حجية الإعتراف الجنائي
شروط صحة الاعتراف وأثر الاعتراف الباطل
المبحث الأول شروط صحة الاعتراف
الاعتراف دليل من أدلة الإثبات ولكل دليل شروط وقواعد تحقق به صحته فبعض هذه القواعد وارد صراحة في التشريع والبعض الآخر من اجتهاد الفقه اجتهاد يقيد حرية القاضي في الاقتناع وتبرره الرغبة في تأمين الحريات الفردية التي كفلها الدستور.([1])
ونلاحظ وجود اختلاف في تحديد هذه الشروط وتعدادها بين الفقهاء فمنهم من قسمها إلى ثلاث شروط([2]) وآخرون إلى أربعة شروط([3]) والبعض قسمها على ستة شروط. ([4])
وسنتناول في هذا المبحث الشروط الأربعة المتفق عليها على النحو التالي:
1)أن تتوافر الأهلية الإجرائية لدى المعترف.
2)أن يصدر الاعتراف عن إرادة حرة.
3)أن يكون الاعتراف صريحاً.
4)استناد الاعتراف إلى إجراءات صحيحة.
المطلب الأول
أن تتوافر الأهلية الإجرائية لدى المعترف
الأهلية الإجرائية شرط هام ينبغي أن تتوافر في الشخص الذي صدر عنه الاعتراف وهي تعني الأهلية لمباشرة نوع من الإجراءات على نحو يعتبر معه هذا الإجراء صحيحاً ويتبع أثاره القانونية وهي لا ترتبط بضوابط الأهلية للمسئولية الجنائية ولكن مناطها فهم ماهية الإجراء وإمكان تقدير أثاره أي توافر الإدراك أو التمييز دون اشتراط حرية الاختيار. ([5])
أما الأهلية الجنائية فهي الأساس لمساءلة الشخص جنائياً ويتمثل ذلك في مدى قدرة الشخص على الإرادة الحرة وهذه الأخيرة أساس المسئولية الجنائية وعناصر هذه الأهلية هي الشروط التي يوجبها القانون للاعتداد بإرادة الجاني وتتمثل في الإدراك أو التمييز وحرية الاختبار. فالإدراك والتمييز هو قدرة الشخص على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها وتوقع أثارها وما يترتب عليه من نتائج وليس في فهم التكييف القانوني للفعل أما حرية الاختيار فهي أن يتوفر لدى الشخص الإرادة الحرة أي القدرة على توجيه الإرادة إلى عمل معين أو الامتناع عنه ، والأصل العام أن كل من توافرت له الأهلية للمسئولية الجنائية تتوافر له كذلك الأهلية الإجرائية ولكن هذه القاعدة غير مطلقة فقد يكون المتهم أهلاً جنائياً وإجرائياً وقت ارتكاب الفعل الإجرائي ثم يفقد أهليته الإجرائية بعد ذلك كمن يصاب بجنون لاحق على ارتكاب الجرم بل قد يكون المتهم أهلاً لمسئولية جنائية وقت فعله ولكن أهليته الإجرائية تكون منتفية كالحدث والأصل عدم جواز اتخاذ ذات الإجراءات ضد شخص إلا إذا توافرت له الأهلية الإجرائية كما تفترضه الإجراءات وخاصة مرحلة المحاكمة من مشاركة للمتهم فيها واستطاعته لإبداء دفاعه كاملاً.([6])
والأهلية الإجرائية للمعترف تقوم على شرطين هما: أن يكون المعترف متهما بارتكاب الجريمة وتوافر الإدراك والتمييز وقت الإدلاء بالاعتراف وسوف نوضح هذين الشرطين كما يلي:
الفرع الأول
أن يكون المعترف متهما بارتكاب الجريمة
يشترط في الشخص الذي يصدر منه الاعتراف أن يكون وقت اعترافه متهماً بارتكاب الجريمة فالشاهد الذي يعترف بارتكاب الجريمة أثناء الإدلاء بشهادته لا يعتبر ما صدر منه اعتراف بالمعنى القانوني لأنه وقت صدور هذا الاعتراف لم يكن أهلاً له وبعبارة أخرى لم تتوافر فيه الأهلية اللازمة للاعتراف بارتكاب جريمته وهي أن يكون متهماً. ([7])
الفرع الثاني
أن يتوافر الإدراك والتمييز وقت الإدلاء بالاعتراف
لاكتمال الأهلية الإجرائية لدى المتهم المعترف يجب أن يكون متمتعاً بالإدراك والتمييز وقت الإدلاء باعترافه بأن تكون لديه القدرة على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها وتوقع أثارها ولا يتمتع الصغير والمجنون والسكران بهذه الأهلية وينعدم الإدراك والتمييز لديهم والاعترافات الصادرة منهم غير مقبولة في الإثبات الجزائي([8]). وعليه سنتناول اعتراف الصغير، اعتراف المجنون أو المصاب بعاهة في العقل واعتراف السكران على النحو التالي:
1) اعتراف الصغير:
في المسائل الجنائية لا يشترط في المتهم سناً معينة عند اعترافه أي أنه لا يتقيد بسن الرشد الذي تعارف على تحديد في القانون المدني وذلك لاختلاف الاعتراف الجنائي عن الإقرار المدني كما بينا سابقاً.
وعليه فإن اعتراف الصغير دون السابعة لا يقبل في الإثبات لانعدام التمييز لديه مما يترتب عليه عدم توافر القوى الذهنية القادرة على تفسير المحسوسات وإدراك ماهية الأفعال وتوقع أثارها. أما الصغير الذي أكمل السابعة من عمره فيرجع لسلطة قاض الموضوع في تقديره لمدى فهم الصغير لماهية أفعاله التي اعترف بها وما يترتب عليها من نتائج وعلى ضوء ذلك للمحكمة أن تأخذ بها الاعتراف أو أن تطرحه جانباً. ([9])
وهنا يظهر الاختلاف بين الأهلية الجنائية والأهلية الإجرائية فمن مظاهر هذا الاختلاف إن الصغير ناقص الأهلية الجنائية ممكن أن يكون أهلاً لصدور اعتراف صحيح منه رغم كونه غير كامل التمييز ومسئوليته الجنائية ناقصة ولكن قد يتبين للقاض أنه أهل لصدور اعتراف صحيح منه فيأخذ به في الإثبات.
ولا يأخذ القضاء الانجليزي باعتراف الصغير الذي لم يبلغ عشر سنوات لانعدام التمييز لديه أما الصغير من سن عشر سنوات إلى أربع عشر سنوات فيشترط للأخذ باعترافه أن تثبت مقدرته على تمييز الخطأ. ([10])
2) اعتراف المجنون أو المصاب بعاهة في العقل.
لقد عرف الفقه الجنون بعدة تعريفات منها أنه “حالة الشخص الذي يكون عاجزاً عن توجيه تصرفاته على صورة صحيحة بسبب توقف قواه العقلية عن النمو أو انحرافها أو انحطاطها بشرط أن يكون ذلك في نطاق الحالات المرضية المعينة([11]) وفي الإثبات الجنائي لا يعتد باعتراف المتهم المصاب بالجنون أو مرض عقلي أو نفسي لأن هذه الحالات تعدم الشعور والإدراك وتؤثر في مقدرة المتهم على فهم ماهية أفعاله وطبيعتها وتوقع أثارها. ([12])
1)اعتراف السكران.
ينشأ السكر نتيجة تناول عقاقير مخدرة أو كحول فيترتب عليها فقدان الشعور أو الإدراك وإذا تناول الشخص الكحول أو مادة مخدرة بدون علمه اعتبر سكراً قهرياً وإذا كان بعلمه فيكون سكراً اختيارياً.
فإذا اعترف المتهم وهو في حالة سكر وكان فاقد الشعور وقت الإدلاء باعترافه نتيجة تناوله الكحول قهراً بطل اعترافه ولا يقبل الاعتراف والمعترف فاقد الشعور نتيجة سكر اختياري حيث أن افتراض الشعور عند السكران بإرادته لا يمتد إلى الاعتراف وهذا مظهر من مظاهر الاختلاف بين الأهلية الإجرائية والأهلية الجنائية فالشخص السكران باختياره أهل للمسئولية الجنائية افتراضاً ولكن لا يمكن أن يكون أهل للاعتراف. ([13])
وإذا لم يفقد المتهم الشعور تماماً فلا يبطل اعترافه ولكن للمحكمة أن تأخذ به إذا تأيد بأدلة أخرى مع مراعاة أن تقدير توافر السكر وفقد الشعور من المسائل الموضوعية التي تخضع للسلطة التقديرية للمحكمة. ([14])
وقد استقر الفقه والقضاء الانجلو أمريكي على صحة الاعتراف الصادر من المتهم وهو في حالة سكر إذا كان المتهم لا زال في وعيه وصدر الاعتراف عن أرادة حرة ولو أن ذلك يضعف من قيمته ولا يفي هذا الاتجاه التسليم بصحة الاعتراف الصادر من السكران وذلك أن هذا الاعتراف لا يعتبر صحيحاً إلا إذا ثبت أن المتهم كان في وعيه وإدراكه أي أن السكرلم يصل إلى حد إفقاد الوعي أو الإدراك ولذا قضى بأنه إذا كان سكر المتهم وصل إلى درجة الهوس وكان غير قادر على فهم معنى إقراراته فإن الاعتراف يكون غير مقبول.
وعلينه يجب أن تتوافر لدى المعترف الأهلية الإجرائية بأن يكون مدركاً مخيراً وأن تصبغ عليه صفة المتهم والعمل الإجرائي الباطل إذا توافرت فيه عناصر عمل إجرائي أخر صحيح أنصرف إلى هذا العمل الأخير وهذا ما أخذت به التشريعات الإجرائية. إما بالنسبة إلى توافر التمييز والإدراك فإن جزاء تخلفهما هو البطلان المطلق بالنظام العام وذلك باعتبار أن التمييز والإدراك هما أساس حرية الشخص في الاختيار ولا يمكن مصادرة هذه الحرية أو افتراضها لتعلقها بالنظام العام([15]) فيجوز التمسك بهذا البطلان في أية حالة تكون عليها الدعوى وتقضى به المحكمة ولو بغير طلب كما أن البطلان يمتد أثره إلى جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة فما بني على باطل فهو باطل.
المطلب الثاني
أن يصدر الاعتراف عن إرادة حرة
حتى يصبح الاعتراف مقبولاً في الإثبات يجب أن يكون صادراً عن إرادة حرة وواعية وان يكون المعترف متمتعاً بحرية الاختيار لذا يجب أن يكون بعيداً عن أي تأثير خارجي وأن كان هناك تأثير على أرادة المعترف أصبح اعترافه باطلاً فالاعتراف الذي يعتبر حجة ضد المتهم هو الذي يصدر عن إرادة حرة واعية فإذا شاب أرادته أكراه مادي أو أذى عُد الاعتراف باطلاً.
والتأثير المبطل للاعتراف أماي كون مادياً أو أدبياً والاختلاف بينهما كما يراه البعض هو في الوسيلة المؤثرة على الإرادة ففي التأثير المادية تكون الوسيلة مباشرة وتكون غير مباشرة في التأثير الأدبي. ([16])
الفرع الأول : التأثير الأدبي
والتأثير الأدبي على المتهم كحمله على الاعتراف عدة صور أهمها الوعد والأغراء، التهديد “الإكراه المعنوي، تحليف المتهم اليمين، الحيلة والخداع وفيما يلي تفصيلها.
أولاً: الوعد والأغراء.
يعتبر الوعد أحد الوسائل التقليدية لحمل المتهم على الاعتراف وهو كل ما من شأنه إيجاد الأمل لدى المتهم بتحسين ظروفه إذا اعترف بجريمته كالوعد بالعفو([17]) وليس كل وعد أو أغراء يبطل الاعتراف لكن القاعدة العامة أن يبطل الاعتراف عندما يكون الأغراء من الصعبة على الشخص العادي مقاومته مما يؤدي لاعترافه([18]) فالاعتراف الصادر نتيجة الوعد يكون باطلاً ولو كان اعترافاً حقيقياً طالما صدر نتيجة التأثير بهذا الوعد وعلى الحكمة أن تبين مدى تأثير ذلك الوعد على إرادة المتهم وأن تبحث الصلة أو الرابطة بين الوعد والاعتراف([19]).
وإذا كانت القاعدة العامة تقض بأن الوعد والأغراء يبطل الاعتراف إلا أنه يرد استثناء على هذه القاعدة بحيث لا يبطل الاعتراف إذا كانت الفائدة التي ستعود على المتهم لا تتناسب مع الضرر الذي يصيبه في الاعتراف بالجريمة كالوعد بمكافئة مالية كما أنه إذا قدم أوصدر الوعد بعد الإدلاء بالاعتراف فلا يكون له اثر على صحة الاعتراف ويعتبر مقبولاً كدليل في الإثبات ويستحسن عدم اللجوء للوعد سواء قبل الاعتراف أو بعده وفي حالة صدور الاعتراف من المتهم نتيجة أمل رواده في احتمال العفو والإفراج عنه أو عدم محاكمته دون أن يكون هذا الأمل صادراً من المحقق فيعتبر الاعتراف صحيحاً ومقبولاً في الإثبات متى ثبت أنه كان صادقاً ومطابقاً للحقيقة كما يؤثر الوعد على حرية المتهم في الاختيار بين الإنكار والإقرار فيدعو إلى الريبة في القرار ويهدد قوته كدليل. ([20])
ثانياً: التهديد “الإكراه المعنوي”
وهو عبارة عن ضغط يمارسه شخص على إرادة شخص أخر لتوجيهها إلى سلوك معين ويستوي في ذلك أن يكون التهديد بإيذاء المهدد في شخصيته أو في ماله أو بإيذاء غيره من أعزائه. ([21])
فإذا اعترف المتهم نتيجة للتهديد الذي وقع على إرادته أعتبر اعترافاً باطلاً ويجب استبعاده كدليل في الإثبات فالتهديد المبطل للاعتراف يستوي أني كون مصحوباً بفعل مادي أم لا ويستوي أن يكون يتضمن إيقاع الأمر المهدد به في الحال أم لا وكذلك يكفي تخويف المهدد بحيث يحمله على تنفيذ ما طلب منه([22]) ويستوي أن يكون المهدد قد قصد تنفيذ تهديده أولاً. ([23])
والتهديد قد يكون مباشر أو غير مباشر ويكون التهديد مباشر كالتهديد بالاعتداء على زوجته أو حرمانه من الطعام ومن صور التهديد الغير مباشر المبطل للاعتراف تعذيب شريك المتهم أمامه([24]) إلا أن مجرد وجود المتهم داخل السجن لا أثر له في صحة الاعتراف([25]) ويكون اعتراف المتهم باطلاً إذا أدلى بأقواله وهو محاط بأهله القتيل وكان خاضعاً لسيطرتهم ويسمع شتائمهم ويراهم يهيئون الوسيلة لقتله أو إيذائه([26]).
ويشترط في التهديد المبطل للاعتراف شرطان
الأول: صدور التهديد بناء على سبب غير مشروع.
أن بعض إجراءات الاستدلال والتحقيق تتسم بطبيعتها بالقهر أو العنف ولذلك يجب التمييز بين الوسائل المشروعة وغير المشروعة التي أتبعت مع المتهم لحمله على الاعتراف فلا يكفي مجرد إخضاع المتهم للتهديد ما لم يكن هذا التهديد وليد إجراءات غير مشروعة. ([27])
ولا يكفي الخوف من القبض أو الحبس حتى يتحلل المقر من إقراره طالما وقعا صحيحاً وفقاً للقانون فلا يعد اعترافاً معيباً سواء كان هذا الخوف تلقائياً أو هدده به المحقق وغنى عن البيان أن حضور ضابط الواقعة الاستجواب الذي نتج عنه الاعتراف لا يعيب الاعتراف ما دام لم يصدر من الضابط ما يعد إكراه مادي أو معنوي. ([28])
– “مجرد الخشية من رجال الشرطة لا تعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف لا معنى ولا حكما ما دامت إرادة المتهم بقيت حرة ولم يستطل إليها الضابط بأذى فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن يكون لا محل له”.([29])
الثاني: أن يؤدى التهديد مباشرة إلى الاعتراف.
لا يكفي مجرد حصول تهديد غير مشروع على المتهم لبطلان الاعتراف الصادر منه بل يجب أن يؤدى هذا التهديد مباشرة إلى حمل المتهم على الاعتراف وإذا لم يصدر من المتهم أي اعتراف نتيجة هذا التهديد ثم صدر منه اعتراف في مناسبة أخرى فلا يجوز له الادعاء أن هذا الاعتراف قد جاء في أعقاب التهديد ولا يشترط أن يكون الخوف الناتج عن التهديد بدرجة معينة حتى يكون مفيداً للاعتراف. ([30])
ففي حالة توافر الشرطين السابقين في التهديد واعتراف المتهم نتيجة لذلك التهديد كان ذلك الاعتراف باطلاً لأنه صدر عن أرادة غير حرة علماً أن أثر التهديد على إرادة المعترف متروك لتقدير محكمة الموضوع حيث أن التهديد وأثره يختلف من شخص لآخر. ([31]) فمن أعتاد الإجرام لا يتأثر بالتهديد الذي يمس شخصه ولكن إذا كان التهديد يمس أشخاصا أعزاء عليه فإنه في الغالب يضعف أمام ذلك التهديد ويعترف بارتكاب الجريمة. ([32])
جاء في حكم محكمة التمييز” ماجاء بنص في المادة 158/1 من قانون الأجراءات والمحاكمات الجزائية على أنه “لا يجوز تحليف اليمين وإكراهه او إغراؤه على الإجابة ولا على إبداء أقوال معينة بأية وسيلة من الوسائل” مفاده أن الاعتراف الذي يعول عليه كدليل إثبات في الدعوى يجب أن يكون إختياريا صادرا عن إرادة حرة فلا يصح التعويل على الاعتراف ولو كان صادقا متى كان وليد إكراه او تهديد كائنا ما كان قدره. لما كان ذلك وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الدفع ببطلان الاعتراف لصدوره تحت تأثير الإكراه هو دفع جوهري يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه مادام الحكم قد عول عليه في إدانة المتهم. ([33])
ثالثا:ً تحليف المتهم اليمين.
ألزمت القوانين الإجرائية المختلفة الشاهد بأن يحلف اليمين وذلك بهدف حمله على الصدق في أقواله إلا أن هذا الإلزام لا ينطبق على المتهم لمخالفته لمبادئ الدستورية ووثيقة إعلان حقوق الإنسان([34]).
أن توجيه اليمين إلى المتهم يوقعه في الحرج لأنه أما أن يرغم على قول الحق وأما أن ينكث فيها ولذلك كان توجيهها في المواد الجنائية محظوراً.
فمن المستقر عليه في الدول اللاتينية أنه لا يجوز تحليف المتهم اليمين لأن ذلك يمثل اعتداء على حريته في الدفاع كما يؤدي إلى وضعه بين اختيارين كلاهما مرهق لمصلحته في حلف اليمين كذباً فيخالف ضميره الديني والأخلاقي ومصلحته في أرضاء ضميره فيكشف عن الحقيقة ويتهم نفسه ويعرض نفسه للعقاب.
وفي الدول الأنجلو أمريكية يعتبر تحليف المتهم اليمين نوعاً من الإكراه المعنوي على قول الحقيقة يترتب عليه بطلان الاعتراف كونه غير إرادي. ([35])
وفي القانون الانجليزي يجوز تحويل المتهم إلى شاهد في الدعوى المقامة بناء على طلبة وذلك طبقاً لقانون الإثبات لسنة 1898 وفي هذه الحالة يحلف اليمين ويناقش فيما يدلي به من أقوال.
وفي القانون المصري فإن تحليف المتهم اليمين يعتبر من صور الإكراه الأدبي في إرادة المتهم مما لا يجوز الالتجاء إليه. ولا يصح أن يطالب المتهم تحليفه اليمين قبل استجوابه إلا أنه إذا حلف اليمين من تلقاء نفسه أثناء استجوابه فلا يعتبر هذا تقييداً لحريته في أبداء أقواله وإنما هو أسلوب الدفاع يهدف إلى بث الثقة في صدق ما يقرره. ([36])
رابعاً:الاعترافات الناتجة عن طريق استعمال وسائل الحيلة والخداع.
الحيلة هي تلك الأعمال الخارجية التي يؤتيها الشخص ليؤيد بها أقواله الكاذبة ويستمر بها غشه لأن الكذب المجرد لا يكفي لتكوين الحيلة بل يلزم تأييده بمظاهر خارجية تعززه. ([37])
والقانون لا يجيز الاستعانة بوسائل الحيلة والخداع للحصول على اعترافات المتهم ولو كان الوصول إلى الحقيقة متعذراً بدون استعمالها وعليه يجب أن تستبعد الاعترافات الناتجة عن الحيلة أو الخداع لأن الخداع ينطوي على نوع من التدليس الذي يوقع المتهم في الفخ فيصيب إرادته فطالما كانت أرادته معيبة وقت الإدلاء بالاعتراف فإنه لا يكون صحيحاً.
والقضاء الأمريكي عكس القضاء في الدول اللاتينية وخاصة فرنسا مازال يقبل الأدلة التي يتم الحصول عليها بطريق الحيلة والخداع بشطر أن لا تؤدي إلى اعتراف مزور غير حقيقي.
ومن أهم صور الحيلة والخداع التي يتم اللجوء عليها للحصول على اعتراف المتهمين.
1)التصنت خلسة على المكالمات الهاتفية.
2)التسجيل الصوتي.
إذا أن كلاهما يجافى قواعد الخلق القديم وتأبا مبادئ الحرية التي كفلها الدستور وهو في حقيقته تلصصاً وانتهاكاً لألصاق الحقوق بشخص الإنسان وهو حقه ألا يتسلل أحد إلى حياته الخاصة. ([38])
الفرع الثاني – التأثير المادي :
وهو النوع أو الشكل الثاني من أشكال التأثير التي تؤثر على أرادة المتهم وبالتالي فإن الاعتراف الصادر نتيجة هذا الإجراء يكون باطلاً ومن أهم صور هذا التأثير العنف “الإكراه المادي، إرهاق المتهم بالاستجواب المطول، الاستعانة بكلاب الشرطة، الاعتراف تحت التنويم المغناطيسي، الاعتراف الناتج عن تأثير العقاقير المخدرة، الاعتراف نتيجة استخدام جهاز كشف الكذب، وسنعرض لكل منها على النحو الآتي:
أولا : العنف “الإكراه المادي”.
ويتم عن طريق المساس بجسم المتهم ويتحقق بأية درجة من درجات العنف التي تفسد إرادته أو تفقده السيطرة على أعصابه ويراد بالعنف المباشر الذي يقع على الشخص ويمس جسده ومن شأن هذا العنف أن يعيب إرادة المتهم نسبياً أو يعدمها.
ويستوي أن يكون العنف سبب ألماً للمتهم أم لم يسبب شيئاً من ذلك لأن المتهم لا يتصرف بحرية وتكون إرادته معيبة لخضوعه للتعذيب فاعترافه لا قيمة له فمن السهل أن تجبر المتهم على الكلام لكن من الصعوبة إجباره على قول الحقيقة.([39]) وقد استبعد القضاء الفرنسي الاعترافات الناتجة عن استعمال العنف مع المتهم. ([40])
وهذا ما استقر عليه القضاء الأنجلو أمريكي على أن العنف يفسد الاعتراف([41]).
كما أن اللجوء إلى العنف والشدة وذلك بقصد الحصول على الاعتراف يعتبر من الأعمال المحظورة وقد أعتبرها كل من المشرع الأردني والمصري واليمني جريمة يعاقب عليها قانونياً.
ثانيا : إرهاق المتهم بالاستجواب المطول.
أن الاستجواب في حد ذاته إجراء مشروع من إجراءات التحقيق وما يترتب عليه صحيح ألا أن المحقق قد يلجأ إلى إرهاق المتهم بالاستجواب المطول حتى يضعف معنوياته ويقلل من حدة انتباهه أثناء الإجابة فيحمله على الاعتراف([42]) فيؤدي الاستجواب المطول إلى إرهاق المتهم وقول ما ليس في صالحه ويتعين على المحاكم بحث ما إذا كان من شأنه أن يؤثر في إرادة المتهم وذلك بدراسة الظروف المختلفة المحيطة به والضغط الذي يواجهه وقوة مقاومته مع الأخذ في الاعتبار سنه وحالته الصحية والعقلية والضابط في اعتبار الاستجواب مطول ليس زمني لكنه مجرد شعور المتهم بالإرهاق وهو ضابط نسبي يختلف باختلاف درجة تحمل كل شخص.([43])
فيخرج المحقق عن حياده الواجب متى تعمد أطالة الاستجواب لإرهاق المتهم وإجباره على الاعتراف الأمر الذي يمس أهليته الإجرائية في مباشرة التحقيق وتحديد أثر هذه الإطالة هو أمر موضوعي يخضع لتقدير المحقق تحت أشراف محكمة الموضوع.
– وما جاء في حكم محكمة التمييز أنه ” ومن القرر أن إطالة أمد الإستجواب لا يبطل الاعتراف ” فللمحقق أن يباشر التحقيق بالكيفية التى يراها محققة لغايته وهى استجلاء الحقيقة واستجماع أدلة إدانة المتهم أو براءته، وليست استطالة أمد الاستجواب في حد ذاتها مما يعد قرين الإكراه المبطل للاعتراف حقيقة أو حكما مادام أن الطاعن لم يقم الدليل على أن المحقق تعمد الإطالة من دون مقتضى لإرهاقه والتأثير على إرادته “([44])
والقضاء الأنجلو أمريكي والقضاء الفرنسي لا يحبذ اللجوء إلى استجواب المتهم المطول لحمله على الاعتراف. ([45])
ثالثاً : الاستعانة بكلاب الشرطة.
كلاب الشرطة نوع خاص من الكلاب له مزايا ينفرد بها عن غيره كقوة الشم ودقة السمع وتؤدي مهام مثل تتبع الأثر والتعرف على الجاني أو الجناة والحراسة([46]) واستخدام كلاب الشرطة من الوسائل الحديثة التي يستعين بها المحققون للتعرف على الفاعل ومكان اختفاء الجناة الهاربين والمكان الذي تخفضى فيه المسروقات والمواد المخدرة والأدوات المستخدمة في ارتكاب الجريمة. ([47]) وكل ذلك دون المساس بنفسية المتهمين وسلامة أجسامهم. ([48]) ولما كانت الأحكام الجنائية تبني على الجزم واليقين وليس على الظن والتخمين واستعراف الكلب البوليسي على المتهم لا يكون إلا مجرد قرينة يصح الاستناد عليها في تعزيز الأدلة الأخرى القائمة في الدعوى ولا تصح وحدها دليل أساس في ثبوت التهمة على المتهم. ([49])
وقد استقر القضاء الأنجلو أمريكي على قبول الدليل الناتج عن استعراف الكلب الشرطي بشرط أن يعزز بأدلة أخرى بمعنى أنه لا يعول عليه وحده كدليل فهو ليس سوى قرينة غير حاسمة من دلالتها ويجب مساندتها بقرائن أخرى.
ويعرض المتهم على الكلب البوليسي وسط مجموعة من الناس وقد يتعرف الكلب على المتهم إذا كان هو صاحب الآثار التي شمها إلا أن المتهم مع هذا قد يعترف وهنا يجب أن نفرق بين أمرين([50])
1)إذا كان الاعتراف من المتهم تم قبل قيام الكلب بدوره في عملية الاستعراف ولدى التجهيز لها في هذه الحالة يكون الاعتراف طواعية واختيارياً ويكون لهذا الاعتراف نتائجه القوية.
2)أما إذا كان الاعتراف لدى مهاجمة الكلب للمتهم فإنه لا يكون صادراً طواعية واختيارياً ومن ثم لا يعول عليه.
رابعاً : الاعتراف تحت التنويم المغناطيسي.
أن فكرة الاستجواب تحت تأثير التنويم المغناطيسي تنطوي على اعتداء على شعور المتهم ومكنون سره الداخلي وفيها انتهاك لأسرار النفس البشرية الواجب احترامها ويرى البعض أنه ليس هناك مانع قانوني يمنع من تنويم الشخص المستوجب مغناطيسياً إذا وافق أو طلب ذلك بنفسه وهو بكامل شعوره ووعيه لإظهار براءته لأنه من الظلم أن يرفض طلب المتهم قد يحقق له فائدة.
وخلاصة القول أنه لا يجوز استخدام التنويم المغناطيسي حتى برضاء المتهم طالما يحتمل أن يكون رضاؤه ناتجاً عن خوفه من اعتبار رفضه الخضوع للتنويم قرينة على إدانته كما أن موافقة أو رضا المتهم ليس له أي قيمة قانونية لأنهلا يستطيع أن يتنازل عن الضمانات الدستورية التي تحيط بدفاعه وأن هذه الضمانات لا تخصه فقط بل تخص المجتمع كله([51]) ويعتبر استجوابه باطلاً لأنه ليس وليد إرادة حرة واعية دون تأثير ولم نعثر في القضاء المصري على حكم يفصح عن اتجاه المحاكم([52]) واتجه القضاء الأمريكي إلى استبعاد الاعتراف الناتج عن التنويم المغناطيسي واعتباره غير مقبول لأنه يحرم المتهم من حقوقه الدستورية. ([53])
خامساً : الاعتراف الناتج عن تأثير العقاقير المخدرة.
أن استخدام العقاقير المخدرة تؤثر على الوعي والشعور وتستعمل للارتخاء وتطلق العنان بعدم السيطرة على المشاعر ولا التحكم بالإرادة ولذلك فإن استعمالها يعتبر اعتداء على الحرية الشخصية للفرد([54]) واعتبرت محكمة النقض المصرية أن هذه الوسيلة من قبيل الإكراه المادي الذي يؤثر على أقوال المتهم الصادرة منه فيشوبها البطلان([55]) ويرفض القضاء الأمريكي استخدام هذه العقاقير التي تعوق حرية الإرادة للحصول على الاعتراف من المتهم ويعتبر الاعتراف باطلاً طالما استخدم العقار المخدر للحصول عليه حيث أنحرف تمييز المتهم ولم تعد إرادته حرة ومقيدة قانوناً وقد ذهبت المؤتمرات الدولية إلى رفض استخدام هذه العقاقير مثل مؤتمر لوزان سنة 1945 والحلقة الدراسية المنعقدة في فينا سنة 1960م. ([56])
سادسا : الاعتراف نتيجة استخدام جهاز كشف الكذب.
إن الاعتراف المتهم الصادر نتيجة استعمال جهاز كشف الكذب هناك من يعتبره من عناصر الإثبات لكنه لا يرقى على مرتبة الدليل الكامل وآخر يعتبره صادراً عن إرادة حرة لعدم استناده إلى إجراء باطل في ذاته وأنه يشبه مواجهة المتهم ببصمات أصابعه بشرط أن يكون اعترافاً إرادياً لا يشوبه ما يبطله وآخر يعتبره من قبيل الإكراه المادي. ([57])
إلا أن الرأي الراجح في الفقه الجزائي أعتبر الاعتراف الصادر من المتهم نتيجة استخدام جهاز كشف الكذب باطلاً ويجب استبعاده كدليل في الإثبات لأن القانون رتب للإفراد ضمانات للدفاع لا يجب المساس بها. ([58]) وإنني أوافقه الرأي.
– من المقرر أن لمحكمة الموضوع دون غيرها البحث في صحة ما يدعيه المتهم من أن الاعتراف المعزو إليه قد اُنتزع منه بطريق الإكراه ومتى تحققت من أن الاعتراف سليم مما يشوبه واطمأنت إليه كان لها أن تأخذ به بلا معقب عليها. ([59])
المطلب الثالث
أن يكون الاعتراف صريحاً
إن شرط صحة الاعتراف تتطلب أن يكون الاعتراف صريحاً لا لبس فيه ولا غموض ولا يحتمل أكثر من تأويل دالاً بذاتة على اعتراف المعترف للفعل المسند إليه وفي حالة عدم تحقق هذا الشرط فلا يجوز للمحكمة التعويل على الاعتراف كدليل في الإثبات.
ويشترط لاعتبار الاعتراف بينه كافية أن يكون خالي من أي لبس أو إبهام وأن تقنع المحكمة بأن المتهم يفهم تماماً ماهية التهمة المعزوة إليه وما يترتب على اعترافه من نتائج.
فلا يجوز لمحكمة الموضوع أن تستنتج اعتراف المتهم من بعض تصرفاته كالهروب أو المصالحة مع المجني عليه على تعويض معين أو عدم الحضور فقد يكون ذلك خشية من القبض عليه. ([60]) ولا يعتد بالاعتراف المجمل إلا أنه لا يستلزم الأمر صدور الاعتراف بصيغة معينة ويكفي أن تحمل أقوال المتهم معنى الاعتراف كما في حالة الاعتراف الضمني “كإبداء المتهم استعداده للتوبة” أن يكون واضحاً لا تقبل عبارات المتهم تفسيراً أخر غير التسليم بارتكاب الجريمة([61]) ويشترط د. مأمون سلامة حتى تستند المحكمة على الاعتراف الضمني لابد من أدلة أخرى تعزز ما انتهت إليه المحكمة في تكوين عقيدتها. ([62])
وعلى المحقق أن يتأكد من أن كل جزء من الاعتراف مفهوم وواضح لكل شخص يقرؤه ويسمعه وإذا وجد أي غموض يجب أن يسأل المتهم عدة أسئلة لإيضاح الغموض.
وما جاء في حكم محكمة التمييز أنه – ” من خلال ما ورد في بنص في الفقرة الأولى من المادة 157 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية على أن “ولا يعتبر اعترافا من أقوال المتهم إلا ما يكون منها صريحا قاطعا في ارتكابه الجريمة المنسوبة إليه عن بينة وحرية وإدراك…” يدل على أن الاعتراف لا يعول عليه إلا إذا كان صحيحا صادرا من المتهم وهو واع ومدرك لمبنى ما يقر به من أقوال، ومقتضى ذلك أن الدفع بعدم صحة الاعتراف لصدوره من المتهم وهو غير مدرك لما يقوله هو دفع جوهري يجب على محكمة الموضوع مناقشته والرد عليه ما دام أنها عولت في حكمها بالإدانة على الاعتراف ..” ([63])
واشترطت البلاد ذات النزعة اللاتينية صراحة الاعتراف ووضوحه وفي انجلترا اشترطت حتى يكون الاعتراف صريحاً أن لا يحتمل التأويل أو التفسير وإذا لم يكن كذلك فلا يجوز الاعتماد عليه. ([64])
كما يشترط القضاء الأمريكي صراحة الاعتراف وان يكون الاعتراف قاطعاً بارتكاب الجريمة وأخيراً لا يعتبر صمت المتهم اعترافاً لأن الصمت لا يفيد صراحة إقرار المتهم بالواقعة الإجرامية المنسوبة إليه.
المطلب الرابع
استناد الاعتراف إلى إجراءات صحيحة
أن أدق شروط صحة الاعتراف وأكثرها أهمية هو أن يكون الوصول إلى الاعتراف مشروعاً فإذا جاء الاعتراف بعد إجراء باطل فإنه ينبغي للتعويل عليه بحث الرابطة بينه وبين الإجراء الباطل.
أي قد يكون الاعتراف مترتب على الإجراء الباطل وقد يكون مستقلاً عنه وهذا ما سوف نوضحه.
الفرع الأولً: الاعتراف المترتب على الإجراء الباطل
إذا تقرر بطلان أي إجراء من إجراءات التحقيق وكان الاعتراف وليد هذا الإجراء الباطل فإن البطلان يمتد إلى هذا الاعتراف ويجب استبعاده وعدم التعويل عليه في مجال الإثبات لإدانة المعترف فيقع باطلاً الاعتراف الذي يجئ وليد قبض أو تفتيش باطلين ولا يصح للمحكمة التعويل على الاعتراف المستمد منهما طالما كان للاعتراف أثراً من الآثار المترتبة مباشرة على الإجراء الباطل. ([65])
فيكون الحكم الذي يستند إلى هذا الاعتراف مشوباً بما يعيبه حتى ولو ورد معه أدلة أخرى صحيحة لما هو مقرر من أن الأدلة في المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضاً وتكون المحكمة عقيدتها منها مجتمعة بحيث إذا سقط أحداها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان للدليل الباطل في الرأي الذي انتهت أليه المحكمة. ([66])
فالاعتراف الذي يصدر نتيجة إجراء باطل يفقد أحد شروط صحته وهو شرط صدوره عن أرادة حرة علاوة على استناده إلى إجراءات باطلة وبالتالي لا يقبل في الإثبات.
جاء في حكم محكمة التمييز ” من المقرر أن بطلان القبض والتفتيش لا يحول دون أخذ محكمة الموضوع بجميع عناصر الإثبات الأخرى المستقله عنه والمؤدية إلى النتيجة التي أسفر عنها ومن هذه العناصر الاعتراف اللاحق للمتهم بحيازته ذات المخدر الذي ظهر من التفتيش وجوده لديه وأن تقدير قيمة الاعتراف الذي يصدر من المتهم على إثر تفتيش باطل وتحديد مدى صلة هذا الاعتراف بالتفتيش وما ينتج عنه هو من شئون محكمة الموضوع تقدره حسبما يتكشف لها من ظروف الدعوى بحيث إذا قدرت أن هذه الأقوال قد صدرت منه صحيحة غير متأثر فيها بهذا الإجراء الباطل جاز لها الأخذ بها. ([67])
الفرع الثاني: الاعتراف المستقل عن الإجراء الباطل
إن بطلان الإجراء الباطل لا يترتب عليه حتماً بطلان الاعتراف اللاحق عليه فيصبح أن يكون هذا الاعتراف مستقلاً عن الإجراء الباطل وليس نتيجة حتمية له ويمكن اعتباره دليلاً مستقلاً بذاته في الإثبات. ([68]) فعلى سبيل يعد الاعتراف دليلاً قائماً بذاته ومستقلاً عن التفتيش الباطل إذا لم يكن نتيجة حتمية له إذا صدر أمام النيابة أو أمام محكمة الموضوع بعد مدة غير قصيرة من ذلك التفتيش حيث يكون قد زال أثر التفتيش بل ويعتبر الاعتراف دليلاً قائما ًبذاته إذا صدر من المتهم إمام ضابط الشرطة يختلف عن الضابط الأول الذي تولى إجراء الضبط والتفتيش الباطلين وقد ذهب الفقه إلى أبعد من ذلك بأنه يجوز التعويل على الاعتراف ولو صدر أمام نفس الضابط الذي أجرى التفتيش الباطل ما دام قد صدر مستقلاً عن الإجراء الباطل وفي غير الوقت الذي جرى فيه الإجراء فيتحقق الاستقلال بين الإجرائيين الإجراء الباطل والاعتراف متى وجد فاصل زمني أو مكاني أو اختلف شخص القائم بها. ([69])
ومحكمة الموضوع هي التي تقدر قيمة الاعتراف الصادر من المتهم على أثر الإجراء الباطل من خلال ظروف الدعوى وملابساتها فإذا كانت الصلة منقطعة بين اعتراف المتهم والإجراء الباطل جاز لها الاستناد إلى الاعتراف كدليل مستقل عن الإجراء الذي سبق الاعتراف ولها أن تستبعد الاعتراف إذا رأت خلاف ذلك([70]) واستقر القضاء الفرنسي على أنه إذ أثبت أن المتهم أدلى باعترافه بحرية تامة غير متأثراً بالإجراء الباطل فيأخذ به رغم هذا الإجراء وذلك لكونها أدلة مستقلة عن الإجراء الباطل وذلك عكس القضاء الانجليزي الذي استقر على قبول الأدلة وإن تم الحصول عليها بطريق غير قانوني. ([71]) فلا يوجد في النظام الأنجلو أمريكي ما يمنع من قبولها طالما أنها إرادية وإلا فيتم استبعادها. ([72])
ونرى تأييد الاتجاه القائل بأنه إذا كانت الإجراءات السابقة على الاعتراف باطلة فإن البطلان يمتد إلى الاعتراف وإذا تقرر ذلك فإن الدليل مستمد منه لا يكون محلاً لأي اعتبار ويمتد هذا البطلان إلى جميع الآثار التي تترتب عليه مباشرة وما بني على باطل فهو باطل.
المبحث الثاني : الاعتراف الباطل
البطلان هو جزاء عدم مراعاة شروط صحة الاعتراف وجميع هذه الشروط متساوية في أهميتها فيترتب البطلان على مخالفة أي منها دون استثناء ومتى لحق البطلان الاعتراف زالت عنه قيمته القانونية كدليل في الدعوى فيشترط فيمن يدلى بالاعتراف أن يكون متهماً بارتكاب جريمة وأن تتوافر لديه الأهلية الجنائية بأن يكون متمتعا بالتمييز والإدراك فإن لم يكن كذلك أصيب الاعتراف بالبطلان. وأن يكون الاعتراف صادر عن إرادة حرة بعيداً عن وسائل الإكراه سواء مادية أو معنوية وأن يكون الاعتراف صريحاً لا لبس ولا غموض فيه وإلا أصبح اعتراف باطل وتزول عنه القيمة القانونية كدليل في الدعوى وإذا كانت الإجراءات السابقة على الاعتراف باطلة فإن البطلان يلحق بالاعتراف ويفقد قيمته القانونية كدليل في الدعوى وقد يرتب القانون على الإخلال بضمانات صحة الاعترافات جزاءات أخرى بالإضافة إلى البطلان كالجزاء التأديبي والتعويض المدني الذي يلتزم مرتكب الإخلال بدفعه نتيجة الضرر الذي نجم عن تصرفه كما قد يكون جزاء جنائياً إذا توافر في الإخلال عناصر الجريمة كتعذيب المتهم.
[1]) المستشار عدلي خليل، المرجع السابق، صـ 39.
[2]) د. محمود نجيب حسني، “شرح قانون الغجراءات الجنائية” صـ 23.
[3]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق “اعتراف المتهم” صـ 23.
[4]) المستشار مصطفى مجدي هرجه، المرجع السابق، “الاثبات في المواد الجنائية” صـ 220 وما بعدها.
[5]) د. ما هر عبد شويش “الاحكام العامة في قانون العقوبات العراقي جامعة الموصل كلية القانون، 1988، صـ 404.
[6]) د. محمود نجيب حسني، “اعتراف المتهم” المرجع السابق، صـ 25،26.
[7]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق “اعتراف المتهم” ، صـ 27.
[8]) المستشار/ عدلي خليل، “اعتراف المتهم” صـ 41، د. سامي صادق الملا، “اعتراف المتهم” صـ 40.
[9]) المستشار، عدلي خليل، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 43.
[10]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 44.
[11]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 48.
[12]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 48.
[13]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 55، المستشار/ عدلي خليل، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 46.
[14]) المستشار/ عدلي خليل المرجع السابق اعتراف المتهم، صـ46.
[15]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 388.
[16]) د. هلالي عبد الإله أحمد، المرجع السابق، صـ 887.
[17]) د. هلالي عبد الإله أحمد، المرجع السابق، صـ 889.
[18]) د. سامي صادق الملا “اعتراف المتهم”، صـ 90.
[19]) نقض مصري 25/12/1972 س 23 رقم 1459 مشار إليه المستشار عدلي خليل، المرجع السابق، أعتراف المتهم، صـ 79.
[20]) د. محمود محمود مصطفى، المرجع السابق، شرح قانوني الإجراءات الجنائية، صـ 469.
[21]) د. سامي صادق الملا، “اعتراف المتهم”، صـ 94.
[22]) د. سامي صادق الملا، “اعتراف المتهم”، صـ 90.
[23]) المستشار/ عدلي خليل، اعتراف المتهم”، صـ 59.
[24]) د. سامي صادق الملا، اعتراف المتهم، صـ 95.
[25]) د. سامي صادق الملا، أعتراف المتهم، صـ 97.
[26]) د. سامي صادق الملا، أعتراف المتهم، صـ 95.
[27]) المستشار/ عدلي خليل، أعتراف المتهم، صـ 59.
[28]) المستشار حمد الطاهر عبد العزيز، ضوابط الاثبات الجنائي على ضوء الفقه والنقض، مصر، 1993، دار الكتب.
[29]) تمييز رقم163 لسنة1998 جلسة 22/3/1999 جزائي، مجلة القضاء والقانون سنة27/1 ص 562.
[30]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، أعتراف المتهم، صـ 101.
[31]) المستشار عدلي خليل، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 60.
[32]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 101.
[33]) تمييز رقم 96 /95 جزائي جلسة 25/12/1995مجموعة القواعد القانونية قسم 3 مجلد 4 ص 43 .
[34]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 103.
[35]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 105.
[36]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، أعتراف المتهم، صـ 106.
[37]) د. محمود محمود مصطفى، “شرح قانون العقوبات القسم الخاص، 1964 ، الطبعة السادسة، صـ 518.
[38]) المستشار/ عدلي خليل، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 66.
[39]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، “اعتراف المتهم” صـ 137.
[40]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم” صـ 140.
[41]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، “اعتراف المتهم” صـ 141.
[42]) المستشار عدلي خليل، المرجع السابق، ” اعتراف المتهم”، صـ 74.
[43]) د. سامي صادق الملا “أعتراف ” صـ 152.
[44]) تمييز رقم 163/98جزائي جلسة 22/6/1999 27/1 ص562
[45])د. سامي صادق الملا، “أعتراف” صـ 155.
[46]) إبراهيم غازي “التحقيقات والأدلة الجنائية” الجزء الأول، الطبعة الأولى مطبعة الحياة دمشق، 2345 ، 348.
[47]) د. سامي صادق الملا، “حجية استعراف الكلاب الشرطية أمام القضاء” المجلة الجنائية القومية العدد الأول، يوليو 1974 صـ 53، 54.
[48]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، أعتراف المتهم، صـ 164.
[49]) المستشار عدلي خليل، المرجع السابق، اعتراف المتهم”، صـ 76.
[50]) د. مبدرا لويس “اثر التطور التكنولوجي على الحريات العامة”، منشأة المعارف بالإسكندرية، صـ 391.
[51]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 168.
[52]) د. ممدوح خليل بحر، “حماية الحياة الخاصة في القانون الجنائي” دراسة مقارنة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1996، عمان، صـ 522.
[53]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 167.
[54]) د. مبدرا لويس، المرجع السابق، صـ 398.
[55]) نقض مصري، 18/1/1954، مجموعة الأحكام، السنة الخامسة، رقم 86، صـ 259.
[56]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، أعتراف المتهم، صـ 173.
[57]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم، من صـ 131 على 133.
[58]) المحامي نبيل ناجي الزعبي، بحث بعنوان “بعض الأساليب الحديثة في التحقيق الجنائي ومشروعيتها”، محل نقابة المحاميين لسنة 1971 صـ 321.
4) طعن رقم 339/1998 جزائي جلسة 2/3/1999 مجلة القضاء والقانون سنة 27/1 صـ 493
[60]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 180.
[61]) د. أحمد فتحي سرور، المرجع السابق، “الوسيط” صـ 426.
[62])د. مأمون سلامة، المرجع السابق، “الإجراءات في التشريع المصري، صـ 178.
[63]) تمييز رقم 225/95 جزائي جلسة 5/2/96 مجلة القضاء سنة 24/1 ص 370.
[64]) د. هلالي عبد الإله أحمد، “الحقيقة بين الفلسفة العامة والإسلامية وفلسفة الإثبات الجنائي”، صـ 903.
[65]) المستشار/ عدلي خليل، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 118.
[66]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، اعتراف المتهم، صـ 203.
[67]) تمييز رقم 29/1998 جزائي جلسة 12/10/98 مجلة القضاء والقانون سنة 26/2 ص 659 .
[68]) د. رؤوف عبيد “المشكلات العملية الهامة في الإجراءات الجنائية. ج1 دار الفكر العربي، طبعة 1963، صـ 261.
[69]) د. سامي حسني الحسيني ” النظرية العامة للتفتيش” رسالة دكتوراه، 1972، صـ 481.
[70]) د. فوزية عبد الستار” شرح قانون الإجراءات الجنائية”، القاهرة 1986، صـ 576.
[71]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، “اعتراف المتهم”، صـ 204.
[72]) د. سامي صادق الملا، المرجع السابق، “أعتراف المتهم”، صـ 209.
الباحث / عبدالله الهويدي
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك
بحث قانوني رائع حول حجية الإعتراف الجنائي