بحث ودراسة تحليلية مقارنة حول التنفيذ العيني الجبري لعقود بيع العقارات

د.صاحب عبيد الفتلاوي

الملخص:

يلزم المدين كقاعدة عامة بتنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً اختياراً أو جبراً عند عدم وجود مانع مادي أو قانوني . ولا يخرج عن هذا التصرفات الواردة على عقار ، إذ لا تزال العقود بشأنها في غالبية البلدان رضائية. إلا أن بعض القوانين العربية لا تجيز إجبار بائع العقار على تنفيذ التزامه عند امتناعه عن نقل الملكية إلى المشتري، وتعدّ هذا النوع من العقود شكلياً لا ينعقد إلا بعد تسجيله في دوائر التسجيل. وبهذا أحيط البائع بحصانة قانونية وقضائية لا مسوغ لها. يحاول الباحث مناقشة هذا الموضوع الهام بدراسة تحليلة مقارنة تشير إلى عقم هذا النهج وتؤكد على أن التسجيل ما هو إلا عملية تنظيمية يراد منها حصر العقارات ومعرفة ملاكها وتاريخها والحقوق التي لها والالتزامات التي عليها ليس إلا ، ولا داعي لتحميل هذه العملية أكثر منذ ذلك. ويلاحظ الباحث عدم اتساق النصوص والقراراًت القضائية الأردنية بهذا الشأن. ويتضمن البحث الحلول والتوصيات التي يراها الباحث ضرورية.

المقدمة:

من المعروف أن الأصل في العقود أنها رضائية؛ أي أنها تنعقد بمجرد ارتباط القبول بالإيجاب سواء تم ذلك كتابة أو مشافهة أو حتى بالإشارة المألوفة من الأخرس أو غير الأخرس. ويصدق هذا الكلام كأصل عام على الأشياء كافة المنقولة وغير المنقولة كالعقارات.
وعلى هذا الأساس فإن الأصل في التبادل التعاقدي هو الابتعاد عن الشكل الذي يتجلى في ضرورة صب العقد في قالب معين لا يجوز الخروج عليه كما كان الحال لدى الرومان، لأن اشتراط الشكل سيؤدي إلى وضع قيود على حركة التعاقد، قد يأباها العصر الذي يجنح نحو سهولة التعاقد وسرعته خدمته لحركة الإنسان الاقتصادية والحضارية.

ومع ذلك نظر المشرع إلى بعض الأشياء الهامة، أو ذات الأثمان العالية نظرة اهتمام وعناية؛ ولم يشأ تركها دون تنظيم، وسجلات دقيقة تحول دون حصول المنازعات بشأنها، ومن ذلك العقارات وما يرد عليها من تصرفات قانونية، إذ أخضعها القانون لإجراءات شهرية معينة، ولا يتم أي من هذه التصرفات إلا بإتمام هذه الإجراءات. وبهذا ظهر ما يسمى بنظام الشهر العقاري، أو كما يطلق عليه أحياناً نظام السجل العقاري أو الطابو وتسمى الدائرة المعنية به في الأردن دائرة تسجيل الأراضي.

والغاية الأساسية من وجود هذه القيود التي تختص بالعقارات وما يترتب عليها من حقوق عينية أصلية أو تبعية؛ هي وضع التنظيم القانوني والميداني الدقيق لأهم عنصر من عناصر الثروة الوطنية، ومعرفة عائدية هذه العقارات بسجلات تتمتع بحجية قاطعة في مواجهة الكافة. ويستطيع مشتري العقار أو أي شخص ذو مصلحة العلم بكل ما يتعلق بالعقار مساحة وموقعاً، والعلم بصاحبه، وبالحقوق المترتبة عليه عند إجراء أي معاملة على هذا العقار.

وتكاد الدول تجمع على ضرورة وجود نظام يبصّر الناس بما لهم وما عليهم، ولكن بعض هذه الدول أعطت نظام الشهر العقاري أكثر مما يستحق ، وربما خرجت على الغاية الأساسية التي جاء من أجلها وهي التنظيم إلى اعتبار هذه الإجراءات ركناً لانعقاد البيع، بحيث يعد العقد باطلاً عند عدم توافر هذا الركن، بل والأكثر من ذلك حرمان المشتري من حق مطالبة البائع بالتنفيذ العيني الجبري إذا كان محل العقد عقاراً حتى ولو كان هذا التنفيذ ممكناً وغير مرهق للبائع. وما يستطيع المشتري فعله هو المطالبة بالتعويض ليس إلا. وكل ذلك كما سيلاحظ القارىء الكريم يأتي بخلاف الأصل العام الذي يخول المشتري حق المطالبة بالتنفيذ العيني الجبري، بل وخلاف المنطق القانوني فلا يوجد أي مسوغ لحرمان مشتري العقار من هذا الحق، في الوقت الذي باع فيه المالك عقاره باختياره وبكامل قواه. والمشرع كما نعلم منزه من أن يجعل أحد طرفي العقد يلعب بمقدرات الطرف الآخر بحصانة قانونية لا تجد ما يبررها على الإطلاق.
وعلى كل حال فإن النظم القانونية محل دراستنا ستنقسم إلى اربعة : أولها من جسد الغاية التنظيمية من التسجيل وأبقى على القاعدة الأساسية وهي أن العقود التي ترد على العقارات تنعقد بذات العقد، مما يؤدي إلى إنتقال الملكية بمجرد التعاقد، وثاني هذه النظم من أبقى على مبدأ الرضائية في العقود التي ترد على عقار، فلم يغير التسجيل من طبيعتها الرضائية مع تراخي أثر واحد من آثار العقد لحين التسجيل ؛ وهو إنتقال الملكية، وبموجب هذين النظامين يتيسر للمشتري طريق المطالبة بالتنفيذ العيني الجبري عند نكول البائع عن تنفيذ التزامه.

وثالث هذه الأنظمة ما ذهب إلى أن التسجيل في دائرة التسجيل العقاري يأتي للانعقاد بحيث يعتبر العقد باطلاً دون استيفاء هذا الشكل . ونظراً لكثرة الانتقادات لهذا النظام وعقمه وخلقه الكثير من المتاعب، والحيف بالنسبة لطائفة كبيرة من مشتري العقارات، حاولت الدول التي أخذت به تزويقه وتجميله دون أن تجرؤ على تغييره، ففتحت أبواباً للتنفيذ العيني الجبري دون أن تفتح باب التنفيذ العيني الجبري على مصراعيه.

أما النظام الرابع وهو ما يمثله القانون الأردني فهو نظام حائر لم يأخذ بأي من هذه الأنظمة بشكل واضح، وجاء التنظيم القانوني لهذه المسألة الحساسة والهامة مشوشاً بسبب عدم اتساق النصوص القانونية وتناقضها.
وقد زاد الطين بلة، موقف القضاء الأردني الذي حسم الموقف باعتبار التسجيل ركناً للانعقاد وأوصد الباب أمام المشتري الذي لا يستطيع المطالبة بالتنفيذ العيني الجبري عند نكول البائع عن الصفقة. وبهذا الاتجاه القضائي يكون الموقف في الأردن قد أخذ بالجزء العقيم من النظام الثالث أي بالجزء المنتقد دون تلطيفه، حتى بما أخذ به النظام الثالث. وفي ذلك خروج واضح على الشريعة الإسلامية والاتجاه العام في أغلب النظم القانونية المعاصرة.

وفي هذه الدراسة سنحاول تحليل الوضع القانوني في الأردن من الناحيتين النظرية والعملية لملاحظة ومتابعة النصوص القانونية ووضعها أمام القارىء لمعاينة دقة تفسيرها وصحته وتطبيقها ومعرفة النظام القانوني الأصلح لمثل هذا الموضوع الخطير. وسندلل على كل ما يرد بما لدينا من حجج تعيننا على الإقناع، من أجل إنصاًف طرفي العقد ووضع البائع والمشتري على وجه الخصوص والدائن والمدين على وجه العموم على جادة المساواة دون محاباة أحدهما على حساب الآخر بلا مبرر .

المبحث الأول طبيعة العقد وحق الدائن في المطالبة بالتنفيذ العيني الجبري كأصل عام

قبل أن ندخل في صلب الموضوع لا بد لنا أن نعرف الأصل العام لانعقاد العقود سواء في الشريعة الإسلامية وفقهها أو في القوانين الوضعية المعاصرة، وهل أن هذا الأصل يميل نحو تيسير الانعقاد من باب تسهيل التعامل والتداول بين الناس، ويجعله القاعدة الأساسية، التي لا يحق التوسع في الاستثناءات الواردة عليها إلا في حالات الضرورة، أم العكس هو المعول عليه، أي اعتماد الشكل كلما سنحت الفرصة لذلك، لضبط التعامل والتداول بين الناس بسبب تشابك العلاقات التعاقدية، وحاجتها إلى مزيد من الإجراءات التي لا ينعقد العقد دون استيفائها؟
ومن أجل ذلك سنلاحظ الموقف المعمول به في الشريعة والفقه الإسلاميين ثم في النظم القانونية المختلفة لكي نحدد وجهتنا القانونية السليمة بهذا الشأن.

المطلب الأول طبيعة العقود في الشريعة والفقه الإسلاميين

أركان العقد على ما ذهب إليه الحنفية والحنابلة وبقية المذاهب؛ هي الصيغة فقط، والتي هي عبارة عن الإيجاب والقبول، وما عدا ذلك من العاقدين والمعقود عليه، فهي لوازم، إذ أن وجود الصيغة يستلزم وجود العاقدين ضرورة، ووجودهما مرتبطين لا يكون إلا إذا وجد محل يظهر فيه أثر هذا الإرتباط(1).
والعقد ذاته ينقل الملك في الفقه الإسلامي وهو تصوير للعقد أدق من التصوير الذي أخذ به الفقه اللاتيني الذي يجعل العقد منشئاً للالتزام بنقل الملكية كما هو الحال في القانونين الفرنسي ( م 1582) والمصري عند تعريفه لعقد البيع في المادة(418) منه. ففي القانون المصري ينشىء عقد البيع التزاماً بنقل الملكية يتم تنفيذ هذا الالتزام بمجرد نشوئه فتنتقل الملكية من البائع إلى المشتري ولكن تنفيذاً للالتزام لا بحكم العقد. وظاهر أن الفقه الإسلامي أقرب إلى أداء الفكرة الصحيحة عن البيع من القانون المصري والقانون الفرنسي (2).

وتؤكد أمهات الكتب الفقهية الإسلامية هذا الاتجاه حيث يؤدي العقد إلى : (ثبوت الملك في البدلين للحال، لأنه تمليك بتمليك ، وهو إيجاب الملك من الجانبين للحال، فيقتضي ثبوت الملك في البدلين في الحال ).(3)
وجاء في كتاب الفتاوي الكبرى للإمام ابن تيمية (4) ( أن الأصل في العقود أنها لا تصح إلا بالصيغة، وهي العبارات التي قد يخصها بعض الفقهاء باسم الإيجاب والقبول سواء في ذلك البيع والإجارة والهبة … الخ ، وهذا ظاهر قول الشافعي وهو قول مذهب أحمد، وهؤلاء يقيمون الإشارة مقام العبارة عند العجز عنها، كما في إشارة الأخرس ، ويقيمون أيضاً الكتابة مقام العبارة عند الحاجة. إن الأصل في العقود هو التراضي المذكور في قوله تعالى : ( إلاّ أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم). وتصح العقود في قول ثان، بالأفعال فيما كثر عقده بالأفعال كالمبيعات بالمعاطاة، فإن هذه العقود لو لم تنعقد بالأفعال الدالة عليها لفسدت أمور الناس. والقول الثالث أنها تنعقد بكل ما دل على مقصودها من قول أو فعل ، فكل ما عده الناس بيعاً وأجاره فهو بيع وإجارة، وإن اختلف اصطلاح الناس في الألفاظ والأفعال ، انعقد العقد عند كل قول بما يفهمونه بينهم من الصيغ والأفعال).

ويضيف الفقيه ابن تيمية قائلاً (وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد عن النبي (ص) قال : ( قال الله تعالى : (إني خلقت عبادي حنفاء فاحتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم وامرتهم أن يشركوا بي ما لم ننزّل به سلطاناً ) . وهذه قاعدة عظيمة نافعة ، وإذا كان كذلك فنقول: البيع والهبة والإجارة وغيرها، وهي من العادات التي يحتاج الناس إليها في معاشهم، كالأكل والشرب واللباس ، وإذا كان كذلك فالناس يتبايعون ويتآجرون كيف شاؤوا ما لم تحرمه الشريعة، كما يأكلون ويشربون كيف شاؤوا ما لم تحرمه الشريعة ).(5)
وسارت مجلة الأحكام العدلية بنفس الاتجاه من خلال المادة (104) منها التي تقول : ( الانعقاد : تعلق كل من الإيجاب والقبول بالآخر على وجه مشروع يظهر أثر في متعلقهما ) . كما جاء في المادة(103) من المجلة بأن ( العقد التزام المتعاقدين وتعهدهما امراً وهو عبارة عن ارتباط الإيجاب بالقبول). ونصت المادة (167) على أن ( البيع ينعقد بإيجاب وقبول).

ثم أكدت المادة 369 من المجلة على أن ((حكم البيع المنعقد الملكية يعني صيرورة المشتري مالكاً للمبيع والبائع مالكاً للثمن ). وهذا التيسير في التعاقد في الشريعة الإسلامية وفقهها يقابله حزم وتأكيد على ضرورة تنفيذ الالتزام طوعاً وإلا فلا مناص من الإجبار على تنفيذ هذا الالتزام تنفيذاً عينياً كجزء من واجب الإنسان بالوفاء بعقوده.
وفي طليعة من أمرهم الله سبحانه بهذا الواجب معشرالمؤمنين لأنهم القدوة للآخرين في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود )(6). وجاء في الحديث الشريف : ( مطل الغني ظلم ) وفي رواية أخرى : (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته ). (7) ومفادهما : أن مماطلة المدين الموسر، تعد ظلماً لدائنه تبيح الشدة في مؤاخذته من أجل الوفاء بما ترتب في ذمته من التزام .(8)

وعلى كل حال فإن حكم البيع في فقه الشريعة الإسلامية هو التمليك والتملك: تمليك المبيع وهو المقصود من عقد البيع ، وامتلاك الثمن وهو الوسيلة إليه، وقد عرفت المادة 343 من مرشد الحيران البيع بأنه : ( تمليك البائع مالاً للمشتري بمال يكون ثمناً للمبيع). وعرّفه العلامة الحلي صاحب كتاب تذكرة الفقهاء بأنه : (انتقال عين مملوكة من شخص إلى غيره بعوض مقدر على وجه التراضي)(9) .

المطلب الثاني الحق في المطالبة بالتنفيذ العيني الجبري للعقود كأصل عام في النظم القانونية المختلفة

لو استعرضنا بشكل سريع نصوص القوانين المتاحة لنا، لوجدناها متفقة على ضرورة انتقال الملكية من البائع إلى المشتري بمجرد تمام عقد البيع، بل الأكثر من ذلك؛ فإن هذه القوانين تلقى على عاتق البائع واجباً قانونياً، مفاده تسهيل انتقال ملكية المبيع إلى المشتري، وعدم وضع العراقيل في سبيل تحقيق ذلك. وهذا التوجه كما يلاحظ القارىء الكريم، يتفق مع ما أخذت به الشريعة الإسلامية وفقهها من جهة، ويتفق مع الغايات الأساسية لعقد البيع من جهة أخرى.
وقد أسس المشرع الأردني فلسفته بهذا الاتجاه، مؤكداً ضرورة الالتزام بتنفيذ العقد بطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية، وعدم الإكتفاء بالزام المتعاقد بما ورد في العقد، بل بكل ما يعتبر من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف وطبيعة التصرف(10) .

ووفقاً لنص المادة ( 246) مدني عراقي يجبر المدين على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً متى كان ذلك ممكناً. كما أن القواعد العامة تقضي بأن” يلتزم البائع بما هو ضروري لنقل ملكية المبيع إلى المشتري وأن يكف عن أي عمل يجعل نقل الملكية مستحيلاً أو عسيراً ” وهو ما نصت عليه أيضاً المادة 535 مدني عراقي. ويوجب القانون المدني الكويتي رقم 67 لسنة 1980 في المادة 197 منه؛ تنفيذ العقد طبقاً لما يتضمنه من أحكام، وبطريقة تتفق مع ما يقتضيه حسن النية وشرف التعامل. وبناء على ما تقدم، إذا نشأ العقد صحيحاً، لم يطرأ عليه ما يجعله غير نافذ أو غير لازم، أصبحت له قوة ملزمة، وأمكن إجبار المتعاقدين على تنفيذ ما ورد فيه.

وقد وضع المشرع الأردني هذه القاعدة الأساسية نصب عينية من خلال نص المادة 199/1 منه التي تقول : ” يثبت حكم العقد في المعقود عليه وبدله بمجرد إنعقاده دون توقف على القبض أو أي شيء آخر ما لم ينص القانون على غير ذلك”. وحكم العقد في الفقه الإسلامي كما تقدم هو الأثر الأصلي للعقد والغرض الذي قصد إليه المتعاقدان من إنشائه، فحكم عقد البيع مثلاً هو نقل ملكية المبيع إلى المشتري. وقد أراد المشرع الأردني من الحكم الوارد في المادة 199/1 أن يشير إلى مبدأ رضائية العقود باعتباره القاعدة العامة في انعقاد العقد من ناحية وإلى ثبوت حكم العقد في المعقود عليه بمجرد التعاقد أي بحكم القانون من ناحية أخرى.
وقد أتى المشرع الأردني بتطبيق لهذا الحكم في المادة (200) منه التي تقرر أن”عقد المعاوضة الوارد على الأعيان إذا استوفى شرائط صحته يقتضي ثبوت الملك لكل واحد من العاقدين في بدل ملكه والتزام كل منهما بتسليم ملكه المعقود عليه للآخر”. (11)

ويبدو لنا واضحاً بأن الأصل في العقود أنها رضائية وأن على المدين تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً طوعاً أو جبراً عليه، وفي حالة وجود ما يخالف هذه القاعدة الأساسية يجب الاستناد إلى نصوص قاطعة لا يتطرق إليها الشك، لأنها تأتي خلافاً لهذه القاعدة . وعند وجود مثل هذا الشك، يجب الرجوع إلى هذه القاعدة الأساسية وليس العكس؛ إعمالا لنص المادة (74) من القانون المدني الأردني التي تنص على أن : ” اليقين لا يزول بالشك”، ونص المادة (75) مدني أردني التي تقول : “1- الأصل بقاء ما كان على ما كان، كما أن الأصل في الأمور العارضة العدم. 2- وما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد
دليل على خلافه “. وهذا يعني أن اليقين لا يزول بالشك وإنما يزول بيقين مثله وهو نص مأخوذ من قاعدة ما ثبت بيقين لا يرتفع بالشك، وما يثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين، والأصل بقاء ما كان على ما كان، إلا إذا قام دليل على خلافه، وبقاء الحال على حاله هو الاستصحاب، أي الاستصحاب الماضي بالحال أو الحال الماضي وحجة دافعة لا مثبتة (12).
وسنلاحظ عزيزي القارىء؛ بأن نصوص القانون الأردني لم تكن قاطعة في دلالتها، على أن الشكل يعد ركناً لا بد منه لانعقاد العقود المنصبة على عقار، ولم تكن متسقة في عباراتها ومصطلحاتها عند معالجتها لهذا الموضوع الخطير. وقد انعكس ذلك بالضرورة على الدقة في إصدار القراراًت القضائية بهذا الخصوص.

المبحث الثاني الحق في المطالبة بالتنفيذ العيني في القوانين التي تأخذ برضائية العقود المنصبة على عقار

بقيت العقود المنصبة على عقار رضائية في غالبية بلدان العالم وتسري في حق المتعاقدين بمجرد إبرامها مما يعطي لأي من أطرافها الحق في المطالبة بالتنفيذ العيني لما ورد فيها، فعندما أخذ القانون الفرنسي بنظام الشهر الشخصي أوجب قانوناً 1/3/1918 و 4/7/1921 على المتعاقدين إيداع نسختين عن العقد الأصلي في دائرة التأمينات العقارية. وأوجب القانون عام 1955 تسجيل العقود العقارية بحيث لا يمكن التذرع بها تجاه الغير إلا بعد تسجيلها، من حيث أنها تسري بين المتعاقدين بمجرد العقد دون حاجة إلى تسجيل (13) .

وهذا ما أيدته المادة 1583 من القانون المدني الفرنسي بتأكيدها على أن الملكية تنتقل للمشتري قانوناً بمجرد الاتفاق على الشيء والثمن، وهذا ما يظهر بأن عقد البيع للعين المحددة ينتج آثاره مباشرة وفوراً بمجرد الاتفاق ودون أي شكليات(14) .
ونفس الشيء يقال بالنسبة لاستراليا التي لاحظ فيها ريشار تورنس عندما كان أميناً عاماً للعقود في جنوبي استراليا، ضرورة تسجيل جميع العقارات ومعرفة ملاكها مقتدياً بسجلات السفن التي يمكن من خلالها معرفة مالكي هذه السفن فاستبدل ميناء التسجيل بمدينة أو قرية تكون مركزاً للتسجيل العقاري.

إن طريقة تورنس هذه لم تكن إجبارية بادىء الأمر، بل اختيارية وبعد ذلك طبق النظام الجبري في المقاطعات . وكان أسلوب تورنس يقضي بأن يقدم الراغب بالتسجيل طلباً مرفقاً بمصور عن عقاره موضوعاً من قبل مساح محلف ومجاز، مضموماً إليه الوثائق والأسناد الضرورية لتأييد حقه في العقار المطلوب قيده في السجل بعد التأكد من عدم تعدي المالك على العقارات المجاورة (15) . والمطلع على هذا النظام يدرك بسهولة بقاء مبدأ الرضائية بالنسبة للعقود المنصبة على العقارات وإمكانية أي من الطرفين مطالبة الطرف الآخر بالتنفيذ العيني لتعهده، لأن التسجيل لا يعدو أن يكون عملية تنظيمية يراد منها معرفة الملاك والاحتجاج بحقوقهم في مواجهة الغير ليس إلا.
وهذه القاعدة تصح أيضاً بالنسبة لقوانين أخرى كالقانون الألماني والسويسري، إذ يلزم المتعهد بنقل ملكية العقار المباع عيناً وأن لا يقتصر التزامه على التعويض فقط(16).

هذا وقد ذهب الفقه الفرنسي إلى أكثر من ذلك في إعطائه الحق للمشتري في المطالبة بالتنفيذ العيني لعقد البيع المنصب على العقار بالنسبة للمباني المشتراة وهي تحت الإنشاء، فقد سمح لهذا المشتري بالاحتجاج بمثل هذه العقود على الرغم من عدم اكتمال البناء محل العقد (17).
وفي مصر ظل عقد البيع بعد صدور قانون التسجيل في حزيران 1923 من عقود التراضي ، التي تتم قانوناً بالإيجاب والقبول، وكل ما أحدثه هذا القانون من تغيير في أحكام البيع ، هو أن نقل الملكية بعد أن كان نتيجة لازمة للبيع الصحيح بمقتضى نص الفقرة الأولى من المادة 266 من القانون المدني المصري أصبح متراخياً إلى ما بعد التسجيل، ولذلك بقي البائع ملزماً بموجب العقد بتسليم المبيع وبنقل الملكية للمشتري، كما بقي المشتري ملزماً بأداء الثمن إلى غير ذلك من الالتزامات التي ترتبت بينهما على التقابل بمجرد حصول البيع، كما أنه ليس للبائع، لعدم تسجيل العقد وتراخي نقل الملكية بسببه، أن يدعي لنفسه ملك المبيع على المشتري، لأن من يضمن نقل الملكية لغيره لا يجوز له أن يدعيها لنفسه، ومقتضى ذلك أن يكون البائع ملزماً بتسليم المبيع إلى المشتري مع غلته إن لم يقم بتسليمه. فالحكم الذي لا يعطي المشتري الحق في ريع الشيء المبيع عن المدة السابقة على تاريخ تسجيل عقد البيع يكون حكماً خاطئاً متعيناً نقضه(18).

وبالرجوع إلى قانون تنظيم الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 ، نجد أن المادة التاسعة منه تنص على أن : ” 1- جميع التصرفات التي من شأنها إنشاء حق من الحقوق العينية العقارية الأصلية ، أو نقله أو تغييره أو زواله، وكذلك الأحكام النهائية المثبتة لشيء من ذلك يجب شهرها بطريق التسجيل ويدخل في هذه التصرفات الوقف والوصية . 2- ويترتب على عدم التسجيل أن الحقوق المشار إليها، لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول لا بين ذوي الشأن ولا بالنسبة لغيرهم 3- ولا يكون للتصرفات غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن”.

وإذا كان البيع غير المسجل، لا ينقل الملكية إلى المشتري ، لا فيما بين المتعاقدين ولا بالنسبة للغير، ويقتصر أثره على إنشاء الالتزامات الشخصية بين طرفيه(19)، فهل معنى ذلك أن عقد البيع بعد قانون التسجيل وقانون تنظيم الشهر العقاري قد أصبح عقداً شكلياً لا يتم إلا بالتسجيل، أم أنه ما زال عقداً من عقود التراضي؟
ذهب رأي إلى أن البيع العقاري غير المسجل عقد غير صحيح باعتباره بيعاً، بل هو عقد غير مسمى منشئ لالتزامات شخصية بين المتعاقدين ليست هي الالتزامات التي تنتج عن البيع.

ولكن هذا الرأي لم يلبث أن هجر في الفقه والقضاء (20) . وقد حسمت محكمة النقض المصرية هذه المسألة بقضاء مستقر، يقضي بأن عقد البيع هو من عقود التراضي التي تتم وتنتج آثارها بمجرد توافق الطرفين، وكل ما استحدثه قانون التسجيل من أثر في أحكام البيع، هو أن نقل الملكية بعد أن كان بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 26 من القانون القديم نتيجة لازمة للبيع الصحيح بمجرد عقده، أصبح متراخياً إلى ما بعد حصول التسجيل. أما أحكام البيع الأخرى، فلا تزال قائمة لم ينسخها ذلك القانون؛ فالبائع يبقى ملزماً بموجب العقد بتسليم المبيع، وبنقل الملكية للمشتري، كما يبقى المشتري ملزماً بأداء الثمن، إلى غير ذلك. من الالتزامات التي تترتب بينهما على التقابل بمجرد انعقاد البيع(21) .
وهكذا فإن عقد البيع العقاري غير المسجل عقد موجود وصحيح، وتترتب عليه جميع آثاره فينشىء الالتزامات التي تترتب على البيع ، سواء في ذمة البائع أو في ذمة المشتري، وإن كانت الملكية لا تنتقل بمجرد تمام العقد، وإنما يتراخى انتقالها إلى ما بعد حصول التسجيل(22) .

فعقد البيع العقاري غير المسجل ينشىء التزامات شخصية بين المتعاقدين فينشىء جميع التزامات البائع، ومن ثم يلتزم البائع بنقل الملكية إلى المشتري، وبتسليم المبيع، وبضمان التعرض والاستحقاق والعيوب الخفية، وينشىء البيع غير المسجل، كذلك جميع التزامات المشتري فيلتزم بموجبه أن يدفع الثمن وأن يستلم المبيع.
وعلى ذلك يلتزم البائع بأن يقوم بما هو ضروري من جانبه لإجراء التسجيل، وبأن يكف عن أي عمل من شأنه أن يجعل التسجيل مستحيلاً أو عسيراً، ومن ثم يكون للمشتري أن يطالب البائع بتنفيذ الالتزام الذي في ذمته. فإذا نفذ البائع التزامه بنقل الملكية إلى المشتري فبها، أما إذا أخل البائع بالتزامه هذا ؛ بأن أنكر صدور البيع منه، أو امتنع عن الذهاب إلى الجهة المختصة للتصديق على إمضائه، أو أخل بأي صورة أخرى بواجبه في القيام بالأعمال اللازمة للتسجيل ، جاز للمشتري إجباره هو أو ورثته على تنفيذ التزامه عيناً، وذلك عن طريق دعويين دعوى صحة التعاقد ودعوى صحة التوقيع(23) .
ودعوى صحة التعاقد هذه لم يشر إليها قانون التسجيل العقاري، ولكن العمل ابتدعها تحت اسم ” دعوى صحة ونفاذ العقد”، يواجه بها امتناع البائع عن القيام بالأعمال الواجبة للتسجيل، حتى لو كان معترفاً بصدور البيع منه. فسواء كان البائع منكراً للبيع أو معترفاً به، فهو ما دام ممتنعاً عن القيام بالأعمال الواجبة لتسجيل العقد ، استطاع المشتري إجباره وذلك، بأن يرفع عليه دعوى يطلب فيها الحكم بثبوت البيع أو بصحته ونفاذه. فإذا صدر هذا الحكم جعل منه المشتري سنداً يغنيه عن عقد البيع الصالح للتسجيل. وقد سار العمل أبعد من ذلك بأن غل يد البائع عن التصرف في العقار المبيع من وقت رفع الدعوى بصحة التعاقد، حتى لا يكون المشتري تحت رحمته أثناء المدة الطويلة التي قد يستغرقها نظر الدعوى (24).

ودعوى صحة عقد البيع ونفاذه وفقاً لما جرى عليه قضاء محكمة النقض المصرية، دعوى استحقاق مآلا يقصد بها تنفيذ التزامات البائع، التي من شأنها نقل ملكية المبيع إلى المشتري تنفيذاً عينياً، والحصول على حكم يقوم تسجيله مقام تسجيل العقد في نقل الملكية، ويتعين عند الفصل فيها بحث ما عسى أن يثار من منازعات بشأن ملكية البائع للمبيع كله أو بعضه(25) .

وذهب القضاء المصري إلى أبعد من ذلك؛ فلم يشترط لإقامة هذه الدعوى في بعض الحالات حتى توقيع المشتري، إذا ما تبين للمحكمة حصول هذا البيع فعلاً بالدليل القاطع، فقد جاء في أحد قراراًت محكمة النقض المصرية ما يلي:
” متى كان الحكم المطعون فيه قد قضى بصحة عقد البيع تأسيساً على أنه قد توافرت له أركان انعقاده بدفع مورث المطعون ضدها ( المشتري) الثمن كاملاً إلى الطاعنة ( البائعة) ، وتسلم العقد الموقع عليه منها، وتمسك المطعون ضدها ( الوارثة للمشتري) بهذا العقد في مواجهة البائعة، وإقامتها عليها الدعوى بصحته ونفاذه، مما مؤداه أن الحكم اعتبر ذلك قبولاً من المشتري للبيع، يغني عن توقيعه على العقد، فإن هذا الحكم يكون لا خطأ فيه ولا قصور”(26) .

على أن المشتري قد يكون في يده ورقة عرفية بالبيع موقعة من البائع بإمضائه أو ختمه أو بصمة إصبعه، ويمتنع البائع مع ذلك من الذهاب إلى الجهة المختصة للتصديق على توقيعه تمهيداً للتسجيل. وهنا يلجأ المشتري إلى دعوى أكثر يسراً، ولكنها أقل شأناً، وهي دعوى صحة التوقيع. وقد استعار العمل هذه الدعوى من دعوى تحقيق الخطوط الأصلية المعروفة في تقنين المرافعات.

فيجوز للمشتري أن يختصم البائع ليقر أن الورقة العرفية هي بإمضائه أو بختمه أو ببصمة أصبعه، ويكون ذلك بدعوى أصلية بالإجراءات المعتادة للدعاوى. فإذا حضر البائع وأقر أوسكت أو لم ينكر توقيعه أو لم ينسبه إلى سواه، اعتبرته المحكمة مقراً بتوقيعه على ورقة البيع، وتكون جميع مصروفات دعوى صحة التوقيع على المشتري. أما إذا لم يحضر البائع ، حكمت المحكمة في غيبته بصحة التوقيع، ويجوز له أن يعارض في هذا الحكم في جميع الأحوال. وإذا حضر البائع وأنكر التوقيع أو نسبة إلى سواه، واتخذت المحكمة الإجراءات التي رسمها تقنين المرافعات لتحقيق التوقيع والحكم بصحته أو برد الورقة. ومتى صدر الحكم بصحة التوقيع، سواء بإقرار البائع أو بعد التحقيق، اعتبرت ورقة البيع العرفية هي والحكم بصحة التوقيع بمثابة عقد بيع مصدق فيه على الإمضاء، فإذا سجلا معاً انتقلت الملكية إلى المشتري . ولا يجوز للبائع بعد ثبوت صحة توقيعه أن يطعن في البيع بأنه باطل أو قابل للإبطال، أو أنه قد انفسخ أو أن هناك محلاً لفسخه، أو أنه غير نافذ لأي سبب من الأسباب. فكل هذه مسائل لا شأن لدعوى صحة التوقيع بها، ومحل بحثها يكون في دعوى صحة التعاقد. ذلك أن الحكم بصحة التوقيع.
لا يستفاد منه غير أن التوقيع الموضوع على ورقة البيع هو توقيع البائع(27) .

ودعوى صحة التوقيع هذه هي دعوى تحفظية، الغرض منها إثبات أن التوقيع الموضوع على المحرر هو توقيع صحيح صادر من يد صاحبه. ويكفي لقبول الدعوى وفقاً لما يقضي به قانون المرافعات المصري، أن يكون لرافعها مصلحة قائمة يقرها القانون(28) .

وفي لبنان إذا كان العقد لا يكفي بذاته لنقل الملكية العقارية، فما هي قيمته القانونية، وهل يخول أحد طرفيه أن يطلب من القضاء الحكم بقيده في السجل العقاري؟ فلو باع شخص عقاراً من شخص آخر بعقد عادي، ولم يقيد هذا البيع في السجل العقاري، فهل يستطيع المشتري بالاستناد إلى هذا العقد أن يستحضر البائع أمام القضاء، ليحكم بإلزامه بقيد البيع في السجل العقاري، حتى إذا حكم له بذلك ، تمكن من إجراء القيد بالاستناد إلى هذا الحكم؟
إن البائع وفقاً للقانون اللبناني يبقى ملزماً بتنفيذ بنود العقد، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتسجيل العقد، وإنتقال الملكية إلى المشتري. والبيع العقاري الذي يستوجب التسجيل لنقل الملكية، يوجب على البائع التقيد بالعقد وتنفيذه حسب أحكام المادتين 267 و 268 من القرار رقم 3339 الصادر بتاريخ 12/تشرين الثاني 1930 ( قانون الملكية العقاري )(29).
وقد أعطت المادة (267) المشار إليها اكتساب حق قيد الحقوق العينية العقارية بمفعول العقود، وتطبيق الأحكام الخاصة بالبيع على الحقوق العينية العائدة لهذه العقارات.
وزادت المادة (268) بأن موجب إعطاء العقار يتضمن موجب فراغه في السجل العقاري وصيانته، حتى الفراغ تحت طائلة تعويض الدائن بالعطل والفوائد.

وبالتالي فإن نقل الحقوق العينية، يلزم البائع بالمثول أمام رئيس المكتب المعاون، لإعلان تنازله عن المبيع إلى المشتري، وتوقيع العقد المطبوع من الدوائر العقارية، وتقديم مستندات الملكية اللازمة .(30)
وقد اتخذ قانون الملكية العقارية اللبناني موقفاً أبعد من ذلك في المادة (222) منه التي تنص على ما يلي: ” إن الوعد ببيع عقار يمنع الواعد من بيع العقار، أو من إنشاء حق عيني عليه غير التأمين، وذلك أثناء المهلة المعطاة للموعود لأجل تقرير الشراء”، علماً بأن المادة 220 من هذا القانون قد حددت أقصى مدة للواعد بالبيع بخمس عشرة سنة(31). فالعقد غير المقيد في السجل العقاري، وإن كان لا يكفي بذاته لإنشاء أو نقل الحق العيني، إلا أنه ينشئ موجب إنشاء أو نقل هذا الحق، وعلى هذا فإن البيع العادي إذا كان لا يجعل المشتري مالكاً للعقار المبيع، فإنه يعطيه حق مطالبة البائع بقيد العقار على اسمه في السجل العقاري، كيما يصبح مالكاً له. وأن تمنع البائع عن إجراء هذا القيد، كان للمشتري أن يراجع القضاء، ويستحصل على حكم به. وهذا ما أشارت إليه المادة (11) من القرار رقم (188) المتعلق بنظام السجل العقاري التي بعد أن نصت على أن “الصكوك الرضائية والاتفاقات التي ترمي إلى إنشاء حق عيني أو إلى نقله أو إعلانه أو تعديله، أو إسقاطه، لا تكون نافذة حتى بين المتعاقدين إلا من تاريخ قيدها أضافت أن ذلك “لا يمنع المتعاقدين من ممارسة حقوقهم ودعاويهم المتبادلة عند عدم تنفيذ اتفاقاتهم”.

وبعد أن اعتبرت المحاكم اللبنانية في اجتهاداتها، بأن العقد غير المقيد في السجل العقاري لا يمنع حق المطالبة بالقيد، وأن الموجب الوحيد الذي يترتب على الفريق الناكل هو ضمان العطل والضرر ليس إلا، تراجعت عن هذا الرأي، وقضت باستمرار، بأنه يحق لمن تعاقد بسند عادي إذا كان موضوع العقد حقاً عينياً عقارياً-أن يطلب قيده قضاء-لأن موجب إعطاء العقار-طبقاً لما نصت عليه المادة (268) من قانون الملكية العقارية-يتضمن موجب فراغه في السجل العقاري.

وقد أيدت محكمة التمييز اللبنانية رأي محاكم الأساس، فقررت أنه “يحق للمشتري المطالبة بتسجيل البيع العادي بواسطة القضاء”. وفي هذه الحالة يتحتم على المحكمة أن تقضي بقيد العقد في السجل العقاري، سواء كان هذا العقد مسجلاً لدى الكاتب العدل، أم كان سنداً عادياً أم حتى شفهياً(22).

المبحث الثالث الحق في المطالبة بالتنفيذ العيني في القوانين التي تأخذ بالتسجيل باعتباره ركناً للانعقاد

يكاد القانون العراقي أن يكون القانون الوحيد الذي يأخذ بالتسجيل باعتباره ركناً لانعقاد العقد. وقد اتخذ المشرع العراقي في أكثر من قانون موقفاً قاطعاً لا لبس فيه من هذا الأمر، بصرف النظر عن الانتقادات الكثيرة التي وجهت إليه، مما دفعه كما سنلاحظ إلى تحسين صورة هذا الموقف فيما بعد. وبعد القانون العراقي يأتي القانون الأردني، الذي اتخذ موقفاً غير واضح كما سنرى، على الرغم من أن التطبيقات القضائية قضت في كل الأحكام، باعتبار التسجيل ركناً في الانعقاد وهو ما سيكون مداراً لدراستنا وتحليلنا في المبحث القادم.

فوفقاً للقانون العراقي إذا تم تسجيل بيع العقار في دائرة التسجيل العقاري، انعقد البيع وانتقلت ملكية العقار إلى المشتري من تاريخ التسجيل وليس قبل ذلك. بمعنى أنه ليس للتسجيل أثر رجعي، فنصوص القانون المدني العراقي تقرر بوضوح أن ليس للعقد قبل تسجيله من وجود بصريح نص المادة (508) من القانون المدني العراقي التي تنص على أن “بيع العقار لا ينعقد إلا إذا سجل في الدائرة المختصة واستوفى الشكل الذي نص عليه القانون.”(33) .

وقد أكد المشرع العراقي هذا الاتجاه في الفقرة الثانية من المادة الثالثة من قانون التسجيل العقاري رقم(43) لسنة 1971 (34)، التي جاء فيها: “لا ينعقد التصرف العقاري إلا بالتسجيل في دائرة التسجيل العقاري”. ويجري قيد العقار في سجل خاص يطلق عليه السجل العقاري، وهو سجل تثبت فيه التسجيلات العقارية وفق نصوص القانون ويستند إليه في إصدار السند الخاص بالعقار. ويقصد بالسند، الصورة المطابقة للسجل العقاري بعد استيفاء التسجيل شكله النهائي(35).

ومنع المشرع العراقي أيضاً في الفقرة الثالثة من المادة الحادية عشرة من قانون كتاب العدل العراقي رقم 27 لسنة 1977 كتاب العدول كافة من تنظيم أو توثيق التصرفات العقارية، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة (36).

وإذا أخل أحد الطرفين المتعاقدين بتنفيذ التزامه الذي ينشئه في ذمته التعهد المنصوص عليه في المادة(1127) من القانون المدني العراقي، فهل يجوز تنفيذ هذا التعهد تنفيذاً عينياً، وبالتالي هل يجوز للمشتري أن يلتجئ إلى طلب التنفيذ العيني الجبري؟

من المتفق عليه بين شراح القانون المدني العراقي أنه لا يجوز للمشتري إلزام خصمه بتنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً، فهو لا يستطيع إرغام البائع على الذهاب معه إلى دائرة التسجيل العقاري لتسجيل العقد، وإنما يقتصر حقه على المطالبة بالتعويض، كما تصرح بذلك المادة (1127) من القانون المدني العراقي التي جاء فيها: “التعهد بنقل ملكية عقار يقتصر على الالتزام بالتعويض، إذا أخل أحد الطرفين بتعهده، سواء اشترط التعويض في التعهد أم لم يشترط”.

وفي هذا الحكم المنتقد من الكافة خروج على القواعد العامة في التنفيذ العيني، إذ يقضي منطق هذه القواعد إجبار البائع على تنفيذ التزامه تنفيذاً عينياً، كلما كان ذلك ممكناً ولم يكن في هذا التنفيذ إرهاق للمدين. ومن الواضح أنه ليس في التنفيذ العيني لالتزام المتعهد بنقل ملكية عقار أي إرهاق له، وليس فيه مساس بشخصه أو بحريته، وقد كان من الخير للمشرع العراقي أن يكون التعهد المنصوص عليه في المادة(1127) من القانون المدني العراقي ملزماً بنقل الملكية عيناً، وأن لا يقتصر على الالتزام بالتعويض، وهذا ما تقرره قوانين أخرى كالقانونين الألماني والسويسري، وكلاهما يأخذ كالقانون المدني العراقي بنظام السجل العقاري(37).

إن موقف المشرع العراقي هذا لا يحقق ميزان العدالة بين البائع والمشتري مطلقاً، ويحشر المشتري في زاوية حرجة عن نكول البائع عند تنفيذ التزامه. ونفس الشيء يحدث بالنسبة للبائع عند نكول المشتري عن إتمام الوفاء بالتزامه. وكل ذلك لا يجد له مبرراً قانونياً أو منطقياً، وهو يأتي كما لاحظنا خروجاً على القواعد العامة، بل وخروجاً على القواعد الأساسية التي لاحظناها في الشريعة والفقه الإسلاميين، وكذلك الغالبية العظمى من القوانين المعاصرة في العالم.

وبسبب ارتفاع أثمان العقارات في العراق ارتفاعاً كبيراً، وبتأثير من ازدياد النكول عن تسجيل بيع العقار في دائرة التسجيل العقاري بعد التعهد بنقل الملكية طمعا في حصول المالك على كسب كبير هو الفرق بين قيمته وقت التعهد، وقيمته وقت بيع العقار مجدداً لشخص آخر، أصدر مجلس قيادة الثورة في العراق قراره المرقم 1198 والمؤرخ في 2/11/1977(38)، الذي قضى بما يلي: “

أولاً:-أ-يقتصر التعهد بنقل ملكية عقار على الالتزام بالتعويض، إذا أخل أحد الطرفين بتعهده، سواء اشترط التعويض في التعهد، أم لم يشترط فيه، على أن لا يقل مقداره عن الفرق بين قيمة العقار المعينة في التعهد، وقيمته عند النكول، دون إخلال بالتعويض عن أي ضرر آخر.

ب-إذا كان المتعهد له قد سكن العقار محل التعهد، أو أحدث فيه أبنية أو منشآت أخرى بدون معارضة تحريرية من المتعهد، فإن ذلك يعتبر سبباً صحيحاً يبيح للمتعهد له تملك العقار بقيمته المعينة في التعهد، أو المطالبة بالتعويض على الوجه المذكور في الفقرة (أ) من هذا البند مضافا إليه قيمة المحدثات قائمة وقت النكول”.

ويلاحظ أن هذا القرار تناول بالتعديل حكم المادة (1127) من القانون المدني العراقي، وخرج على القواعد العامة في التعويض المنصوص عليها في المادتين (169، 170) مدني عراقي. وقد أفلح المشرع بهذا القرار إلى مدى واسع في الحد من ظاهرة النكول. وبمقتضى هذا القرار يجب على القاضي إذا كان التعهد قد نص على التعويض في صورة شرط جزائي، أن يرفع قيمته إلى الحد الذي

لا يقل عنده عن الفرق بين قيمة العقار وقت التعهد وبين قيمته وقت النكول. أما إذا خلا التعهد من شرط جزائي، فيصار إلى التعويض القضائي، الذي لا يجوز أن يقل مقداره عن الفرق بين القيمتين دون إخلال بالتعويض عن أي ضرر آخر أصاب غير الناكل.

كما أخذ هذا القرار في الفقرة (ب) منه بالتنفيذ العيني في حالات محددة، يستطيع المتعهد له وفقاً لها أن يطلب من محكمة الموضوع تسجيل العقار باسمه في السجل العقاري المختص(39).
والحقيقة أن هذا الاتجاه من المشرع العراقي، كان سليما في مجال حماية المتعهد له وتحقيق العدالة لاسيما أنه قد أوضح صراحة أن السكن أو إحداث الأبنية أو المنشآت في محل التعهد، كان بقبول أو

رضا المتعهد ولم تحصل معارضته التحريرية. والغرض من النص على وجوب المعارضة أن تكون تحريرية وليست شفاها هي للحد من تعسف المتعهد وربما ادعاؤه الكاذب بحصول المعارضة منه(40).
وعلى الرغم من محاولة المشرع العراقي السالفة تقويم الوضع القانوني وتعديله من أجل إعادة التوازن القانوني والاقتصادي بين البائع والمشتري وبشكل خاص بالنسبة للمشتري، إلا أن ذلك من وجهة نظرنا لا يعد كافياً، بل المطلوب فتح الباب على مصراعيه وإعطاء الحق في المطالبة بالتنفيذ العيني للالتزام حينما يكون ذلك ممكناً وغير مرهق للمدين، أسوة بكل القوانين الأخرى، التي جسدت في هذه المسألة وغيرها تحقيق مبدأ العدالة في إعطاء الدائن الحق في الوصول إلى حقه دون اللجوء إلى البديل المتمثل بالتعويض إلا في الحالات التي ينص عليها القانون ويقبلها منطق العدل والإنصاًف. ولا مبرر للقول بخلاف ذلك لا في القانون المدني العراقي ولا في القانون المدني الأردني، الذي سنتناوله بالنقد البناء في المبحث التالي.

المبحث الرابع الموقف في الأردن من مبدأ التنفيذ العيني الجبري لبيوع العقارات خارج دائرة تسجيل الأراضي

لم يكن موقف المشرع الأردني واضحاً في معالجته لمبدأ التنفيذ العيني الجبري بالنسبة للعقود المبرمة خارج دائرة تسجيل الأراضي. والسبب في ذلك هو اضطراب النصوص القانونية، وعدم اتساقها، مما انعكس أيضاً على دقة القراراًت القضائية في هذا الشأن. فالقانون الأردني ومن ورائه القضاء الأردني لم يقلد الفقه الإسلامي الذي يعتبر العقد رضائياً على الرغم من تأثر القانون الأردني دائما بهذا الفقه على طول القانون وعرضه، ولم ينتهج نهج القانون والقضاء المصريان اللذان اعتبرا هذا النوع من العقود رضائياً ويتراخى فيه أثر واحد وهو انتقال الملكية لحين التسجيل. كذلك لم يأخذ بطريقة القانون العراقي التي جاءت واضحة باعتبار التسجيل ركناً لانعقاد العقد فاستخدمت النصوص القانونية العراقية
عبارة “لا ينعقد العقد..الخ”. وحينما وجد المشرع العراقي عقم هذا النهج وعدم عدالته، على الأقل في بعض الأحيان، عدل من موقفه بإعطائه المشتري أحياناً حق المطالبة بالتنفيذ العيني الجبري متجاوزاً بذلك القاعدة الأساسية التي لا تعطي المشتري هذا الحق.

ولنأتي الآن لتحليل النصوص الأردنية بدءا من أهم مادة معول عليها لدى الشراح والقضاة، وهي المادة 16/3 من قانون تسوية الأراضي والمياه رقم (40) لسنة 1952 (41) التي تقول: “في الأماكن التي تمت التسوية فيها، لا يعتبر البيع والمبادلة والإفراز والمقاسمة في الماء صحيحاً، إلا إذا كانت المعاملة قد جرت في دائرة التسجيل”. ويقصد بعبارة (تسوية الأراضي والمياه) تسوية جميع المسائل والاختلافات المتعلقة بأي حق تصرف أو حق تملك في الأرض، أو المياه أو حق منفعة فيها، أو أية حقوق متعلقة بها وقابلة للتسجيل(42). وهذا يعني أن قانون التسوية، جاء بعملية تنظيمية شأنه في ذلك شأن بقية القوانين في العالم. ومن حق المشرع أن يعتبر الحقوق غير المسجلة وفقاً للإجراءات التي جاء بها هذا القانون غير صحيحة، لأن المشرع أراد قطع دابر النزاعات بشأن هذه الحقوق، ووضع العديد من الإجراءات من أجل الوصول إلى دقة القيود الواردة بشأنها. لذلك أعطى قانون التسوية لمدير الأراضي والمساحة أو من يقوم مقامه، الحق في تصحيح الأخطاء التي تحصل في هذه القيود، دون الرجوع إلى أي شخص أو هيئة أخرى عندما يثبت للمدير وقوع خطأ في قيد من قيود سجل الأموال غير المنقولة، نشأ عن سهو كتابي أو سهو في المساحة. كذلك أعطاه الحق في إجراء تغييرات في سجل المياه من وقت لآخر عندما يثبت بما يقنعه وقوع خطأ في التسجيل ناشئ عن سهو كتابي أو سهو في المساحة. وعندما يثبت للمدير وقوع خطأ في جدول الحقوق النهائي، نشأ عن سهو كتابي أو سهو في المساحة أو خطأ في ربط الحدود على الخرائط أثناء عمليات المساحة، يقدم المسألة إلى قاضي محكمة التسوية، وعند غيابه إلى قاضي الصلح ليصدر قراراً نهائياً فيها”.

وهذا الأمر التنظيمي لا يختلف عما ورد في دول أخرى لا زالت تعتبر هذا العقد رضائياً. ففي المغرب سلك المشرع المغربي نفس الطريق في البيان الذي يتعلق بالضابط العقاري المعروف بضابط تقييد الأملاك العقارية لعام 1913(43)، الذي جاء فيه: “أن الضابط العقاري الجديد المعروف بضابط تقييد الأملاك العقارية لعام 1913 وسائر النصوص التابعة له منوط باتخاذ الكنانيش العقارية وأن المقصود من الضابط المذكور هو تقييد كل عقار بكنانيش خاصة تعرف بالكنانيش العقارية بعد تحديده معاينة بصورة مدققة ويوضع له اسم وعدد خاص به مع الايضاًحات الكافية فيما يتعلق بالأمور الهندسية والقانونية حتى يتضح حق الملكية بصورة ثابتة نهائياً. وتجمع في كل رسم من رسوم الملكية المحررة على هذه الصورة سائر الحقوق العينية والأداءات المالية التابعة للعقار، وكذلك سائر الانتقالات أو التغييرات المتعلقة به. وأما الرسم العقاري فيكون مبينا لحالة العقار المقيد تبياناً تاماً.

بحيث يمكن معرفة أصله وحكايته وحالته الحقيقية القانونية بسرعة وبسهولة تامة. وأن الحقوق المقيدة في الكنانيش العقارية تعتبر دون غيرها حجة قاطعة على الغير، ولا يمكن معارضة أي حق غير مقيد من قبل على من له حق مقيد في الكنانيش المذكورة. وعليه فإن هذه الطريقة تضمن للمشترين حقوقهم ضمانا تاما”.

ونفس الشيء لاحظناه في المادة التاسعة من قانون الشهر العقاري المصري رقم 114 لسنة 1946 حيث جاء في الفقرتين الثانية والثالثة منه ما يلي: (2-ويترتب على عدم تسجيل الحقوق العينية

العقارية الأصلية أن هذه الحقوق لا تنشأ ولا تنتقل ولا تتغير ولا تزول بين ذوي الشأن ولا بالنسبة لغيرهم 3-ولا يكون للتصرفات غير المسجلة من الأثر سوى الالتزامات الشخصية بين ذوي الشأن).
ولقد لاحظنا بأن جانباً من الفقه والقضاء المصريين كانا يتجهان نحو اعتبار التسجيل وفقاً للنص أعلاه ركناً لانعقاد العقد ولكنهما صرفا النظر عن هذا الرأي الذي أصبح مهجوراً فيما بعد(44).

وعلى هذا الأساس فلا نرى الدليل القاطع على أن نص المادة 16/3 من قانون التسوية الأردني يشير إلى اعتبار عقود البيع التالية لعمليات التسوية المنصبة على عقار عقوداً شكلية لا تنعقد إلا بتسجيلها في دائرة تسجيل الأراضي، لأن القانون حينما يشترط شكلاً معيناً لانعقاد العقد بدونه يصبح هذا العقد

باطلاً، فإن من المفضل من حيث الدقة القانونية استخدام عبارة “لا ينعقد العقد”، وليس عبارة “لا يعتبر العقد صحيحاً” التي استخدمتها المادة 16/3 من قانون تسوية الأراضي الأردني، لأن الشكل مظهر مادي خارجي مقصود لذاته. وفي هذا المجال بالذات يعد إجراء يعلق انعقاد العقد على تمامه، وبدونه يصبح العقد باطلاً(45).

ولذلك فليس من العبث أو الصدف القول “لا ينعقد العقد” في المادة 508 مدني عراقي والمادة 1031 مدني مصري، بل وحتى في المادة 1302 من القانون المدني الأردني.

وعلى هذا فإن عبارة “لا يعتبر البيع صحيحاً” الواردة في المادة 16/3 من قانون التسوية الأردني، لا تغني عن القول “لا ينعقد العقد” لأن مفهوم العقد غير الصحيح لا يطابق بالضرورة العقد الباطل. فالعقد غير الصحيح هو العقد الذي أصابه خلل بأن كان أحد المتعاقدين أو كلاهما فاقد الأهلية، أو كان ممن كملت أهليته ولكن القبول لم يطابق الإيجاب، أو كان محل العقد فاقداً لشرط من شروطه، أو كان سبب الالتزام غير موجود أو كان سبب العقد غير مشروع(46).

أما العقد الباطل فهو ما ليس مشروعاً بأصله ووصفه بأن اختل ركنه أو محله أو الغرض منه أو الشكل الذي فرضه القانون لانعقاده، ولا يترتب عليه أي أثر ولا ترد عليه الإجازة، ولكل ذي مصلحة أن يتمسك بالبطلان، وللمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها، ولا تسمع دعوى البطلان بعد مضي (15) سنة من وقت العقد(47).

وهذا يعني بوضوح عدم تطابق المفهومين، ولو كان الأمر كذلك لما أورد المشرع الأردني أكثر من نص بهذه المناسبة. كذلك فإن العقد قد ينعقد ويرتب بعض الآثار ومع ذلك لا يعد صحيحاً كما هو الحال بالنسبة للعقد الفاسد (48).
ولو أراد المشرع الأردني أن يحسم لنا هذا الأمر بشكل قاطع، لوضع لنا نصاً واضحاً في القانون المدني الأردني لعام 1976، يستخدم نفس المصطلحات التي أشرنا إليها. ولكننا نجد العكس من ذلك، فقد تأثر القانون المدني الأردني بالقانون المصري وخصوصاً المادة (1146) التي تقول: “تنتقل الملكية وغيرها من الحقوق العينية في المنقول والعقار بالعقد متى استوفى أركانه وشروطه طبقاً لأحكام القانون”. وجاء في المذكرات الأيضاًحية للقانون المدني الأردني (49)، في معرض شرحها للمادة المذكورة ما يلي: “وإن كانت الملكية في العقار لا تنتقل إلا بالتسجيل إلا أن ذلك لا يمنع من انتقالها بالعقد طبقاً للرأي الراجح ولكن أثره يتراخى إلى وقت التسجيل”. وزادت المادة (1148) من الوضع غموضاً وتعقيداً، إذ نصت على أن “لا تنتقل الملكية ولا الحقوق العينية الأخرى بين المتعاقدين وفي حق الغير إلا بالتسجيل وفقاً لأحكام القوانين الخاصة به”. وجاءت المذكرات الأيضاًحية للقانون المدني الأردني مؤكدة تأثر القانون الأردني بالقانون المدني المصري عند شرحها لنص المادة (1148) بالقول: “كما نصت المادة (1148) على ألا تنتقل الملكية ولا الحقوق العينية في المواد العقارية إلا بالتسجيل ومتى تم التسجيل تعتبر الملكية منتقلة من وقت العقد لا من وقت التسجيل لأن سبب نقل الملكية هو العقد وقد ترك تنظيم أحكام التسجيل إلى القوانين الخاصة به في الأردن”(50).

يلاحظ القارئ جلياً بأن هذه النصوص وشروحاتها، تؤكد على موضوع انتقال الملكية كأثر يتراخى لحين تسجيل العقد، ولا تتحدث عن انعقاد العقد، وكل ذلك كما أسلفت يأتي من باب التأثر بنهج المشرع المصري.

وعلى هذا الأساس فإن عدم وضوح المادة 16/3 من قانون التسوية الأردني-كما لاحظنا-دفعنا إلى البحث عن وسائل أخرى لمعرفة موقف القانون الأردني من هذه المسألة الهامة. وحينما انتقلنا إلى القانون المدني لم نجد ضالتنا، وعندها رجعنا إلى المذكرات الأيضاًحية للقانون المدني الأردني التي عادة ما يرجع إليها الباحث عندما يتقصى حقيقة النص ومصدره فوجدناها متأثرة بالقانون المصري الذي يعلق انتقال الملكية على التسجيل (أي لا يأخذ بالشكل للانعقاد أصلا) ولذلك يعتبر البيع وفقاً له صحيحاً ومنتجاً لآثاره بمجرد توافر أركانه (التراضي والمحل والسبب). وعند التخلف عن التسجيل، يستطيع المتعاقد أن يرفع دعوى صحة التعاقد أو دعوى صحة التوقيع(51).

أما القول بأن المذكرات الأيضاًحية للقانون المدني الأردني منقولة عن المذكرات الأيضاًحية للقانون المدني المصري، وأن النظامين المصري والأردني مختلفان فيما يخص هذه النقطة وبالتالي لا يمكن الاعتماد على المذكرات الأيضاًحية للقانون المدني الأردني للاستنتاج في هذا المجال، فهو رأي لا نتفق معه(52).

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل عاد المشرع الأردني مرة أخرى وخلط علينا أوراق هذه المسألة الهامة عندما نقل نص المادة (1127) مدني عراقي نقلاً حرفيا في نص المادة (1149) مدني أردني التي جاء فيها: “التعهد بنقل ملكية عقار يقتصر على الالتزام بالضمان إذا أخل أحد الطرفين بتعهده سواء أكان التعويض قد اشترط في التعهد أم لم يشترط”. ويلاحظ القارئ الكريم هذا المزج غير الموفق
للنصوص القانونية الذي يجعل المحلل القانوني في حيرة من أمره في تحديد طبيعة معالجة القانون الأردني لهذا الأمر الخطير*.

وإذا سلمنا بأن القانون الأردني أخذ بنفس نهج المشرع العراقي الذي اعتبر التسجيل في دائرة تسجيل الأراضي ركناً لانعقاد العقد، بحيث تعتبر العقود المنصبة على عقار خارج هذه الدائرة باطلة، فلماذا تتحدث المواد (1146، 1148) كما لاحظنا عن انتقال الملكية بنفس طريقة النصوص الواردة في القانون المصري؟

وإذا كان المشرع الأردني قد آمن بأن التسجيل ركن للانعقاد ولم يعط المشتري الحق في المطالبة بالتنفيذ العيني الجبري، ويقصر حقه على المطالبة بالتعويض، فلماذا لم يلاحظ مصدره التاريخي، وهو القانون العراقي، الذي حاد عن موقفه السابق وفتح العديد من المنافذ، التي تمكن المشتري من المطالبة بالتنفيذ العيني وعدم الإكتفاء بالتعويض؟

ربما يكون المشرع الأردني قد شعر شيئاً ما بضرورة إعادة النظر في هذه المعادلة غير المنصفة، فقد لاحظنا التعديل الذي طرأ على نص المادة (21) من قانون ملكية الطوابق والشقق رقم 25 لسنة 1968 بالقانون رقم (5) لسنة 1990 (53) والتي أصبحت بعد التعديل كالتالي: “يعود الفصل في أي نزاع يتعلق بالاختلاف حول شروط العقد أو تنفيذه للمحاكم النظامية المختصة، بما في ذلك إصدار القرار بالطلب إلى مدير التسجيل المختص بتسجيل الشقة أو البناية باسم المشتري”.

أما لدى من تولى شرح القانون الأردني من الأساتذة الأفاضل، فقد أصبح من الأمور المسلم بها في الأردن حسب اعتقادهم، أن التسجيل ركن انعقاد في البيع العقاري، أي أن عقد البيع العقاري عقد شكلي لا ينعقد إلا بإتمامه أمام دائرة التسجيل. ومعنى ذلك أن عقد البيع العقاري ليس عقداً رضائياً وإذا لم تراع فيه الشكلية المطلوبة فإنه لا ينعقد وليست له قيمة قانونية ولا أثر له(54).

وقد أكدت هذا الاتجاه قراراًت محكمة التمييز الأردنية، واعتبرت عقود البيع العقارية خارج دائرة تسجيل الأراضي باطلة، إلا أن المتفحص لهذه القراراًت يجدها لا تخلو من التناقض أحياناً في نظرتها للعلاقة بين البائع والمشتري بالنسبة للآثار التي تترتب على هذه العقود. وسأكتفي هنا بإيراد القرارين التاليين ليلاحظ القارئ الكريم صحة ما نزعمه، فقد جاء في أحد قراراًت محكمة التمييز الأردنية الحديثة ما يلي: “لا يعتبر البيع والمبادلة والإفراز والمقاسمة في الأرض أو الماء التي تمت التسوية فيها صحيحاً إلا إذا جرت المعاملة أمام دائرة التسجيل، وإن تعهد المدعى عليه بنقل ملكية الأرض للمدعي هو في حقيقته عقد بيع لم يسجل أمام دائرة التسجيل ويعد باطلاً لا يرتب أثراً وتكون مطالبة المدعي بالمبلغ المتفق عليه كعطل وضرر استنادا للعقد الباطل غير مقبولة ولا أساس لها من القانون”(55).

وجاء في قرار آخر في نفس العام: “يقتصر التعهد بنقل ملكية عقار على الالتزام بالضمان إذا أخل أحد الطرفين بتعهده سواء اشترط التعويض في التعهد أم لا، ومن الجائز أن يحدد مقدار الضمان سلفا فإذا أخل المتعهد بنقل الملكية فيكون ملزماً بقيمة التعويض المتفق عليها، ولا يرد القول أن الاتفاق باطل لأنه ناشئ عن عقد بيع باطل، لأن المدعي لا يطالب بتنفيذ عقد البيع وإنما يطالب بالتعويض عن إخلال المتعهد بالتزامه”(56).

وفي الخلاصة نرى بأن معالجة القوانين الأردنية لهذا الموضوع لم تكن موفقة، ولذلك ندعو بهذه المناسبة المشرع الأردني إلى إعادة النظر بالنصوص المنظمة لهذه المسألة الخطيرة، والاتجاه صوب إعطاء الدائن الحق في المطالبة بالتنفيذ العيني الجبري، حينما يكون ذلك ممكناً وغير مرهق للمدين، مقتدين بالشريعة والفقه الإسلاميين، وكذلك بالغالبية العظمى من قوانين العالم، ومحققين مبدأ التوازن الاقتصادي والقانوني بين طرفي العلاقة التعاقدية، وهو ما يتمناه المشرع الأردني دائماً.

الخاتمة:
ونختتم البحث ببعض الملاحظات والنقاط الهامة كما يلي:

1. تكتسب العقود التي ترد على العقارات أهمية خاصة ولا شك، لأن العقارات وخصوصاً الأراضي تعد جوهر الاقتصاد الوطني في كل البلدان. وهذا ما دفع المشرع في الدول كافة إلى إحاطة نقل الملكية بالنسبة لمحل هذه العقود بإجراءات معينة. وهذا الأمر ليس بالجديد علينا، بل هو نهج اعتمدته حتى التشريعات القديمة، كالقانون الروماني مثلا، فقد كان البيع فيه لا ينقل الملكية بذاته، ولا بد من اعتماد الأشكال المقررة كالإشهاد أو التنازل القضائي أو القبض أو التقادم. ولم يكن البيع في القانون الروماني يرتب في ذمة البائع التزاماً بنقل الملكية، وكل ما يلتزم به البائع نقل الحيازة الهادئة إلى المشتري. ولكن القانون الروماني ابتعد عن الشكلية شيئاً فشيئاً إلى أن ظهرت العقود الرضائية ومنها عقد الشراء والبيع.

وإذا كان المراد بالإجراءات أن تكون عملية تنظيمية، يقصد منها حصر العقارات وبيان ملاكها وتاريخها والتصرفات الواردة عليها والحقوق المترتبة بشأنها، فلا تعتبر هذه الإجراءات قيداً يحول دون حركة هذه العقارات الاقتصادية، بل تسدي نفعاً كبيراً من خلال معرفة مالك العقار والحيلولة دون بيعه أكثر من مرة والحد كذلك من إمكانية بيع ملك الغير ومنع التجاوز بين الملاك.
ولكن هذه الإجراءات تصبح ثقيلة إذا كانت تشكل عائقاً أمام انعقاد العقد، أي إذا كان العقد لا ينعقد ويعد باطلاً عند عدم استيفائها.

بمعنى أن هذه الإجراءات يجب أن تقدر بقدرها فتعتمد من أجل إعداد الهيكل التنظيمي لكل العقارات في البلد، وليس سلاحاً يوفر الحصانة القانونية والقضائية الأبدية للمدين وهو هنا البائع ضد المشتري. فلا وجه لهذه الحصانة أبداً ولا مبرر لوجودها. فلماذا لا نسمح لمشتري العقار مطالبة البائع بتنفيذ التزامه بنقل الملكية عند امتناع البائع عن ذلك؟ أي فلسفة تكمن وراء حماية البائع وعدم إلزامه بتنفيذ التزامه حتى ولو كان ممكناً وفق كل المعايير القانونية؟

2. وإزاء ذلك نجد توزع القوانين على عدة طوائف، فمنها من أخذ بالقاعدة الأساسية وهي أن عقد البيع المنصب على عقار ينقل ملكية العقار بمجرد اتفاق البائع والمشتري على عناصر العقد الجوهرية. ومنها من سهل الأمر أيضاً وأبقى على رضائية العقد ولكنه أبقى أثراً واحداً من آثاره لحين

التسجيل وهو انتقال الملكية، وفسح المجال أمام المشتري للمطالبة بالتنفيذ العيني عند تمنع البائع عن الذهاب معه إلى الدائرة المختصة لنقل الملكية وفقاً للاتفاق بينهما.

أما الاتجاه الآخر فأعادنا إلى الشكل الذي اعتمدته القوانين الغابرة، وبذلك وضع القيود لهذا النوع من التصرفات، وأحاط المدين وخصوصاً بائع العقار بحماية لا تجد لها أي مبرر.

3. أن نصوص القانون المدني الأردني المنظمة لهذا الموضوع، لم تكن متسقة بل جاءت متناقضة وغير موفقة، لذلك نرى ضرورة أن يعتمد المشرع الأردني أحد طريقين: فإما أن ينفض عنه غبار الشكل الذي اعتمده المشرع العراقي والذي كان عرضة لانتقاد الفقه العراقي دائما (مما اضطر المشرع

العراقي-كما لاحظنا-إلى إعادة تقييمه وترقيعه بحلول تسمح للمشتري المطالبة بالتنفيذ العيني في بعض الحالات). ونحن نؤيد هذا الاتجاه الذي يؤدي إلى اعتماد نهج المشرع المصري لأنه الأقرب لتحقيق التوازن الاقتصادي والقانوني بين بائع العقار ومشتريه. والطريق الآخر (وهو أضعف الإيمان) الإبقاء على النهج الحالي والسماح للمشتري بالمطالبة بالتنفيذ العيني في بعض الحالات، كحالة سكن المشتري في العقار، أو بنائه المنشآت والمحدثات في الأرض المشتراة من قبله دون معارضة تحريرية من البائع، وكذلك قيام مشتري الأرض بغرس المغروسات فيها دون هذه المعارضة.

4.وقد حسم الفقه والقضاء في الأردن الموقف من هذه المسألة باعتبار العقود الواردة على العقارات التي تمت فيها التسوية عقوداً شكلية لا تنعقد إلا بتسجيلها في دائرة تسجيل الأراضي، أما الأراضي التي لم تتم فيها التسوية فتبقى العقود بشأنها صحيحة وإن لم يتم تسجيلها، بالاستناد إلى نص المادة الثالثة من القانون رقم (51) لسنة 1958 (القانون المعدل للأحكام المتعلقة بالأموال غير المنقولة) (57).
ولكن القراراًت القضائية في الأردن اختلفت بالنسبة للآثار التي تترتب على التعهد بنقل الملكية خارج دائرة تسجيل الأراضي وخصوصاً بالنسبة للتعويض-كما لاحظنا-وكذلك العربون إذ جاء في أحد قراراًت محكمة التمييز الأردنية: “يعتبر بيع الأموال غير المنقولة بيعاً عادياً خارج دائرة التسجيل بيعاً باطلاً وعليه فيجوز لدافع العربون في هذه الحالة استرداده” (58).

وتلاحظ عزيزي القارئ هنا مجافاة الأمر للعدالة، فالنكول هنا كان من جانب المشتري، ومع ذلك فلا يجوز للبائع مطالبة المشتري بالتنفيذ العيني من جهة ولم يسمح له القضاء حتى بالاحتفاظ بالعربون الذي دفعه المشتري إليه كخطوة لإتمام إجراءات نقل الملكية من جهة أخرى. وهذا يعني أن هذه الحصانة القانونية والقضائية التي خلقها المشرع دون مسوغ في هذا الموضوع بالذات هي سيف ذو حدين حد منه مسلط على البائع والآخر مسلط على المشتري. أما بالنسبة للقراراًت القضائية في العراق التي سار القضاء الأردني على نهجها فقد اختلفت هي الأخرى في نظرتها إلى العربون، حيث

جاء في أحد قراراًت محكمة التمييز العراقية ما يلي: “أن عقد بيع العقار غير المسجل وأن لم تنتقل به ملكية العقار غير أنه عقد صحيح نافذ لازم وكل طرف فيه ملزم بالقيام بما تعهد به، فإذا اتفق الطرفان على جعل العربون المدفوع تعويضاً عن الإخلال بالعقد فيسقط حق المشتري بالعربون عند نكوله”، في حين جاء في قرار آخر: “أن العربون لا يكون إلا في العقود الصحيحة بينما العقد موضوع الدعوى (أي البيع خارج دائرة التسجيل العقاري) يعتبر باطلاً” (59).

5. ومع أن القضاء الأردني قد أوصد الباب أمام إمكانية التنفيذ العيني الجبري كنهج عام، إلا أن محكمة التمييز الأردنية أخذت في النادر من قراراًتها بمبدأ التنفيذ العيني الجبري، فقد جاء في أحد هذه القراراًت ما يلي: “أن حكم المحكمة المكتسب الدرجة القطعية القاضي بنقل ملكية الأرض من مالك إلى آخر ينقل الملكية إلى المحكوم له ولو لم يجر تسجيلها لدى دائرة التسجيل”. (60) ويأتي هذا الحكم-على الرغم من ثنائنا عليه-دليلاً آخر على الارتباك الحاصل في النظرة إلى هذا الموضوع وكيفية معالجته.

الهوامش:

1. حسين، أحمد فرج، الملكية ونظرية العقد في الشريعة الإسلامية، الدار الجامعية، بلاسنة طبع، ص 135.

2. السنهوري، عبد الرزاق، مصادر الحق في الفقه الإسلامي، ج6، دار إحياء التراث العربي، بيروت، بلاسنة طبع، ص 55، مرقس، سليمان وإمام، محمد علي، عقد البيع، مطبعة نهضة مصر 1955، بند (11)، استناذنا العامري، سعدون، البيع والإيجار، ط3، مطبعة العاني، بغداد 1974، ص 13.

3. الكاساني، علاء الدين أبي بكر بن مسعود، المتوفى سنة 587هـ، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ط1، ج5، شركة المطبوعات العلمية بمصر، 1327هـ، ص 243.

4. ج5، دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت 1993، ص 98، 99.

5. نفس المصدر ص 105، وانظر في نفس المعنى: الامام الشافعي أبي عبد الله محمد بن إدريس، المتوفى سنة 204هـ، الأم، ج8، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1990، ص172.

6. سورة المائدة، آية رقم 5.

7. والمراد بالغني المتمكن من الأداء واللي بفتح اللام وتشديد الياء وهو المطل والواجد بالجيم الموسر، قال العلماًء يحل عرضه بأن يقول ظلمني ومطلني وعقوبته الحبس والتعزير. صحيح مسلم بشرح النووي، الطبعة الأولى، ج10، 1929، باب تحريم مطل الغني ص 227، صحيح البخاري، ج3، دار الجيل، بيروت، بلاسنة طبع، باب الحوالات ، ص 123.

8. لاحظ أستاتذتنا: الحكيم، عبد المجيد، البكري، عبد الباقي، البشير، محمد طه، أحكام الالتزام، بغداد 1980، ص 34.

9. راجع في هذا: العامري، سعدون، المصدر السابق، ص 12.

10. المادة 202 مدني أردني المستمدة حرفيا من المادة 148 مدني مصري، وانظر في شرحها المذكرات الأيضاًحية للقانون المدني الأردني، ج1، ط2، نقابة المحامين الأردنية، عمان 1985، ص230، وجاءت المادة 246 من قانون المعاملات المدنية لدولة الإمارات العربية المتحدة مطابقة تماماً للنص المصري والنص الأردني.

11. الحكيم، عبد المجيد، البكري، عبد الباقي، البشير، محمد طه، مصادر الالتزام، العراق 1980، ص 129، سلطان، أنور، مصادر الالتزام في القانون المدني الأردني (دراسة مقارنة بالفقه الإسلامي)، ط1، عمان 1987، ص 174.

12. المذكرات الأيضاًحية للقانون المدني الأردني، ج1، المصدر السابق، ص 87.

13. دياب، أسعد، زياده، طارق، أبحاث في التحديد والتحرير والسجل العقاري، منشورات المكتبة الحديثة، طرابلس، لبنان 1985، ص 12.

14. نخلة، موريس، الكامل في شرح القانون المدني، دراسة مقارنة، ج5، منشورات الحلبي الحقوقية، 2000، ص 118.

15. نفس المصدر، ص 14.

16. د. العامري، المصدر السابق، ص 109.

17. لاحظ في ذلك مؤلف د. زهرة، محمد المرسي، بيع المباني تحت الإنشاء، دراسة مقارنة، ط1، 1989، ص 127.

18. لاحظ قراراًت محكمة النقض المصرية 4/6/1936 طعن 13 س 6ق و 2/3/1944 طعن 56 س 13 ق المشار إليهما في كتاب طلبة، أنور، الوسيط في القانون المدني، ج2، دار الفكر العربي، 1987، ص 120، 122.

19. الملكية لا تنتقل من البائع إلى المشتري إلا بالتسجيل، الطعن المقدم إلى محكمة النقض المصرية رقم 1499 لسنة 48ق جلسة 29/4/1982 مشار إليه لدى: قرة، فتيحة، مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها محكمة النقض المصرية، الدائرة المدنية، دار المطبوعات الجامعية الاسكندرية 1985، ص 534.

20. لاحظ في ورود هذا الرأي: الشرقاوي، جميل، شرح العقود المدنية، ج1، البيع والمقايضة والإيجار، 1964، ص 157، 158، السنهوري، عبد الرزاق أحمد، الوسيط في شرح القانون المدني، ج4، البيع والمقايضة، دار احياء التراث العربي، بيروت، بلا سنة طبع، ص 485.

21. لاحظ في هذا الأمر قرار محكمة النقض المصرية 1321 لسنة 48ق جلسة 14/2/1982، قرة، فتيحة، المصدر السابق، ص 529.

22. ويذهب القضاء المصري إلى أن الملكية تنتقل بالتسجيل ولو نسب إلى المشتري الذي بادر بالتسجيل التدليس أو التواطؤ مع البائع طالما أنه قد تعاقد مع مالك حقيقي لا يشوب سند ملكيته عيب يبطله. وفي قرار آخر فإن ملكية المنشآت لا تنتقل إلى المشتري إلا بتسجيل عقد البيع، أما قبل تسجيل سند المشتري الباني فإن ملكية المنشآت تكون للبائع بحكم الالتصاق وقبل التسجيل تظل الملكية للبائع ويكون الحجز الموقع على البائع قد صادف مالا مملوكا للمدين. الجزء السادس بند 204 ص 846 والجزء التاسع، بند 54 ص 265 نقض مصري أشار إليهما: الشربيني، عبد المنعم، الموسوعة الشاملة لأحكام محكمة النقض، القاهرة الحديثة للطباعة، بلاسنة طبع، ص 602، ص 603 على التوالي.

23. خضر، خميس، عقد البيع في القانون المدني، دار الفكر العربي، القاهرة، بلاسنة طبع0ص 133، 135.

24. د. السنهوري، الوسيط، المصدر السابق، ص 488.

25. نقض مصري 5/1/1983 س 49ق، 14/1/1982 طعن 905 س 48ق أشار إليهما وإلى قراراًت عديدة أخرى بهذا الشأن: طلبة، أنور، المصدر السابق، ص 123- 152.

26. نقض مصري 18/12/1973 طعن 239 ص 38ق أشار إليه: طلبة، أنور، المصدر السابق، ص 152.

27. لمزيد من التفاصيل راجع: السنهوري، أحمد عبد الرزاق، الوسيط، المصدر السابق، ص 497.

28. طلبة، أنور، المصدر السابق، ص 153.

29. راجع: أبي نادر، سليم، مجموعة التشريع اللبناني، ج4، القسم الثاني، شركة الطبع والنشر اللبنانية، بلا سنة طبع، ص 114.

30. نخلة موريس، المصدر السابق، ص 124.

31. أبي نادر، سليم، المصدر السابق، ص 110.

32. حمدان، حسين عبد اللطيف، أحكام الشهر العقاري، الدار الجامعية، بيروت، بلا سنة طبع، ص 275، 276، 277.

33. لاحظ: أستاذنا طه، غني حسون، عقد البيع، مطبعة المعارف (1969، 1970)، ص 225.

34. المنشور في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) العدد 1995 بتاريخ 10/5/1971.

35. المادة الأولى من قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971.السابق، و لمزيد من التفاصيل عن اجراءات التسجيل في العراق راجع شاكر خالد لفته ، شرح قانون التسجيل العقاري رقم 43 لسنة 1971 بغداد 1990 ص 124.

36. الفضلي ، جعفر ، الوجيز في العقود المدنية (البيع والايجار والمقاولة) دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان 1997 ص 85 .

37. راجع : طه ،غني حسون، المصدر السابق ص 224 العامري، سعدون، المصدر السابق، ص 109.

38. المنشور في الوقائع العراقية، العدد 2621 في 14/11/1977 وقد عدل هذا القرار بموجب قرار مجلس قيادة الثورة العراقي رقم 1426 في 21/12/1983 المنشور في الوقائع العراقية، العدد 2974 في 2/1/1984، حيث عدلت الفقرتان أ و ب من البند أولا من القرار المذكور وأضيف إلى التعهد بنقل حق التصرف في الأراضي الزراعية أيضاً شرط مراعاة الحد الاقتصادي وتضمن كذلك كيفية احتساب التعويض في مجال حق التصرف.

39. جاء في قرار لمحكمة التمييز العراقية: “لمشتري العقار خارج دائرة التسجيل العقاري إذا كان قد سكنه بدون معارضة من البائع أن يطلب من المحكمة تمليكه العقار ولو كان البائع قد باعه بعدئذ لشخص آخر سجله باسمه في الدائرة المذكورة، وفقاً لقرار مجلس قيادة الثورة العراقي المرقم 1198 في 2/11/1977. رقم القرار 44/ت ب/ 1978 في 11/12/1978، محكمة استئناف نينوى، مجموعة الأحكام العدلية، العدد الرابع، السنة التاسعة 1978، ص 199. وجاء في قرار آخر: (يقصد من سكن العقار المبيع خارج دائرة التسجيل العقاري بدون معارضة تحريرية من المتعهد الوارد في قرار مجلس قيادة الثورة، التصرف في العقار المذكور). رقم القرار 129/تمييزية/1978 في 8/7/1978، مجموعة الأحكام العدلية، العدد الثالث، السنة التاسعة 1978، ص 209.

40. الفتلاوي، صاحب عبيد، تحول العقد، دراسة مقارنة، ط1، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، عمان 1997، ص 186 و 187.

41. المنشور في الجريدة الرسمية، العدد 1113 الصادرة بتاريخ 16/6/1952، ص 279.

42. المادة الثانية من قانون التسوية المشار إليه سابقا.

43. الموسوعة المغربية في التشريع والقضاء، المجلد الرابع (التشريعات المغربية من عام 1912- 1997) بلا جهة أو سنة نشر.

44. راجع ص 11 من هذا البحث.

45. لاحظ فودة، عبد الحكيم، البطلان في القانون المدني، دار المطبوعات الجامعية، الاسكندرية 1993، ص 236.

46. راجع المادة 167 مدني أردني، سلطان، أنور، مصادر الالتزام، ط1، عمان 1987،

47. المادة 168 مدني أردني.

48. لاحظ المادة (170) مدني أردني.

49. نقابة المحامين، المذكرات الأيضاًحية للقانون المدني الأردني، ج2، ط2، مطبعة التوفيق 1985، ص 691.

50. نفس المصدر السابق.

51. للمزيد راجع: الفتلاوي، صاحب، العقود المسماة، دار الثقافة والنشر، عمان 1993، ص 93 هـ3.

52. جاء هذا الرأي الكريم من قبل أحد الأساتذة الأفاضل المقومين لهذا البحث قبل نشره.

53. المنشور في الجريدة الرسمية، العدد 3689 في 16/4/1990، ص 72.

54. الزعبي، محمد يوسف، مدى قوة تسجيل البيوع العقارية في سجل الأراضي الأردني، مجلة دراسات التي تصدرها الجامعة الأردنية، المجلد (13)، العدد (9)، 1986، ص 160، وكتابه: عقد البيع في القانون الأردني، ط1، 1993، ص 279.

55. تمييز حقوق رقم 277/99، مجلة نقابة المحامين الأردنية الصادرة عام 2000، ص1679.

56. تمييز حقوق 544/99، مجلة نقابة المحامين الأردنية الصادرة عام 2000، ص 1683.

57. قرار محكمة التمييز الأردنية المرقم 229/99 المنشور في مجلة نقابة المحامين الأردنية 2000، ص 2401 القانون رقم (51) لسنة 1958 منشور في الجريدة الرسمية، العدد 1410 في 1/1/1959.

58. تمييز حقوق 1027/88، مجلة نقابة المحامين الأردنية 1990، ص 1830.

59. الرقم 314 حقوقية/66 (هيئة عامة) في 24/12/1966، قضاء محكمة تمييز العراق، المجلد الرابع (القراراًت الصادرة سنة 1966 وسنة 1967، 1970، ص 96، الرقم 2017/حقوقية/964 في 8/4/1965، قضاء محكمة تمييز العراق، المجلد الثالث (القراراًت الصادرة عام 1965، 1969، ص 43.

60. تمييز حقوق 216/87، منشور في مجلة نقابة المحامين الأردنية الصادرة عام 1988، ص 139.
السابق

دراسة تحليلية مقارنة حول التنفيذ العيني الجبري لعقود بيع العقارات