بسم الله الرحمن الرحيم
((انعدام الحكم القضائي بسبب عدم ولاية المحكمة))
أفاض الفقه والاجتهاد السوري كثيرا بتصنيف الأحكام القضائية المعدومة وذكر حالات عديدة من حالات الانعدام استنبطها من الواقع الحالي ومن هذه الحالات هي حالة انعدام الحكم القضائي بسبب عدم ولاية المحكمة
وتعرف ولاية المحكمة بأنها:
(انعقاد أمر محكمة ما بنظر دعوى أوطلب قدم لها)
وعدم ولاية المحكمة يتمثل بعدم صلاحيتها أو عدم اختصاصها النظر بدعوى أو طلب ما
وعدم ولاية المحكمة يتحقق في خمس حالات:
أولا:-عدم ولاية المحكمة بسبب من المحكمة
فقد يكون عدم ولاية لمحكمة دون أخرى من نفس الدرجة تتبعان جهة قضائية واحدة0-المواد/80/لغاية /93/ أصول محاكمات مدنية
كرد دعوى لعدم الاختصاص المكاني لدعوى مرفوعة أمام محكمة بداية دمشق والمحكمة المختصة للنظر بها مكانيا محكمة ريف دمشق فترتفع ولاية محكمة بداية دمشق من النظر بهذه الدعوى لعدم الاختصاص المكاني حيث ينعقد الاختصاص مكانيا لمحكمة بداية ريف دمشق
وقد يكون عدم ولاية لمحكمة دون أخرى تختلف عنها بالدرجة وكلاهما تتبعان جهة قضائية واحدة0 المادة /62/ أصول محاكمات مدنية
كرد الدعوى لعدم الاختصاص القيمي من قبل محكمة بداية فهذا الرد يرفع يد المحكمة الناظرة بالدعوى عن النظر فيها حيث تنعقد الولاية لمحكمة أخرى هي محكمة الصلح وكلا المحكمتين تتبعان جهة قضائية واحدة (قضاء عادي)
وقد يكون عدم الولاية لمحكمة مختلفة عن محكمة أخرى وكلا المحكمتين تتبعان جهة قضائية واحدة 0المادة /541/ أصول محاكمات مدنية
كدعوى تثبيت بيع عقار تنظر من قبل القضاء الشرعي الغير مختص قانونا بالنظر بهذه الدعاوي فيكون عدم الولاية للقضاء الشرعي من النظر بدعوى تثبيت بيع عقار حيث ينعقد الاختصاص بهذه الدعوىللمحاكم المدنية وكلا المحكمتين تتبعان جهة القضاء العادي
وقد يكون عدم ولاية المحكمة لمحكمة تختلف عن محكمة أخرى وكلا المحكمتين تتبعان جهتين قضائية مختلفة 0المواد/50/و/51/ من قانون المحاكمات العسكري
كدعوى تتعلق بعسكري تنظر من قبل محكمة قضاء عادي فتكون عدم الولاية من قبل القضاء العادي للنظر بهذه الدعوى التي تنعقد الولاية فيها للمحكمة العسكرية أو كدعوى من اختصاص القضاء الاداري لا العادي او بالعكس وبجميع هذه الأحوال ترتفع الولاية عن المحكمة الغير مختصة الى المحكمة المختصة
ثانيا:- عدم ولاية المحكمة بسبب من القاضي
(كأن يكون القاضي الناظر بالدعوى محال على التقاعد أو كأن يكون القاضي محجوبا قانونا عن النظر بالدعوى في حال جمعه صفتين بصفة واحدة (قاضي تحقيق وقاضي حكم) مادة :/56/أصول جزائية
ثالثا:- عدم ولاية المحكمة بسبب موضوع الدعوى
(كدعوى حيازة أو ايجاريةتنظر من قبل محكمة البداية بدلا من محكمة الصلح المختصة نوعيا بالنظر فيها ) مادة /63/ و/64/ أصول مدنية
رابعا:-عدم ولاية المحكمة بسبب من الخصوم
كأن يدعي مجنون او قاصر او معتوه بصفته الشخصيةالمادة /16/ اصول محاكمات مدنية
خامسا: عدم ولاية المحكمة بسبب ما نع قانوني أو قيد قانوني
(كأن تنظر المحكمة المدنية بدعوى تثبيت بيع على عقار في مناطق الحدود قبل إبراز الترخيص) المرسوم التشريعي رقم /49/ لعام 2008 أوكأن يتوفى خصم في مرحلة من مراحل التقاضي فتنقطع الخصومة فترتفع ولاية المحكمة للنظر فيها إلى حين إبراز حصر ارث للمتوفي ودعوة ورثته المواد /165- – 166 – 167- 168-/ اصول محاكمات مدنية أو قد تتعرض للمحكمة مسألة هامةيتعلق بها موضوع الدعوى التي تنظرها فتستأخر المحكمة الدعوى لحين الفصل بهذه المسألة0 المادة /164/ أصول محاكمات مدنية
وهذه الحالات الخمس تصدى لها الفقه والاجتهاد وأفاض كثيرا بالتحدث عنها وهي بحقيقتها تتضمن مخالفة نصوص قانونية آمرة كما لاحظنا وهذا يدفعنا إلى أنه بالإمكان القياس على هذه الحالات حالة سادسة لم يتعرض لها الفقه والاجتهاد إلا بالنذر اليسير ولكن لها حضور قوي في الحياة العملية ويتعرض لها كثير من المحامين والقضاة يوميا وقدلايجدون لها حلولا مناسبة بسبب فقدان النص والاجتهاد من التعرض لمثلها وهذه الحالة التي سوف نستعرضها ونتحدث عنها بشيء من التفصيل مع الأمثلة هي:
سادسا:-((عدم ولاية المحكمة بسبب مخالفة نص قانوني آمر))
و النصوص الآمرة التي تقضي عدم مراعاتها البطلان المطلق (الانعدام) هي النصوص المتعلقة بالنظام العام التي تتضمن صيغة الوجوب لفظا صريحا أو كناية أوضمناولا تغطى بانبرام الأحكام
– يجب تحت طائلة الرد أن يقدم استدعاء النقض من قبل محام مسجل في جدول المحامين الأساتذة بالاستناد الى صك توكيل 0 ويسري هذا الشرط على الرد الذي يقدمه المطعون ضده وعلى طلبات الادخال والتدخل والرد عليها وتمثيل الطرفين أمام المحكمة
الفقرة /3/ مادة /252/ اصول مدنية
– يجب أن يشتمل الاستدعاء على بيان أسباب النقض والا كان باطلا الفقرة /4/ مادة /252/ اصول مدنية
-يجب على الوكيل أن يثبت وكالته عن موكله بسند رسمي
المادة /105/ أصول مدنية
– يجب إدخال النيابة العامة في الدعاوي المنصوص عنها في الفقرة السابقة وإلا كان الحكم باطلا0الفقرة /2/ من المادة /122/ أصول مدنية 0 والدعاوي هي دعاوي (الجنسية)
ونذكر بعضا منها المتضمنة صيغة الوجوب كناية:
-تكون المداولة في الأحكام بين القضاة المجتمعين سرا0 فقرة/1/ من المادة /195/ اصول مدنية
-تصدر الأحكام بإجماع الآراء أو بأكثريتها0فقرة /1/ مادة 197 أصول مدنية
-يترتب على عدم مراعاة مواعيد الطعن في الأحكام سقوط الحق في الطعن فقرة1 مادة 222 أصول مدنية
-يسقط الاستئناف التبعي إذا حكم بعدم قبول الاستئناف الأصلي شكلا الفقرة/2/ من المادة /231/ أصول محاكمات مدنية
ونذكر بعضا منها المتضمنة صيغة الوجوب ضمنا بمفهوم المخالفة:
1- لايترتب على الطعن بطريق النقض وقف تنفيذ الحكم الا اذا كان متعلقا بعين العقار-الشطر الثاني من الفقرة الأولى من المادة /251/ أصول مدنية فاذا كان الطعن متعلقا بعين العقار وجب وقف تنفيذ الحكم بقوة القانون بصيغة الوجوب ضمنا استثناء من القاعدة العامة الواردة في المادة المذكورة
2-لا ينقض من الحكم الا ماكان متعلقا بالأوجه التي بني عليها النقض مالم تكن التجزئة غير ممكنة)) الشطر الثاني من نص المادة /360/ أصول جزائية
فهذه المادة تتضمن صيغة الوجوب ضمنا في حال كون تجزئة الحكم غير ممكنة فينقض الحكم برمته سندا لمفهوم المخالفة للمادة المذكورة (ينقض الحكم بكامله في حال عدم تجزئة الحكم ) وتتحقق وحدة الواقعة في حال طعن شخص فاعل أصلي متهم بجناية سرقة موصوفة ولم يطعن الشريك والمتدخل والمخفي معه بهذه الجريمة فإذا نقض الحكم سندا لطعنه المتضمن أسباب تتصل به وحده دون شركائه فيستفيد الشريك والمتدخل والمخفي من النقض فينقض الحكم بمجموعه حتى ولو لم يطعنوا بالحكم لوحدة الواقعة بالنسبة للجميع وهي ارتباطهم جميعا بجرم السرقة ولا يمكن ان نقول انه ابرم بالنسبة لمن لم يطعن منهم لان وحدة الواقعة الجرمية تحتم على المحكمة في حال قبولها طعن الفاعل الأصلي نقض الحكم برمته بالنسبة لشركائه والمتدخلين معه وليس تجزئته فان نقضت محكمة النقض وحكمت ببراءة الفاعل الأصلي الطاعن من جرم السرقة فهذه البراءة تلحق شركائه والمتدخلين معه فيها حتى ولو لم يطعنوا في الحكم معه ولا يمكن ان نقول ان الجرم ابرم بالنسبة لهم كونهم لم يطعنوا به
3- إذا لم يكن الطعن مقدمامن النيابة العامةفلا ينقضالحكم إلا بالنسبة لمن قدم الطعن -المادة /361/ أصول جزائية فالمفهوم المخالف لنص المادة المذكورة يوجب ضمنا في حال كون الطعن مقدما من النيابة العامة ونقض الحكم سندا لطعنها أن ينقض الحكم بالنسبة لجميع المحكومين بالدعوى العامة سواء طعنوا او لم يطعنوا بالحكم وسواء تعلق النقض بهم او لم يتعلق
4- اذا كان مقدم الطعن أحدا لمحكوم عليهم وكانت الأسباب التي بنيعليها النقض تتصل بغيره من المحكوم عليهم معه في الدعوى فيحكم بنقض الحكم بالنسبةإليهم أيضا ولو لم يطعنوافيه المادة /362/ أصول جزائية 0فنص المادة المذكورة يوجب ضمنا على المحكمة أنه في حال طعن احد المحكوم عليهم وتعلقت أسباب طعنه بغيره من المحكوم عليهم ونقضت الحكم سندا لذلك ان تنقض الحكم بالنسبة لهؤلاء المحكوم عليهم ولو لم يطعنوا بالحكم
وأمثلة على الحالة السادسة عدم ولاية المحكمة بسبب مخالفة نص قانوني آمر عديدة نذكر منها على سبيل المثال لاالحصر :
1-قيام محكمة النقض الجزائية بعد قبولها الطعن للمرة الثانية ونقضها الحكم موضوعا سندا له تقرير بمنطوق قرارها فقرة حكمية تتضمن (إعادة الاضبارة لمرجعها ))فهذا الشق من حكمها معدوم لعدم الولاية لمخالفة المحكمة نصا قانونيا آمرا هو نص الفقرة/2/ من المادة /358/ أصول جزائية التي توجب على محكمة النقض في حال كون الطعن واقع للمرة الثانية وقيامها بنقض الحكم موضوعا الفصل بالدعوى لا إعادتها لمرجعها
2-تصدي محكمة النقض لقرار استئنافي جزائي مبرم قضى بالغرامة أو بالحبس عشرة أيام وتقرير قبول الطعن شكلافهذه الفقرة معدومة لعدم الولاية لمخالفة المحكمة نصا قانونيا آمرا هو نص الفقرة : (ب)من المادة /165/ أصول جزائية الذي جعل أحكام الاستئناف القاضية بالغرامة أو بالحبس عشرة أيام مبرمة لاتقبل الطعن بالنقض
3-قيام محكمة النقض بقبول الطعن شكلا على القرارات الخاضعة للقرار /186/ ل رلعام 1926 وللقانون /11/ لعام 1971 الصادرة من محاكم الاستئناف سواء الفاصلة بقرارات القاضي العقاري أو الفاصلة باستئناف قرارات الفسخ المقامة أمام المحاكم العادية((باستثناء قرارات إعادة المحاكمة المقامة سندا للقرار /323/ل ر لعام 1939 والتي تقبل الطعن بالنقض سندا للقانون رقم /70/لعام1958 اذا كانت الدولة طرفا فيها))لأن كلا القرارات الاستئنافية المذكورة تصدر مبرمة غير قابلة للطعن بالنقض ففقرة قبول الطعن شكلا على هذه القرارات الاستئنافية معدومة لعدم الولاية لمخالفة محكمة النقض نصا قانونيا آمرا هو نص المادة /31/ من القرار /186/ ل0ر لعام 1926 والفقرة (ج) من المادة(3) الثالثة من القانون /11/ لعام 1971التي تنص على صدور هذه الأحكام الاستئنافية مبرمة غير قابلة للطعن بالنقض
4-قيام محكمة النقض بقبول الطعن شكلا لطعن واقع على قرار استئنافي صلحي بحت لايتعلق بقضية ايجارية فحكمها معدوم لعدم الولاية لمخالفتها نصا آمرا هو نص الفقرة (ب) من المادة /75/ أصول مدنية التي جعلت هذه الأحكام تصدر من محكمة الاستئناف بصورة مبرمة
5- قيام محكمة النقض بقبول الطعن شكلا لطعن واقع على قرار استئنافي لحكم مستعجل فحكمها معدوم لعدم الولاية لمخالفتها نصا آمرا هو نص المادة /227/ أصول مدنية التي جعلت الأحكام المستعجلة تصدر من محكمة الاستئناف بصورة غير قابلة لأي طريق من طرق الطعن
وعدم ولاية المحكمة يتحقق في أمرين:
الأمر الأول :إذا اختل شرط من شروط انعقاد الحكم أو الاجراءفتكون عدم الولاية اما مؤقتةأو دائمة
وشروط الانعقاد هي: شروط تربط أركان الحكم أو الاجراء بعضها ببعض بحيث لايستقيمان الابها فان اختل شرط من شروط الانعقاد بطل الإجراء أو الحكم فهي كالخيوط التي تربط فم الكيس بإحكام كي لايسقط أو هي كالشيناجات التي تربط أعمدة البناء بعضها ببعض فهي عبارة عن قيود ترد على دعوى ما فترفع يدالمحكمة من النظر فيها إما بصورة مؤقتة إلا حين رفع هذه القيود أو بصورة دائمة
ومثال على هذه الشروط:
(تأمين الطعن – خمس القيمة – المدد القانونية – موانع قانونية )
أولا:عدم ولاية المحكمة بصورة مؤقتة :
-ويتم ذلك حين ترتفع ولاية المحكمة بالنظر مؤقتا بطلب أودعوى ما بسبب وجود مانع قانوني أو قيد قانوني حيث تعود لها الولاية فور انقضاء وزوال المانع أو القيد القانوني
ومثال هذه الموانع القانونية
– انقطاع الخصومة بقوة القانون لوفاة أحد الخصوم سندا للمادة /165/ أصول مدنية أو وقف الدعوى من قبل المحكمة (استئخارها)سندا للمادة/164/ أصول محاكمات مدنية أو وقف الدعوىجوازاباتفاق طرفي الخصومة وفق المادة/163/ اصول مدنية أووقف الدعوى وجوبا بقوة القانون وفق المادة /792/ مدني وبجميع هذه الحالات تستأنف الدعوى سيرها فور وتعود الولاية للمحكمة الناظرة بها فورزوال المانع كإبراز حصر ارث للمتوفي في حال انقطاع الخصومة أو البت بالمسألة التي استأخرت المحكمةالدعوى لحين البت بها في حال الوقف من قبل المحكمة او انقضاء المدة الاتفاقية في حال الوقف الا ختياري من قبل الخصوم او في حال حل المنازعات بين طرفي القسمة من المحكمة المختصة في حال الوقف القانوني
ومثال على القيود القانونية:
مانصت عليه المادة /9 /منالقرار 188 ل.ر لعام 1926بوجوب وضع إشارة الدعوى على صحيفة العقارموضوعها كشرط لقبول وتسجيل الدعوى العقارية
-وما نص عليه المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 2008 بوجوب ابراز الترخيص كشرط لقبول وتسجيل دعوى تتعلق بعقار في مناطق الحدود
ثانيا:عدم ولاية المحكمة بصورة دائمة:
ويتم ذلك حين ترتفع يد المحكمة نهائيا من النظربدعوى أو طلب ما
كأن يتقدم مستأنف مكلف بتأمين استئنافي باستئناف دون أن يسدد التأمين الاستئنافي خلال مدة الاستئناف مادة 232 فقرة 3 اصول محاكمات مدنية فاستئنافه مردود شكلا لتخلف شرط من شروط انعقاد الاستئناف وهو تسديد التأمين الاستئنافي خلال مدة الاستئناف حتى ولو تدارك المستأنف هذا الأمر بجلسات الاستئناف وقام بتسديد التأمين فاستئنافه مردود شكلا لأن الإجراء بني على باطل ابتداء وما بني على باطل فهو باطل فتكون عدم الولاية دائمة لأن تدارك تسديد التأمين بجلسات الاستئناف لايغطي البطلان اذترتفع ولاية المحكمة نهائيا عن النظر بالدعوى بعد أن ردتها شكلا عكس عدم الولاية بصورة مؤقتة فان التدارك قد يصحح العيب كما سنرى هذا لاحقا في حال تدارك إشارة الدعوى أمام الاستئناف حيث تستمر المحكمة بالنظر بالدعوى كما إن المحكمة التي تمتنع عن تسجيل دعوى على عقار في مناطق الحدود بسبب عدم ابراز الترخيص تعمد الى تسجيلها فور الحصول على ترخيص
وشروط الانعقاد تختلف عن شروط الصحة:
فشروط الانعقاد إذا اختل شرط منها كان الإجراء أو الحكم باطلا أما شروط الصحة فهي شروط تلحق الإجراء أو الحكم فان اختل شرطا منها كان الإجراء أو الحكم فاسدا وفساد الحكم أوالإجراء يصحح بتكملته أو انبرامه أو تنازل صاحبه عنه صراحة أو ضمنا فينقلب صحيحا عكس تخلف شرط من شروط الانعقاد الذي لايصحح لان الإجراء أو الحكم ولد باطلا ابتداء
الأمر الثاني: اذا اختل ركن من أركان الحكم أو الإجراء كان الحكم والاجراء باطل
وأركان الحكم هي: بياناته الأساسية وأسسه التي لايمكن أن يقوم الإجراء أو الحكم الا بها وهي كالأعمدة الخرسانية التي تسند البناء بقوة كي لايسقط
فمثال هذه الأركان:
– نص الفقرة /4/ من المادة /251/ أصول جزائية تنعقد محكمة الاستئناف من رئيس وقاضيين بحضور النائب العام والكاتب وتصدر حكمها باجماع الآراء أو غالبيتها)
– نص المادة /206/ أصول مدنية(يجب ان يتضمن الحكم اسم المحكمة التي أصدرته وتاريخ إصداره وأسماء القضاة الذين اشتركوا في اصداره وممثل النيابة العامة الذي أبدى رأيه في القضية كما يجب ان يتضمن أسماء الخصوم وألقابهم وصفاتهم وموطن كل منهم وحضورهم وغيابهم واسماءوكلائهم وخلاصة ماقدموه من طلبات ودفوع وما استندوا إليه من الأدلة والحجج القانونية ورأي النيابة العامة وأسباب الحكم ومنطوقه)
وتكون عدم الولاية دائمة في جميع هذه الحالات إن فقد ركن من أركان الحكم أو الإجراء فالحكم الصادر من قاضيين باطل و ضبط المحاكمة الذي لايتضمن اسم المحكمة واسم القاضي والكاتب وتاريخ الجلسة وساعة انعقادها وأسماء الخصوم باطل
وكلا الأمرين إذا اختل شرط من شروط الانعقاد أو ركن من أركان الحكم أو الإجراء يحققان الانعدام والانعدام عرفه الفقهاء الألمان (باللاحكم)
واطلق عليه بعض الفقهاء العراقين (باللاوجود ) حيث ذكر القاضي شهاب أحمد ياسين قاضي بداءة الرصافة بكتابه:انعدام الأحكام دراسة في القانون العراقي طبعة 2009 معنى الانعدام بقوله: (إن الحكم غير موجود إذا فقد ركن من أركانه الأساسية أو إصابة عيب جوهري أصاب كيانه (16) , ومظهر الانعدام عدم الوجود ومظهر أو جزاء عدم الصحة هو البطلان .
حيث يختلف الانعدام عن البطلان لان مصدرهما التباين بين عدم الوجود وعدم الصحة . هذا وان الحكم المعدوم لايرتب أي اثر قانوني . كما إن الانعدام يترتب بقوة القانون . وهو لايقبل التصحيح لأنه شيء غير موجود ولايقبل الافتراض . بخلاف البطلان فانه يفترض بادي ذي بدء الصحة في الحكم والحكم المعدوم لاتلحقه حصانة ولايحوز حجية الأحكام الباتة ويمكن الطعن فيه في أي وقت , ولكن من الناحية المنطقية لايحتاج الحكم المعدوم الى الطعن به لأنه لاحاجة لإعدام المعدوم ولكن لما كان الحكم يحمل مظهر الوجود الواقع فمن المصلحة تقرير انعدام الحكم .
فهو لايزول عيبه بفوات مدة الطعن فيه ولايغلق بصدده أي سبيل للتمسك بانعدامه فمن الجائز الطعن فيه ولو بعد فوات الميعاد القانوني للطعون القانونية وهو لايكسب من صدر لمصلحته أي حق يستحق حمايته ويمكن الطعن بالحكم المعدوم مهما امتد به الزمان)
وأورد تعريفا للأنعدام أورده الدكتور أحمد أبو الوفا بكتابه نظرية الأحكام بأنه : (عيب يصيب ركنا من اركان الحكم او شرطا من شروط انعقاده حيث قال :ومن كل ماتقدم نجد بان العيب الذي اعترى الحكم قد أصاب ركناً من أركانه الأساسية أو كان العيب جوهرياً أصاب كيانه فانه يفقد الحكم صفته وطبيعته كحكم , أما إذا كان هذا العيب لايعدو أن يكون شائبة تصيب صحته دون أن تمتد إلى انعقاده وكيانه فانه يكون باطلاً وليس معدوماً) (17)
وقد عرف الدكتور غنام محمد غنام استاذ القسم الجنائي بجامعة المنصورة بجمهورية مصر العربية بكتابه نظرية الانعدام في الإجراءات الجزائية الانعدام بأنه يعني عدم الوجود للأجراء من الناحية القانونية) فقال:
(يقصد بالانعدام عدم وجود الإجراء من الوجهة القانونية. فالإجراء حتى وإن كان موجودًا من الوجهة المادية، فإنه يعتبر هو والعدم سواء من الناحية القانونية([1]).
وفى ذلك يختلف عدم الوجود عن عدم الصحة، فالإجراء الباطل إجراء موجود من الوجهة القانونية ولكنه غير صالح لإنتاج آثاره القانونية([2])(
ونحن اذ نحترم جميع هذه الآراء والتعريفات فإننا نخالف من قال بان الحكم المعدوم هو اللاحكم او اللاوجود أو عدم وجود الإجراء من الناحية القانونية لان الإجراء أو الحكم المعدوم هو اجراء أوحكم موجود حقيقة وواقعا بصبغته القانونية وبوجوده المادي الملموس فكما قال الدكتور ابو الوفا بالحكم المعدوم بأنه عيب يصيب الحكم بركن من أركانه الاساسية او بشرط من شروط انعقاده فمن تعريفه نجد ان هناك عيبا أي هناك شيء موجود وكيف نعده عيبا اذا لم يكن موجودا وهذاالعيب أصاب شيئا موجودا(حكم أو إجراء) فكيف اذا نقرر انعدام شيء وهو غير موجود من الناحية المادية والقانونية فلكي نعرف أن الإجراء أو الحكم معدوما يجب ان يكون هناك حكما او اجراء موجود حقيقة وان يكون هذا الحكم او الاجراء معيبا بعيب جسيم وأن هذا العيب هو من الجسامة بحيث لايمكن تصحيحه أبدا وأن وجود هذا العيب بالاجراء او الحكم من الوجهة القانونية موجبا لبطلان الاجراء أو الحكم كالحكم الذي لم يوقع مسودته القاضي الذي اصدره فهو حكماموجود حقيقة وهو حكما بالمعنى القانوني للحكم من أركانه وشروط انعقاده الا ان هذا الحكم معيبا بعيب جسيم أصاب ركن من اركانه وهو عدم توقيع مسودته من القاضي الذي أصدره وهذا العيب لايمكن تصحيحه اذ انه لايمكن للقاضي أن يوقع مسودة الحكم بعد ان اصدره وخرج من ولايته فهذا الحكم باطلا بطلانا مطلقاسندا للمفهوم المخالف لنص المادة /203/أصول مدنية التي اوجبت توقيع مسودة الحكم من القاضي الذي أصدره فور اصداره وهذا يعني عدم توقيع الحكم معدوما قياسا على هذا النص القانوني
والانعدام يمكن أن نطلق عليه تعريفا بأنه :
(عيب جسيم يلحق بالاجراء او الحكم بشرط من شروط انعقاده أو بركن من أركانه وهذا العيب لايمكن اصلاحه أبدا ينتج عنه اعتبار الاجراء او الحكم كأن لم يكونا)
وكما ذكرنا آنفا فالفقه العراقي لم يقارن بين الانعدام والبطلان المطلق وانما قارنه مع البطلان النسبي الذي يمس شرطا من شروط صحة الاجراء او الحكم والذي يقبل التصحيح
فالانعدام حقيقة يتشابه مع البطلان المطلق تشابها كبيرا فكلاهما بطلان وكلاهما لايمكن تصحيح عيبه الا ان البطلان المطلق تحدده النصوص القانونية فلا يقضى به الا في حال النص القانوني عليه عكس الانعدام الذي لايقرره نص قانوني وانما يقضى به قياسا على النصوص القانونية الآمرة وعرفا وفق الفقه والاجتهاد
فالانعدام كما عرفناه بأنه عيب جسيم يصيب الحكم أو الإجراء بشرط من شروط انعقاده أو ركن من أركانه فيجعله باطلا كالمحكمة التي تنظر باستئناف مقدم خارج المدة القانونية أوتنظر بالدعوى من قاضيين والقانون أوجب عليها النظر فيهامن ثلاثة قضاة فالإجراء والحكم باطلان ابتداء فلا يصحح هذا العيب بعد وقوعه فيضحى الحكم أو الإجراء بهذه الحالة باطلا بطلا نا مطلقا أو معدوما عكس البطلان النسبي الذي هو عيب يصيب بالإجراء أو الحكم بشرط من شروط صحته فالإجراء والحكم صحيحان ابتداء والعيب أصاب شرط من شروط صحتهما كمن يبلغ مذكرة الدعوى بالواسطة ولا يكتب المحضر أن من تبلغ بالغ السن القانوني فهذا العيب وقع بشرط من شروط صحة التبليغ بالواسطة التي حددتها المادة /22/ أصول مدنيةوالتي تشترط بالمبلغ بالواسطة شرطان بلوغ السن القانوني والإقامة مع المبلغ عنه في دار واحدة فالبطلان هنا نسبي فإذا حضر المطلوب تبليغه جلسة المحاكمة انقلب الإجراء صحيحا و اذا انبرم الحكم اضحى الاجراء صحيحا
وقد عد الاجتهاد القضائي لدينا بحالات عديدة العيب الذي يلحق بشرط من شروط انعقاد الإجراء أو الحكم عيبا بشرط من شروط الصحة وليس عيبا من عيوب شروط الانعقاد ولم يعتبر هذه الإجراءات والأحكام معدومة بل اعتبرها صحيحة فور تصحيح العيب وأمثلة على ذلك:
-مانصت عليه المادة /9 /من القرار 188 ل.ر لعام 1926كشرط لقبول وتسجيل الدعوى العقارية وضع إشارة الدعوى على صحيفة العقارموضوعها
-وما نص عليه المرسوم التشريعي رقم 49 لعام 2008 بعدم تسجيل دعوى متعلقة بعقار بمناطق الحدودالا بعد إبراز الترخيص
ففي الحالتين المذكورتين عد الاجتهاد القضائي وضع اشارة الدعوى أوابراز الترخيص كشرط من شروط الصحة وليس من شروط الانعقاد فقضى بصحة وضع الإشارة وإبراز الترخيص تداركا بالمرحلة الاستئنافية أي عدها كالبطلان النسبي الذي يصحح بالتدارك بجلسات المحاكمة وبالإبرام وهذا وان كان القضاء لدينا راعى اعتبارات عديدة منها مصلحة المدعي وسرعة البت بالخصومات وتضييق نطاق الانعدام بأضيق حالاته ولكن هذا الأمر في حقيقته يحمل في طياته مخاطر كثيرة على المدعي نفسه وعلى المحكمة وعلى القانون وتتضمن خطورته على المدعي أن المحكمة التي تسجل دعوى تثبيت بيع عقار في مناطق الحدود وتنظر فيها رغم عدم إبراز الترخيص هو هدر لحق المدعي نفسه إذ قد يحصل شخص ما على ترخيص بالعقار ويتدخل بالدعوى فيحصل هو على الحكم وترد دعوى المدعي فتكون له الأسبقية بالاستحواذ عليه دون صاحب الدعوى ومن لم يطلب وضع إشارة دعوى على عقار وتنظر المحكمة بالدعوى رغم عدم وضع إشارة الدعوى فبسبب عدم وجود إشارة الدعوى قد يحصل إفراغه لشخص آخر فيكون صاحب الأفضلية بالتسجيل أو قد يسبقه مشتري آخر بإقامة الدعوى ووضع الإشارة فتكون له الأسبقية بوضع إشارة الدعوى فتضيع حقوق المدعي الأسبق بالادعاء لإهماله ولمخالفة المحكمة شرط انعقادها بالدعاوي العينية العقارية وهي وضع إشارة الدعوى تزامنا مع تسجيلها حفظا لحقوق المدعي وتنبيها للغير
وخطورته كذلك على الأحكام والإجراءات التي تؤسس ابتداء على البطلان وان من مصلحة المتخاصمين أن تقوم الدعوى ابتداء على أسس ثابتة صحيحة يجنبها فيما بعد الوقوع بأي شكل من أشكال البطلان المطلق أو الانعدام أما أن تقوم الدعوى ابتداء على أسس باطلة فان تصحيح هذا البطلان لاحقا هو مايؤدي إلى اتساع فجوة البطلان في كل مرة يصحح العيب حتى يصل البطلان بمرحلة معينة من التقاضي الى درجة انه لايصحح فيها أبدا
ولقائل يقول: أن ما سار عليه الاجتهاد هو الصواب وهو الأصلح وان في اعتبار مثل هذا الأمر بحكم المعدوم يعد تضييقا على المدعي وان مصلحته تقضي باعتبار مثل هذه الأمور من شروط الصحة تجب بالتدارك بدلا من أن نلزمه بإقامة دعوى من جديد فتضيع جهود سنوات قضاها بالمحاكم بلا فائدة وللرد على هذا الأمر نقول تيمنا بقوله تعالى:
((أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَممَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِجَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَالظَّالِمِينَ))التوبة الآية /109/
أن من يؤسس بنيانه ابتداء بأسس قوية فسوف يكون بنيانا قويا يقف بوجه أعتى الأعاصير فمن لايقيم دعوى على عقار بمناطق الحدود الابعد حصوله على ترخيص خير له من أن يتدارك الحصول على ترخيص بجلسات المحاكمة حتى وان لم تلحظ المحكمة أمر الترخيص بتاريخ تسجيل الدعوى فقد يسبقه آخر بالحصول عليه قبله فيتدخل بالدعوى فيحكم له القضاء فيضيع جهد المدعي الأسبق بالادعاء دون ترخيص فلو إن المحكمة منعته ابتداء من إقامة دعواه دون ترخيص لكان خيرا له وأصلح لحقوقه
كما أن خطورته على القانون تتمثل بأن المحكمة التي تسجل دعوى على عقار في مناطق الحدود دون ترخيص هو مخالفة لنصوص المرسوم التشريعي رقم /49/ لعام 2008 الذي منع المحاكم من النظر بعقار في مناطق الحدود إلا بعد الحصول على الترخيص
(16)محاضرات في قانون المرافعات المدنية ألقاها الأستاذ الجليل ضياء شيت خطاب على طلبة الدورة (24) في المعهد القضائي عام 2000 .
(17)انظر لمزيد من التفصيل , د . احمد أبو الوفا , نظرية الأحكام في قانون المرافعات المدنية , الطبعة السادسة , منشاة المعارف في الإسكندرية ,1989 ,ص320 .
([1]) د. أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، ص295.
([2]) د. عبد الرءوف مهدي، شرح القواعد العامة للإجراءات الجنائية، الجزء الأول، ص116؛ د. فتحي والى، نظرية البطلان فى قانون المرافعات، رسالة دكتوراه، القاهرة، 1959، ص461.
ولسائل يسأل: أن بتقرير انعدام الإجراء أو الحكم هو العودة إلى نقطة الصفر وهو مضيعة للوقت والجهد خاصة إذا كان الإجراء أو الحكم المعدوم بمرحلة البداية والدعوى تنظر أمام محكمة النقض
للرد على ذلك نجيب:أن تقرير المحكمة انعدام إجراء او حكم ما لايعيد المحكمة إلى نقطة البداية أو إلى تاريخ وقوع الإجراء المعدوم أو الحكم بل يعدم الإجراء او الحكم ويسقط من الدعوى حيث يعتبر كأن لم يكن فان كان ضبط محاكمة فكأن هذه المحاكمة لم تنعقد ولم تحدد جلستها وان كان حكما فكأن هذا الحكم لم يصدر وان اكتشاف عيب الانعدام من المحكمة في أية مرحلة من مراحل التقاضي والحكم به يغني المحكمة والخصوم من الوقوع في اشكالات عديدة خطيرة تهدم الحكم أوالإجراء في حال اكتشافه مستقبلا ولم يقضى به فإذا وقع الانعدام بضبط من ضبوط المحاكمة البدائية فان هدر الضبوط المعدومة وتقرير انعدامها والاعتماد على الضبوط الصحيحة السابقة مع اللاحقة وإسقاط المعدومة من بينها يكمل الإجراءات ولايعتبر هذا الأمر أن الضبوط المعدومة قد صححت وكذلك الأمر إن اكتشاف انعدام ضبوط بدائية أمام الاستئناف فان تقرير انعدامها والسير بالدعوى الاستئنافية هو تكميل لإجراءاتها حتى ولو اكتشف عيب الانعدام بضبوط محاكمة بدائية عند محكمة النقض فان كان النقض لأول مرة والدعوى جاهزة للحكم أعدمت الإجراء وفصلت بالدعوى
أما إذا وقع الانعدام بالحكم وكان حكما بدائيا واكتشف بمرحلة الاستئناف فان محكمة الاستئناف تقرر انعدام الحكم البدائي عند قبولها الاستئناف موضوعا وتصدر حكما جديدا بالدعوى فإذا اكتشف انعدام الحكم البدائي لدى محكمة النقض فان كانت الدعوى جاهزة للحكم نقضت الحكم الاستئنافي وفسخته وقررت انعدام الحكم البدائي ومن ثم حكمت بالدعوى وان لم تكن جاهزة للفصل نقضت الحكم الاستئنافي ونوهت محكمة الاستئناف الى الحكم البدائي المعدوم لتقرر انعدامه وتفصل بالدعوى وإذا لم يكتشف عيب انعدام الحكم البدائي إلا بعد انبرام الحكم فان المحكمة التي ترفع أمامها دعوى الانعدام تقرر انعدام الحكم البدائي وتحكم بالدعوى وهكذا يعلن الانعدام في مرحلة اكتشافه ويكمل الإجراء أو الحكم فنكون قد وضعنا الدعوى بقالبها الصحيح وروعيت الإجراءات القانونية بما يضمن حقوق المتداعين ومصالحهم والقانون وفي هذا القدر كفاية والله المعين
-انتهى-
إعادة نشر بواسطة لويرزبوك
المحامي: محمد المطر
دراسة في القانون السوري تناقش انعدام الحكم القضائي بسبب عدم ولاية المحكمة