالة عدم وجود هذه الأخيرة قصد إبداء الرأي فيه، و قد اعتبرت الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا أن هذا الإجراء هو إجراء جوهري يترتب على مخالفته أو تخلفه اعتبار التسريح الصادر عن صاحب العمل تعسفيا، و ليس لهذا الأخير في هذه الحالة تقديم الدلائل على شرعية الإجراءات التأديبية.
ب- بعد إبداء العمال رأيهم في النظام الداخلي سواء بالموافقة أو بالرفض، يحول صاحب العمل مشروع النظام الداخلي على مفتشية العمل المختصة إقليميا من أجل المصادقة عليه، ويقصد بالمصادقة فحص مدى تطابق النظام الداخلي مع النصوص القانونية والتنظيمية المعمول بهما.
والأصل هنا أن يحول النظام الداخلي مصحوبا برأي العمال فيه، وما دام أن هذا الإجراء الشكلي جوهريا كما سبق ذكره، ويتعين على مفتش العمل عدم المصادقة عليه عند غياب رأي العمال فيه.
ويدخل النظام الداخلي حيز التنفيذ ابتداء من تاريخ إيداعه لدى أمانة ضبط المحكمة إقليميا، بعد أن يضمن له صاحب العمل إشهارا واسعا في أوساط العمال. (المادة 79/2 من قانون رقم 90/11).
ولقد اعتبرت الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا ضمان إشهار النظام الداخلي من قبل المستخدم إجراء جوهريا أيضا يترتب على تخلفه عدم نفاذ النظام الداخلي على العمال داخل المؤسسة.
والملاحظ هو أن المشرع اعتمد على الطريقة التنظيمية في تحديد الأخطاء الجسيمة وذلك في المادة 73 من قانون 90/11 قبل تعديلها، أما بعد تعديلها فقد أخذ بالطريقة القانونية.
ثانيا: الطريقة القانونية: نظرا لما لهذه الطريقة من حماية كبيرة للطرف الضعيف في علاقة العمل، فإن المشرع الجزائري قد تراجع عن الطريقة التنظيمية التي سبق التعرض لها مكرسا الطريقة القانونية في تحديد الخطاء الجسيمة، ويظهر هذا جليا في بعد تعديل المادة 73 من قانون رقم 90/11 المتضمن علاقات العمل، أي أن المشرع هو من تكفل بتحديد صور الأخطاء الجسيمة والإجراءات الواجب اتباعها قبل اللجوء إلى فصل العمال، وكذا الضمانات المقررة له أثناء وبعد الفصل فنصت المادة 73 المعدلة بقانون رقم 91/29 على أنه: “يتم التسريح التأديبي في حالة ارتكاب العامل أخطاء جسيمة. – وعلاوة على الأخطاء الجسيمة التي يعاقب عليها التشريع الجزائي والتي ترتكب أثناء العمل تعتبر على الخصوص أخطاء جسيمة يحتمل أن ينجر عنها التسريح بدون مهلة العطلة وبدون علاوات، الأفعال الآتية:
1- إذا رفض العامل بدون عذرمقبول تنفيذ التعليمات المرتبطة بالتزاماته المهنية، والتي تلحق أضرارا بالمؤسسة والصادرة عن السلطة السلمية التي يعينها المستخدم أثناء الممارسة العادية لسلطاته.
2- إذا أفضى معلومات مهنية تتعلق بالتقنيات التكنولوجية وطرق الصنع والتنظيم، أو وثائق داخلية للهيئة المستخدمة، إلا إذا أذنت له السلطة السلمية بها أو أجازها القانون.
3- إذا شارك في توقف جماعي وتشاوري عن العمل خرقا للأحكام التشريعية الجاري بها العمل في هذا المجال.
4- إذا قام بأعمال عنف.
5- إذا تسبب عمدا في أضرار مادية تصيب البنايات والمنشآت والآلات والأدوات والمواد الأولية والأشياء الأخرى التي لها علاقة بالعمل.
6- إذا رفض أمر التسخير الذي تم تبليغه وفقا لأحكام التشريع المعمول به.
7- إذا تناول الكحول أو المخدرات داخل أماكن العمل”.
الملاحظ على هذه المادة موضوع التحليل أن المشرع لم يقم فيها بتعريف الخطأ الجسيم، وإنما أعطى أمثلة عنه بواسطة فقرات تعد أكثر شيوعا من الناحية العملية، كما يلاحظ أيضا في الفقرة (1) من المادة المشار إليها أعلاه أن مصطلح الخطأ الجسيم ورد بصيغة الجمع “يتم التسريح التأديبي في حالة ارتكاب العامل أخطاء جسيمة”، مما يقيد انه لا يتم تسريح العامل تأديبيا إلا إذا ارتكب خطأين جسيمين على الأقل، غير أن المشرع تدارك هذا الخلل ونص في المادة 73/01 على الخطأ الجسيم المفرد “يجب أن يراعي المستخدم على الخصوص عند تحديد وصف الخطأ الجسيم…” والمادة 73/5 التي نصت على “يخول التسريح للعامل الذي لم يرتكب خطأ جسيما…”
– هذا وقد أثارت المادة 73 جدلا فقهيا ونقاشا كبيرا حول ما إذا كان التعداد للأخطاء الجسيمة الوارد فيها على سبيل الحصر أم على سبيل المثال، وما زاد النقاش حدة هو تناقض قرارات المحكمة العليا التي اعتبرت تارة أن التعداد وارد على سبيل الحصر ولا يجوز الخروج عنه، وتارة أخرى اعتبرته على سبيل المثال. فظهر بذلك رأيين أو موقفين كل له حججه وأسانيده في ذلك.
الرأي 1: التعداد الوارد في المادة 73 من قانون 90/11 المعدل والمتمم بقانون 91/29 وارد على سبيل المثال: ويرى أصحاب هذا الرأي أن الأخطاء الجسيمة التي تم تعدادها في المادة 73 ليست على سبيل الحصر، وإنما هي أمثلة أتى بها المشرع على وجه الخصوص، وجعل كل عامل يرتكب إحداها معرض للتسريح التأديبي، ودليل ذلك أن تعديل المادة 73 من قانون 90/11 لم يصاحبه تعديل المادة 77 من نفس القانون، والتي تجعل ضمن المجال التأديبي المخول لصاحب العمل، طبيعة الخطأ المهني ودرجات العقوبات المطابقة وإجراءات التنفيذ محددة في النظام الداخلي الذي يضعه المستخدم بصفة انفرادية، ا ويضيف آخرون أن الدليل على أن التعداد الوارد في المادة 73 هو على سبيل المثال، هو انه جاء في صلب المادة 73 مصطلح “على الخصوص”، فإضافة هذا المصطلح يوحي بأنه هناك أخطاء جسيمة أخرى لم يوردها المشرع في نص هذه المادة.
– هذا وراح جانب آخر من الفقه إلى اعتبار هذا التعديل يخص المؤسسات التي تشغل أقل من 20 عاملا وقامت بإعداد أنظمة داخلية لحسن سير أنشطتها، فتدخل المشرع ليضع حدا معقولا من الخطاء الجسيمة ينبغي وجوبا على المستخدم إدراجها في النظام الداخلي، واحترام الإجراءات التي تؤدي إلى التسريح، مع التأكيد أنه بالنسبة للمؤسسات التي تشغل أكثر من 20عاملا فإن الأمر مفصول فيه بموجب المادة 75 التي تفرض ضرورة وجود نظام داخلي بجميع المقاييس التي ذكرناها سابقا.
الرأي 2: التعداد الوارد في المادة 73 هو على سبيل الحصر: وهو ما قال به الكثير من القانونيين، إذ ما هو الهدف من تعديل المدة 73 إن لم يكن لتقييد جزء من صلاحيات المستخدم في تحديد وصف الخطأ الجسيم، ذلك أن المادة 73 قبل تعديلها كانت تخول صاحب العمل بموجب النظام الداخلي صلاحيات واسعة في وصف الأخطاء وتحديد العقوبات الموافقة لها، ومنه لا يمكن التصور أن التعديل جاء ليكرس مبدأ معروفا، هذا وبالإضافة إلى إعطاء صاحب العمل سلطة وضع وتحديد الأخطاء الجسيمة قد يظهر نوعا من التعسف في استخدام واستعمال الأسباب التي تؤدي إلى التسريح من طرف المستخدم لا بنية الإضرار بقدر ما يكون ناتجا عن عدم قدرة المستخدم على وضع نظام داخلي يتضمن الأسباب الحقيقية والجادة التي تدعو إلى عملية التسريح.
فجاء المشرع بتعديله للمادة 73 متجنبا الانتقادات التي كانت موجهة للمادة 73 قبل تعديلها، فحدد على سبيل الحصر الأخطاء الجسيمة التي توجب تسريح العامل إذا ما ارتكب واحدا منها، بالإضافة إلى الأخطاء الجسيمة التي يعاقب عليها التشريع الجزائي ومختلف القوانين الأخرى، ومثال ذلك نص المشرع على أن عرقلة حرية العمل يعتبر خطأ جسيما ، كما أن رفض القيام بالحد الأدنى من الخدمة في حالة الإضراب المشروع يشكل خطأ جسيما . وفي اعتقادنا أن هذا الرأي الثاني هو الأقرب إلى الصواب، وبالرغم من ذلك نجد في بعض الأنظمة الداخلية لبعض المؤسسات الاقتصادية تضيف حالات غير تلك المنصوص عليها في المادة 73، وصنفتها ضمن الأخطاء من الدرجة الثالثة التي تستوجب التسريح، وكمثال عن هذا المادة 114 من النظام الداخلي الخاص بديوان الترقية والتسيير العقاري بولاية مستغانم المصادق عليه من قبل مفتشية العمل بتاريخ 30 ماي 1995، إذ احتوت هذه المادة على 52 خطأ من الدرجة الثالثة منها تكرار الأخطاء من الدرجة الثانية والغياب عن العمل لمدة ثلاثة أيام بدون عذر مقبول، ويعد هذا خرقا لأحكام المادة 73 المعدلة والمتممة بالقانون 91/29.
وهو نفس اتجاه المحكمة العليا الذي أقرته في قراراها الصادر بتاريخ فيفري 1998 ملف رقم 115985، في قضية (م وص ج) ضد (ن ع ق)ن وقد جاء في قرارها ما يلي: “حيث طعنت بالنقض المؤسسة الوطنية لصناعة الجلود – وحدة الرويبة – في الحكم الصادر في محكمة الرويبة في 27 نوفمبر 1995 الذي قضى بإعادة إدراج المطعون ضده في منصب عمله ومنحه أجوره من تاريخ الطرد إلى غاية الرجوع الفعلي، وكذا الحقوق المالية المستحقة و30 ألف دج تعويض.
حيث أن الخطأ المنسوب المطعون ضده حتى وإن نص عليه النظام الداخلي للمؤسسة فإنه لا يوجد ضمن الأخطاء الجسيمة التي تؤدي إلى الطرد المنصوص عليه في المادة 73 من قانون 91/29 المؤرخ في 21/12/1991 على سبيل الحصر.
وحيث أنه لا يمكن أن يكون النظام الداخلي مخالفا لتصريح النص القانوني، وعليه فإن الخطأ المنسوب المطعون ضده ومهما كانت ظروفه وملابساته لا يمكن أن يترتب عن ارتكابه طرد العامل من منصب عمله”.
هذا وقد اعتبرت المحكمة العليا أن الأخطاء من الدرجة الثالثة المنصوص عليها في النظام الداخلي لبعض المؤسسات الاقتصادية والتي قرر لها عقوبة الطرد من منصب العمل فيه مخالفة للقانون، ذلك أن التسريح التأديبي يكون في حالة ارتكاب العامل خطأ جسيما من الأخطاء الواردة في المادة 73 من قانون رقم 90/11 المعدل والمتمم بقانون رقم 91/29، ومنه فإنه قضاة الموضوع لما اعتبروا هذه الأخطاء من ضمن تلك الخطاء المؤدية إلى التسريح فإنهم بذلك أخطأوا في تطبيق القانون مما يستوجب معه النقض.
وبعد تحديدنا لمفهوم الخطأ الجسيم وطرق تحديد صوره، وكذا التضارب الموجود في فهم وتطبيق المادة 73 ننتقل إلى الفرع الثاني وهو تحليل الأخطاء الواردة في المادة 73.
الفرع 3: تحليل الأخطاء الجسيمة التي تضمنتها المادة 73 من قانون رقم 90/11 المعدلة والمتممة بالمادة 3 من قانون 91/29:
– إن هذه المادة كما سلف الذكر لم تقم بتعريف الخطأ الجسيم، وإنما أوردت مجموعة من الفقرات تضمنت أنواعا مختلفة من الأفعال واعتبرت إتيان إحدى هذه الأفعال يعتبر خطأ جسيما يترتب عليه التسريح التأديبي بدون مهلة العطلة وبدون علاوات، وكما هو ملاحظ وحسب القراءة الأولية للمادة 73 فنلاحظ أنها اعتبرت أن التسريح التأديبي للعامل يتم في حالة ارتكابه خطأ جسيما إذ تنص على أنه “يتم التسريح التأديبي في حالة ارتكاب العامل أخطاء جسيمة”، والمقصود هنا هو أنه يكفي أن يرتكب العامل خطأ جسيما واحدا حتى يكون معرضا للتسريح التأديبي.
وفيما يلي سوف نحاول تحليل وشرح هذه الأخطاء الجسيمة الواردة في المادة 73 من قانون 90/11 المعدل والمتمم بقانون 91/29، والتي ينجر عنها التسريح التأديبي بدون مهلة العطلة ولا علاوات، وأول هذه الأخطاء هي:
1- رفض العامل تنفيذ تعليمات صاحب العمل المرتبطة بالتزاماته المهنية:
كما هو معلوم أن علاقة العمل تنشأ عنها مجموعة من الالتزامات المتبادلة، وبخصوص الالتزامات التي تقع على عاتق العامل فنجدها متعددة ومختلفة حسب اختلاف طبيعة العمل ومستوياته، ويعتبر تنفيذ العمل من أهم الالتزامات الأساسية التي تقع على عاتق العامل والذي يتطلب شروطا أساسية وهي :
أ- التنفيذ الشخصي للعمل: يشترط في تنفيذ العمل الصفة الشخصية من حيث المبدأ لكون أن شخصية العامل في علاقة العمل محل اعتبار من حيث الكفاءة والمقدرة اللازمتين لأداء المهام المرتبطة بمنصب العمل، وقد أكدت على هذا الالتزام اغلب التشريعات المقارنة ومن بينها القانون المصري في المادة 685 والمادة 7 من قانون علاقات العمل الجزائري التي أكدت على ضرورة القيام بالعمل بصفة شخصية مستمرة ومنتظمة، غير أن الصفة الشخصية لتنفيذ العمل في إطار العلاقة التعاقدية لا تعتبر من النظام العام إذ يجوز مخالفة ذلك في بعض الحالات.
ب- بذل العناية المعتادة في تنفيذ العمل: كما عبرت عن ذلك المادة 7 من قانون علاقات العمل، ومسألة العناية المعتادة كقاعدة عامة تسمح للطرفين الاتفاق على درجة معينة من العناية سواء كانت أدنى أو أعلى من العناية المعتادة طبقا لظروف العمل، ومهما كانت درجة العناية المطلوب بذلها فإن العامل مطالب بها، وإلا اعتبر تقصيره خرقا للالتزام.
ج- المحافظة على وسائل العمل: وكما هو معروف فإنه ينتج عن قيام علاقة العمل، تنفيذ العمل وفقا لأوامر وتوجيهات صاحب العمل، وهو ما نصت عليه المادة 7 فقرة 3 من قانون علاقات العمل، إذ تنص “أن ينفذوا التعليمات التي تصدرها السلطة السلمية التي يعينها المستخدم أثناء ممارسته العادية سلطته في الإدارة”. وقد عرف الفقه الأمر المهني بأنه “كل تغيير يتضمن أداء عمل أو امتناع عن عمل أو تحذير للتحوط من وقوع حادث، يصدر عن رئيس مختص إلى مرؤوس مختص بتنفيذه تربطها علاقة وظيفية”.
وعليه يتوجب على العامل أثناء قيامه بواجباته المهنية تنفيذ التعليمات الموجهة إليه من قبل صاحب العمل أو من الأشخاص المعينين صراحة بموجب نظام السلطة الرئاسية التدرجية المهنية، وبالمقابل يمتنع العامل في إطار التبعية الفنية أن ينجز أعمالا وفقا لرغبته الخاصة، أو أن يتلقى توجيهات من أشخاص غير مخولين وفقا لنظام التدرج الرئاسي في المؤسسة.
وبالتالي فإن رفض العامل تنفيذ تعليمات صاحب العمل المرتبطة بالتزاماته المهنية تجعل سلطة الإدارة في عنصرها “توجيه تعليمات” محل إنقاص، وبالتالي يتعين على المستخدم أن يتدخل بما تحتويه سلطة الإدارة في عنصرها الثاني وهو سلطة توقيع العقوبة المنصوص عليها في النظام الداخلي بموجب المادة 77 من قانون 90/11 التي جاءت شارحة للفقرات 1 و3 من المادة 7 التي تلزم المستخدم القيام بسلطة الإدارة وضع نظام داخلي والذي بالضرورة يجب أن يحتوي على القواعد المتعلقة بالتنظيم التقني للعمل، الوقاية، الصحة، والأمن، وكذا الانضباط ، ومن جهة أخرى التدخل قد يتم بما تضمنته المادة 73 نفسها.
2- إذا أفضى معلومات مهنية تتعلق بالتقنيات والتكنولوجيا وطرق الصنع أو وثائق داخلية للهيئة المستخدمة ، إلا إذا أذنت السلطة السلمية بها أو أجازها القانون:
ويقابل هذا الفعل ما نصت عليه المادة 7 فقرة 8 من قانون 90/11 الواردة في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان واجبات العمل من الباب الثاني الذي يحمل عنوان حقوق وواجبات العمال، إذ نصت على ما يلي: “أن لا يفشوا المعلومات المهنية المتعلقة بالتقنيات والتكنولوجيا وأساليب الصنع وطرق التنظيم، وبصفة عامة أن لا يكشفوا مضمون الوثائق الداخلية الخاصة بالهيئة المستخدمة إلا إذا فرضها القانون أو طلبتها سلطتهم السلمية”.
تتفق التشريعات العمالية المقارنة على ضرورة التزام العامل بحفظ أسرار العمل، ويقصد بالسر المهني “كل المعلومات أو الأسرار التي تتصل بالصناعة أو التجارة والتي لو ذاع خبرها تزعزعت الثقة في التاجر أو الصانع وكذا المعلومات التي جرى العرف على كتمانها”.
كما يلزم العامل بحفظ المعلومات والوثائق التي يطلع عليها أثناء تنفيذه للعمل، وعدم تمكين الغير من الاطلاع عليها للمهن الصناعية والتجارية التي يؤدي إفشاء أسرارها إلى إلحاق أضرار جسيمة بصاحب العمل.
وعليه فإن هذا الالتزام الذي يشمل جميع مستويات العمل ومجالاته وأنواعه،تنطلق من ارتباط هذه الأسرار بمصالح صاحب العمل، وكذلك الأشخاص الذين تتعلق بهم تلك الأسرار بحكم العلم بوسائل وأساليب العمل والإنتاج حيث يمتد أثره حتى بعد انتهاء علاقة العمل، وقد رتب القانون قيام المسؤولية الإدارية والجنائية عند الإخلال بهذا الالتزام بإفشاء الأسرار المهنية كما هو الشأن بالنسبة لإطلاع الغير على وثائق أو معلومات أو تصميمات خاصة بطريقة صنع متطورة وغيرها من الحالات المشابهة.
بيد أن هذا المنع كمبدأ عام ترد عليه بعض الاستثناءات الخاصة بحالات الرقابة والتفتيش، والتي تمارسها السلطة المختصة أثناء ممارسة مهامها، والتي تلزم بدورها المحافظة على هذه الأسرار التي تطلع عليها، كما هو الشأن بالنسبة لمفتش العمل، إذ تنص المادة 19 من قانون مفتشية العمل على أنه “يتعين على مفتشية العمل تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما أن يتقيدوا بسر المهنة، ولو بعد مغادرتهم مصلحتهم فيما يخص كل طرق المنع أو جمع معلومات أخرى المتصلة بتسيير المؤسسات وإدارتها الخاضعة لرقابتهم والتي يكونون قد اطلعوا عليها أثناء ممارستهم لوظائفهم”.
3- إذا شارك في توقف جماعي وتشاوري عن العمل خرقا للأحكام التشريعية الجاري بها العمل في هذا المجال:
إن هدا الفعل الذي يعد خطأ جسيما طبقا للمادة 73 من قانون 90/11، والذي يخول اقترافه من قبل العامل الحق لصاحب العمل في تسريحه تأديبيا دون مهلة العطلة أو العلاوات، فإنه أيضا يعد كذلك أي خطأ جسيما طبقا للمادة 33 مكرر من قانون 90/02 المؤرخ في 6 فيفري 1990 المتعلق بالوقاية من النزاعات الجماعية في العمل وتسويتها وممارسة حق الإضراب التي تخول لصاحب العمل سلطة اتخاذ الإجراءات التأديبية ابمنصوص عليها في النظام الداخلي، حيث تنص المادة 33 مكرر على أنه: “يشكل النوقف الجماعي عن العمل الناتج عن النزاع الجماعي للعمل بمفهوم المادة 2 أعلاه، والذي يحدث خرقا لأحكام هذا القانون، خطأ مهنيا جسيما يرتكبه العمال الذين شاركوا فيه، ويتحمل المسؤولية الأشخاص الذين ساهموا فيه بنشاطهم المباشر. وفي هذه الحالة يتخذ المستخدم اتجاه العمال المعنيين الإجراءات التأديبية المنصوص عليها في النظام الداخلي وذلك في إطار التشريع والتنظيم المعمول بهما”.
وتعرف المادة 2 من قانون 90/02 المتعلق بتسوية النزاعات الجماعية في العمل، النزاع الجماعي في العمل “كل خلاف يتعلق بالعلاقات الاجتماعية والمهنية في علاقة العمل والشروط العامة للعمل، ولم يجد تسويته بين العمال والمستخدم باعتبارهما طرفين في نطاق أحكام المادتين 4و5”. إذن يعد الإضراب آخر مرحلة لحل النزاع الجماعي في العمل يتم اللجوء إليه عادة بعد استنفاذ الطرق والوسائل الودية. وقد أصبح الإضراب يعد من الحقوق الدستورية في مختلف الدول، وينجر عن الإضراب توقف علاقة العمل خلال فترة الإضراب عن إنتاج آثارها، مما يستتبع عدم تنفيذ الالتزام بدفع الأجر من طرف صاحب العمل، وهذا انطلاقا من الصفة التبادلية للالتزامات في عقد العمل، والإضراب يوقف علاقة العمل ولا ينهيها، ولكن هذا إذا كان الإضراب مشروعا بمعنى أنه تم وفقا للأحكام القانونية والتنظيمية المنصوص عليها في التشريع الساري العمل به (المادتين 4، 5 من قانون 90/02) . أما إذا كان الإضراب غير مشروع أي مخالفا للأحكام الواردة في التنظيم المعمول به، والتي تشمل وفقا للتشريع الجزائري ما يلي:
– استكمال جميع شروط التسوية الودية للنزاع.
– موافقة العمال على الإضراب في إطار جمعية عامة تعقد لهذا الغرض، بحضور نصفهم على الأقل وبموجب الأغلبية المطلقة وعن طريق الاقتراع السري.
– انتهاء أجل الإشعار المسبق الذي يجب أن لا يقل عن ثمانية أيام ابتداء من تاريخ إيداعه لدى المستخدم. فإذا لم تحترم هذه الإجراءات فإن الإضراب يعد غير مشروع، ومن ثم يعد العامل الذي شارك في هذا التوقف الجماعي عن العمل غير المشروع قد ارتكب خطإأ جسيما يستوجب تسريحه تأديبيا بدون مهلة العطلة والعلاوات طبقا للمادة 73 من قانون 90/11 المعدل، كما للمستخدم أن يتخذ ضده الإجراءات التأديبية المنصوص عليها في النظام الداخلي.
4- إذا قام بأعمال عنف :
الملاحظ بالنسبة لهذه النقطة أن المشرع الجزائري لم يفرق بين العنف المستعمل من عامل ضد زميله، والعنف الصادر من العامل ضد المستخدم. وإنما ترك المجال مفتوحا في تكييف أعمال العنف التي قام بها العامل ما إذا كانت جسيمة، ومن ثم يستوجب التسريح التأديبي، أو بسيطة ومن ثم قد تكون محل عقوبة تأديبية مناسبة وإذا كانت القاعدة العامة أن اعمال العنف معاقب عليها في التشريع الجزائي، كما كما جاء ذلك في المادة 73 فقرة 2 بنصها: “علاوة على الخطاء الجسيمة التي يعاقب عليها التشريع الجزائي والتي ترتكب أثناء العمل..”.
فكما يقول القاضي دحماني مصطفى – لماذا تحملالمشرع مشقة ذكر هذه الحالة كسبب من أسباب التسريح دون مهلة ودون علاوات، إن لم يكن الهدف من وراء ذلك منح المستخدم اختيار الطريق الذي يراه مناسبا لاتخاذ قرار التسريح، فإما أن تتم إحالة العامل على لجنة التأديب التي تقرر مدى اعتبار العنف المرتكب من قبله خطأ جسيما، وبالتالي توقيع العقاب عليه ، وإما تحريك الدعوى العمومية فيما يخص الأفعال المنسوبة للعامل – وهي أعمال العنف التي قام بها –.
وفي هذه الحالة فحسب اجتهاد المحكمة العليا فإن صاحب العمل يكون مجبرا بالنتيجة التي تنتهي بها الدعوى فإما أن يصدر الحكم بإدانة العامل عن أعمال العنف التي قام بها، ومن تم توقيع عقوبة تأديبية لاحقة عليه، وإما أن يصدر الحكم بالبراءة وبالتالي إعادة إدماج العامل في منصب عمله.
وكمثال عن أعمال العنف فقد عاقب المشرع في المادة 43 من قانون 90/02 عرقلة حرية العمل. واعتبر كل فعل من شأنه أن يمنع العامل أو المستخدم أو ممثله من الالتحاق بمكان عمله المعتاد أو ينمعهم من استئناف ممارسة نشاطهم المهني أو مواصلته بالتهديد أو المناورات الاحتيالية أو العنف أو الاعتداء عرقلة لحرية العمل، وخول المشرع في هذه الحالة لصاحب العمل اعتبار ذلك خطأ مهنيا جسيما يستوجب التسريح إذا لم يستجب مرتكبوا هذه الأعمال للأمر القضائي الذي يقضي بإلزامهم بتحرير أماكن العمل المحتلة بهدف عرقلة حرية العمل، إضافة إلى حق المستخدم في اللجوء إلى التشريع الجزائي بهدف طلب توقيع العقاب عليهم.
5- إذا تسبب عمدا في أضرار مادية تصيب البنايات والمنشآت والآلات والأدوات والمواد الأولية والأشياء الأخرى التي لها علاقة بالعمل:
كما يقع على العامل التزام تنفيذ العمل، فإنه يقع عليه أيضا التزام المحافظة على وسائل العمل وأدواته الضرورية المسلمة للعامل لأداء العمل، والتي يؤدي هلاكها أو تلفها إلى قيام مسؤولية العامل. وهذا إذا ما تسبب عمدا في إلحاق الضرر بها، إلا إذا ثبت الهلاك أو التلف ناتج عن قوة قاهرة لا يمكن دفعها. وقد ورد النص على هذا الالتزام في المادة 685/د من القانون المدني المصري، كما أكد عليه صراحة القانون الأساسي العام للعامل في المادة 32 التي نصت على أنه: “يجب على العامل أن يحمي ويحافظ في كل وقت ومع اليقظة المستمرة على كل عنصر تأسيسي لوسائل العمل وعلى إمكانيات الإنتاج وبصفة أعم على ممتلكات المؤسسة التي تستخدمه وعلى الممتلكات الوطنية”.
– وقد نصت المادة 73 على ضرورة محافظة العامل لأدوات ووسائل العمل والمواد الأولية وكافة الأشياء التي لها علاقة بالعمل، وأن لا يتسبب عمدا في إلحاق أضرار بها، وفي حالة التلف أو إلحاق الضرر بها بغير قصد من العامل فإن عبء الإثبات في هذه الحالة يقع على عاتق صاحب العمل.
6- إذا رفض تنفيذ أمر التسخير الذي تم تبليغه وفقا لأحكام التشريع المعمول به:
إذا كان الإضراب يمس الأنشطة الحيوية التي يمكن أن يضر انقطاعها التام استمرار المرافق العمومية الأساسية، أو يمس الأنشطة الاقتصادية الحيوية، فيتعين تنظيم مواصلة النشطة الضرورية للمحافظة على قدر أدنى من الخدمة إجباري، أو ناتج عن مفاوضات أي اتفاقيات أو عقود، كما نصت على ذلك المادتين 38 و39.
وإذا استحال على الأطراف الاتفاق سمح القانون للمستخدم أو السلطة الإدارية المعنية بعد استشارة ممثلي العمال تحديد النشاطات التي يتطلب القدر الأدنى من الخدمة والعمال الضروريين للتكفل به. واعتبر بموجب المادة 40 من نفس القانون أن رفض العمال المعنيين القيام بالقدر الأدنى من الخدمة المعروض عليهم يعد خطأ مهنيا جسيما.
وفي هذه الحالة انتقال من القانون رقم 90/11 إلى قانون رقم 90/02 تأكيد على أن الخطاء الجسيمة لا يمكن التطرق لها إلا في إطار القانون أو التنظيم المعمول بهما.
ولقد نصت المادة 41 من قانون 90/02 على أنه: “عملا بالتشريع الساري المفعول يمكن أن يؤمر بتسخير العمال المضربين الذين يشغلون في الهيئات أو الإدارات العمومية أو المؤسسات مناصب عمل الضرورية لأمن الأشخاص، المنشآت والأملاك لضمان استمرار المصالح العمومية الأساسية في توفير الحاجيات الحيوية للبلاد أو الذين يمارسون أنشطة لازمة لتمويل السكان”.
هذا وقد اعتبر المشرع أن عدم امتثال العمال المضربين لأمر التسخير يعد خطأ مهنيا جسيما يستوجب التسريح دون المساس بالعقوبات المنصوص عليها في القانون الجزائي.
7- إذا تناول الكحول أو المخدرات داخل أماكن العمل:
إن ظاهر النص لا يوحي بأن المشرع قد منع تناول الكحول أو المخدرات خارج أماكن العمل، مما جعلنا نطرح أو نثير التساؤل التالي:
– كيف يكون الحكم إذا دخل العامل مكان العمل في حالة سكر أو تحت تأثير مخدر؟
– إن الإجابة عن هذا التساؤل تتم من خلال معرفة الغاية من وراء منع تناول الكحول أو المخدرات في حد ذاته، إذ أن سبب المنع هنا ليس أخلاقيا، أو لاعتبارات دينية، وإنما قصد المشرع أن يباشر العامل عمله وهو متمتع بكامل قواه العقلية والجسدية، وعليه فالعامل يعد مرتكبا لخطأ جسيم سواء تناول الكحول داخل مكان العمل أو التحق بمنصب عمله في حالة سكر.
وبخصوص رفض تنفيذ تعليمات السلطات السلمية، فقد جاء قرار المحكمة العليا ليؤكد مرة أخرى أن مثل هذا الفعل يعد خطأ جسيما يستوجب التسريح بدون مهلة أو تعويض، إذ جاء في قرارها الصادر بتاريخ 19/12/1995 ملف رقم 129038، قضية (س،م) ضد (مدير المؤسسة الوطنية للكتاب) أن : “من المقرر قانونا أنه يعد خطأ من الدرجة الثالثة، وتصل عقوبتها إلى التسريح دون مهلة مسبقة ودون تعويضات، رفض العامل تنفيذ التعليمات التي يتلقاها من السلطة المشرفة عليه، لإنجاز أشغال ترتبط بمنصب عمله دون تقديم عذر مقبول – المادتان 71/2 و74 من المرسوم التنفيذي 32/302 المؤرخ في 11/09/1982.
بعدما تطرقنا في المطلب الأول إلى مفهوم الأخطاء الجسيمة كسبب للتسريح التأديبي، وتحليل هذه الأخطاء ننتقل في المطلب الثاني من هذا المبحث إلى الحديث عن إجراءات وآثار التسريح التأديبي.
المطلب الثاني: إجراءات التسريح التأديبي وآثاره:
لقد أعطى المشرع الجزائري الحق لصاحب العمل في توقيع العقوبة التأديبية المناسبة لدرجة خطورة الخطأ المرتكب من قبل العامل، وذلك حماية لمصالحه، غير أنه قيد استعمال هذا الحق بجملة من الشروط والإجراءات الشكلية والموضوعية وذلك حماية للعامل من تعسف صاحب العمل.
وعليه سوف نتطرق إلى الإجراءات الواجبة الإتباع من قبل المستخدم للتسريح التأديبي، هذا في الفرع الأول وفي الفرع الثاني نتناول الآثار الناتجة عن مخالفة هذه الإجراءات.
الفرع 1: إجراءات التسريح التأديبي وآثاره:
أولا: إجراءات التسريح التأديبي: يمكن تصنيف هذه الإجراءات إلى إجراءات موضوعية وأخرى تشكلية:
1- الإجراءات الموضوعية: يحق لصاحب العمل تسريح العامل تأديبيا إذا ما ثبت أنه ارتكب خطأ مهنيا جسيما مع وجوب مراعاة الظروف التي ارتكب فيها الخطأ الجسيم، ومنه تتمثل الإجراءات الموضوعية للتسريح التأديبي في:
أ- ارتكاب خطأ مهني يكيف على أنه جسيم، وقد سبق أن بينا مفهوم الخطأ المهني الجسيم، وما ينبغي التأكيد عليه هو أن الأخطاء المهنية الجسيمة وردت في المادة 73 من قانون 90/11 المعدلة على سبيل الحصر.
ب- وجوب مراعاة المستخدم للظروف التي ارتكب فيها العامل الخطأ الجسيم، إذ أنه يجب على صاحب العمل أن يراعي ظروف وملابسات ارتكاب الخطأ المحيطة بالعمل، أو أن يبحث عن الدوافع والمبررات التي أدت بالعامل إلى ارتكاب مثل هذه الأخطاء، ويتجلى ذلك من خلال الرجوع إلى سيرة العامل طوال مدة عمله، فمراعاة الظروف المحيطة بارتكاب الفعل، والدوافع، ومعرفة سيرة العامل كل هذا يساعد بشكل أو بآخر في تكييف الفعل أو الخطأ من جهة، وفي تحديد العقوبة المناسبة له من جهة أخرى، والملاحظ في هذا الشأن بخصوص قانون العمل الجزائري 91/29 أنها جاءت لتحمي الطرف الضعيف في علاقة العمل، وهو العامل، حتى عند ارتكابه لخطأ مهني جسيم، إذا لا يمكن لصاحب العمل فصل العامل من منصب عمله بحجة أنه ارتكب خطأ جسيما من دون أن يراعي الظروف والملابسات التي أحاطت بارتكاب هذا الخطأ، ودرجة الضرر الناتج عنه، وهي ما يعرف بالظروف المخففة في القانون الجنائي. كما أن المادة 73 من قانون 90/11 جعلت من ارتكاب العامل لخطأ جسيم من المحتمل أن ينجر أو ينجم عنه التسريح، بمعنى أن ارتكاب العامل لخطأ مهني جسيم لا يؤدي بالضرورة إلى تسريحه تأديبيا. ولا يفوتنا في هذا الصدد القول كما أشار إلى ذلك القاضي دحماني مصطفى أن هذه المادة (أي المادة 73-1 من قانون 90/11 المعدل) والتي تنص على أنه: “يجب أن يراعي المستخدم على الخصوص عند تحديد وصف الخطأ الجسيم الذي يرتكبه العامل والظروف التي ارتكب فيها الخطأ ومدى اتساعه ودرجة خطورته والضرر الذي لحقه وكذلك مراعاة السيرة التي كان يسلكها العامل حتى تاريخ ارتكابه الخطأ نحو عمله وممتلكاته”. إن هذه المادة تعد سلاحا قويا في يد العامل في حالة لجوئهم إلى القضاء من أجل إلغاء قرارات تسريحهم، والمطالبة بإفادتهم بالمادة 73-1 باعتبار أن المستخدم لم يراعِ محتواها.
كما أن هذه المادة أعطت السلطة التقديرية للقاضي في اعتبار وصف الخطأ جسيما أم لا.
وفي هذا الإطار جاء قرار المحكمة العليا في ملف رقم 49103 بتاريخ 6 مارس 1989 مؤكدا على ضرورة الأخذ بالظروف المحيطة بالعامل عند ارتكابه الخطأ لتكييف الخطأ، وذلك في قضية (ب.ع) ضد (الشركة الوطنية للأبحاث والاستغلالات المنجمية) إذ قررت أنه:
“متى كانت أحكام المادة 76 من الأمر 82/06 تقضي بأنه يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار في تحديد وتكييف الخطأ الجسيم المرتكب من العامل ظروف ارتكابه ومداه ودرجة خطورته والضرر الناجم عنه، وسلوك هذا العامل اتجاه عمله وأملاك المؤسسة المستخدمة إلى غاية ارتكابه الخطأ، فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفة للقانون”.
2- الإجراءات الشكلية: وتتمثل فيما يلي:
أ- ضرورة وجود نظام داخلي للهيئة المستخدمة:
إذ تنص المادة 73-2 من قانون 90/11 المتضمن علاقات العمل الفردية المعدل والمتمم بالقانون رقم 91/29 على ما يلي: “يعلَن على التسريح المنصوص عليه في المادة 73 أعلاه ضمن احترام الإجراءات المحددة في النظام الداخلي”. يفهم من هذا النص أن وجود نظام داخلي في المؤسسة التي تشغل أكثر من 20 عاملا ضروري، وذلك لأنه يتم فيه تحديد الإجراءات التأديبية الواجب اتباعها قبل اللجوء إلى فصل العامل من منصب عمله، كما يقوم صاحب العمل بتحديد طبيعة الأخطاء المهنية ودرجات العقوبات المطابقة لها في النظام الداخلي الذي بعده.
ب- احترام الضمانات المقررة قانونا للعامل المعني بالتسريح:
هناك مجموعة من الضمانات التي خصها المشرع الجزائري للعامل المعني بالتسريح التأديبي، وذلك حماية للطرف الضعيف في علاقة العمل، ويظهر هذا جليا بعد تعديل المادة 73 من قانون 90/11، ولكن بداية تجدر الإشارة إلى أنه قبل تعديل المادة 73 من القانون السالف الذكر كانت هذه الأخيرة تخول لصاحب العمل وضع الإجراءات التأديبية الواجب اتخاذها لتسريح العامل، وذلك من خلال النظام الداخلي الذي يقوم صاحب العمل بوضعه كما أسلفنا الذكر، وهذا إذا كانت المؤسسة تشغل أكثر من 20عاملا، وفي حالة ما إذا لجأت المؤسسة إلى تسريح العامل في حالة وجود نظام داخلي لم يتم إعداده طبقا للمواد 79.77.75 يعد عملها هذا تسريحا تعسفيا.
– غير أن الجديد الذي أتت به المادة 73-3 من قانون 90/11 بعد تعديلها بقانون 91/29 هو كما جاء في نصها ما يلي: “يعلن عن التسريح المنصوص عليه في المادة 73 أعلاه ضمن احترام الإجراءات المنصوص عليها في النظام الداخلي، ويجب أن تنص هذه الإجراءات على التبليغ الكتابي لقرار التسريح، استماع المستخدم للعامل المعني الذي يمكنه في هذه الحالة أن يختار عاملا تابعا للهيئة المستخدمة ليصطحبه”.
إذن كما هو واضح من خلال نص المادة 73-3 من قانون 90/11 والمدرجة بالمادة 3 من قانون 91/29 أنه بالإضافة إلى الإجراءات المنصوص عليها في النظام الداخلي هناك إجراءات وجوبية وضرورية ينبغي على صاحب العمل القيام بها، ذلك لأنها تعد بمثابة حقوق دفاع للعامل، وإلا عد التسريح تعسفيا.
وعليه سوف نتناول بالتحليل هذه الإجراءات أو الضمانات الممنوحة للعامل:
– سماع العامل: يعد سماع العامل المعرض للتسريح التأديبي إجراء جوهريا ينبغي على صاحب العمل القيام به وإلا اعتبر قرار التسريح المتخذ ضده غير قانوني، ومن ثم عد التسريح تعسفيا، ولا يخفى أن سماع العامل له أهمية بالغة إذ يعطي للأطراف فرصة لتقدير ظروف وخطورة الوقائع ومدى اتساعها، والضرر اللاحق بصاحب العمل. كما يمكن العامل من إعطاء توضيحات أكثر عن كيفية صدور هذا الخطأ، وعليه يمكن القول أن إجراء السماع هذا الذي نص عليه المشرع يعد عنصرا فعالا في تمكين المستخدم من تطبيق المادة 73-1 تطبيقا سليما ومن ثم الوصف السليم للخطأ الذي يرتكبه العامل إن كان خطأ جسيما أم لا.
ولكن مما ينبغي الإشارة إليه كما تنبه لذلك القاضي دحماني مصطفى في محاضرة ألقاها بمجلس قضاء وهران “أنه يعاب على المشرع أنه لم ينظم الإجراء الأولي المتمثل في الاستدعاء ولم يضبط حدوده كتاريخ وساعة السماع موضوع الاستدعاء، والوقائع المنسوبة إليه، وكذا إخباره بحقوقه كحقه في اختيار من يمثله عند السماع”.
وهذا خلافا لما نص عليه المشرع الفرنسي الذي ضبط عملية الاستدعاء بصفة محكمة وجعل من عدم ذكر إحدى البيانات المنصوص عليها سببا في الطعن بعدم قانونية الاستدعاء.
– حق العامل في اختيار من يمثله: إن من بين الإشكالات التي تطرح في هذا الباب هو عدم معرفة العامل بحقه في التمثيل أي في اصطحاب من يمثله، فهل له أن يتضرع بعدم معرفته بحقه، ومن ثم تمسكه أمام القضاء بخرق إجراء أو حق من حقوق الدفاع، وبالتالي الطعن في قرار التسريح؟
وهل صاحب العمل ملزم بتنبيه العامل بهذا الحق قبل سماعه؟
وما هي الضمانات الممنوحة للعامل الممثل لزميله حتى لا يتعرض للمضايقة من طرف المستخدم؟
وهل يمكن أن يكون العامل الممثل من مؤسسة فرعية تابعة للمؤسسة الأم؟
كل هذه التساؤلات وغيرها لم يضع لها المشرع الجزائري جوابا، ولتفادي كل هذه الأسئلة كان يجب أن يتدخل المشرع بتنظيم عملية الاستدعاء موضحا وقت اللقاء، تاريخه، ومكانه مع تذكير العامل بحقه في التمثيل وإلا فإن لم يكن الأمر كذلك فعلى الأقل إجبار المستخدم بأن يأخذ إشهادا بالكتابة أو التوقيع من العامل أنه فعلا تم إعلامه بحقه في التمثيل، وقد تنازل عن ذلك، وهذا بموجب محضر ليكون حجة على العامل إذا ما أثار هذه النقطة أمام القضاء.
هذا وإن المشرع سكت عن مسألة اعتبار استدعاء العامل للسماع فترة عمل، وبالتالي تدفع له أجرته فيها ما دام الاستدعاء كان من صاحب العمل أم لا يعتبر كذلك.
– التبليغ الكتابي لقرار التسريح: إن المشرع الجزائري لم يضبط عملية التبليغ بمواعيد قانونية، ولا كيفية التبليغ تاركا ربما المجال للنظام الداخلي لإعطاء توضيحات حول هذه العملية، وهذا على خلاف المشرع الفرنسي الذي بين وحدد آجال التبليغ وكيفية إجرائه، كما ميز بين التبليغ وبين تسبيب التسريح، فالتبليغ يكون بعد اللقاء الذي يجمعه بالعامل وهو لا يعدو أن يكون مجرد إشعار عن القرار الذي سيتخذه فيما بعد، فلا بد أن يبعث على الأقل في مدة زمنية قدرها يوم مفتوح مع احترام كافة المواعيد إذا صادف نهاية ذلك اليوم يوم عيد او عطلة رسمية أو راحة أسبوعية، إما أثناء اللقاء أو في أجل أقصاه عشرة أيام في يوم مغادرته لمكان العمل، وتطبق بشأنه نفس الحكام فيما يخص المواعيد.
أما بالنسبة للمندوبين النقابيين إذا ما ارتكبوا خطأ ما، فقد أورد قانون 19/14 الصادر في 2 جوان 1990 المتعلق بكيفية ممارسة الحق النقابي في المواد 52، 54، 55 و56 منه أورد حكما خاصا بهم مفاده “أنه في حالة ارتكاب المندوب خطأ أثناء ممارسته نشاطه المهني غير المتعلق بالنشاطات النقابية فلا يحق للمستخدم اتخاذ أي إجراء تأديبي، إلا بعد إعلام المنظمة النقابية”.
ماذا يقصد المشرع بالإجراءات المنصوص عليها في الاتفاقيات الملزمة ؟
إن أول ملاحظة تثيرها هذه العبارة هي: ورود كلمة ملزمة أمام اتفاقية، فهل هذا يعني أن هناك اتفاقيات غير ملزمة؟ لقد ذهب بعض المحللين إلى اعتبار أن كلمة تسريح الواردة في المادة 73-4 الفقرة 1 من قانون رقم 90/11 جاءت عامة ولم تحدد أي وصف له، واعتبرت أن الإجراءات المراد تصحيحها والواردة في مصطلح الاتفاقيات الملزمة جوهرية وليست من النظام العام، أي تلك الإجراءات التي تتعلق بها هو مفروض على المستخدم أن يقوم به مسبقا كالتزام منوط به بموجب الاتفاقية الملزمة مثلما هو الحال بالنسبة للتسريح في إطار التقليص من عدد العمال الذي ينظمه المرسوم التشريعي رقم 94/09 والذي يفرض إجراءات مسبقة وفي هذه الحالة يكون جبر انتهاك الإجراءات ممكن وفي صالح الطرفين، وان ما يؤكد هذا التحليل حسب القاضي دحماني مصطفى وهو تخصيص المشرع الفقرة 2 من المادة 73/4 للتسريح خارقا لأحكام المادة 73 (التسريح التأديبي) بمعنى أن هذه الفقرة تنظم نتائج التسريح التعسفي في إطار القواعد التأديبية (الموضوعية والشكلية)، أما الفقرة التي سبقتها فتتكلم عن التسريح دون تحديد.
ضف إلى أن الاتفاقيات الملزمة فيما يخص الإجراءات التأديبية لا يمكن تصورها، ذلك أن الإجراءات القانونية توحي إلى النظام الداخلي فلا يمكن التصور أن المستخدم سيتنازل عن الحق الممنوح له قانونا بموجب المادة 77 من قانون 90/11، ويقوم بإجراء اتفاقية مع ممثلي العمال فيما يخص الإجراءات التأديبية، ومن جهة ثانية فإنه بموجب المادة 120 من القانون لا يدخل موضوع الإجراءات التأديبية من ضمن الفقرات المنصوص عليها على سبيل المثال والتي تحدد مجالات الاتفاقيات الجماعية في مجال شروط التشغيل والعمل وليس الإجراءات.
كما أن الحديث عن التقليص أيضا بموجب الاتفاقيات الملزمة تتضمن أيضا قبل اللجوء إليه اتباع إجراءات قانونية معينة منصوص عليها في المواد 70 و71 من قانون 90/11.
هذا ويضيف القاضي دحماني مصطفى بأن المادة 73-4 جاءت مباشرة بعد الحديث عن التسريح التأديبي، وبالتالي فلا مجال لاعتماد تحليل إجراءات التسريح للتقليص من عدد العمال والواردة في المرسوم التشريعي 94/02 المؤرخ في 26/05/1994 المتعلق بالحفاظ على الشغل وحماية الأجراء الذين يفقدون عملهم بصفة لا إدارية.
وإن كنا نشاطر القاضي دحماني مصطفى في جل ما جاء به، إلا أننا نأخذ عليه قوله في كون أن المادة 73-4 فقرة 2 خصها المشرع للتسريح خرقا لأحكام المادة 73 (أي التسريح التأديبي) بمعنى أن هذه الفقرة تنظم نتائج التسريح التعسفي في إطار القواعد التأديبية والشكلية، فأما الفقرة السابقة فتتكلم عن التسريح بدون تحديد. إذ أنه وحسب الكثيرين أن المادة 73-4 بفقرتيها الأولى والثانية تتكلم عن نتائج التسريح التعسفي، ذلك أن عدم احترام القواعد الموضوعية والشكلية للتسريح التأديبي يعد تسريحا تعسفيا طبقا للمادة 73-3، غير أن الفقرة الأولى من المادة 73-4 تتكلم عن أثر عدم احترام الإجراءات القانونية للتسريح التأديبي أو الاتفاقيات الملزمة، أي مخالفة القواعد الشكلية للتسريح التأديبي، أما الفقرة الثانية فتتكلم عن مخالفة القواعد الموضوعية للتسريح التأديبي (المادة73)، أي عدم التزام صاحب العمل المنصوص عليها قانونا.
ثانيا: آثار التسريح التأديبي:
لقد سبق وأن ذكرنا أن التسريح التأديبي هو الذي تحترم فيه الإجراءات الشكلية والموضوعية، وأهم آثار التسريح التأديبي هي: إما التسريح مع مهلة الإشعار المسبق والتعويض عن التسريح، وإما التسريح بدون مهلة إشعار والتعويض، والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: متى يستفيد العامل المسرح تأديبيا من مهلة إشعار وتعويض، ومتى يحرم منهما؟
إن الإجابة عن هذا السؤال نجدها في النظم الداخلية للمؤسسات، إذ أنه بالرجوع إلى هذه النظم نجدها تحدد طبيعة الأخطاء والعقوبات الموافقة لها، فتحدد بذلك الخطاء من الدرجة الثالثة والعقوبات الموافقة لها، وهي: التنزيل من الرتبة، أو التسريح مع مهلة الإشعار والتعويض، أو التسريح بدون مهلة الإشعار والتعويض.
وحسب الأنظمة الداخلية فإن عقوبة التنزيل وعقوبة التسريح مع مهلة الإشعار والتعويض تخص العمال الذين ارتكبوا أخطاء مهنية من الدرجة الثالثة، ولكنها ليست أخطاء جسيمة، كتكرار الأخطاء من الدرجة الثانية، يستفيد العامل المسرح من مهلة الإشعار والتعويض طوال مدة مهلة الإشعار من ساعتين مدفوعتين الأجر، والحكمة من التعويض عن مهلة الإشعار المسبق هي إعطاء العامل المسرح فرصة للبحث عن منصب عمل آخر، ويكون التسريح بدون مهلة إشعار ولا تعويض عند ارتكاب العامل خطأ مهنيا جسيما، كما نصت على ذلك المادة 73 من قانون 90/11 المعدلة والمتممة بالقانون رقم 91/29 المتعلق بعلاقات العمل.
إذن يتبين من خلال ما ورد في الأنظمة الداخلية لبعض المؤسسات الاقتصادية أن التسريح مع مهلة الإشعار المسبق والتعويض يكون عند ارتكاب العامل خطأ من الدرجة الثالثة. أما التسريح بدون مهلة الإشعار والتعويض يكون عند ارتكاب العامل خطأ مهنيا جسيما، غير أنه طبقا لأحكام قانون 90/11 المعدل والمتمم بقانون 91/29 فإن التسريح سواء كان مع مهلة الإشعار والتعويض أو بدونهما لا يكون إلا عند ارتكاب العامل الأجير خطأ مهنيا جسيما، ومن ثم كل تسريح خارج عن الحالات المنصوص عليها قانونا يعتبر تسريحا تعسفيا طبقا للمادة 73-1 من قانون 90/11، وهو ما يجعل الأنظمة الداخلية لبعض المؤسسات الاقتصادية مخالفة للقانون رغم أنه مصادق عليها من قبل مفتشية العمل، ذلك أنها أضافت حالات وأخطاء إذا ما ارتكبها العامل يكون معرضا للتسريح في حين أن المادة 73 قد حصرت الأخطاء التي ينجم عنها التسريح التأديبي.
هذا ويضيف القاضي دحماني مصطفى أن الأصل في التمييز بين النوعين من التسريح (تسريح مع مهلة الإشعار والتعويض أو بدونهما) يرجع إلى التمييز بين نوعين من الخطأ الجسيم، خطأ جسيم لا يجعل استمرار علاقة العمل أمرا مستحيلا، وهو الذي يمنح فيه التعويض ومهلة الإشعار، وخطأ جسيم يستحيل معه استمرار علاقة العمل، وهو الذي يتم بدون مهلة إشعار ولا تعويض.
وإن التمييز بين النوعين من الخطأ الجسيم يرجع إلى الظروف التي ارتكب فيها الخطأ الجسيم، ومدى اتساعه، ودرجة خطورته والضرر الذي ألحقه بالمؤسسة ووسائلها، وكذا السيرة التي كان يسلكها العامل الأجير حتى تاريخ ارتكابه الخطأ.
كما أن للقضاء رقابة على الخطأ فله أن يتحقق من وقوعه، ومن ارتكاب العامل حقيقة له.
الفرع 2: آثار مخالفة إجراءات التسريح التأديبي:
تنص المادة 73-4 من قانون 91/29 على أنه: “إذا وقع تسريح العامل مخالفة للإجراءات القانونية و/أو الاتفاقية الملزمة، تلغي المحكمة المختصة ابتدائيا ونهائيا قرار التسريح بسبب عدم احترام الإجراءات، وتلزم المستخدم بالقيام بالإجراء المعمول به، وتمنح العامل تعويضا ماليا على نفقة المستخدم لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه كما لو استمر في عمله”. إذن آثار مخالفة إجراءات التسريح التأديبي كما تتضح من نص المادة 73-4/1 هي:
1- إلغاء المحكمة ابتدائيا ونهائيا قرار التسريح بسبب عدم احترام الإجراءات.
2- إلزام المستخدم بالقيام بالإجراء المعمول به.
3- منح العامل على نفقة المستخدم تعويضا ماليا لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه كما لو استمر في عمله.
الأثر الأول: إلغاء قرار التسريح ابتدائيا ونهائيا وإعادة الإدماج:
إذا ما تبين للمحكمة الفاصلة في المواد الاجتماعية من خلال ملف القضية بأن صاحب العمل لم يحترم الإجراءات القانونية الواجبة الاتباع لتسريح العامل تأديبيا، فإن المحكمة تقضي بإلغاء قرار التسريح، ذلك لأنه يعد باطلا كونه جاء مخالفا للقانون، ومن ثم اعتماد المبدأ الثاني القائل برجوع الحال إلى ما كان عليه قبل صدور قرار التسريح، أي اعتبار علاقة العمل كأنها لم تنته، وعودة الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها قبل صدور قرار التسريح.
الأثر الثاني: إلزام المستخدم القيام بالإجراء المعمول به:
إن المادة 73-4/1 من قانون 90/11 المعدل والمتمم أعطت فرصة لصاحب العمل القيام بالإجراء الذي كان ينبغي له القيام به قبل أن يصدر قرار التسريح، ومن ثم تمكين صاحب العمل من القيام بالإجراء المطلوب يعطي فرصة للتفاهم بين العامل وصاحب العمل، ومن ثم التغاضي أو إعادة النظر في تسريح العامل أصلا.
كما أن قيام المستخدم بالإجراء المطلوب يجعل من قرار التسريح الذي سوف يتخذه صاحب العمل مستقبلا سليما وغير معرض للإلغاء من هذا الجانب.
غير أن التساؤل الذي يطرح نفسه هو ما الهدف من جعل المشرع الحكم القاضي بإعادة الإدماج وإلزام المستخدم بالقيام بالإجراء المعمول به مع التعويض ابتدائي ونهائي؟ إذ كان من الممكن اعتبار الحكم تحضيريا قبل الفصل في الموضوع بإلزام المستخدم بالقيام بإجراء كذا…
وقد قامت الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا بإعطاء تعريف للإجراءات القابلة لأن تصحح، وهذا في قرارها الصادر بتاريخ 21 مارس 2001، في ملف رقم 213831، وقد جاء في قرارها ما يلي:
“حيث طعنت بالنقض المؤسسة العمومية للرهان الرياضي في الحكم الاجتماعي الصادر بتاريخ 23/05/1998 عن محكمة بئر مراد رايس القاضي بإلغاء قرار الطرد التعسفي المؤرخ في 24/09/1997 مع إلزام المدعى عليه بتطبيق الإجراءات القانونية وفقا للمادة 9 من الأمر 96/21 فقرة أولى، وأن تدفع له تعويضا لا يقل عن أجرة ستة أشهر.
وحيث أن ما يقصده المشرع في هذا النص من تصحيح بالإجراءات القانونية و/أو الاتفاقية الملزمة لا يمكن أن يتعلق بالإجراءات التأديبية، ذلك أن هذه الإجراءات من النظام العام، ولا يمكن تدارك الأخطاء أو المخالفات التي قد تشوب سريانها، وإن ما يقصده المشرع هي الإجراءات المتخذة في التسريح غير التأديبي، وعليه يكون ما قضى به الحكم المطعون فيه مخالفا للقانون ويتعين عندئذ نقضه”.
الأثر الثالث: منح العامل تعويضا ماليا على نفقة المستخدم لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه كما لو استمر في عمله:
والملاحظ هنا أن المبلغ المالي الممنوح للعامل الذي تعرض إلى تسريح تأديبي مخالفة للإجراءات القانونية و/أو الاتفاقيات الملزمة، هذا المبلغ المالي يعادل الأجرة التي كان يتقاضاها العامل أثناء فترة عمله، وقد سماه المشرع تعويضا بدل أجرة ذلك أن الأجرة تكون مقابل عمل مؤدى، وذلك طبقا للمادة 53 من قانون 90/11، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هذا التعويض يغطي الفترة التي تسبق الحكم فقط، أم يمتد إلا مرحلة ما بعد الحكم وإلى غاية التنفيذ؟
إن من خصائص التعويض أنه يمنح ليغطي الضرر الحاصل والواقع والحالي، ولا يشمل الأضرار المستقبلية والمحتملة الوقوع، وبالتالي فإن منحه يكون مقتصرا على مرحلة ما قبل الحكم فقط، أي تغطية الضرر الحاصل فقط.
وبعد تطرقنا إلى التسريح التأديبي، مفهومه، حالاته، إجراءاته وآثاره، وذكرنا أنه في حالة ارتكاب العامل خطأ جسيما فإن هذا سوف يعرضه إلى التسريح التأديبي، غير أنه قد يكون قرار التسريح في هذه الحالة تعسفيا إذا لم يراع المستخدم إجراءات التسريح التأديبي، وعليه سوف نتطرق في المبحث الثاني من هذه المذكرة إلى تعريف التسريح التعسفي، عبء إثباته، وكذا الآثار المترتبة عنه.
المبحث الثاني: التسريح التعسفي، عبء إثباته والآثار الناتجة عنه
إن أكثر القضايا المطروحة أمام المحكمة الفاصلة في المسائل الاجتماعية هي تلك المتعلقة بالتسريح التعسفي، إذ لا تكاد تخلو أي جلسة من جلسات القسم الاجتماعي إلا وبها عدد هائل من القضايا التي يدعي فيها العمال تعرضهم إلى التسريح التعسفي من قبل أرباب العمل، فيا ترى ماذا نقصد بالتسريح التعسفي؟ وعلى من يقع عبء إثبات الإنهاء التعسفي؟ ذلك ما سوف نتناوله في المطلب الأول، ثم ما هي الآثار الناتجة عنه في المطلب الثاني.
المطلب الأول: مفهوم التسريح التعسفي:
لقد سلف الذكر أنه لصاحب العمل سلطة إيقاف او فصل العامل، وذلك بموجب علاقة التبعية التي تربط بين العامل ورب العمل، وذلك حماية لمصالح رب العمل من جهة وضمانا لاستقرار وفعالية النظام في المؤسسة من جهة أخرى.
غير أن سلطته هذه مقيدة في حدود الأخطاء الجسيمة المنصوص عليها في المادة 73، ذلك أن المادة 73 قبل تعديلها تركت للأنظمة الداخلية مجال تحديد الأخطاء والعقوبات الموافقة لها، بما فيها عقوبة العزل أو التسريح التأديبي وهو ما خلق مشكلا كبيرا إذ تباينت الأنظمة الداخلية للمؤسسات الاقتصادية في تحديد الأخطاء التي توجب التسريح، فما يعد خطأ جسيما في مؤسسة ما وبالتالي يستوجب التسريح، لا يعد كذلك في مؤسسة أخرى، وهو ما جعل المشرع في تعديله المادة 73 بموجب قانون 91/29 يلجأ إلى حصر الأخطاء الجسيمة التي ينجم عنها التسريح، وذلك ضمانا لعدم تعسف أصحاب العمل، وأيضا لتفادي مشكل آخر كان قائما في ظل المادة 73 قبل لتعديلها، وهو يخص المؤسسات التي كانت تشغل أقل من 20 عاملا، وبالتالي فهي غير ملزمة بوضع قانون داخلي.
الفرع 1: ما هي الحالات التي يعتبر فيها التسريح تعسفيا:
تنص المادة 73-4 المدرجة بالمادة 9 من قانون 91/29 على أنه “إذا حدث تسريح العامل خرقا لأحكام المادة 73 اعلاه يعتبر تعسفيا”. وعليه فإن الحالة التي يعتبر فيها التسريح تعسفيا هي:
1- إذا وقع خارج حالة من الحالات المنصوص عليها في المادة 73. ذلك أم هذه الحالات وردت على سبيل الحصر، وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 4 جوان 1994.
2- تنص المادة 73-1 المدرجة بالمادة 3 من قانون رقم 91/29 “يجب أن يراعي المستخدم الظروف التي ارتكب فيها الخطأ…” وعليه فإن الحالة الثانية من الحالات التي يعد فيها التسريح تعسفيا هو عدم مراعاة صاحب العمل الظروف التي ارتكب فيها الخطأ. إذ أنه تعتبر هذه القاعدة آمرة في صياغتها ولا يجوز لصاحب العمل مخالفتها، وإلا اعتبر تصرفه باطلا وتسريحه تعسفيا، وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 6 مارس 1989.
3- تسريح العامل أجير في غياب النظام الداخلي: تنص المادة 73-2 “يعلن عن التسريح المنصوص عليه في المادة 73 أعلاه ضمن احترام الإجراءات المحددة في النظام الداخلي”.
يتبين من خلال هذه المادة أنه لا يمكن للمستخدم أن يتخذ قرار التسريح إلا بوجود نظام داخلي في مقر الهيئة المستخدمة، وبمفهوم المخالفة فإن كل تسريح تأديبي متخذ من قبل صاحب العمل في غياب النظام الداخلي يعد تعسفيا.
وفي هذا الإطار هناك قرار الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا الصادر بتاريخ 20/12/1994 تحت رقم 111984، وتتلخص وقائع القضية أن (ش و ل ب)وحدة الصيانة بعين البيضاء قامت بتسريح المدعو (ن.م) فطعن هذا الأخير في قرار الفصل أما محكمة عين البيضاء مستندا في ذلك إلى غياب إجراء شكلي جوهري متمثل في انعدام النظام الداخلي، غير أن المحكمة أصدرت حكما ابتدائيا علانيا في 24/02/1992 قضى برفض الدعوى لعدم التأسيس، فاستأنف العامل المطرود الحكم أما مجلس قضاء أم البواقي، فأصدر المجلس قرارا بتاريخ 20 جوان 1992 قضى بتأييد الحكم، فطعن حينها العامل بالنقض أمام الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا بتاريخ 25 أكتوبر 1992 مؤسسا طعنه على وجه واحد وهو مخالفة الهيئة المستخدمة لإجراء جوهري يتمثل في انعدام النظام الداخلي، فأصدرت الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا قرارا نهائيا بتاريخ 20/12/1994 جاء فيه ما يلي:
“حيث أنه وبالرجوع إلى ملف القضية وإلى القرار المنتقد يتضح بأن المدعي في الطعن يعتبر التسريح الذي تعرض إليه تعسفيا لعدم وجود النظام الداخلي لدى الهيئة المستخدمة، ومتى كانت أحكام المادة 73 من قانون 90/11 المؤرخ في 21 أفريل 1990 تقضي بان عقوبة العزل يتم تسليطها في حالة ارتكاب العامل أخطاء مهنية جسيمة حسب الشروط المحددة في النظام الداخلي، وأنه طبقا للمادة 77 من نفس القانون فإن النظام الداخلي يحدد طبيعة الخطاء المهنية ودرجة عقوبتها وإجراءات تنفيذها.
ولما كان من الثابت في قضية الحال أن عقوبة العزل التي سلطت على المدعي تمت في غياب النظام الداخلي مما يعد خرقا لأحكام المادتين 73 و77 المذكورتين أعلاه.
ولهذه الأسباب قررت المحكمة العليا قبول الطعن شكلا وفي الموضوع إبطال القرار المطعون فيه الصادر في مجلس قضاء أم البواقي بتاريخ 20 جوان 1992.
4- إذا وقع تسريح العامل خرقا للإجراءات التأديبية القانونية و/أو الاتفاقية الملزمة فإنه يعد تسريحا تعسفيا، وقد سبق شرح الإجراءات التأديبية.
5- تنص المادة 73-3 من قانون 90/11 المعدل والمتمم بأنه: “كل تسريح فردي يتم خرقا لأحكام هذا القانون يعتبر تعسفيا، وعلى المستخدم أن يثبت العكس”.
وفي الواقع أن تسريح العامل كما هو محدد بقانون رقم 91/29 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991 المعدل والمتمم للقانون رقم 90/11 المؤرخ في 21 أفريل 1990 المتعلق بعلاقات العمل في نص المادة 73 بأنه: “يعتبر قرار التسريح تعسفيا وذلك رغم أن قرار التسريح جاء منفذا أو طبقا لكل الإجراءات القانونية والاتفاقية الملزمة المحددة بالأنظمة الداخلية للمؤسسات، ولكن رغم هذا يكون التسريح تعسفيا نظرا لكون الخطأ المنسوب للعامل غير ثابت في حقه، ومثال ذلك أن يطرد صاحب العمل العامل من منصبه على أساس أنه شتمه ويستدل صاحب العمل ببعض العمال على أساس أنهم شهود وفي الأخير تبين أن العمال صرحوا في المحاضر بأنهم لم يسمعوا الشتم الموجه لصاحب العمل، فهنا إجراءات الفصل صحيحة، ولكن الخطأ المنسوب للعامل غير ثابت وهو ما أكده الحكم الصادر عن محكمة سطيف بتاريخ 25-4-1994 رقم 1 فهرس 18 حيث يستخلص من هذا الحكم ما يلي: “تبين من طلبات ودفوع لكل من الطرفين والمستندات المرفقة بالملف أن واقعة السب والشتم التي تم تأسيس قرار التسريح على أساسها مردود عليه، ويصبح الخطأ غير ثابت في حق العامل، وذلك أن صاحب العمل أو المسؤول قد بنى ادعاءاته على أساس أن العمال كانوا حاضرين، ومن قراءة الملف تبين العكس، وهذا من خلال تفحص المحاضر وسماع العمال الذين صرحوا بان العامل طلب رخصة الخروج ولم يقم بالسب والشتم، وعليه نستنتج أن الخطأ غير ثابت وأن القرار المتخذ من قبل الهيئة المستخدمة تعسفيا، والتصريح بإبطاله وإعادة الحال إلى ما كانت عليه قبل اتخاذ قرار التسريح، لأن القرار يفتقر إلى الدليل وغير مسبب، وأن القانون رقم 91/29 المعدل والمتمم للقانون 90/11 ينص صراحة بالمادة 73-3 على أنه كل تسريح فردي يتم خرقا لأحكام هذا القانون يعتبر تعسفيا، وعلى المستخدم إثبات العكس، مما يستوجب في قضية الحال التصريح بأن القرار تعسفي”.
وفي قرار آخر صادر عن المحكمة العليا بتاريخ 17 جانفي 2001 بخصوص مسألة ثبوت الخطأ في حق العامل المعرض للتسريح جاء فيه: “حيث أن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه انعدامه للأسباب ذلك أن مقرر التسريح المتخذ في حق الطاعن غير شرعي لكون الطاعن كان في عطلة من أجل تعويض الساعات الإضافية من 7 أفريل 1997 إلى 9 أفريل 1997، وفي عطلة مرضية من 10 أفريل 1997 إلى 14 أفريل 1997 ووقعت مصالح المؤسسة استلام الشهادات المرضية، واعتبرته في وضعية التخلي عن منصب العمل، غير أن القاضي لم يتطرق إلى دفوع الطاعن”.
حيث أنه وبالرجوع للحكم المطعون فيه يتضح أن قاضي الموضوع قد اعتمد في قضائه على أن الطاعن لم يقدم الشهادات الطبية في الأجل وأنه سبق له وأن تعرض لعقوبات تأديبية نتيجة للغيابات المتكررة.
وحيث أن مثل هذا التحليل ولا سيما الاعتماد على السوابق التأديبية التي لا شأن لها في قضية الحال لا يعطي الحكم الأساس القانوني، ولا التسبيب الكافي ذلك أنه كان على قاضي الموضوع أن يناقش الخطأ المنسوب للطاعن ويكيفه بتحديد درجاته من الخطورة والعقوبة التأديبية المسلطة عليه بالنظر إلى ما ينص عليه القانون ولا سيما المادة 73 من قانون 91/29 والمادة 9 من الأمر 96/21 الصادر في 79/96، والنظام الداخلي بمفهوم مدى موافقته بالقانون، وألا يعتمد في قضائه على السوابق التأديبية وعلى الأجل في تقديم الشهادات الطبية، ذلك الأجل المتنازع فيه من طرف الطاعن وعليه يستوجب القول أن الحكم المطعون فيه مشوب بالقصور مما يعرضه للنص.
إذن عدم ثبوت ارتكاب الخطأ من قبل العامل يجعل التسريح التأديبي حتى ولو تم وفقا للإجراءات التأديبية تسريحا تعسفيا، وهو المبدأ الذي أقرته وأكدته المحكمة العليا في عدة قرارات لها ومنها القرار الصادر بتاريخ 13 ديسمبر 2001 “من الثابت أن الخطأ المنسوب لما يكون غير ثابت أو غير قائم يجعل قرار التسريح تعسفيا ولو احترمت الإجراءات التأديبية”.
6- حالة أخرى من الحالات التي يعتبر فيها التسريح تعسفيا، وهو تسريح العامل عند انتهاء مدة عقد العمل المبرم مخالفة للمادة 12 من قانون 90/11، ذلك أن عقد العمل المحدد المدة ينصب على إنجاز أعمال ذات طبيعة مؤقتة أو موسمية، وهي الأعمال التي تقتضي مدة محدودة لإنجازه، وذلك طبقا لما ورد في المادة 12 من قانون رقم 90/11 المتممة بالمادة 2 من قانون 96/21 التي تنص على أنه: “يمكن إبرام عقد العمل لمدة محدودة بالتوقيت الكامل أو التوقيت الجزئي في الحالات المنصوص عليها صراحة أدناه:
أ- عندما يوظف العامل لتنفيذ عمل مرتبط بعقود أشغال أو خدمات غير متجددة.
ب- عندما يتعلق الأمر باستخلاف عامل مثبت في منصب تغيب عنه مؤقتا، ويجب على المستخدم أن يحتفظ بمنصب العمل لصاحبه.
ج- عندما يتطلب الأمر من الهيئة المستخدمة إجراء أشغال دورية ذات طابع متقطع.
د- عندما يبرر ذلك تزايد العمل أو أسباب موسمية.
ه- عندما يتعلق الأمر بنشاطات أو أشغال ذات مدة محدودة أو مؤقتة بحكم طبيعتها.
ويبين بدقة عقد العمل، في جميع هذه الحالات مدة علاقة العمل، وأسباب المدة المقررة”.
إذن عقد العمل المحدد المدة يجب أن لا يخرج عن إحدى هذه الحالات المنصوص عليها في المادة 12، ويجب أن يذكر في عقد العمل بدقة سبب تحديد مدة العقد ذلك أن الأصل في عقود العمل هو أنها تبرم لمدة غير محددة وذلك حسب نص المادة 11، ومن ثم تنتهي علاقة العمل المنعقدة بين العامل والمستخدم طبقا للمبادئ العامة للعقود المحددة بانتهاء المدة المتفق عليها فلا يترتب أي التزام على عاتق طرفي العقد، إلا فيما يتعلق بإمكانية الإعلام بنية عدم تجديد العقد من أحد الطرفين، إذ انه يمكن أن يفسر السكوت في هذه الحالة والاستمرار في تنفيذ الالتزام رغبة في تجديد العقد وتمديده، وهنا يتحول العقد إلى عقد غير محدد المدة.
كما يمكن إنهاء العقد محدد المدة قبل حلول أجله باتفاق الطرفين، وفي هذا الصدد فإن تسريح العامل دون صدور خطأ منه وقبل انتهاء مدة العقد، يعد هو الآخر تسريح تعسفي، ومن ثم فإن هذا النوع من عقود العامل يتقارب مع العقود غير محدد المدة من حيث تطبيق نظرية التعسف في التسريح مع إثباته.
كما أن إبرام عقد عمل محدد المدة خارج عن إحدى الحالات المذكورة في المادة 12 من قانون 90/11 فإن هذا يجعله عقد غير محدد المدة طبقا للمادة 14 من قانون 90/11، ومن ثم تسريح العامل عند انتهاء مدة العقد المبرم مخالفة للمادة 12 ودون ارتكاب خطأ جسيم منه يعد تسريحا تعسفيا.
أما بخصوص الأفعال الجزائية التي يعاقب عليها التشريع الجزائي، والتي تعد أخطاء جسيمة حسب نص المادة 73 من قانون رقم 90/11 المعدلة والمتممة بالمادة 2 من قانون 91/29 “وعلاوة على الخطاء المهنية الجسيمة التي يعاقب عليها التشريع الجزائي” فإن المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 17 جانفي 2001 اعتبرت أن الخطأ المهني المؤدي إلى إنهاء علاقة العمل والذي يشكل جريمة في القانون الجزائي لا يمكن اعتماده كسبب للتسريح ما لم يثبت وقوعه بحكم قضائي نهائي حائز قوة الشيء المقضي فيه قبل التسريح من العمل، إذ جاء في قضية رقم 211629 بين (م.أ) و (ص.م) وفي حيثيات قرار المحكمة العليا أنه: “لكن حيث أنه بالرجوع إلى الحكم المنتقد تبين منه أن قاضي الدرجة الأولى أسس قضاءه بأن تهمة السرقة المنسوبة للعامل تعد من الأخطاء التي يعاقب عليها القانون الجزائي والتي لا يمكن إثباتها في حق العامل إلا بموجب حكم قضائي نهائي بإدانته وفي قضية الحال فإن هذه التهمة تبقى مجرد اتهام غير ثابت في حق العامل بانعدام الحكم القضائي.
وحيث أنه من الثابت من اجتهاد المحكمة العليا أن الخطأ المهني المؤدي إلى إنهاء علاقة العمل والذي يكون جريمة في القانون الجزائي لا يمكن اعتماده كسبب للتسريح ما لم يثبت وقوعه بحكم نهائي حاز قوة الشيء المقضي فيه قبل الإعلان على التسريح.
وحيث أن قاضي الدرجة الأولى لما أسس قضاءه بأن طرد العامل لا يوجد ما يبرره بانعدام الحكم القضائي المثبت للخطأ فإن قضاءه مطابق للاجتهاد القضائي”.
الفرع 2: عبء إثبات الإنهاء التعسفي:
بادئا بذي بدء نقول أن الإنهاء التعسفي يتحقق بثبوت أمر من الأمور التالية:
1- عدم استناده لأي مبرر أي أن الإنهاء لا يستند إلى سبب معين بموجبه يتم وضع حد لعلاقة العمل التي تربط بين الطرفين، وإنما قرار الإنهاء هذا ما جاء إلا ليعبر عن رغبة أحد الطرفين في التحلل من عقد العمل.
2- عدم جدية مبرر الإنهاء: ومثال ذلك أن يكون صاحب العمل في قراراه المتخذ بشأن تسريح العامل يستند إلى مبرر تافه وغير جدي.
3- عدم صحة المبرر: كأن يكون تسريح العامل بحجة انه ارتكب خطأ جسيما في حين أن هذا الخطأ غير ثابت في جانب العامل.
ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه هو: من يتحمل عبء إثبات التعسف، هل هو صاحب العمل أم العامل؟
طبقا للقواعد العامة في القانون المدني في شأن السبب، فإن الطرف المنهي لا يلتزم بذكر السبب الذي استند إليه فيما أقدم عليه من إنهاء، بحيث أنه لا يجوز أن يستفاد من السكوت عن ذكر سبب الإنهاء خلوه من المبرر، على اعتبار ما تقرره المادة 98 من القانون المدني”كل التزام مفترض أن له سببا مشروعا ما لم يقع الدليل على غير ذلك. ويعتبر السبب المذكور في العقد هو السبب الحقيقي حتى يقوم الدليل على ما يخالف ذلك، فإذا قام الدليل على صورية السبب فعلى من يدعي أن للالتزام سببا آخر مشروعا أن يثبت ما يدعيه”.
ويقابل هذه المادة 137/1 من القانون المدني المصري، بل وأكثر من هذا فإنه لا يستفاد التعسف من مجرد عدم صحة السبب المذكور للإنهاء، لأن هذا يفتح الباب عندئذ للطرف المنهي أن يثبت سببا آخر مشروعا، وهو ما يستفاد من نص المادة 98/2 ق.م.
كما أن مقتضى القواعد العامة في استعمال الحقوق أن الأصل هو شرعية استعمالها ما لم يقم الدليل على خلاف ذلك ممن يدعيه باعتباره هو الذي يدعي خلاف الثابت أصلا ، وهو ما يتفق مع القواعد العامة في الإثبات الشرعية و القانونية .
أما فيما يتعلق بعبء لإثبات التسريح الصادر من رب العمل فإن قواعد الإنهاء لخطأ تأديبي توجب على صاحب العمل أن يفصح عن الأسباب المبررة لقراره بالتسريح، وهو ما يمثل التزاما بالإعلان عن السبب الذي استند إليه في فصل العامل، بحيث إذا امتنع عن تقديمه قامت قرينة على تعسف الإنهاء لمصلحة العامل، ومنه يستنتج أنه على الطرف الذي ينهي العقد أن يفصح عن الأسباب التي أدت إلى هذا الإنهاء، فإذا لم يذكرها قامت قرينة لصالح الطرف الآخر على أن إنهاء العقد وقع بلا مبرر.
إلا أن صاحب العمل وإن التزم بتقديم أسباب ومبررات الإنهاء – التسريح – فإنه غير مطالب بإثبات صحتها، فإذا ذكر صاحب العمل سبب فصل العامل، فليس عليه عبء إثبات صحة هذا السبب، وإنما يكون على العامل عبء إثبات عدم صحته، وأن التسريح لم يكن له ما يبرره، فإذا أثبت العامل عدم صحة المبرر الذي يستند إليه صاحب العمل في فصله، كان هذا دليلا كافيا على تعسف صاحب العمل.
وفيما يلي نتناول في المطلب الثاني الآثار الناتجة عن التسريح التعسفي.
المطلب الثاني: الآثار الناتجة عن التسريح التعسفي:
تنص المادة 73-4 فقرة 2 من قانون 90/11 المعدلة بالمادة 9 من قانون رقم 96/21 على أنه: “وإذا حدث تسريح العامل خرقا لأحكام المادة 73 أعلاه يعتبر تعسفيا، تفصل المحكمة المختصة ابتدائيا ونهائيا إما بإعادة إدماج العامل في المؤسسة مع الاحتفاظ بالامتيازات المكتسبة. أو في حالة رفض أحد الطرفين يمنح العامل تعويضا ماليا لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه العامل عن مدة ستة أشهر من العمل دون الإخلال بالتعويضات المحتملة، ويكون الحكم الصادر في هذا المجال قابلا للطعن بالنقض”.
وتنص المادة 73-5 المدرجة بالمادة 3 من قانون رقم 91/29 “يخول للعامل الذي لم يرتكب خطأ جسيما الحق في مهلة العطلة التي تحدد مدتها الدنيا في الاتفاقات أو الاتفاقيات الجماعية”.
المادة 73-6 المدرجة بالمادة 3 من قانون رقم 91/29 “للعامل المسرح الحق طوال مدة مهلة العطلة في ساعتين كل يوم قابلتين للجمع ومأجورتين حتى يتمكن من البحث عن منصب عمل آخر”.
إذن من خلال المادة 73-4 يتبين لنا آثار التسريح التعسفي، والتي سوف نتعرض لها بنوع من التحليل فيما يلي:
الفرع الأول: إعادة الإدماج مع الاحتفاظ بالامتيازات المكتسبة:
1- إعادة الإدماج:كما هو معلوم أنه حتى تقبل دعوى العامل الذي تعرض إلى التسريح التعسفي أمام الجهات القضائية المختصة فإنه يجب أن يكون قد استنفذ جميع مراحل التسوية الودية للنزاع القائم بينه وبين رب العمل، ومن بين هذه المراحل هناك مرحلة جوهرية أما مكتب المصالحة فبعد عرضه النزاع على هذا المكتب عن طريق مفتش العمل وتولي هذا الأخير استدعاء طرفي النزاع وهما العامل والمستخدم ومحاولة إيجاد حل وسطي يرضي جميع الأطراف، فإذا قبل كل طرف بالحل الودي حرر محضر المصالحة، وفي حالة استمرار الخلاف فيحرر عندئذ محضر عدم مصالحة طبقا للمواد 19، 36، 37 من قانون 90/04 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل، ويمنح للعامل الذي له أن يلجأ إلى القضاء. وذلك عن طريق رفع دعوى أما المحكمة الفاصلة في المسائل الاجتماعية ملتمسا منها جملة من المطالب والتي لم تتم بشأنها المصالحة، وهي تتمثل أساسا في إلغاء قرار التسريح، إعادة إدماج العامل في منصب عمله، التعويض.
ويتضح من خلال المادة 73-4 فقرة 2 أن المشرع تبنى اجتهاد المحكمة العليا حول حتمية إرجاع العامل إلى منصب عمله عند إلغاء قرار التسريح، غير أنه وفي حالة رفض أحد الطرفين يمنح العامل تعويضا ماليا، ولكن التساؤل الذي نثيره في هذا الصدد هو:
هل يمكن للعامل المسرح تسريحا تعسفيا اللجوء إلى القسم الاستعجالي بالمحكمة الاجتماعية من أجل توقيع الغرامة التهديدية على صاحب العمل في حالة رفض هذا الأخير تنفيذ الحكم القضائي القاضي بإعادة إدراجه إلى منصب عمله؟
وللإجابة عن هذا التساؤل نشير إلى أن المبدأ العام الوارد في قانون الإجراءات المدنية طبقا للمادة 340 من قانون الإجراءات المدنية، أن كل الأحكام والقرارات القضائية الممهورة بالصيغة التنفيذية تخول لصاحبها الحق في اللجوء إلى الجهات القضائية المختصة للمطالبة بتوقيع الغرامة التهديدية.
غير أنه وبما أن المادة 73-4/2 من قانون 90/11 المعدل، أنه في حالة رفض أحد الطرفين إعادة الإدماج يمنح العامل تعويضا ماليا، وبالتالي هنا الخاص يقيد العام إذ لا يمكن للعامل الذي بيده حكم ابتدائي ونهائي أن يطالب بتوقيع الغرامة التهديدية ضد صاحب العمل الذي رفض الامتثال إلى الحكم القاضي بإعادة إدراج العامل إلى منصب عمله.
ولكن الملاحظ أن حق رفض إعادة الإدماج هذا الذي منحه المشرع لأحد الطرفين يخدم مصلحة المستخدم أكثر مما يخدم مصلحة العامل.
2- مفهوم الامتيازات المكتسبة:
إن هذا المفهوم مستعار من القانون الفرنسي وبالتالي فكل محاولة تهدف إلى تعريفه ترجتها بالمراجعة للاجتهاد الفرنسي ويعرفها الاجتهاد الفرنسي على أنها جملة الامتيازات الفردية والجماعية الناتجة عن القانون والتنظيم وعقد العمل والاتفاقية الجماعية ، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هو متى تصبح هذه الامتيازات مكتسبة؟
لقد توصل الاجتهاد الفرنسي إلى أن هذه الامتيازات تصبح مكتسبة إذا تمتع بها العامل أثناء تواجده بمكان العمل أي أن هذه الامتيازات متعلقة بأقدميته.
وقد جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 18 جانفي 2000 في ملف رقم 182539 في حيثية لها أن: “الامتيازات المكتسبة تعتبر حقوقا قائمة وغير احتمالية يستمدها العامل إما من القانون، وإما من النظام الداخلي، وإما من عقد العمل، وإما من الاتفاقيات الجماعية، وكان يستفيد منها طيلة سريان علاقة العمل، وأنه على هذا الأساس تعتبر الامتيازات المكتسبة بمثابة الحقوق المكتسبة”.
غير أنه فيما يخص موضوع الأجر، فإن قبول إعادة إدماج العامل من طرف مستخدمه أثناء سريان الدعوى، فإن ذلك يؤدي إلى اعتبار عقد العمل كأنه ساري المفعول، وبالتالي إلى اعتبار الأجر مستحق الأداء من يوم التسريح إلى غاية الإدماج غير أن محكمة النقض الفرنسية قررت منح تعويض للعمال عن هذه الفترة لأن العامل لم يقدم عملا في هذه الفترة، وعلى خلاف ذلك قررت المحكمة العليا في القرار السالف الذكر بتاريخ 28 جانفي 2000 “أن ما يمنح للعامل في هذه الحالة بالذات أي عند الحكم بإعادة الإدماج بسبب الطابع التعسفي للتسريح ليس التعويض، وإنما الأجور المتعلقة بالفترة التي لم يعمل فيها أثناءها بسبب المستخدم، وكذلك ملحقات الأجر والامتيازات العينية التي يكون قد استفاد منها”.
وفي هذا المجال يعلق القاضي دحماني مصطفى على هذه الحيثية بقوله: “إننا فيما يتعلق باعتبار الأجر امتياز مكتسب فإنه في نظرنا لا يعتبر كذلك بالنظر إلى طبيعته، لأنه يدفع مقابل عمل طبقا للمادة 80من قانون رقم 90/11 التي نصت على أنه للعامل الحق في أجرة مقابل العمل المؤدى، ويتقاضى بموجبه مرتبا أو دخلا يتناسب ونتائج العمل”.
ولكن لو سلمنا جدلا أن الأجر يدخل ضمن الامتيازات المكتسبة فهل يعقل أن يمنح للعامل العلاوات والمرتبات اللصيقة بالأجر عن فترة لم يعمل فيها خاصة تلك العلاوات المتعلقة بإنتاجية العمل ونتائجه ومن ثم يتعين علينا انتهاج خطى المشرع الفرنسي في ذلك وهو تعويضه عن قيمة الأجور.
ولكن السؤال المطروح هنا هو: هل على العامل تحديد هذه الامتيازات المكتسبة حتى يفصل فيها القاضي ما دام أن هذه الامتيازات منصوص عليها بقوة القانون؟
ويبدو أن الجواب سوف يكون نعم لأن القاضي مقيد في مهامه بواجب الحياد وليس له أن يحل محل الأطراف في طلباتهم، ولكن ما العمل إذا لم يطلبها أو لم يحددها العامل، فهل يحكم بها القاضي من تلقاء نفسه ما دام أنه قد تم النص عليها قانونا، ومن ثم يوردها عبارة في منطوق حكمه، متسببا في صعوبات عند تنفيذ الحكم، أو أنه يقومها نقدا.
إن مثل هذه التساؤلات لا زالت تطرح مشاكل على مستوى المحاكم، وذلك في انتظار اجتهاد المحكمة العليا بخصوصها.
الفرع الثاني: طلب التعويض عن الأضرار اللاحقة بالعامل:
على خلاف ما كان عليه التشريع في السابق فإن إلغاء قرار التسريح لا يعني بالضرورة رجوع العامل إلى منصب عمله، ذلك أنه يمكن لأحد طرفي علاقة العمل أن يرفض إعادة الإدماج والرجوع إلى منصب العمل وذلك طبقا لما ورد في المادة 73-4/2 حيث نصت على أنه ” وفي حالة رفض أحد الطرفين يمنح العامل تعويضا ماليا لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه العامل عن مدة 6 أشهر من العمل دون الإخلال بالتعويضات المحتملة”.
وطبقا لهذه المادة سوف نحاول دراسة ومعالجة هذا الرفض من خلال نقطتين أساسيتين هما:
1- كيفية وزمن التصريح عن الرفض:
يرى البعض أن حق رفض إعادة الإدماج وضع لصالح طرفي العقد، فهو يخدم مصالح صاحب العمل الذي أصبح بمقدوره التخلص من أجير لا يرغب فيه، كما أنه تقرر لمصلحة العامل الذي أصبح لا يرغب أن تجمعه بمستخدمه علاقة عمل، أو أثناء تسريحه تمكن من الحصول على عمل آخر يناسبه، وإن كان في الواقع أن استعمال هذا الحق الممنوح من قبل المشرع المتمثل في حق رفض إعادة الإدماج إلى منصب العمل يخدم مصلحة المستخدم أكثر مما يخدم مصلحة العامل، ذلك أن رفض العامل العودة إلى العمل يكاد يكون منعدما من الناحية العملية، وذلك نظرا لصعوبة إيجاد العامل منصب عمل آخر في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها المؤسسات الاقتصادية، وبهذا يكون المشرع قد منح قوة لصاحب العمل على حساب الطرف الضعيف في علاقة العمل، والذي لا يكون أمامه في هذه الحالة سوى المطالبة بالتعويضات المقررة قانونا.
وعلى العموم يجب أن يفصح عن رفض إعادة الإدماج أثناء سريان الدعوى بكيفية لا لبس فيها، وليس من الضروري أن يصرح عن الرفض بموجب دعوى مقابلة بل يكفي أن يعلن عنه في مذكرة الرد، ولكن لا يقبل في أي حال من الأحوال أن يعلن عن الرفض عند تنفيذ الحكم بالرجوع أي بإعادة الإدماج، وإلا تعرض صاحبه (أي صاحب العمل) إلى الغرامة التهديدية المنصوص عليها بموجب المادة 39 من قانون 90/04 التي تنص على أنه: “في حالة اكتساب الحكم الصيغة التنفيذية يحدد القاضي الغرامة التهديدية اليومية المنصوص عليها في المادتين 34 و35 من هذا القانون” ، وهذا المبدأ قد كرسته المحكمة العليا في عدة قرارات لها، قرار رقم 158118 الصادر بتاريخ 14/04/1998 وقرار رقم 158210 الصادر بتاريخ 14/7/1998، ومفادها هو أن اللجوء إلى الغرامة التهديدية كحق يكون عندما يرفض صاحب العمل القيام بالالتزامات المحكوم بها ضده بموجب حكم قضائي ممهور بالصيغة التنفيذية.
2- الآثار المترتبة عن ممارسة هذا الحق:
إن الأثر المترتب عن ممارسة هذا الحق هو ذلك الذي ذكرته المادة 73-4/2 نفسها، وهو منح العامل تعويضا ماليا لا يقل عن مدة 6 أشهر من العمل، ودون الإخلال بالتعويضات المحتملة، وأمام هذا التعويض يجد القاضي نفسه في صعوبة لتحديد مقداره فما دام أنه جاء في النص بأنه لا يمكن أ ن يقل عن ستة أشهر من العمل، فهو مجبر على الحكم به حتى ولو طلب منه أقل من ذلك، وإذا حدث وأن حكم بأقل من ذلك، فهنا يكون قد وقع في خطأ في تطبيق القانون.
غير أنه هناك صعوبة أخرى تعترض القاضي في تحديد مقدار هذا التعويض، وذلك بسبب أن المشرع لم يحدد حدا أقصى له،وطالما ان المحكمة العليا لا تبسط رقابتها عليه لأن الأمر يتعلق بواقعة مادية تخضع للسلطة التقديرية لقاضي الموضوع، ولذلك ينبغي عند تحديد التعويض الأخذ بعين الاعتبار أقدمية العامل، سنه، الصعوبات التي تعترضه في إيجاد عمل، التنقل من أجل البحث عن عمل، وامتيازات المسار المهني.
غير أن منح هذا التعويض ينبغي أن لا يمس بحق العامل في التعويضات الناتجة عن الضرر اللاحق بالعامل نتيجة تعرضه للتسريح التعسفي، والذي يحدد على أساس إساءة استعمال الحق في التسريح، وهذا خلافا لما أقره المشرع الفرنسي مصدر هذه المادة، في أن هذا التعويض ذو طبيعتين فهو بمثابة غرامة تفرض على صاحب العمل بمجرد تصريحه برفض إعادة إدماج العامل الذي بدوره قد لا يكون قد تضرر من قرار التسريح، لأنه وجد عملا مماثلا وفي أقصر الظروف، ومن جهة ثانية له طابع تعويض تدخل في تقديره عدة عوامل منها (ظروف العامل، مساره المهني، مدة البطالة، التنقل من اجل البحث عن عمل، العامل النفسي والفيزيولوجي)، على أن هذه التعويضات تمنح دفعة واحدة ويكفي أن تمنح المحكمة تعويضا ماليا يفوق الحد الأدنى المقرر قانونا لنستشف في منطوقها أنها دمجت التعويضين.
وخلاصة القول أنه لا يمكن لصاحب العمل تسريح العامل إلا إذا ارتكب خطأ مهنيا جسيما وفق الحالات المحددة حصرا بموجب المادة73، كما أنه منح العامل الذي ارتكب هذا النوع من الخطأ ضمانات يجب أن يتم ذكرها في النظام الداخلي، وكل تسريح مخالف لذلك يعد تعسفيا، وتحكم المحكمة الفاصلة في المسائل الاجتماعية ابتدائيا ونهائيا إما بإعادة إدماج العامل إلى منصب عمله مع الاحتفاظ بامتيازاته المالية المكتسبة، وإما بالتعويض المالي لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه العامل في مدة 6 أشهر من العمل في حالة رفض أحد الطرفين إعادة الإدماج.
– حق العامل في طلب التعويض عن مهلة العطلة:
وهو ما نصت عليه المادة 73-5 من قانون 90/11 المعدل، التي تخول للعامل الذي لم يرتكب خطأ جسيما الحق في مهلة العطلة والتي تحدد مدتها في الاتفاقيات الجماعية، وكذلك تنص المادة 73-6 من نفس القانون السالف الذكر أن للعامل المسرح الحق طوال مدة مهلة العطلة في ساعتين لكل يوم قابلتين للجمع ومأجورتين حتى يتمكن العامل من البحث عن منصب عمل آخر. فإن القانون في هذه الحالة منح العامل امتيازا بتمكينه من مهلة إخطار تحدد مهلتها الدنيا في الفترة التجريبية للعامل، على أن يمنح ساعتين في كل يوم مدفوعتي الأجر للبحث عن عمل بديل، ويجب هنا في هذه الحالة على القاضي أن لا يحكم للعامل المسرح بالتعويض عن مهلة الإخطار المحددة بالقانون إلا إذا توافر شرطان وهما:
1- عند عدم ارتكاب العامل لإحدى الأخطاء الجسيمة التي يترتب عنها الفصل عن العمل بدون مهلة وبدون أي تعويض.
2- وكذلك عند حكم القاضي بإعادة إدماج العامل في منصبه وإلا انتفى الغرض من منح مهلة الإخطار، لأن أساس التعويض عن العطلة في حالة التسريح التعسفي هو حق للعامل يلجا إليه القاضي عند عدم إصداره لحكم بإعادة إدماج العامل لأن نص المادة 73 من قانون 90/11 المعدل والمتمم بقانون 91/29 لم توضح ذلك، وإنما نصت في محمل المادة 73 مكرر عن مهلة العطلة في التسريح بصفة عامة، ولهذا نستنتج أنه لا فائدة من التطرق إلى هذه المادة فيما يخص مهلة العطلة والتعويض، فيما إذا صدر الحكم بإعادة الإدماج.
– أما بخصوص قرارات المحكمة العليا فيما يتعلق بالتعويض عن التسريح التعسفي،فقد جاء في فرار لها صادر بتاريخ 31 جانفي 1994 أنه: “من المقرر قانونا أنه لا يمكن أن يتقاضى العامل أجر فترة لم يعمل فيها مهما تكن وضعيته في الترتيب السلمي، ما عدا الحالات التي ينص عليها القانون أو التنظيم صراحة، وفي حالة فصل العامل تعسفيا يأمر القاضي بإعادة دمج العامل في منصب عمله الأصلي مع منحه التعويضات المستحقة له.
ولما ثبت أن النزاع الحالي يتعلق بفصل العامل تعسفيا، وأن قضاة الموضوع أمروا بدفع الأجور عن المدة التي كان متوقفا فيها عن العمل، فإنهم خالفوا القانون واستحق قرارهم النقض في هذه النقطة فقط”.
وقد جاء في حيثيات هذا القرار ما يلي:
عن الوجه الثالث: المبني على مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، باعتبار أن العامل كان في حالة تغيب مستمر من تاريخ آخر يوم عطلة شرعية إلى غاية تاريخ رفع الدعوى، فكيف يعقل أن تدفع له أجور عن هذه المدة، فقد خالف المجلس خاصة القانون رقم 90/11 المؤرخ في 21 أفريل 1990 في مادته 53.
حيث انه تنص المادة 79 من القانون رقم 82/06 المتعلق بعلاقات العمل الفردية، على أنه في حالة الفصل التعسفي يأمر القاضي بإعادة دمج للعامل مع منحه التعويضات المستحقة، وهو القانون المطبق على النزاع الحالي نظرا لتاريخ الوقائع.
وحيث أنه لما قضى قضاة الموضوع بدفع الأجور فإنهم بذلك قد خالفوا نص المادة المذكور آنفا مما يعرض قرارهم للنقض الجزئي في هذه النقطة القانونية فقط.
– وفي قرار آخر صادر عن الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا بتاريخ 10/3/1998 أقرت المحكمة العليا أنه في حالة التسريح المعتبر تعسفيا، يمكن للعامل أن يقدم طلب إلغاء قرار التسريح، أو أن يطلب تعويضا عن الضرر الحاصل لدى الجهة القضائية المختصة. ولما ثبت – في قضية الحال – أن قضاة الموضوع حكموا بالتعويض للمطعون ضده ابتداء من تاريخ توقفه إلى غاية رجوعه الفعلي للعمل، يكونون قد قضوا بالاستمرار في سريان التعويض وهو أمر غير قانوني، مما يعرض حكمهم للنقض.
وعليه فإنه يتضح لنا من خلال قرارات المحكمة العليا انه من بين آثار التسريح التعسفي هو حق العامل في الحصول على تعويض إذا ما رفض صاحب العمل إعادة إدماجه، وان هاذ التعويض يجب أن لا يقل عن الأجر الذي يتقاضاه العامل عن مدة ستة أشهر من العمل، فهذا المبلغ هو تعويض عن رفض إعادة الإدماج وليس بالأجر، ذلك أن الأجر لا يكون إلا مقابل عمل طبقا للمادة 53 من قانون 90/11، كما أن هذا التعويض يجب أن لا يكون مستمرا، وإنما يكون محدد المقدار.
هذا بالإضافة إلى التعويضات المحتملة إذ تنص المادة 73-4 فقرة 2 على ما يلي: “دون الإخلال بالتعويضات المحتملة”، ولعل أن المشرع يقصد بهذه العبارة هو التعويض عن الضرر اللاحق بالعامل نتيجة تسريحه تعسفيا.
– وفي قرار آخر للمحكمة العليا صادر بتاريخ 10/2/1998 في ملف رقم 155985 أكدت المحكمة العليا أن المبلغ الممنوح للعامل في حالة الطرد التعسفي هو تعويض وليس أجرا، وقد جاء في حيثيات قرارها ما يلي:
“إن المحكمة العليا ترى أنه لا بد من تذكير قضاة الموضوع بأن النص الواجب التطبيق في هذه الحالة هو المادة 73-4 من القانون رقم 90/11 المعدل والمتمم بالقانون رقم 91/29 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991 التي تمنح العامل المطرود تعسفيا الحق في المطالبة بالتعويض دون الأجور”.
– وفيما يلي وبعد أن تطرقنا إلى كل من التسريح التأديبي والتسريح التعسفي،وبينا مفهوم كل واحدة منهما وآثاره، نعرج إلى دور القاضي في بسط رقابته على الإنهاء التعسفي.
المبحث الثالث: الرقابة القضائية على الإنهاء التعسفي:
إن تعسف احد طرفي عقد العمل في اللجوء إلى الإنهاء التعسفي لهذا العقد، يرتب مسؤولية عقدية في جانب من تعسف في استعمال حقه في إنهاء عقد العمل، فيلتزم بالتعويض نتيجة الضرر الذي ألحقه بالطرف الآخر، ونحن هنا إذ نتكلم عن التعسف في إنهاء عقد العمل إنما نقصد به هو تعسف صاحب العمل في فصل العامل وتسريحه من منصب عمله الذي هو مصدر رزقه وقوت أولاده، وسواء كان ذلك بسبب عدم ثبوت ارتكاب الخطأ الجسيم أصلا في حق العامل، أو أن التسريح تم خرقا للإجراءات القانونية، وهنا يثار التساؤل حول مدى تقيد قاضي الموضوع بالوصف الذي يعطيه أطراف العقد للخطأ، وكذا مدى رقابة المحكمة العليا لقاضي الموضوع في تقديره للخطأ وجسامته؟
إن هذا التساؤل يجرنا إلى تساؤل آخر، ألا وهو إلى من تعود سلطة الرقابة لتقدير ما إذا كان قرار التسريح تعسفيا أم لا؟
هذا وقد أسلفنا الذكر فيما سبق أنه يجب على العامل قبل اللجوء إلى الجهات القضائية لممارسة حقه في إلغاء قرار التسريح المخول له بنص المادة 73-4 من قانون رقم 90/11 عليه أن يتقيد بجملة من الإجراءات تتمثل في عرض نزاعه داخل المؤسسة على رؤسائه، فإذا لم يلق صدى أخطر مفتش العمل الذي يحدد له جلسة بمكتب المصالحة، وتعد هذه الإجراءات من النظام العام يجب المرور عليها أولا، وإلا ترفض دعواه شكلا، إذ نصت المادة 1 من الأمر 75/32 الصادرة بتاريخ 29 أفريل 1975 والمتعلق بالعدالة في العمل “أن كل نزاع ناتج عن عقد العمل، أو عقد تدرج مهني بين صاحب العمل والعامل، وغير خاضع للقانون الأساسي العام للوظيف العمومي يحال على المحكمة المختصة إقليميا، ولم يتوصل هذا الأخير إلى توفيق بين الطرفين”.
كما تنص المادة 19 من قانون رقم 90/04 المؤرخ في 6 فيفري 1990 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل على أنه: “يجب أن يكون كل خلاف فردي خاص بالعمل موضوع محاولة للصلح أمام مكتب المصالحة قبل مباشرة أي دعوى قضائية”.
وعليه فإنه يوجد على مستوى كل محكمة حسب التنظيم القضائي الجزائري فرع للمسائل الاجتماعية مختص نوعيا في مراقبة النزاع بين أطراف علاقة العمل سيما إذا تعلق الأمر بإلغاء قرار التسريح في حالة تعرض العامل إلى الفصل التعسفي.
ولقد كان سائدا في القانون القديم وطبقا للمادة 77 من قانون رقم 82/06 التي نصت على عدم اتخاذ أي إجراء للفصل دون أخذ رأي لجنة التأديب المتساوية الأعضاء التابعة للمؤسسة وموافقتها على الفصل، وهو ما نصت عليه أيضا المادة 79/2 من نفس القانون السالف الذكر، وفي حالة إذا ما تم الفصل أو التسريح خرقا للأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل يأمر القاضي بإعادة إدماج العامل في منصبه مع منحه التعويضات.
غير أنه في قانون رقم 90/11 وضح بأن العامل يعزل في حالة ارتكابه خطأ جسيما، ولكنه لم يبين إجراءات العزل إلى أن صدر قانون رقم 91/29 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991 المتمم والمعدل لقانون 90/11 ونص على أنه يعلن عن التسريح المنصوص عليه بالمادة 73 أعلاه ضمن احترام الإجراءات المحددة في النظام الداخلي والتي يجب أن تتضمن التبليغ الكتابي لقرار التسريح، واستماع المستخدم للعامل المعني، وحق العامل في اختيار عامل آخر تابع لنفس الهيئة المستخدمة ليصطحبه.
ومنه يفهم أن مراقبة المحكمة تختلف عما كان سابقا في القانون القديم، فبعدما أن كان التسريح يخضع لرأي لجنة التأديب أصبح بمقتضى القانون الجديد من صلاحيات صاحب العمل وحده الذي يملك سلطة إصدار قرار التسريح بشرط أن يحترم الشروط والإجراءات المعمول بها في القوانين وبالأخص فانون رقم 91/29.
ولكن ما هو نطاق رقابة القاضي على التكييف الذي يعطيه الأطراف للخطأ المرتكب، ومن ثم لوصف التسريح؟
وهو ما سوف نتعرض له في المطلب الأول، أما في المطلب الثاني فنتناول مدى سلطة القاضي في مراقبة تنفيذ الأحكام.
المطلب الأول: دور القاضي في ونطاق رقابته:
من البديهي أن أول القيود والشروط التي ينبغي على قاضي الموضوع أن يلتزم بها في تقديره للخطأ الجسيم هو أن يكون الخطأ قد صدر فعلا من جانب العامل، إذ أن جسامة الخطأ تفترض قيام الخطأ ذاته.
ويثور التساؤل من جهة أخرى، حول مدى تقيد قاضي الموضوع لتقدير المتعاقدين للخطأ، ومدى خضوع قاضي الموضوع في تقديره هذا إلى رقابة المحكمة العليا.
نجيب عن هذه التساؤلات في النقاط التالية:
1- وجوب صدور خطأ في جانب العامل:
إذا كان المسلك أو الفعل الصادر من العامل يمثل مباشرة لأحد حقوقه المشروعة، فإن هذا الفعل لا يعد خطأ في جانبه، وليس هناك بالتالي محل للادعاء بخطأ جسيم يحرم العامل من أجره وعمله عند إنهاء صاحب العمل لعقد العمل. وكما هو معلوم أن عقد العمل باعتباره عقدا ملزما لجانبين، فإنه يجوز للعامل أن يمتنع عن الوفاء بالتزامه بأداء العمل، إذا تخلف صاحب العمل عن تنفيذ التزاماته، ومثال ذلك أن يمتنع أو يرفض العامل القيام بعمله في حالة تأخير صاحب العمل عن الوفاء بالتزامه بالأجر، وله أن يدفع بعدم التنفيذ عند مطالبة صاحب العمل إياه بأداء عمله، وبالمثل فإن امتناع العامل عن أداء عمل مجاني لا يمثل خطأ في جانبه.
وللعامل أن يمتنع عن أداء عمله، إذا كان مبنيا على شرط في العقد، وتطبيقا لذلك فقد قضي بأنه يجوز للعاملة الامتناع عن عملها إذا ورد في عقد العمل الذي يربطها وزوجها مع صاحب العمل شرط يقرر أن إنهاء عقد العمل بالنسبة لأحدهما يمتد إلى الآخر، وبالتالي فإن امتناع الزوجة عن عملها في حالة إنهاء صاحب العمل لعقد زوجها، فإن ذلك يعتبر إعمالا للشرط الوارد في العقد، ومن ثم فإنه لا يعد خطأ في جانبها.
ويجوز للعامل أن يقدم شكوى لصاحب العمل يطالب فيها بحقوقه المشروعة المستمدة من العقد ومن قانون العمل، ويعتبر ذلك حقا مشروعا للعامل حتى ولو وقع عليها عمال آخرون، وتقدم بها بعضهم تأييدا للشكوى، ويشترط في هذه الحالة ألا يكون ذلك من شأنه الإخلال بحسن سير العمل في المؤسسة المستخدمة، وعلى العكس فإن الترويج في مكان العمل لمطالب لا صلة لها بالعمل كما لو كانت من طبيعة سياسية يعد خطأ، ويتعرض العامل بسببه إلى عقوبة تأديبية، وهذا إذا ما نص صاحب العمل على ذلك في النظام الداخلي.
ولا شك أن مطالبة العامل لحقوقه قضائيا لا يمثل ذلك إخلالا بالتزام جوهري، ولا يعتبر من قبيل الخطأ أن يلفت العامل نظر صاحب العمل عن نقص في التجهيزات والأدوات اللازمة لسلامة العاملين، وخاصة إذا كان ذلك داخلا في اختصاص العامل، كما يجوز للعامل أن يشتغل في وقت فراغه في أعمال أخرى، طالما أن ذلك لا يتعارض مع أوقات عمله في المؤسسة المستخدمة، ولا يؤثر في مقدار الجهد والعناية اللازمين لأداء العمل، ولم يرد نص في عقد العمل أو في النظام الداخلي للمؤسسة يمنعه من أداء أعمال أخرى، ولا يتضمن هذا العمل منافسة لصاحب العمل، وعلى هذا فإن أداء العامل لهذه الأعمال الإضافية لا يعتبر خطأ، وبالتالي حرمان العامل من أجره وتسريحه من العمل.
2- مدى تقيد القاضي بالوصف الذي يعطيه أطراف العقد للخطأ:
إن الاتجاه في مصر يذهب إلى أنه قد تشدد بعض الأخطاء بناء على نص وارد في النظام الداخلي للمؤسسة المستخدمة، ويجوز للقاضي أن يعتد بهذا التحديد إذا تبين له أن ارتكاب هذه الأخطاء يؤدي إلى اضطراب في حسن سير المؤسسة المستخدمة والنظام فيها، كما لو نص النظام الداخلي على منع التدخين في مؤسسة توجد فيها مواد سريعة الاشتعال أو النص على أن الخروج من المصنع دون إذن يعتبر خطأ جسيما، إذا كانت طبيعة العمل في المصنع تستوجب ذلك، وخاصة أن النص في النظام الداخلي على جسامة هذه الأخطاء يتضمن تحذيرا للعامل على أهمية تفادي هذه الأخطاء، بحيث إذا اقترفها بالرغم من هذا التحذير يؤكد جسامة خطأ العامل، وهو عكس موقف المشرع الجزائري الذي حصر الأخطاء الجسيمة في المادة 73 من قانون رقم 90/11، وجعلها السبب الوحيد للتسريح التأديبي، ومن ثم فإن أي تسريح خارج عن هذا الإطار يعد تعسفيا.
غير أنه وبقراءتنا للمادة 77 من نفس القانون السالف الذكر نجدها تنص على أنه لصاحب العمل أن يضع النظام الداخلي ويحدد به طبيعة الأخطاء المهنية ودرجات العقوبة المطابقة لها، ومعروف أن الأخطاء المهنية تقسم إلى أخطاء درجة أولى، وأخطاء درجة ثانية، وأخرى درجة ثالثة، ونجد أن الأخطاء الدرجة الثالثة العقوبات الموافقة لها هي إما التنزيل من الرتبة، أو التسريح مع مهلة الإخطار والتعويض، أو التسريح بدون مهلة الإخطار والتعويض، كما أنه يفهم من نص المادة 73-5 من قانون 90/11 أن التسريح قد يكون حتى في حالة عدم ارتكاب العامل أخطاء جسيمة وفي هذه الحالة يكون للعامل الحق في مهلة العطلة التي تحدد مدتها الدنيا في الاتفاقات والاتفاقيات الجماعية، وهو ما يظهر التناقض الموجود بين نص المادة 73 من قانون 90/11 إذا ما اعتبر أن الخطاء الجسيمة الواردة فيها أتت على سبيل الحصر، وبين نص المادتين 77 و73-5 من نفس القانون.
وعليه فإن رقابة القاضي بخصوص تكييف الخطأ المرتكب من قبل العامل يختلف بحسب ما إذا كانت الأخطاء الجسيمة مذكورة على سبيل الحصر أو على سبيل المثال، وأيضا بحسب ما إذا راعى المستخدم عند تكييفه الخطأ الظروف التي ارتكب فيها هذا الخطأ.
وعلى كل فإن القاضي غير مقيد بما ورد في اتفاق المتعاقدين أو في النظام الداخلي للمؤسسة المستخدمة من تحديد الأخطاء الجسيمة، حيث أنه قد يتبين للقاضي أن هذه الأخطاء لا تخل بالسير الحسن للمؤسسة، ولا تلحق أضرارا بها، وتعتبر بالتالي النصوص التي تتضمن تحديدا لهذه الأخطاء متعارضة مع القواعد الآمرة الواردة في قانون العمل، فالقاضي وحده تحديد عناصر جسامة الخطأ، وهل أن الخطأ المرتكب يتناسب مع قرار التسريح إذ يقوم القاضي عند عرض النزاع عليه من طرف العامل في أغلب الأحيان بفحص جميع الشروط المتعلقة بقبول الدعوى كما له مراقبة جميع الشروط الشكلية والموضوعية لتوقيع عقوبة التسريح من طرف صاحب العمل، كما ينظر كذلك في مدى تحقق ووجود عنصر التعسف في توقيع هذه العقوبة، وهل أن صاحب العمل انحرف في استعمال السلطة المخولة له أم لا.
كما يقوم القاضي بدور الرقابة من حيث التكييف فيبحث في العناصر التي يتكون منها الخطأ الجسيم، والإدلاءات التي تقوم بها الجهة المستخدمة لتكييف العقوبة مع تناسبها للخطأ المقترف، ومثال ذلك كأن يقوم العامل بأعمال عنف وكانت العقوبة هي التنزيل، فكيف يكيف القاضي هذا العنف على أنه جسيم، وللإجابة على ذلك يجب أن يبحث القاضي عن مكان وقوع العنف، درجته، سببه، ومقداره، والضرر الناتج عنه، وعلى من وقع، لأن القاضي في هذه الحالة ينظر هل العنف المستعمل ضد مسؤول الخدمة هو نفس العنف الذي ارتكبه العامل ضد زميله، فهنا بدون شك يختلف الأمر.
3- مدى رقابة المحكمة العليا لقاضي الموضوع في تقديره للخطأ وجسامته:
طبقا للقواعد العامة للمسؤولية المدنية فإن لقاضي الموضوع سلطة تقدير الوقائع المنسوبة إلى المدعى عليه، ولكنه يخضع لرقابة المحكمة العليا في تكييفه القانوني لهذه الوقائع، من حيث كونها خطأ، ومن حيث تقدير جسامة هذا الخطأ، سواء كان ذلك في مجال المسؤولية العقدية أو المسؤولية التقصيرية، ويستتبع ذلك واجب قاضي الموضوع أن يعرف ويبين في حكمه الوقائع التي استمد منها تقديره للخطأ ومدى جسامته.
وفي مجال قانون العمل تجدر الإشارة إلى أن محكمة النقض الفرنسية سارت على نفس المبادئ المطبقة بالنسبة للمسؤولية المدنية، وألغت بالتالي الحكم الذي يقدر وجود الخطأ أو مدى جسامته بما يتعارض مع حقيقة الوقائع التي أثبتها قاضي الموضوع، فالتكييف القانوني للخطأ يدخل إذن ضمن مجال سلطة محكمة النقض في مصر وفرنسا، والمحكمة العليا في الجزائر، في الرقابة على أحكام قاضي الموضوع، وتتضاعف أهمية هذا الدور في مجال قانون العمل، حيث أن تقدير صدوره ينفي صفة التعسف عن إنهاء عقد العمل غير محدد المدة. كما أن انتفاء الخطأ الجسيم يعتبر شرطا من شروط تطبيق النصوص القانونية الواردة في قانون العمل، ونقصد بها المادة 73-5 من قانون 90/11 المعدل والتي يستمد منها العامل حقه في مهلة العطلة التي تحدد مدتها الدنيا في الاتفاقات والاتفاقيات الجماعية، والمادة 73-6 من قانون 90/11 التي تقضي بأن للعامل المسرح الحق في طوال مدة مهلة العطلة في ساعتين كل يوم مأجورتين حتى يتمكن من البحث عن منصب عمل آخر.
المطلب الثاني: مدى سلطة القاضي في مراقبته لتنفيذ الأحكام الاجتماعية:
نشير في بادئ الأمر أن كل الأحكام الصادرة والمتعلقة بإنهاء علاقة العمل، ونقصد هنا التسريح بنوعيه سواء كان تأديبيا أو تعسفيا تصدر ابتدائية و نهائية، أي أنها لا تقبل الطعن بالاستئناف.
وهو ما نصت عليه المادة 73-4 فقرة 1 من قانون 90/11 المعدل: “إذا وقع تسريح العامل مخالفة للإجراءات القانونية و/أو الاتفاقية الملزمة تلغي المحكمة المختصة ابتدائيا ونهائيا قرار التسريح…”. والمادة 73-4 فقرة 2 من قانون 90/11 “إذا حدث تسريح العامل خرقا لأحكام المادة 73 أعلاه يعتبر تعسفيا، تفصل المحكمة المختصة ابتدائيا ونهائيا…”. غير أنه من الناحية العملية نجد أن مثل هذه الأحكام تستأنف أمام الغرف الاجتماعية بالمجالس القضائية، ويعتبر ذلك خرقا للقانون وخطأ في تطبيقه، وهو ما ذهبت إليه الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا.
غير أنه وفي قرار آخر صادر في الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا، ومن اجل التطبيق السليم للمادة 21 من قانون 90/04 المتعلق بتسوية النزاعات الفردية في العمل، أي لمعرفة ما إذا كان الحكم الصادر عن المحكمة الاجتماعية ابتدائي ونهائي، فإنه يتعين على قضاة الاستئناف تفحص طلبات المدعي الأصلية، أي تلك التي تقدم بها منذ بدابة رفع الدعوى، والتي تهدف إلى إلغاء العقوبة التأديبية الصادرة ضده، فإن كان طلبه مرتكزا على عدم احترام المستخدم للإجراءات التأديبية أو خرق الاتفاقيات الجماعية، فإن الحكم الصادر في مثل هذه الحالة يكون ابتدائيا ونهائيا غير قابل للطعن بالاستئناف. أما إذا كان الطلب غير متعلق بالإجراءات المشار إليها، وإنما بالموضوع مباشرة، كان يدعي العامل أن الخطأ المنسوب إليه غير ثابت فإن الحكم الذي يصدر في مثل هذه الحالة يكون ابتدائيا قابلا للاستئناف.
وبخصوص دعوى رفعها عامل يدعي فيها بأنه لم يحال على اللجنة التأديبية فإن المشرع الجزائري لم ينص على مثل هذا الإجراء قانونا، وبالتالي لا يمكن الأخذ به إلا إذا نص عليه النظام الداخلي، وحسب الكيفية المحددة فيه، لذا يعتبر النظام الداخلي المرجع الوحيد للإجراءات التأديبية، وعليه وبالرجوع إلى هذا الأخير يتضح ما إذا كان المستخدم قد احترم الإجراءات التأديبية أم لا، وبناء على ذلك يقرر قاضي الموضوع ما إذا كان الحكم ابتدائي أو نهائي، ومتى توصل إلى أن الحكم نهائي فإنه يقضي بعدم قبول الاستئناف لعدم جوازه.
غير أنه وبقراءتنا المادة 73-4 فقرة 2 من قانون 90/11 المعدل والمتمم “إذا وقع تسريح العامل خرقا لأحكام المادة 73 يعتبر تعسفيا، تفصل المحكمة المختصة ابتدائيا ونهائيا…” يظهر لنا أن قرار الغرفة الاجتماعية بالمحكمة العليا هذا يبدو أنه أتى مخالفا لنص المادة 73-4/2 السالف الذكر، ذلك أن المادة 73 تتعلق بموضوع التسريح أي بتكييف وتحديد طبيعة ونوعية الخطأ الجسيم، ويتضح من خلال القرار السالف الذكر أن المحكمة الاجتماعية تفصل ابتدائيا بحكم قابل للاستئناف إذا تعلق الأمر بالموضوع، وفي هذا مخالفة للقانون.
ويبدو أن الحكمة التشريعية من جعل الحكام الصادرة عن المحكمة الاجتماعية المتعلقة بإلغاء العقوبات التأديبية التي تكون خرقا للإجراءات القانونية، أو الاتفاقيات الملزمة، وكذا التسريح الذي يكون خرقا لأحكام المادة 73 من قانون رقم 90/11، تصدر ابتدائيا ونهائيا، أي غير قابلة للاستئناف أمام الغرف الاجتماعية بالمجالس القضائية، أن مثل هذه المسائل لا تحتمل التأخير لكونها تتعلق بحقوق مكرسة قانونا، كما أن هذه الأحكام تهدف أيضا إلى التقليل من اللجوء إلى الجهات القضائية الأعلى درجة.
وبخصوص سلطة القاضي في مراقبة تنفيذ الأحكام فقد أولى المشرع عناية خاصة في تنفيذ أحكام القضاء الصادرة في المواد الاجتماعية، وذلك لتمكين المحكوم عليه من ممارسة حقه الذي حكم له به في أقرب الآجال، ودون انتظار استنفاذ طرق الطعن المكنة قانونا، ولذلك نصت المادة 22 من قانون 90/04 “تكون الأحكام القضائية المتعلقة بالمسائل التالية محل تنفيذ مؤقت بقوة القانون:
– تطبيق أو تفسير اتفاقية أو اتفاق جماعي للعمل.
– تطبيق أو تفسير كل اتفاق مبرم في إطار الإجراءات الخاصة بالمصالحة أمام مكتب المصالحة.
– دفع الرواتب والتعويضات الخاصة بالأشهر الستة الأخيرة.
كما يمكن للمحكمة عند النظر في المسائل الاجتماعية أن تنطق بالتنفيذ المؤقت دون كفالة فيما بعد ستة أشهر”.
هذا وتنص المادة 33 و34 من قانون 90/04 أن اتفاق المصالحة ينفذه الأطراف رفقا للشروط والآجال التي يحددونها، فإن لم توجد ففي أجل لا يتجاوز 30 يوما من تاريخ الاتفاق، وفي حالة عدم تنفيذ اتفاق المصالحة من قبل أحد الأطراف وفقا للشروط والآجال المذكورة سابقا يأمر رئيس المحكمة الفاصلة في المسائل الاجتماعية والملتمس بعريضة من أجل التنفيذ في أول جلسة ومع استدعاء المدعى عليه نظاميا، التنفيذ المعجل لمحضر المصالحة مع تحديد غرامة تهديدية يومية لا تقل عن 25% من الراتب الشهري الأدنى المضمون، كما يحدده التشريع والتنظيم المعمول به، ولكن هذه الغرامة التهديدية لا تنفذ عندما تنقضي مهلة الوفاء والتي لا تتجاوز 15 يوما، ويكون لهذا الأمر التنفيذ المعجل.
قرارات المحكمة العليا:
1. القرار رقم 80484 المؤرخ في 29 جانفي 1992: الصادر على إثر الطعن بالنقض في القرار الذي ألغى الحكم المستأنف قضى برفض الدعوى.
“حيث أنه من الثابت أن العامل كان موضوع عقوبتين تأديبيتين لنفس الأسباب الأولى تتمثل في التخفيض من الرتبة والثانية في التسريح، وان العقوبتين اتخذتا خرقا للقانون الذي يمنع عقاب نفس الخطأ مرتان…”
2. القرار رقم 82193 المؤرخ في 11/5/1992: الصادر على إثر الطعن بالنقض في القرار الذي ألغى القرار المعارض فيه ورفض الدعوى.
“حيث أنه تبين فعلا أن القرار المطعون فيه استند على العقوبة الجزائية الصادرة عن محكمة … للقول أن الشهادة الطبية التي تقدم بها الطاعن لتبرير غيابه مزورة، وأنه من الثابت أن هذا الحكم ألغي، واستفاد الطاعن من البراءة، وأنه كان على المجلس القضائي أن يتأكد من صيرورة الحكم الجزائي نهائيا قبل أن يؤسس قضاءه عليه”.
3. القرار رقم 84318 المؤرخ في 13 جويلية 1992:
“حيث أنه يتبين فعلا أن القرار المطعون فيه حرف نوعية الخطأ المرتكب الذي أسس عليه قضاءه، ذلك أنه اعتبر أن عدم احترام المسؤولين يعد رفضا لتنفيذ تعليماتهم، وأنه على أي حال لم يبين في ما يتمثل رفض تنفيذ هذه التعليمات ولا الظروف التي وقع فيها…”.
4. القرار رقم 85459 المؤرخ في 16 فيفري 1993: الصادر على إثر الطعن بالنقض في القرار المؤيد للحكم المستأنف القاضي برجوع العامل إلى منصب عمله.
“ولكن حيث أن العامل أحيل على لجنة التأديب من اجل اختلاس أموال الدولة وليس من أجل الخطأ الجسيم، وأن المادة 71 تلزم بإثبات الخطأ الجزائي قضائيا… وأن المطعون ضده استفاد من البراءة من أجل هذه التهمة…”.
5. القرار رقم 102131 المؤرخ في 25 نوفمبر 1993:
“…حيث أن الخطاء الجسيمة المصنفة في الفقرة 8 من المادة 71هي أخطاء إرادية لا يمكن أن تشمل التصرفات الناتجة عن الإهمال أو عدم مبالاة العامل…”.
6. القرار رقم 154276 المؤرخ في 9 ديسمبر 1997: الصادر على إثر الطعن بالنقض في الحكم القاضي بإلغاء قرار استقطاع الأجور.
“عن الوجه الأول: المأخوذ من المادة233/3 من قانون الإجراءات المدنية، بعاب على الحكم المطعون فيه رفض طلب الطاعنة بإعادة الإدماج رغم أن الخطأ المنسوب لها هو السرقة وهذه التهمة يستوجب إثباتها بحكم جزائي بالإدانة، والمدعى عليها لم تقدم ما يثبت هذه الوقائع، وهو ما يجعل الحكم المطعون فيه أن الطاعنة قدمت استقالتها بصفة قانونية وعادية ثم قبولها من قبل المستخدم وان تهمة السرقة التي اعتمدتها الطاعنة في الوجه المثار لم تتخذ كأساس لأي عقوبة تأديبية سلطت عليها من المدعى عليها في الطعن وعليه فإن الوجه المثار في غير محله مما يجعله غير مؤسس”.
7. القرار رقم 149039 المؤرخ في 10 فيفري 1998: الصادر على إثر الطعن بالنقض في الحكم القاضي برفض الدعوى.
في الموضوع: عن الوجه الأول: المأخوذ من مخالفة وخرق القانون ولا سيما المادة 73 من قانون 91/29 التي تحدد على سبيل الحصر الأخطاء الجسيمة عكس المواد 79 و80 من القانون الداخلي.
حيث أن ما يعتمد الطاعن في هذا الوجه سديد ذلك أن قاضي المحكمة اعتبر العامل قد ارتكب خطأ جسيما دون إثبات أو تحقيق، وان الأخطاء الجسيمة التي تترتب عنها التسريح محددة على سبيل الحصر ومن ضمنها الخطاء التي يعاقب عليها التشريع الجزائي، والتي ترتكب أثناء العمل ففي هذه الحالة فإن التسريح لا يتخذ من طرف المستخدم إلا بعد ثبوت الخطأ الجزائي من لدن الجهة القضائية، وطالما أن العامل متهم بسرقة آلة فكان على المؤسسة أن لا تسلط عليه عقوبة التسريح قبل إدانته وعليه فالوجه سديد ومنتج لأثره المؤدي إلى النقض.
عن الوجه الثاني: المتمثل في الخطأ في تطبيق القانون بدعوى أن سرقة آلة من العامل لا يمكن اعتبارها إتلاف لها، والأكيد أنها لم تتلف بل سرقت منه أثناء المهمة التي قام بها خارج ميدان عمله، وكان على المؤسسة تقديم شكوى ضده.
8. القرار رقم 204623 المؤرخ في 10 أكتوبر 2000: الصادر على إثر الطعن بالنقض في الحكم القاضي برجوع العامل إلى عمله.
“عن الوجه الأول: حيث حاصل ما ينعيه الطاعن على الحكم المطعون فيه أن قاضي الموضوع لم يجهد نفسه في البحث. ذلك أنه تبنى الرواية المقدمة من طرف المطعون ضدها دون التحقق من صحتها، والتأكد كون العارض رفض الخدمة المطلوب منه تقديمها وانسياق المحكمة وراء الطرح المقدم دون تعليل، والالتفات إلى دفوع الطاعن يعتبر قصورا في التسبيب.
لكن حيث يبين من الحكم المطعون فيه ووثائق الدعوى أن الخطأ المنسوب للطاعن يتمثل في رفضه دون سبب جدي تنفيذ التعليمات المرتبطة بواجباته المهنية وهو الخطأ من الدرجة الثالثة وفقا لما نصت عليه المادة 73 من قانون 91/29 الذي يعتبر خطأ جسيما باعتباره كان سائق الشاحنة لدى المطعون ضدها حيث تعرضت لحريق وطلب منه مساعدة مصلحها، الأمر الذي رفضه، فحول لمصلحة الصيانة فرفض مرة أخرى وهي أعمال مرتبطة بواجباته المهنية وعدم الامتثال لذلك يعد خطأ جسيما يستوجب الطرد، وهو المر الذي وقفت عليه المحكمة من جهة.
حيث من جهة أخرى ينعى الطاعن على الحكم المطعون فيه عدم الرد على دفوعه إلا أنه لم يبين ما هي تلك الدفوع التي تقدم بها أمام الجهة القضائية والتي لم ترد عليها، وبالتالي النعي بخلاف ذلك في غير محله”.
9. القرار رقم 157154 المؤرخ في 10 فيفري 1998: الصادر على إثر الطعن بالنقض في الحكم القاضي بإعادة إدراج العامل في منصب عمله.
“حيث يبين فعلا من الحكم المطعون فيه أن المحكمة أسست قضاءها على أن المستخدم أصدر عقوبته من أجل ارتكاب العامل عنفا في أماكن العمل دون انتظار الحكم الجزائي.
وحيث خلافا لما ذهبت إليه المحكمة فعن العنف المرتكب في أماكن العمل يشكل في حد ذاته خطأ جسيما لا يحتاج إلى إثباته بحكم قضائي”.
10. القرار رقم 160802 المؤرخ في 10 مارس 1998: الصادر على إثر الطعن بالنقض في الحكم القاضي برجوع العامل إلى عمله.
“عن الوجه الأول: المأخوذ من مخالفة والخطأ في تطبيق القانون المادة 73/2 ق 91/29 و18 ق 83/13
كون المحكمة صدقت الشهادات الطبية واعتبرتها صحيحة رغم أنها غير نظامية لأنها غير مطبقة للنصوص التالية:
– قانون 90/11 المادة 7/6.
– قانون 83/13 المادة 18.
– قانون النظام الداخلي المادة 20 منه الذي يقضي بتبرير أي عطلة مرضية بتقديم الشهادة الطبية في 48 ساعة.
والمطعون ضده لم يحترم تلك النصوص لما استظهر بالشهادات المشار إليها ولم يخضع للرقابة الطبية الإجبارية الواردة في هذه النصوص، ومن ثم فالحكم جاء مخالفا لهذه النصوص.
لكن حيث أنه يتبين بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه، وإلى أوراق الدعوى سيما عريضة المعارضة أن الطاعنة تستدل بأن الشهادات الطبية المقدمة غير قانونية لأنها حسب زعمها لم تقدم إلى صندوق الضمان الاجتماعي، ومنه لم يخضع العامل إلى المراقبة الطبية الإجبارية.
وحيث أن عدم دفع الشهادات الطبية إلى صندوق الضمان الاجتماعي إن ثبت فإنه لا يؤثر على علاقة العمل إذ أن جزاءه يكون ضمن علاقة المؤمن مع هيئة الضمان الاجتماعي.
وحيث أن المستخدم الذي أشعرا بحالة المرض من خلال الشهادات الطبية المبلغة له يجرد من سلطته التأديبية لما يرتبه القانون على حالة المرض من تعليق لعلاقة العمل.
وحيث كان المستخدم أن يثبت عدم قيام حالة المرض عن طريق فحص طبي مضاد الذي لم يبين أمام المحكمة ولا أمام المحكمة العليا أنه لجأ إليه مما يجعل كل إجراء متخذ من طرف المستخدم ضد العامل في الفترة التي قدم بتغطيتها شهادات طبية غير مناقض فيها طبيا هو إجراء تعسفي ويجعل ما قضت به المحكمة في هذا الشأن قضاء صائبا إذ أنها اعتبرت كل إجراء خلال فترة الشهادتين الطبيتين باطلا وأن الإشعار الأخير المتمسك به عاينت المحكمة أنه ولو جاء خارج فترة المرض فإن المستخدم لم يثبت أنه بلغ به فعلا العامل ومنه جاء الحكم في تحليله لفترة المرض وأثارها مطابق للقانون يكون معه النعي عليه بخلاف ذلك في غير محله”.
قرارات المحكمة العليا فيما يخص التسريح التعسفي
1. القرار رقم 65586 المؤرخ في 24 ديسمبر 1990: الصادر على إثر الطعن بالنقض في القرار المؤيد للحكم القاضي بدفع مبالغ مالية للعامل.
“حيث أن الطاعن أنكر أنه سرح المدعى عليه الذي يزعم ذلك، وحيث أن قضاة الموضوع حملوا المدعي عبء إثبات عدم تسريحه المدعي.
وحيث أنهم قد خالفوا بذلك قواعد الإثبات التي تضع عبء الإثبات على المدعي، وأن محضر مفتش العمل لا يمكن اعتباره كدليل على وقوع التسريح إذ حرر بطلب من المدعى عليه في الطعن…”
2. القرار رقم 65581 المؤرخ في 13 فيفري 1991: الصادر على إثر الطعن بالنقض في القرار الذي صادق على الحكم المستأنف القاضي برجوع العامل.
“… ولكن حيث لم يأت في القرار ما ذكره الطاعن من أن المجلس قد حدد طريقة للتبليغ، بل نص على أن إثبات تبليغ قرار التسريح تتحمله الطاعنة وأنها لم تقدم ما يفيد التبليغ”.
3. القرار رقم 91445 المؤرخ في 21/12/1992:
“وأنه للتذكير ينبغي القول مرة أخرى أن التدابير التي نصت عليها الفقرة الأخيرة من المادة 1 من الأمر 75/32 المؤرخ في 29/04/1970 لا تلزم إلا مفتش العمل الذي ينبغي عليه أن يمتنع عن إجراء الصلح ويوجه العامل إلى استنفاذ طرق الطعن الودية. أما إذا تجاهل مفتش العمل هذه الإجراءات فإن القضاة غير ملزمين بها…”.
4. القرار رقم 80489 المؤرخ في 13/4/1992:
“حيث انه تبين من دراسة الملف أن الخطأ الذي أسس عليه الطرد هو ارتكاب قتل خطأ واستعمال شاحنة المؤسسة بدون أمر مهمة وقع يوم 6/12/1987 ولم يحال على لجنة التأديب إلا في 9/3/1988 وقرر طرده يوم 16/3/1988.
وحيث أن اجتماع لجنة التأديب وقع بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر من معاينة الخطأ، وحيث أن المادة 64 من المرسوم 82/302 المؤرخ في 11/9/1982 تنص على أنه لا تتسلط أية عقوبة على العامل بعد فوات أكثر من ثلاثة أشهر على معاينة الخطأ المرتكب.
وحيث أن هذه القاعدة من النظام العام…”.
5. القرار رقم 65678 المؤرخ في 21/1/1991:
“حيث أنه يتبين فعلا أن العقوبة التأديبية التي سلطت على العامل لم تخضع لرأي لجنة التأديب مخالفة للمادة 77 من القانون رقم 82/06، مما يجعل التسريح تعسفيا”.
6. القرار رقم 46675 المؤرخ في 6/3/1989:
“حيث أنه يجب من اجل ذلك (أي مراقبة المحاكم لصحة محضر لجنة التأديب) أن يشتمل محضر لجنة التأديب على مل يلي:
1) على أسماء أعضائها وذكر الجهة التي ينتمون إليها ليتأتى للمحاكم التأكد من أن لجنة التأديب متساوية الأعضاء ومن مطابقتها لنص المادة 77 من القانون 82/06.
2) على ذكر سماع العامل المعني وذكر رفض المثول الذي يجب أن معاينته لتتأكد المحاكم من احترام مقتضيات المادة 65 من المرسوم 82/302.
3) على ذكر أصوات الأعضاء للتأكد من أن العقوبة مطابقة للمادة 8 من المرسوم 74/254.
4) على تاريخ اجتماع اللجنة وغير ذلك للسماح للمحاكم القول أن لجنة التأديب احترمت أم لا النصوص القانونية…
وان بطلان محضر اللجنة يؤدي إلى بطلان التسريح…”.
7. القرار رقم 158393 المؤرخ في 14 أفريل 1998: الصادر على إثر الطعن بالنقض في الحكم القاضي بإلغاء مقرر التسريح.
“عن الفرع الثاني: المأخوذ من مخالفة والخطأ في تطبيق المادة 73/2 و73/3 من القانون 91/29 المؤرخ في 21/12/1991 بدعوى أن الحكم المطعون فيه قد اعتبر بأن التسريح جاء تعسفيا لعدم احترام الطاعن الإجراءات القانونية المنصوص عليها في المادتين السالفتين الذكر والمتمثلة في سماع العامل والسماح له بتقديم وسائل دفاعه في حين أن المادة 73/2 فقرة 1 تنص على أن الإعلان عن التسريح يتم احتراما للإجراءات المحددة في النظام الداخلي بينما هذا الخير بالنسبة للبنك المركزي الجزائري، ينص في مادته 2 و6 عن عدم تطبيق العمال الذين تم توظيفهم بصفة مؤقتة، كما يضيف الطاعن بأنه أثبت سماع المطعون ضدها كتابيا من طرفه وتلقى منها رسالة حول ذلك، الشيء الذي أدى به إلى توجيه إليها رسالتين بتاريخ 14 و16/06/1994، وبالتالي فإنه يكون قد احترم أحكام المادة 73/2 من القانون 91/29.
لكن حيث تبين من الإجابة على الوجه الثاني أعلاه بأن العلاقة التي كانت تربط الطاعن بالمطعون ضدها هي علاقة غير محدودة المدة يخضع إلى الإجراءات المنصوص عليها في النظام الداخلي للبنك ما دام أن المادتين 2 و6 من القانون الأساسي لعمال البنك لا تنطبقان على قضية الحال هذا من جهة، كما أن الطاعن لم يستطع من جهة أخرى إثبات مزاعمه أمام قاضي الموضوع الذي تبين له بأن الإجراءات القانونية المنصوص عليها في المادة 73/2 و73 لم تحترم من طرفه، والدليل على ذلك هو أن الطاعن يتناقض في دفوعاته إذ أنه يدعي من جهة بأن العقد محدود المدة، ولا داعي لإخضاع مقرر التسريح إلى الإجراء المنصوص عليها في المواد المذكورة أعلاه ومن جهة أخرى يصرح بأنه قد قام بها لذا تعين القول بأن هذا الفرع غير سديد ويتوجب رفضه.
8. القرار رقم 194638 المؤرخ في 14 مارس 2000:
“عن الوجه الأول: المأخوذ من انعدام أو قصور أو تناقض الأسباب.
من حيث يعاب على الحكم المطعون فيه أنه اعتبر عدم إحالة المطعون ضده على لجنة التأديب سببا كافيا لإلغاء قرار التسريح المتخذ ضده دون التطرق للأسباب الموضوعية والقانونية التي أثارتها الطاعنة.
حيث أنه بمراجعة وثائق الدعوى وحيثيات الحكم المطعون فيه أنه اعتمد على عنصر عدم إحالة المطعون ضده على لجنة التأديب لتقدير عدم شرعية التسريح رغم أن الطاعنة دفعت بأن طرد المدعى عليه في الطعن تم في إطار القانون الداخلي الذي يحدد المجال التأديبي فكان على قاضي الحكم المطعون معاينة والتأكد ما إذا كان النظام الداخلي للطاعنة ينص على ضرورة إحالة العامل على لجنة التأديب لتقرير صحة وشرعية وإجراءات الفصل، وبما أنه حكم بخلاف ذلك فإنه عرض حكمه للنقض”.
9. القرار رقم 152953 المؤرخ في 10 فيفري 1998: الصادر على إثر الطعن بالنقض في الحكم القاضي برجوع العامل مع الأجور.
في الموضوع: عن الوجه الوحيد: المأخوذ من مخالفة في تطبيق القانون.
حيث يعاب على الحكم المطعون فيه خرقه لنص المادة 73/4 من القانون رقم 91/29 الصادر في 21/12/1991 والمادة 106 ق م بدعوى أن الحكم المطعون فيه قد منح للعامل أجورا بجانب التعويض مخالفا بذلك نص المادة 73/4، وكما يعاب على الحكم المطعون فيه اعتباره أن إنهاء علاقة العمل هو إجراء تعسفي والحال أن الطاعنة أنهت علاقة العمل بالنسبة للعقد المحدد المدة بحكم مادته 5 التي تخول لرب العمل إنهاء علاقة العمل في حالة ارتكاب خطأ مهني والحال أن العامل قد أهمل عمله مما جعل الطاعنة قطعت العلاقة.
حيث أنه من الثابت في قضية الحال أنه تم إبرام عقد عمل محدد المدة ابتداء من 16/04/1994 إلى غاية 14/10/1994، غير أن الطاعنة فصلت العامل في 3/9/1994 أي قبل انتهاء مدة العقد في حين لم يثبت لقاضي الموضوع الخطأ المهني المنسوب للعامل والذي تزعمه الطاعنة ولم تثبت الطاعنة أنها اتخذت الإجراءات التأديبية لتبرير قرارها بالفصل قبل انتهاء أجل عقد العمل ومن ثم يكون الشق الثاني من الوجه المثار مردود.
عن الشق الأول من الوجه المتعلق بمنح الأجور:
حيث أنه فعلا منح للعامل أجوره من 1/9/1994 إلى غاية 19/10/1994 والحال أن فصله عن العمل وقع في 3/9/1994 ومن ثم يكون القاضي قد منح أجور المدة لم يعمل فيها مخالفا بذلك نص المادة 80 من القانون 90/11 المؤرخ في 21/4/1990، والحال أنه يتعين منحه تعويضا وبالتالي يستوجب نقض الحكم المطعون فيه فيما قضى بالأجور وبدون إحالة”.
10. القرار رقم 157529 المؤرخ في 10 فيفري 1998: الصادر على إثر الطعن بالنقض في الحكم القاضي بالرجوع إلى العمل وبالأجور
“عن الفرع الثالث: حيث أن بالرجوع إلى الحكم المطعون فيه يتبين فعلا أن المحكمة قضت للمدعى عليه بالحق في الأجور للفترة التي كان متوقفا فيها عن العمل.
وحيث أنه طبقا لأحكام المادة 73-04 من القانون رقم 91/29 المؤرخ في 21 ديسمبر 1991 فإنه في حالة التسريح المعتبر تعسفيا فللعامل الحق بالمطالبة بإلغاء قرار التسريح و/أو طلب التعويض عن الضرر الحاصل ولا تشير هذه المادة إلى الحق في الأجور عن الفترة التي كان فيها العامل متوقفا عن العمل بسبب قرار التسريح.
وحيث أن المادة 80 من القانون رقم 90/11 المؤرخ في 21 أفريل 1990 تنص أيضا أن الأجر يدفع للعامل مقابل العمل المؤدى وفي قضية الحال فإن المحكمة منحت المدعى عليه الحق في الأجور بالنسبة للفترة التي لم يؤدي فيها أي عمل وبالتالي تكون المحكمة قد خالفت أحكام المادتين 73-4 و80 مما يجعل الفرع الثالث مؤسس”.
أولا: المراجع:
1 تيرس مراد : مدبأ أحقية رب العمل في التسريح و نطاق تطبيقاته في قانون العمل.
2 دحمان مصطفى: تحليل المادة 73-4 من قانون 90/11 المعدل.
3 عبد الحفيظ بلخيضر: الإنهاء التعسفي لعقد العمل.
4 أحمد شوقي محمد عبد الرحمان: الخطاء الجسيم للعامل و أثره على حقوق الواردة في قانون العمل.
5 بشير هدفي: الوجيز في شرح قانون العمل – علاقات العمل الفردية – الطبعة الثانية 2003.
6 بن عزوز صابر : انتهاء علاقة العمل الفردية في التشريع الجزائري – مذكرة ماجيستير.
7 طهراوي عيسى: التعليق على نص المادة 73 قانون 90/11 المعدل. مذكرة تربص.
8 محمد ولد سالم: تسوية منازعات العامل الفردية.
9 همام محمود زهران: قانون العمل ، عقد العمل الفردي.
10 أحمد سليمان: التنظيم القانوني لعلاقات العمل في التشريع الجزائري.
11 عبد السلام ديب: قانون العمل الجزائري و التحولات الإقتصادية.
ثانيا: القوانين:
1 قانون رقم 90/11 المؤرخ في 26 رمصان عام 1410 الموافق لـ 21 أفريل سنة 1990 المتعلق بعلاقة العمل الفردية المعدل و المتمم بقانون 91/29 المؤرخ في 14 جمادي الثاني عام 1412 الموافق لـ 21 ديسمبر 1991.
ثالثا: المجلات القضائية:
1 المجلة القضائية عدد 4 لسنة 1991.
2 المجلة القضائية عدد 1 لسنة 2002.
3 المجلة القضائية عدد 2 لسنة 1998.
4 المجلة القضائية عدد 1 لسنة 2000.
5 المجلة الجزائرية للعمل الصادرة عن المعهد الوطني للعمل عدد 22 لسنة 1998.
6 المجلة القضائية عدد 2 لسنة 1995.
و في ختام بحثنا هذا نخلص إلى القول أن المشرع الجزائري و من خلال المادة 73 من قانون 90/11 المعدل و المتمم بالقانون رقم 91/29 و المتعلق بالتسريح التأديبي للعامل، قد خلق تناقضا كبيرا في تطبيقها ميدانيا، و يظهر هذا التناقض جليا من خلال اختلاف أحكام و قرارات المحاكم و المجالس القضائية ، و يرجع هذا أساسا إلى الغموض الذي إكتنفى هذه المادة و عدم صراحة النص في دلالته و مضمونه، مما فتح المجال للتفسير و التأويل.
و قد لعبت المحكمة العليا في هذا الإيطار دورا هاما في توضيح و تفسير هذه المادة بغية توحيد كيفية تطبيقها، غير أن الأمر لا يزال يطرح مشكلا و جدلا فقهيا و قانونيا بين فقهاء و أساتذة قانون العمل و كذا بين قضاة الأقسام و الغرف الإجتماعية، و هذا في إنتظار تدخل المشرع من جديد ليحسم الأمر بتعديل دقيق لا لبس فيه للمادة 73، و في انتظار ذلك تبقى إجتهادات و قرارات المحكمة العليا هي المرجع الأول للتطبيق الصحيح لهذه المادة.
دراسة قانونية هامة حول المادة 73 من قانون العمل الجزائري