دراسة وبحث قانوني هام عن الإعتداء على العلامة التجارية في التشريع التجاري الأردني
المقدمة
إن الاهتمام بالعلامة التجارية يعود إلى عصر الرومان حيث استخدمت العلامة للحيلولة دون سرقة المنتجات، ثم استخدمت بشكل إلزامي في القرون الوسطى في ظل نظام الطوائف لتمييز كل طائفة عن الأخرى. وقد كانت هناك علامات أخرى خاصة بكل من الصناع داخل الطائفة الواحدة حتى يسهل معرفة صانعها ومدى جودتها بحيث كانت تحطم أو تصادر كل سلعة ليس عليها علامة ضماناً لحماية المستهلكين. وقد صدر أول قانون خاص بالعلامات التجارية في فرنسا عام (1857) وفي بريطانيا عام (1879) وفي الولايات المتحدة الأمريكية عام (1946)(1).
وتحتل العلامة التجارية مكانة هامة ومميزة بين حقوق الملكية الصناعية والتجارية الأخرى بحيث أصبح لها قيمة إضافية(2) تضاف لقيمة المحل التجاري (أو المتجر كما يسميه قانون التجارة الأردني)(3). ولعل السبب في ذلك يعود الى انتشار العلامة التجارية واتصالها الوثيق بالتجارة والاقتصاد أكثر من باقي حقوق الملكية الصناعية والتجارية الأخرى، ذلك أن ازدياد المنافسة بين التجار وقيام المستهلك بالشراء بالاعتماد على نوعية المنتج أو الخدمة دفع التجار الى استخدام علامات تميز منتجاتهم وخدماتهم عن غيرها من المنتجات والخدمات المشابهة.
وتحقق العلامة التجارية مصالح كل من المنتجين والموزعين والتجار بالإضافة إلى مصالح المستهلكين والاقتصاد الوطني، إذ تلعب العلامة التجارية دوراً أساسياً في جذب المستهلكين أو العملاء إلى السلع والخدمات التي تحمل تلك العلامة. فالوظيفة الأساسية
(Primary Function) للعلامة التجارية هي تحديد منشأ المنتج، إذ تضمن العلامة التجارية نوعية البضاعة أو الخدمة ليكون المستهلك مطمئناً لما يشتريه(4). فالعلامة التجارية تساعد المستهلكين على معرفة البضاعة أو الخدمة التي يرغبون بها وتسهل للعميل معرفة المنتجات بمجرد النظر إلى علامتها التي تحدث في نفسه مقدار جودتها ومدى ملاءمتها وإشباعها لحاجاته ورغباته حسب ما تعود عليها إذا كان قد سبق له شراءها أو تعامل معها أو قرأ عن مواصفاتها أو مميزاتها بإحدى النشرات أو الإعلانات, ولذلك فإن تضليل المستهلك (Consumer Confusion) هي الهدف من توفير الحماية القانونية للعلامات التجارية(5).
كما تميز العلامة التجارية بين السلع والخدمات المماثلة المعروضة في السوق مما يساعد المنتج على الاحتفاظ بعملائه وجذب عملاء آخرين، وهذا من شأنه أن يشجع على المنافسة المشروعة بين التجار مما ينعكس بدوره على نوعية الإنتاج وخفض الأسعار. إذ أن حرية المنافسة في التجارة سواء تعلقت بتسويق بضائع (Goods) أو خدمات (Services) من شأنها أن تساعد على خلق حوافز لتقديم منتجات عالية الجودة (Quality Products) وأسعار معقولة (Reasonable Prices)(6). وهذا من شأنه أن يشجع التاجر على الاستمرار في إنتاج البضاعة أو الخدمة التي وصلت إلى رضى المستهلك من خلال إقباله على التعامل معها وبذات الجودة أو جودة أعلى(7) .
وعلى صعيد التجار فقد فطن التجار إلى أهمية العلامات التجارية منذ زمن غير قريب لأهميتها في جذب الزبائن وتسويق المنتجات وتحقيق الأرباح، ولذلك فإن استعمالهم للعلامات التجارية يؤدي إلى ترويج السلع والخدمات داخل البلد وفي الخارج مما يكسب التاجر الشهرة المرتبطة بالعلامة التجارية. وكلما اتسع نطاق تلك الشهرة كلما ازدادت قيمة العلامة التجارية مما يزيد الطلب على تلك السلع والخدمات التي تحمل تلك العلامة التجارية وبالتالي زيادة القدرة على منافسة السلع والخدمات المشابهة مما يؤثر إيجابياً على الاقتصاد الوطني من خلال زيادة الأنشطة التجارية في السوق المحلي والخارجي، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة الإنتاج والعمالة وزيادة الإيرادات الضريبية للدولة وتحسين المستوى المعيشي للسكان.
واستخدام العلامات التجارية يساعد الدولة كذلك على تحديد السلع والخدمات التي تفي بالمعايير المطلوبة للجودة وتلك التي لا تفي بالمعايير المطلوبة بالإضافة إلى استخدامها كمصدر للمعلومات الإحصائية والاقتصادية(8). ولذلك فإن الاعتداء على العلامة التجارية بتقليدها وتزييفها هو جرم يستوجب اقامة دعوى مدنية ودعوى جزائية ذلك أن هذا الاعتداء يضر بكل من المنتج والمستهلك والدولة، فهو يسيء للمنتج من خلال خسارته في تسويق منتجاته، كما أنه يسيء للمستهلك لأن التقليد غير القانوني للبضائع والخدمات سوف يقلل من جودة المنتج أو الخدمة الأصلية. وفي بعض الصناعات كالصناعات الدوائية فإن التقليد غير القانوني قد يؤثر سلبياً على الصحة العامة للمرضى، هذا بالاضافة الى أن التقليد والتزييف للعلامات التجارية سوف يضعف من فرص الاستثمار وخاصة الأجنبية في الدولة(9).
ونظراً لدور العلامة التجارية في تسويق المنتجات والخدمات المحلية والدولية، ونظراً لأهمية العلامة التجارية في الحياة التجارية فقد ظهرت صور متعددة للتعدي منها القرصنة على العلامة التجارية كأن يقوم تاجر باستخدام علامة تجارية مطابقة أو علامة مشابهة تخص الغير بوضعها على منتجاته أو خدماته دون إذن من مالكها، أو استخدام هذه العلامة التجارية لأغراض الإعلان عن منتجاته أو خدماته أو الإدعاء الباطل بتسجيل علامة تجارية. هذا على المستوى المحلي، أما على المستوى الدولي فقد تستخدم بعض العلامات التجارية المشهورة من قبل غير أصحابها كوسيلة لتسويق منتجاتهم أو خدماتهم عبر وسائل الاتصال الحديثة وخاصة برامج الإنترنت (
Internet)، الأمر الذي استدعى توفير الحماية القانونية الملائمة مدنياً وجزائياً محلياً ودولياً(10) جراء التعدي على العلامة التجارية.
ان اجراء تعديلات جوهرية على تشريعات الملكية الفكرية ومنها العلامات التجارية كان الغرض منه الانسجام مع أحكام اتفاقية تريبس (TRIPS)(11) الخاصة بحقوق الملكية الفكرية والتي انبثقت عن إنشاء منظمة التجارة العالمية (W.T.O) والتي كان على المشرع الأردني أن يعدل تشريعاته بما ينسجم مع أحكام الاتفاقيات الدولية. وفي هذا السياق صدر القانون المعدل لقانون العلامات التجارية رقم (34) لسنة (1999)(12) الذي أجرى تعديلات جوهرية على قانون العلامات التجارية رقم (33) لسنة (1952)(13)، وقانون علامات البضائع رقم (19) لسنة (1953)(14).
ومن أهم التعديلات التي جاء بها القانون المعدل:
حماية علامات الخدمة (Service Marks) (15) والعلامات الجماعية (Collective Marks) (16) والعلامات المشهورة (Well-Known Marks)(17)،بالإضافة إلى علامات السلع والبضائع. كما أجاز القانون المعدل التصرف بالعلامة التجارية بمعزل عن المحل التجاري(18)، وأجاز شطب العلامة التجارية بمرور ثلاث سنوات على عدم الاستعمال(19)، كما نص صراحة على جواز الترخيص باستعمال علامة تجارية من قبل شخص آخر غير مالكها (20). كما نظم القانون المعدل من جديد الحماية المدنية والحماية الجزائية جراء التعدي على العلامة التجارية، إذ أن العلامة التجارية المسجلة محمية مدنياً وجزائياً، فإذا ما اعتدى شخص على علامة تجارية مسجلة في المملكة يستطيع مالكها مطالبة المعتدي بالتعويض الناشئ عن التعدي (م34)، كما من حقه الطلب من المحكمة منعه من الاستمرار في التعدي (م36). ويستطيع مالك العلامة التجارية إقامة دعوى جزائية بموجب المواد (38 و 39) من قانون العلامات التجارية والمواد (3 و 11) من قانون علامات البضائع. والحماية الجزائية للعلامة التجارية مرتبطة بتسجيل تلك العلامة المعتدى عليها في سجل العلامات التجارية في وزارة الصناعة والتجارة، وعليه فإن العلامة التجارية غير المسجلة لا تتمتع بأية حماية جزائية(21).
والحماية المدنية للعلامة التجارية لا تقتصر على طلب التعويض بل تشمل كذلك وقف التعدي والمحافظة على الأدلة ذات الصلة بالتعدي والحجز التحفظي على البضائع التي ارتكب التعدي بشأنها والاعتراض على تسجيل علامة تجارية(22) وشطب (ترقين) علامة تجارية مسجلة بسبب عدم الاستعمال(23). إلا أن الحق في طلب التعويض، الذي عادةً ما يقترن بطلب وقف التعدي، يعتبر أهم حق من حقوق مالك العلامة التجارية في حالة تعرض علامته التجارية للاعتداء من قبل شخص آخر. وهذا الحق مقرر بموجب المبادئ العامة في المسؤولية المدنية إذ منحت المادة (256) من القانون المدني الأردني كل متضرر الحق في المطالبة بالتعويض جراء تعرضه لفعل ضار، وبالتالي فإن هذا الحق مرتبط بواقعة التعدي على العلامة التجارية وحدوث الضرر في جانب مالك العلامة التجارية سواء أكانت العلامة التجارية مسجلة أم غير مسجلة.
إلا أن المادة (34) من قانون العلامات التجارية لسنة (1952) قد اشترطت تسجيل العلامة التجارية في المملكة لاستحقاقها التعويض في حالة التعدي عليها. وقد بقي هذا القيد (التسجيل) مطلوباً رغم صدور القانون المعدل لقانون العلامات التجارية لسنة (1999) الذي صدر لينسجم مع أحكام اتفاقية تريبس. ومثل هذا الإصرار على تطلب تسجيل العلامة التجارية في المملكة لإمكانية المطالبة بالتعويض جراء التعدي عليها يدفعنا للبحث في الحكمة أو العلة من تطلب هذا الشرط خاصة وأن اتفاقية تريبس المنظمة لحقوق الملكية الفكرية، والتي يفترض أن يكون القانون المعدل لقانون العلامات التجارية قد جاء متطابقاً معها، لم تشترط تسجيل العلامة التجارية كمتطلب سابق لإمكانية المطالبة بالتعويض جراء التعدي عليها.
كما أننا نجد بأن قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية الأردني رقم (15) لسنة (2000)(24) قد اعتبر من قبيل أعمال المنافسة غير المشروعة تلك المتعلقة بعلامة تجارية مستعملة في الأردن سواء أكانت مسجلة أو غير مسجلة في المملكة ما دامت تؤدي إلى تضليل الجمهور. وبالتالي فإن الاعتداء على علامة تجارية مسجلة أم غير مسجلة في المملكة يعطي الحق لصاحب هذه العلامة المطالبة بالتعويض استناداً لدعوى المنافسة غير المشروعة (25). وعليه فإن القيد الذي وضعه قانون العلامات التجارية لحق المطالبة بالتعويض وهو التسجيل قد تجاوزه قانون المنافسة غير المشروعة وأصبح بالإمكان المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية ولو كانت غير مسجلة في المملكة.
ولذلك فإن هذا البحث يهدف إلى الوقوف على مدى امكانية المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية سواء أكانت العلامة مسجلة في المملكة أو غير مسجلة من خلال بيان الأساس القانوني لحق المطالبة بالتعويض وبيان مدى اللجؤ لدعوى المنافسة غير المشروعة كوسيلة لحماية العلامة التجارية المسجلة وغير المسجلة وإبراز العلاقة ما بين هذه الدعوى المدنية والدعوى الجزائية لحماية العلامة التجارية المسجلة، ولذلك فإننا سنقسم هذه الدراسة إلى مبحثين نتناول في المبحث الأول الأساس القانوني لحق المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية فيما نتناول في المبحث الثاني دعوى المنافسة غير المشروعة كدعوى مدنية للمطالبة بالتعويض من حيث شروطها وعناصرها وعلاقتها بالدعوى الجزائية لحماية العلامة التجارية المسجلة.
المبحث الأول
الأساس القانوني لحق المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية
تنص المادة (256) من القانون المدني الأردني(26) على أنه :”كل إضرار بالغير يلزم فاعله ولو كان غير مميز بضمان الضرر”. وبموجب هذه المادة فإن الحماية المدنية مقررة لكافة الحقوق استناداً للقواعد العامة في المسؤولية في القانون المدني، إذ يحق لكل من وقع عليه اعتداء المطالبة بالتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الذي لحق به، وبالتالي يحق لكل من وقع عليه اعتداء في علامته التجارية أن يطالب بالتعويض إستناداً لهذه المادة.
كما أن الاعتداء على علامة تجارية بالتقليد أو التزوير أو بالاستعمال دون موافقة مالكها يشكل اعتداءً صارخاً على قانون العلامات التجارية وفعل من أفعال المنافسة غير المشروعة. فالتجار يتنافسون فيما بينهم بالطرق المشروعة وذلك من أجل جذب أكبر عدد ممكن من الزبائن ولكن إذا استخدمت وسائل غير مشروعة في سبيل تحقيق هذا الهدف عدت المنافسة غير مشروعة وحق لكل من لحقه ضرر المطالبة بالتعويض عن كل ضرر مادي ومعنوي نتج عن فعل المنافسة غير المشروعة.
وبالتالي فإن العلامة التجارية يفترض أن تكون محمية مدنياً من ثلاث جهات :
أولاً: من جهة قانون العلامات التجارية الذي يمنع كل صور التعدي والقرصنة على العلامات التجارية ويوفر للمعتدى على علامته التجارية حق المطالبة بالتعويض ووقف التعدي على علامته.
ثانياً: من جهة قانون المنافسة غير المشروعة إذ أن واقعة التعدي على علامة تجارية
تشكل فعلاً من أفعال المنافسة غير المشروعة.
ثالثاً: من جهة القواعد العامة في المسؤولية المدنية إذ أن التعدي على علامة تجارية يلحق ضرراً بالتجار يستوجب التعويض.
وعليه فإننا سنبحث في الأساس القانوني لحق التعويض في كل من قانون العلامات التجارية وقانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية والقانون المدني الأردني وذلك في ثلاثة مطالب :
المطلب الأول: حق التعويض في قانون العلامات التجارية :
تنظم المادة (34) من قانون العلامات التجارية الأردني رقم (33) لسنة (1952) موضوع حق المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية. واشترطت هذه المادة تسجيل العلامة التجارية في المملكة لأغراض المطالبة بالتعويض في حالة التعدي عليها. وقد كان هذا النص منتقداً من قبل الفقه التجاري(27) بسبب إشتراطه تسجيل العلامة التجارية في المملكة من أجل المطالبة بالتعويض جراء التعدي عليها وذلك لأن التعويض مرتبط بوقوع الضرر وتحققه والذي يترك للقضاء أمر تحديده، ولا يرتبط التعويض بإجراءات تسجيل العلامة التجارية التي يتطلبها قانون العلامات التجارية الأردني.
ويبرر الدكتور صلاح زين الدين(28) اشتراط المشرع الأردني تسجيل العلامة التجارية في المملكة لإمكانية المطالبة بالتعويض في حالة التعدي عليها إلى رغبة المشرع على تشجيع أصحاب العلامات التجارية للقيام بتسجيلها لدى وزارة الصناعة والتجارة بهدف حصرها ومعرفة أصحابها. إلا أن هذا التبرير، كما أرى، لا يصلح سبباً كافياً لمخالفة أحكام المبادئ العامة في المسؤولية المدنية والتي تعطي لكل متضرر الحق في المطالبة بالتعويض كما بينت ذلك المادة (256) من القانون المدني الأردني خاصة إذا ما علمنا أن القضاء هو الفيصل في تحديد استحقاق ومقدار التعويض. فكان الأجدر بالمشرع الأردني عدم تطلب شرط تسجيل العلامة التجارية في المملكة لاستحقاقها التعويض جراء التعدي عليها.
وقد كان يؤمل من المشرع الأردني تعديل هذا النص خاصة بعد قيامه بتعديل تشريعات الملكية الفكرية لأغراض انضمام الأردن لمنظمة التجارة العالمية لكي تتوافق مع أحكام اتفاقية تريبس المنظمة لحقوق الملكية الفكرية والتي تشكل أحد أهم محاور منظمة التجارة العالمية. إلا أنه قد صدر القانون المعدل لقانون العلامات التجارية لسنة (1999) مبقياً على نص المادة (34) كما في صيغته القديمة فيما يتعلق بالقدرة على المطالبة بالتعويض إذ تنص هذه المادة على أنه :”لا يحق لأحد أن يقيم دعوى بطلب تعويضات عن أي تعد على علامة تجارية غير مسجلة في المملكة …”، وبهذا يكون المشرع الأردني قد حصر حق المطالبة بالتعويض في حالة التعدي على العلامة التجارية المسجلة في المملكة وبقيت العلامة التجارية غير المسجلة في سجل العلامات التجارية خارج إطار الحماية المدنية المتمثلة بالتعويض.
وبتحليل موقف المشرع الاردني من اشتراط تسجيل العلامة التجارية لأغراض المطالبة بالتعويض جراء التعدي عليها ، وبإصراره على تطلب مثل هذا الشرط حتى بعد صدور القانون المعدل لقانون العلامات التجارية لعام 1999، يجدر بنا الرجوع لأحكام اتفاقية تريبس المنظمة للعلامة التجارية وخاصة النص المتعلق بالاجراءات والجزاءات المدنية.
صحيح أن اتفاقية تريبس قد رتبت كثيراً من الآثار القانونية على تسجيل العلامة التجارية، إلا أنها لم تشترط تسجيل العلامة التجارية لأغراض المطالبة بالتعويض جراء الاعتداء عليها. فالتسجيل وفقاً لاتفاقية تريبس هو السبب المنشئ لملكية العلامة التجارية رغم أنها لم تعول على الاستعمال الفعلي للعلامة التجارية كشرط مسبق للتقدم بطلب لتسجيلها (م19/1من اتفاقية تريبس)، كما أن التسجيل يمنح صاحب العلامة التجارية الحق المطلق في منع الغير من استخدام ذات العلامة أو علامة مشابهة في أعماله التجارية بخصوص نفس نوع السلع أو الخدمات المماثلة لتلك التي سجلت العلامة بشأنها ما دام قد تم هذا الاستخدام بدون موافقة مالك العلامة التجارية المسجلة (م16 من اتفاقية تريبس).
وعليه فإن اتفاقية تريبس المنظمة لحقوق الملكية الفكرية ومنها العلامة التجارية رغم ترتيبها لكثير من الآثار القانونية على تسجيل العلامة التجارية إلا أنها لم تشترط التسجيل المسبق لأغراض المطالبة بالتعويض جراء التعدي عليها خاصة إذا ما علمنا أن المشرع الأردني قد قام بتعديل قانون العلامات التجارية بما يتلائم مع أحكام اتفاقية تريبس وهذا ما كان ينبغي حصوله بخصوص المادة (34) من قانون العلامات التجارية الأردني. وبالرجوع للمادة (45) من اتفاقية تريبس نجد انها قد منحت السلطات القضائية في الدول الأعضاء في هذه الاتفاقية الصلاحية بأن تأمر المعتدي بأن يدفع لصاحب الحق تعويضات عادلة مناسبة عن الضرر الذي لحق به بسبب التعدي على حقه في العلامة التجارية، بالإضافة إلى المصروفات التي تكبدها والتي يجوز أن تشمل أتعاب المحامي المناسبة، ويمكن للسلطة القضائية أن تأمر باسترداد الأرباح التي حققها المعتدي. ولذلك فإن حق المتضرر بالمطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق به جراء التعدي على علامته
التجارية غير مرتبط بتسجيل العلامة التجارية لدى المرجع المختص (وزارة الصناعة والتجارة). وعليه لا نجد مبرراً واضحاً لموقف المشرع الاردني خاصة بعد صدور القانون المعدل لقانون العلامات التجارية والذي أُخذ بالكامل عن اتفاقية تريبس ، ولذلك كان من المفترض تعديل أحكام المادة (34) من هذا القانون بما يتلائم مع أحكام هذه الاتفاقية الدولية .
المطلب الثاني : حق التعويض في قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية:
لقد صدر قانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية لعام 2000على اثر انضمام الاردن لمنظمة التجارة العالمية وذلك لينظم كلاً من المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية . وفي مجال المنافسة غير المشروعة بيّن هذا القانون الأعمال التي يُعد القيام بها أعمال منافسة غير مشروعة وهي على سبيل المثال لا الحصر (م 2) ، كما بيّن الحماية المدنية في حالة القيام بإعمال المنافسة غير المشروعة وهي المطالبة بالتعويض عن الضرر ووقف التعدي (م3) . ومن أعمال المنافسة غير المشروعة بموجب المادة (2/ب) تلك المتعلقة بعلامة تجارية مستعملة في الأردن سواء أكانت مسجلة أو غير مسجلة وتؤدي إلى تضليل الجمهور. وبالتالي فإن القيد الذي وضعه قانون العلامات التجارية الأردني لإمكانية المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية وهو التسجيل قد تجاوزه قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية.
وبعبارات أخرى يمكن القول أن النقص الذي شاب المادة (34) من قانون العلامات التجارية الأردني قد سُد من قبل المادة (2/ب) من قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية وأصبح بالإمكان المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية على اعتبار أن هذا التعدي يشكل فعلاً من أفعال المنافسة غير المشروعة. وهذا ما أقرته المادة (3) من قانون المنافسة غير المشروعة والاسرار التجارية التي أعطت الحق لكل ذي مصلحة المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر جراء أي فعل منافسة غير مشروعة.
ونتساءل في هذا السياق حول القانون الأولى بالتطبيق أهو قانون العلامات التجارية أم قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية؟ ونظرا لكون كلا القانونيين خاصين, فلا يوجد قانون أولى بالتطبيق عن القانون الآخر, ولذلك يبقى الأمر متوقف على القانون الأصلح لصاحب المصلحة.
كما أرى أنه لا يمكن تطبيق احكام المادة الثانية من قانون التجارة الاردني لعام 1966 والتي اجازت الرجوع لاحكام القانون المدني في حالة خلو القانون التجاري بالمعنى الواسع ( قانون) التجارة الاردني لسنة 1966 والقوانين المكملة لقانون التجارة ومنها قانون العلامات التجارية وذلك بسبب ورود نص صريح وهو نص المادة (34 ) من قانون العلامات التجارية يعالج مدى امكانية المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية .
وعليه يمكن تأسيس دعوى المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية مسجلة في المملكة استناداً للمادة (34) من قانون العلامات التجارية التي أعطت الحق للمتضرر بالمطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامته التجارية المسجلة، واستناداً أيضاً للمادة (2/ب) من قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية على اعتبار أن التعدي يشكل فعلاً من أفعال المنافسة غير المشروعة. أما إذا كانت العلامة التجارية غير مسجلة في المملكة فلا يمكن تأسيس دعوى المطالبة بالتعويض إلا وفقاً للمادة (2/ب) من قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية التي لم تشترط تسجيل العلامة التجارية في المملكة لاعتبار التعدي على العلامة التجارية فعلاً من أفعال المنافسة غير المشروعة.
المطلب الثالث : حق التعويض في القانون المدني الأردني :
إن المسؤولية المدنية بشكل عام هي الالتزام بتعويض الضرر، وهي قد تكون مسؤولية عقدية ناشئة عن عقد كما قد تكون مسؤولية تقصيرية ناشئة عن الإخلال بالتزام قانوني وهو عدم الإضرار بالغير(29). وتكون مسؤولية المعتدي على علامة تجارية مسؤولية تقصيرية لا عقدية لأنه إذا وجد اتفاق ما بين تاجرين ينص على تنظيم المنافسة أو عدم المنافسة ففي حالة مخالفة مثل هذا الاتفاق تقوم المسؤولية العقدية ليس على أساس أنه فعل منافسة غير مشروعة بل منافسة ممنوعة، وفيما عدا ذلك تكون المسؤولية تقصيرية.
وقد نظمت المادة (256) من القانون المدني الأردني المسؤوليه التقصيريه إذ أعطت الحق لكل من وقع عليه ضرر المطالبة بتعويضه ولو كان غير مميز. وبالتالي استناداً للمادة (256) فإنه يحق لمن وقع اعتداء على علامته التجارية المطالبة بالتعويض إذا ما أثبت الضرر الذي وقع عليه. ولا يشترط تسجيل العلامة التجارية في المملكة للمطالبة بالتعويض وفقاً لهذه المادة التي تنظم المسؤولية المدنية. وعليه فإنه يمكن المطالبة بالتعويض في حالة الاعتداء على علامة تجارية مسجلة أم غير مسجلة استنادا للمادة (256) من القانون المدني الأردني دون استلزام شكليات معينة كالتسجيل المسبق للعلامة التجارية ما دام بوسع المدعي إثبات عناصر المسؤولية المدنية، وهي : الفعل، الضرر وعلاقة السببية.
وقد اوجب القانون المدني الأردني التعويض عن الضرر المادي والضرر الأدبي إذ تقرر المادة (267/1) أنه “يتناول حق الضمان الضرر الأدبي كذلك. فكل تعد على الغير في حريته أو في عرضه أو في شرفه أو في سمعته أو في مركزه الاجتماعي أو في إعتباره المالي يجعل المعتدي مسئولاً عن الضمان”.
وقد قصرت المادة (363) مدني أردني التعويض على الضرر الواقع فعلاً وهي الخسارة التي لحقت بالدائن فعلاً دون الربح الفائت بقولها: “إذا لم يكن الضمان مقدراً في القانون أو في العقد فالمحكمة تقدره بما يساوي الضرر الواقع فعلاً حين وقوعه”.
واذا كان تقدير التعويض بشكل نهائي غير ممكن عند إقامة الدعوى يمكن للقاضي الحكم بتعويض مؤقت محتفظا للمتضرر بالحق في ان يطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر في تقدير التعويض (م 268 مدني أردني ).
كما ان الاضرار في القانون المدني الأردني قد يكون بالمباشرة او بالتسبب، فإن كان بالمباشرة لزم الضمان ولا شرط له واذا وقع بالتسبب فيشترط التعدي أو التعمد أو أن يكون الفعل مفضياً الى الضرر (م257) مدني أردني، ووفقاً للقانون الأردني فان المباشر يتحمل تعويض الأضرار التي يسببها للغير دون الاعتداد فيما اذا كان فعله خطأ أو لا، وهذا ما أشارت له المادة (256) مدني أردني السابق ذكرها، وقد انتقد بعض الفقه (30) هذا النص لأنه يؤدي الى ترتيب المسؤولية والتعويض لمجرد قيام شخص بسلوك وان لم يشكل اعتداء على حق الغير، اذ أن الضرر قد يتحقق بتوافر علاقة السببية بينه وبين الفعل, لكن الفعل قد يكون مشروعاً ولهذا لا بد من اشترط التعدي في فعل المباشر حتى يكون مسؤولاً عن ضمان الأضرار التي يلحقها بالغير.
وفي كل الأحوال لإقامة دعوى المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية مسجلة في المملكة أم غير مسجلة (مع مراعاة السند القانوني لإقامة الدعوى بين العلامة التجارية المسجلة وغير المسجلة)، لا بد للمتضرر من إثبات واقعة التعدي كتزوير أو تقليد العلامة التجارية أو استعمالها بدون موافقة صاحبها أو أي فعل آخر ألحق به ضرراً. كما يجب أن يثبت المدعي الخسارة التي لحقت به جراء فعل الاعتداء، ويدخل في حساب الخسارة تلك التي لحقت بالمدعي فعلاً بالإضافة إلى الربح الفائت كانخفاض مبيعات المدعي، كما لا بد من إثبات قيام علاقة سببية بين واقعة التعدي والضرر الذي لحق بالمدعي وذلك وفقاً للقواعد العامة في المسؤولية المدنية. وبالتالي فإن مظلة الحماية المدنية والمطالبة بالتعويض في كل الأحوال هي دعوى المنافسة غير المشروعة وهذا يقودنا للحديث عن هذه الدعوى في المبحث الثاني.
المبحث الثاني
شروط دعوى المنافسة غير المشروعة
لقيام دعوى المنافسة غير المشروعة جراء التعدي على علامة تجارية ، لا بد من قيام عناصر المسؤولية المدنية والتي وردت في المادة ( 256 ) من القانون المدني الاردني وهي :- الفعل والضرر وعلاقه السببية ندرسها في ثلاثة مطالب .
المطلب الأول: فعل التعدي على علامة تجارية
يشترط لقيام المسؤولية التقصيرية في القانون المدني المصري أن يكون الفعل من قبيل الخطأ، والخطأ يتضمن ركنيين أحدهما مادي وهو التعدي والآخر معنوي وهو الادراك، ويميل الفقه ( 31) الى تعريف الخطأ على أنه انحراف في سلوك الشخص مع ادراكه لهذا الانحراف، ويقصد بالانحراف أو التعدي هو انحراف في السلوك يؤدي الى الضرر في ذاته سواء كان فعله معتمداً أو غير معتمد ويلحق بالفعل العمد الخطأ الجسيم غير المتعمد بسبب جسامته، وقد يكون التعدي سلبياً من خلال الامتناع عن القيام بواجب قانوني.
أما القانون المدني الاردني فلا يشترط الخطأ لقيام المسؤولية التقصيرية، بل يكفي أن يكون الفعل ضاراً أي أن يؤدي الفعل الى الضرر في ذاته، ولذلك لا يشترط لقيام المسؤولية أن يكون المسؤول مميزاً أي مدركاً لما في عمله من معنى الانحراف أو التعدي، وقد استقى المشرع الأردني نص المادة (256) من القانون المدني الأردني من الحديث الشريف (لا ضرر ولاضرار) ، والخطأ الذي يشترطه القانون لقيام المسؤولية التقصيرية يرادف التعدي في الفقه الاسلامي وهو الانحراف في السلوك سواء عن إهمال وتقصير او عمداً أدى الى الحاق الضرر بالغير( 32). وعليه فان التاجر المنافس يلزم بتعويض الاضرار التي يسببها للتاجر الآخر بغض النظر ان كان فعله يشكل خطأ ام لا وذلك لان المادة ( 256) السابق ذكرها قد اعتدت بالمسؤولية الموضوعية للمتسبب بالضرر دون النظر للنشاط الذي يقوم به سواء أكان خطأ أم لا.
وينتقد بعض الفقه (33) هذا النص لانه يعّرض الشخص للمطالبة بالتعويض لمجرد قيامه بأي سلوك حتى ولو لم يشكل اعتداء على حق الغير وهذا قد يؤدي الى احباطه، ولذلك دعى هذا الجانب من الفقه الى ضرورة تقييد الاضرار بوصف التعدي حيث يمكن الوصول الى هذه النتيجة بتفسير المادة (256) من القانون المدني الاردني في ضوء المواد( 61 و257/2 و291) من ذات القانون والمواد ( 918 – 920 ) من أحكام مجلة الاحكام العدلية .
والفعل الضار في دعوى المنافسة غير المشروعة يفترض وجود منافسة بين تاجرين يقوم أحدهما بفعل منافسة غير مشروعة سواء عن قصد أو إهمال وعدم تبصر(34). وقد استخدم الفقه لتحديد المقصود بالفعل الضار معيار مدى مخالفة ذلك الفعل لقواعد الأمانة والشرف والنزاهة في التجارة (35).
وقد بينت المادة (2) من قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية لسنـــة (2000) صور المنافسة غير المشروعة وذكر من بينها حالة التعدي على علامة تجارية تخص الغير مستعملة في المملكة سواء أكانت العلامة مسجلة أو غير مسجلة وتؤدي الى تضليل الجمهور.
اذ تنص المادة (2) من هذا القانون على ما يلي:
” أ- يعتبر عملاً من أعمال المنافسة غير المشروعة كل منافسة تتعارض مع الممارسات الشريفة في الشؤون الصناعية أو التجارية وعلى وجه الخصوص ما يلي :-
1. الأعمال التي بحكم طبيعتها تسبب لبسا مع منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري .
2. الإدعاءات المغايرة للحقيقة في مزاولة التجارة والتي قد تسبب نزع الثقة عن منشأة أحد المنافسين أو منتجاته أو نشاطه الصناعي أو التجاري .
3. البيانات أو الإدعاءات التي قد يسبب استعمالها في التجارة تضليل الجمهور فيما يتعلق بطبيعة المنتجات أو طريقة تصنيعها أو خصائصها أو كمياتها أو صلاحيتها للاستعمال.
4. أي ممارسة قد تنال من شهرة المنتج أو تحدث لبساً فيما يتعلق بمظهره الخارجي أو طريقة عرضه أو قد تضلل الجمهور عند الاعلان عن سعر المنتج أو طريقة احتسابه .
ب- اذا كانت المنافسة غير المشروعة متعلقة بعلامة تجارية مستعملة في المملكة سواء أكانت مسجلة أو غير مسجلة وتؤدي الى تضليل الجمهور فتطبق في هذه الحالة أحكام الفقرة (أ) من هذه المادة .
ج- تسري الاحكام الواردة في الفقرتين (أ) و (ب) من هذه المادة على الخدمات حسب مقتضى الحال ”
ومما يجدر التنويه اليه أن صور المنافسة غير المشروعة التي حددتها المادة (2) من قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية قد وردت على سبيل المثال لا الحصر، وبالتالي يمكن قياس حالات أخرى من المنافسة غير المشروعة على الصور الموجودة حالياً. ونظراً لوجود فقرة خاصة بالعلامة التجارية المستعملة سواء أكانت مسجلة أم غير مسجلة ، فاننا لن نتطرق لصور المنافسة غير المشروعة التي وردت في الفقرة (أ) من المادة الثانية من هذا القانون ، وسوف نقصر الحديث على الفقرة (ب) من ذات المادة التي تناولت بشكل خاص العلامة التجارية .
ويقتضي الحديث عن فعل التعدي على علامة تجارية تحديد المقصود بهذه العلامة اذ تعّرف العلامة التجارية على أنها إشارة توسم بها البضائع والسلع والمنتجات والخدمات أو تعلم تميزاً لها عما يماثلها من بضائع أو سلع أو خدمات(36). والعلامة التجارية تشمل العلامة الصناعية وبالتالي يمكن أن تميز العلامة التجارية المنتجات الزراعية ومستثمرات الارض ، أي كل ما يعد داخلاً في التعامل التجاري أيا كانت طبيعة مصدر المنتجات (م1/3 من اتفاقية باريس لعام 1883). وتعّرف العلامة التجارية كذلك على أنها كل إشارة أو دلالة أو رمز يضعها التاجر أو الصانع على المنتجات التي يقوم ببيعها أو صنعها وتهدف إلى تيسير التعرف على مصدر بيع المنتجات أو صنعها بحيث لا تختلط بغيرها من السلع المماثلة في الأسواق مما يساعد على سهولة التعرف عليها من قبل المشترين أو المتعاملين معها(37).
وقد عرفت المادة (2) من قانون العلامات التجارية الأردني العلامة التجارية على أنها :”أي إشارة ظاهرة يستعملها أو يريد استعمالها أي شخص لتمييز بضائعه أو منتجاته أو خدماته عن بضائع أو منتجات أو خدمات غيره(38). وبهذا يكون المشرع الأردني قد اعترف إلى جانب علامات البضائع
(Goods) ومثال ذلك علامة (Pepsi – Cola) للمشروبات بعلامات الخدمة (Service Marks)كنوع من أنواع العلامات التجارية. وعلامات الخدمة هي تلك التي تتخذ شكل شارات معينة لتمييز خدمات معينة كالشارات التي تضعها محطات خدمة السيارات كتقديم خدمة لتشحيم السيارات أو كالشارات التي تضعها مصبغة على الثياب التي قامت بتنظيفها أو صبغها وكذلك الشارات التي تتخذها الفنادق والمطاعم، ومثال ذلك علامة (The Four Season) لخدمة المطاعم. كما اعترف المشرع الأردني بالعلامة التجارية المشهورة التي تجاوزت شهرتها حدود البلد الأصلي الذي سجلت فيه (م2)، إذ أنه مع تطور التجارة وسهولة الاتصال بين الدول وانسياب حركة التجارة وانتقال السلع والبضائع والخدمات بين دول العالم، كان هناك حاجة لحماية العلامات التجارية المشهورة التي تجاوزت شهرتها حدود البلد الذي سجلت فيه. كما أخذ القانون المعدل بالعلامة التجارية الجماعية (Collective Marks) والتي عرفتها المادة (2) بأنها :”العلامة ا لتي يستعملها شخص اعتباري لتصديق مصدر بضائع ليست من صنعه أو المواد المصنوعة منها أو جودتها أو طريقة إنتاجها أو الدقة المتبعة في صنعها أو غير ذلك من ميزات وخصائص لتلك البضائع”. ومثال ذلك علامة (AFL – CIO) وجميع هذه العلامات سواء أكانت علامات بضائع أو خدمات أو علامات مشهورة أوعلامات جماعية تخضع جميعها لأحكام قانون العلامات التجارية(39).
وبحسب المادة السابعة من قانون العلامات التجارية الاردني يجب ان تكون العلامة التجارية المنوي تسجيلها مؤلفة من أسماء ( 40) أو حروف (41) أو رسوم (42) أو أرقام (43) أو أشكال (44) أو ألوان (45) أو خليط من هذه الاشياء ذي صفة فارقة وقابلة الادراك عن طريق النظر بشكل يكفل تمييز بضائع أو خدمات مالك العلامة التجارية عن بضائع أو خدمات غيره من الناس .
والعلامة التجارية المتعدى عليها قد تكون مسجلة كما قد تكون غير مسجلة، ولتسجيل علامة تجارية ما في سجل العلامات التجارية في وزارة الصناعة والتجارة لا بد من استكمالها للشروط الموضوعية والشكلية التي يتطلبها القانون. ويقصد بالشروط الموضوعية هي تلك الشروط التي تنصب على ذات العلامة التجارية المنوي تسجيلها وهي : أن تكون العلامة التجارية فارقة جديدة مشروعة وقابلة للادراك عن طريق النظر .
ويقصد بالعلامة التجارية الفارقة أن يكون لها ذاتيتها الخاصة لمنع وقوع العملاء في الخلط بين المنتجات التي تحمل علامة تجارية مشابهة وعليه لا يجوز تسجيل علامة تجارية تستعمل عادة في التجارة لتمييز أنواع البضائع وأصنافها إلا إذا أبرزت بشكل خاص واصبح هذا الشكل الخاص هو المميز لبضائع مالك تلك العلامة، فلا يجوز تسجيل رقم كعلامة تجارية إلا إذا أبرز الرقم بشكل خاص. وقد أجازت محكمة العدل العليا تسجيل الرقم (4711) كعلامة تجارية لشركة عطور ألمانية كون هذا الرقم قد استخدم بشكل مميز على العطور مدة طويلة من الزمن، وفي هذا السياق تقول محكمة العدل العليا:- (لا يجوز تسجيل الرقم كعلامة تجارية إذا كان هذا الرقم يؤلف بمفرده العلامة التجارية، أما إذا كان هذا الرقم هو جزء من العلامة التجارية أو أنه أبرز في شكل خاص فلا يوجد في هذا القانون ما يمنع تسجيله).(46) كما لا يجوز تسجيل وصف أو رسم شائع وتسجيله لا يكسب العلامة ولا يمنحها الحماية القانونية، وفي هذا قررت محكمة العدل العليا إذا كان الرسم المستعمل في العلامة التجارية المطلوب حذفها من الرسوم الشائعة فلا يشكل بحد ذاته علامة فارقة، وليس من شأنه أن يميز بضائع صاحبه عن بضائع غيره من الناس، وأن مجرد استعمال هذا الرسم وحده من قبل المستدعين لا يشكل تعديا على هذه العلامة التي سجلها المستدعي ضده).(47) وفي هذا السياق أيضا لم تجز محكمة العدل العليا تسجيل كلمة ستاندرد STANDARD)) كعلامة تجارية كونها كلمة عادة ما تستعمل في التجارة لتمييز أنواع البضائع وأصنافها(48).
وترجع العلة في اشتراط أن تكون العلامة التجارية فارقة للحيلولة دون غش الجمهور وانخداعه جراء استعمال الغير علامة تجارية مطابقة أو مشابهة للعلامة التجارية المسجلة حتى ولو اختلف الصنف الذي استعمل عليه المعتدي العلامة عن الصنف الذي من أجله سجلت العلامة. وقد أجملت محكمة العدل العليا في قرارها رقم 108/65 معايير التشابه المؤدي إلى غش الجمهور وهي على النحو التالي:
1. الفكرة الأساسية التي تنطوي عليها العلامة التجارية والتي يجب أن تكون مميزة وفارقة:- وتتضح الفكرة الأساسية للعلامة من خلال الاسم والشكل والرسم أو الصور أو الختم أو الحروف أو النقوش التي تتكون منها. وقد قررت محكمة العدل العليا أنه (لا يوجد تشابه من شانه أن يؤدي إلى غش الجمهور بين العلامة التجارية (لامكس) والعلامة التجارية (فوراكس) لأن الاسمين مختلفان والأولى تحتوي على صور مختلفة وحددت بألوان ثلاثة ميزتها عن الثانية التي لا وجود للصور عليها)(49) .
2. المظاهر الرئيسية للعلامة لا تفاصيلها الجزئية :- إن التقليد الذي يشكل اعتداءًا على علامة تجارية هو ذلك التقليد الذي يقع على الجزء الرئيسي للعلامة لا على تفاصيلها الجزئية. وفي هذا قررت محكمة العدل العليا (أن التشابه في جزء جوهري بين علامتين تجاريتين من شانه أن يؤدي إلى غش الجمهور) (50). وفي قرار آخر قررت محكمة العدل العليا أنه (يستفاد من المادتين 7/2و 8/10 من قانون العلامات التجارية أن التشابه الممنوع بالقانون هو التشابه الحاصل في مجموع العلامة لا في جزء من أجزائها فقط، وعليه لا يوجد تشابه بيـن عـلامة (7-up) وعلامة Bubble UP)) من شانه أن يغش الجمهور إذ أن هناك اختلاف بينهما في اللفظ والرسم والشكل ولهذا لا يوجد ما يمنع من تسجـيـل علامــة (Bubble Up) (51) .
3. نوع البضاعة التي تحمل العلامة: استخدمت محكمة العدل العليا في حكمها لفظة نوع بدلا من صنف، وهذا من شأنه أن يضيق من معيار التشابه ويعطي حرية أكبر للتجار باستخدام ذات العلامة التجارية أو علامة أخرى مشابهة على أنواع أو سلع أخرى (52). وقد طبقت محكمة العدل العليا هذا الاتجاه في قرارها رقم 39/87(53) حيث سمحت بتسجيل علامتين متماثلتين تحت صنف واحد وهو (29) كانت العلامة التجارية الأولى للأسماك وسمك التونة في حين كانت العلامة التجارية الثانية تخص باقي أنواع البضائع تحت صنف (29). إذ قررت أنه (لا يمنع الغير من استخدام نفس العلامة لتمييز سلعة أخرى تختلف عنها إذ لا ينشأ عن ذلك لبس أو خلط بين السلع الحاملة ذات العلامة ما لم تكن السلع متقاربة، ولا يجوز لمالك العلامة الاحتجاج بها إلا في مواجهة منافسين يمارسون تجارة أو صناعة من ذات النوع، ذلك أن الغرض من العلامة هو تمييز المنتجات ومنع الخلط بينها وبين منتجات مماثلة لها).
4. احتمال وقوع التباس بين العلامات عن طريق النظر أو سماع الاسم:- قد تؤدي العلامة التجارية إلى غش الجمهور سواء عن طريق النظر إليها أو عند سماع الاسم الذي يطلق عليها. وفي هذا قررت محكمة العدل العليا أنه لا يوجد تشابه يؤدي إلى غش الجمهور بين العلامة (جنرال الكترك) وعلامة (جنرال) لأن العلامة الثانية مؤلفة من كلمة واحدة ولا تؤدي إلى فرق ذات المعنى الذي تؤديه العلامة الثانية(54).
5. عدم افتراض أن المستهلك عند شراء البضاعة يفحص علامتها التجارية فحصا دقيقا ويقارنها بالأخرى. ويقوم هذا المعيار على أساس عدم افتراض أن المستهلك خبير علامات تجارية عند شرائه للبضائع والخدمات التي تحمل العلامات التجارية (55). وفي هذا السياق أكدت محكمة العدل العليا أنه (لا يفترض في المستهلك عند شراء بضاعة ما القيام بفحص العلامة التجارية فحصا دقيقا لا سيما إذا كان المستهلك من عامة الناس ذلك أن قانون العلامات التجارية شرع لمن لا يدقق) (56).
كما يجب أن تكون العلامة التجارية المنوي استخدامها جديدة لم يسبق لأحد استعمالها أو تسجيلها لتمييز منتجاته أو بضائعه أو خدماته. وشرط الجدة مقيد بنوع المنتجات ومن حيث الزمان والمكان أيضا. إذ يجب على طالب تسجيل العلامة التجارية أن يحدد نوع البضاعة التي يرغب في تسجيل علامته من أجلها. وقد قام نظام العلامات التجارية في الجدول الرابع بتصنيف البضائع إذ يجب أن يشتمل كل طلب على الصنف المحدد التي ستسجل العلامات التجارية فيه، والصنف يشمل عادة عددا من أنواع البضائع التي تدخل تحته. فإذا ما سجلت علامة تجارية على بعض أنواع البضائع في صنف معين، فلا تمتد الحماية القانونية لجميع أنواع البضائع التي يشتمل عليها ذلك الصنف، ولو سجلت علامة تجارية لتشمل جميع البضائع الداخلة في صنف معين، فلا يتمتع صاحب العلامة التجارية بالحماية القانونية إذا ما قام شخص آخر باستعمال تلك العلامة التجارية على صنف آخر غير الصنف الذي سجلت العلامة التجارية فيه. ويستثنى من ذلك العلامات التجارية المشهورة إذ لا يمكن استخدام العلامة المشهورة على صنف آخر غير الصنف الذي سجلت من أجله البضاعة او الخدمة وذلك لتعلق ذهن المستهلك بهذه العلامة مما يؤدي الى تضليل الجمهور وغشهم.
كما إن حماية العلامة التجارية قاصرة على مدة ملكية العلامة التجارية وهي عشر سنوات من تاريخ تسجيلها، غير أنه يجوز تجديد تسجيل العلامة من حين إلى آخر وفقاً لأحكام القانون (م20/1). ويمكن لمالك العلامة التجارية المسجلة تجديد علامته استنادا للمادة (21/2) لمدة عشر سنوات اعتبارا من تاريخ انتهاء مدة التسجيل الأول أو من تاريخ انتهاء التسجيل الأخير. وإذا لم يقم مالك العلامة التجارية بتجديدها جاز للمسجل شطبها من السجل وفقدت الحماية القانونية.
أما من حيث المكان فنطاق الحماية قاصر على إقليم الدولة التي سجلت فيها العلامة التجارية مع عدم الإخلال بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية. وعليه فلا حماية لعلامة تجارية مسجلة في الأردن ووقع الاعتداء عليها خارج الأردن، كما لا حماية لعلامة تجارية مسجلة خارج الأردن ووقع الاعتداء عليها في الأردن ما لم تكن محمية بموجب معاهدة دولية منظمة إليها الأردن.(57)
كذلك يجب أن تكون العلامة التجارية مشروعة ، وتكون العلامة التجارية غير مشروعة إذ خالفت نصا قانونيا أو جاءت مخالفة للنظام العام أو الآداب (م8/6). ولمسجل العلامات التجارية رفض تسجيل العلامة إذا كان لفظها يتنافى مع الأخلاق والآداب العامة (58). وقد بينت المادة الثامنة من قانون العلامات التجارية ما لا يجوز تسجيله كعلامة تجارية نظراً لتعلق هذه العلامة بالصفة الرسمية أو الدينية أو لتشابهها مع علامة تجارية أخرى أو لغيرها من الأسباب(59). وأخيرا يجب أن تكون العلامة التجارية المنوي تسجيلها قابلة للادراك عن طريق النظر.
وبالإضافة للشروط الموضوعية للعلامات التجارية، لا بد من توافر شروط شكلية لتسجيل هذه العلامات. ويقصد بالشروط الشكلية الإجراءات التي تتبع لتسجيل العلامة التجارية ابتداءً من تقديم طلب التسجيل وانتهاءً بإصدار شهادة تسجيل للعلامة التجارية(60). وإذا ما سجلت العلامة التجارية (Trademark Registration) على النحو السابق، فإنها تمنح صاحبها حماية داخلية من تاريخ تقديم الطلب وتعطي أولوية لمقدم الطلب في مواجهة أي شخص يستخدم نفس العلامة أو علامة مشابهة بعد تاريخ تقديم الطلب. أما العلامة غير المسجلة فإن الحماية لها محدودة وفقا لقانون العلامات التجارية في تلك الحالات التي تكون فيها العلامة مشهورة(61) (Well Know). الا أن الاعتداء على العلامة التجارية غير المسجلة يُخول مالكها حمايتها من خلال اقامة دعوى منافسة غير مشروعة, اذ أن دعوى المنافسة غير المشروعة تسري على العلامات التجارية المسجلة وغير المسجلة المشهورة وغير المشهورة.
كما أن أعمال المنافسة غير المشروعة أعمال مادية يمكن إثباتها بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود والقرائن(62). ويجب ملاحظة أن الفيصل في تحديد فعل التعدي على العلامة التجارية هو إلحاق الضرر بالتاجر ومحله التجاري مما يؤدي إلى انصراف العملاء عنه مما يقتضي الحديث عن عنصر الضرر.
المطلب الثاني : الضرر :
لا مجال للمطالبة بالتعويض من خلال دعوى المنافسة غير المشروعة ما لم ينجم عن فعل التعدي على العلامة التجارية ضرر يصيب التاجر المنافس الذي وقع الاعتداء على علامته التجارية، إذ أن المطالبة بالتعويض بدون تحقق الضرر يؤدي الى رد هذه المطالبة إذ لا دعوى بلا مصلحة كما أشارت الى ذلك المادة (3/1) من قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني، مع ملاحظة أنه يمكن تقديم طلب للمحكمة المختصة لوقف المنافسة غير المشروعة حتى ولو لم يلحق فعل المنافسة غي المشروعة ضرر (م3/ج) من قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية.
وهذا الضرر قد يكون مادياً يصيب التاجر في أمواله أو معنوياً يصيبه في سمعة منتجاته . والضرر المادي هو ذلك الضرر الذي يصيب المضرور في ماله أي هو الضرر أو التلف الذي يصيب الأشياء والأموال المتعلقة بالمضرور وهذا الضرر المتعلق بالاشياء قد يؤدي الى انعدام الفائدة والقيمة الاقتصادية التي تمثلها هذه الأشياء وإما مجرد انقاص هذه القيمة(63).
ويشترط في الضرر المادي أن يكون ناشئاً عن مصلحة مشروعة كتملك علامة تجارية أو حتى استعمالها لفترة من الزمن كما يشترط أن يكون الضرر الواجب التعويض عنه محقق الوقوع أي ثابت على وجه اليقين بأن يكون قد وقع بالفعل (64) ، وبالتالي إذا كان الضرر المطلوب تعويضه محقق الوقوع بأن يكون قد وقع فعلاً أو سيقع حتماً فلا يكون أمام المحكمة إلا الحكم بالتعويض الذي يتناسب مع مقدار الضرر، أما الضرر المحتمل الوقوع الذي لا يعرف ما إذا كان سيقع في المستقبل أم لا فلا تعويض عنه(65). كما لا بد أن يكون الضرر مباشرا, أي أن يترتب الضرر على الفعل مباشرة فلا يحول بين الفعل والضرر فعل آخر(66).
وعليه فإن التاجر الذي يتم الاعتداء على علامته التجارية يستطيع ان يطالب بالتعويض عن الضرر الذي وقع فعلاً وهو الانتقاص من مبيعاته، أما اذا كان الضرر سيقع حتماً في المستقبل، من خلال الخسارة المالية التي ستلحق به بسبب عجزه عن تسويق منتجاته أو عدم الاقبال على شراءها، أو إذا كان الضرر محتمل الوقوع ولكنه غير حتمي، فلا يستطيع المتضرر المطالبة بالتعويض وانما يستطيع المطالبة بوقفه (م3/ج) من قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية لذلك فان المطالبة التعويض لا تكون الا في الضرر الواقع فعلاً فقط.
ويمكن للمحكمة أن تقضي بالتعويض إن تحقق الضرر في جانب المعتدى على علامته التجارية وأن تتخذ الإجراءات الكفيلة بمنع استمرار وقوع هذا الضرر (67) وهو ما يسمى بوقف التعدي وهو أحد صور الحماية المدنية للعلامة التجارية. إذ بموجب المادة (39) من قانون العلامات التجارية فإنه يحق لمالك العلامة التجارية المسجلة في المملكة عند إقامة دعواه المدنية أو الجزائية أو أثناء النظر فيها الطلب من المحكمة وقف التعدي والحجز التحفظي على البضائع التي أرتكب التعدي بشأنها والمحافظة على الأدلة ذات الصلة بالتعدي. وطلب وقف التعدي مرتبط بموجب هذه المادة بتسجيل العلامة التجارية المعتدى عليها مما يعني أنه لا يجوز طلب وقف تعدي على علامة تجارية غير مسجلة في الأردن، لكن الأمر على نقيض ذلك في قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية (م3/2).
كما يمكن أن يكون الضرر معنوياً كالحط من جودة المنتجات وطريقة انتاجها. والتعويض عن الضرر المعنوي لا يهدف الى جبر الضرر كما في التعويض عن الضرر المادي اذ يصعب تقدير الضرر المعنوي تقديراً مالياً مباشراً ولكن يمكن جبر الضرر بطريق غير مباشر من خلال إعطاء المضرور تعويضاً مالياً يحقق له قدراً من الرضا والسعادة والهدوء النفسي تخفف عنه المساس بسمعة منتجاته وشهرتها(68).
والاعتداء على علامة تجارية لتاجر يلحق بالضرورة ضرراً مادياً ومعنوياً في نفس الوقت، فواقعة الاعتداء على علامة تجارية وإن لم تلحق ضرراً مادياً مباشراً بمالك العلامة التجارية إلا أنها تؤثر على سمعة المنتج أو الخدمة التي يقدمها مالك العلامة التجارية وتؤثر مستقبلاً في نظرة العميل لهذا المنتج أو الخدمة وتحد من رغبته على التعامل معها مما سيؤثر حتماً على تسويق ذلك المنتج أو تلك الخدمة وبالتالي يترجم الضرر المعنوي الى ضرر مادي ملموس، ويشترط كذلك في الضرر المعنوي أن يكون الضرر محقق الوقوع غير احتمالي.(69)
ويقع عبء إثبات الضرر على عاتق المدعي طالب التعويض جراء التعدي على علامته التجارية، ويكون اثبات أفعال المنافسة غير المشروعة بكافة طرق الاثبات وعلى وجه الخصوص الشهادة والمعاينة والخبرة، ويمكن إثبات الضرر في دعوى المنافسة غير المشروعة جراء التعدي على علامة تجارية من خلال تحول العملاء عن منتجات المدعي إلى منتجات أخرى نتيجة للوسائل غير المشروعة التي قام بها المدعى عليه. صحيح أن التاجر لا يتمتع بحق ملكية على عملائه ولا يستطيع منعهم من التعامل مع منتجات التجار الآخرين، إلا أن كل تاجر يسعى إلى الاحتفاظ بعملائه وجذب عملاء جدد(70) بوسائل تجارية مشروعة.
المطلب الثالث : علاقة السببية بين فعل التعدي والضرر
علاقة السببية أو رابطة السببية هي عنصر لازم لانعقاد المسؤولية المدنية وتحديد مداها أي لتحديد مدى التعويض الناجم عن هذه المسؤولية. فلا يكفي لالزم شخص ما بالتعويض أن يتوافر لنا الفعل والضرر في جانبه بل لا بد أن يكون من شأن الفعل أن يؤدي الى هذا الضرر، بمعنى أن يكون الفعل ضرورياً لتحقق الضرر، أي لولا حدوث الفعل لما وقع الضرر(71)، كما تتوافر علاقة السببية بين الفعل والضرر حتى ولو نتج عن الفعل ضرر واحد وأصاب عدة أموال يمتلكها أشخاص مختلفون(72)، كما يجب أن يترتب الضرر على الفعل مباشرة، أي أن لا يحول دون الفعل والضرر فعل آخر، وأن يكون قد نتج عن الفعل الأول(73).
ولا تثير رابطة السببية أية مشكلة اذا كانت النتيجة النهائية للفعل قد تمت من خلال فعل المعتدي وحده ولكن المشكلة تثور اذا اجتمعت عدة اسباب ساهمت في تحقيق النتيجة كمشاركة فعل المضرور او الغير في تحقيقها .(74) لذلك فقد أوجد الفقه عدة نظريات لتحديد علاقة السببية منها نظرية تكافؤ الاسباب التي ترى بوجوب الاعتداد بكل الاسباب التي اشتركت في احداث الضرر ومنها ايضاً نظرية السبب المنتج التي نادت بضرورة التفرقة بين الاسباب العرضية والاسباب المنتجة والاعتداد فقط بالاسباب المنتجة(75).
وللمطالبة بالتعويض من خلال دعوى منافسة غير مشروعة جراء التعدي على علامة تجارية لا بد من توافر علاقة سببية بين فعل التعدي الذي ارتكبه أو تسبب به المعتدي على العلامة التجارية وبين الضرر الذي لحق بمالك العلامة التجارية المعتدى عليها. فإذا لم يكن بالإمكان إثبات هذه العلاقة السببية ما بين فعل التعدي والضرر فلا يمكن المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحق بمالك العلامة التجارية، كأن يكون الضرر الذي لحق بصاحب العلامة التجارية قد تأتى جراء فعل الغير وليس فعل المدعى عليه أو جراء خطأ مالك العلامة التجارية الشخصي(76).
ويمكن لمالك العلامة التجارية المطالبة بوقف التعدي بطلب مستعجل حتى قبل وقوع الضرر بالفعل(77). ويهدف المدعي في هذه الحالة إلى منع وقوع الضرر في المستقبل جراء وجود علامات تجارية مشابهة أو مطابقة لعلامته التجارية. ولا يملك المدعي هنا المطالبة بالتعويض لعدم تحقق الضرر بالفعل. ويمكن المطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية مسجلة أمام المحاكم الجزائية إذا كانت الدعوى الجزائية قد رفعت وهو ما يسمى بالادعاء بالحق الشخصي تبعاً لدعوى جزائية، ومن باب أولى يمكن المطالبة بالتعويض بدعوى مدنية مستقلة أمام القضاء المدني، إذ أن الادعاء بالحق الشخصي هو ادعاء مدني يمكن اقامته تبعاً للدعوى الجزائية أو بصورة مستقلة عنها أمام المحكمة المختصة.
وتتميز الدعوى المدنية عن الدعوى الجزائية في حالة التعدي على علامة تجارية في أن الدعوى الجزائية تستلزم أن تكون العلامة التجارية مسجلة فلا حماية جزائية لعلامة تجارية غير مسجلة في الأردن، أما الدعوى المدنية فيمكن تحريكها سواء أكانت العلامة التجارية مسجلة أم غير مسجلة (مع اختلاف السند القانوني بين الحالتين).
كما يمكن الحكم بالتعويض لمالك العلامة التجارية حتى ولو قضت المحكمة الجزائية ببراءة المشتكى عليه لعدم توافر القصد الجرمي، إذ أن التعويض مرتبط بوجود الضرر سواء نجم هذا الضرر عن قصد أم بالخطأ(78). ويملك كل متضرر من الاعتداء على علامة تجارية إقامة دعوى منافسة غير مشروعة، وإن تعدد المتضررين كان لكل منهم إقامة الدعوى مستقلاً عن الآخرين بشرط إثبات الضرر في حقه. كما أن دعوى المنافسة غير المشروعة يمكن إقامتها في مواجهة من قام بواقعة الاعتداء على علامة تجارية وكل من اشترك معه في فعل التعدي شريطة أن يثبت علمه بعدم شرعية العمل أو كان بإمكانه العلم بذلك كصاحب المطبعة الذي يقوم بطبع بطاقات تحمل علامات تجارية مقلدة(79).
الخاتمـــة
على ضوء ما تقدم نستطيع أن نخلص الى النتائج التالية:-
أولأ: أن القانون المعدل لقانون العلامات التجارية رقم (34) لسنة 1999, و الذي جاء كتمطلب لانضمام الاردن لمنظمة التجارة العالمية
(W.T.O.) ولاتفاقية تريبس (TRIPS) التي تعنى بحماية حقوق الملكية الفكرية، قد استطاع أن يلبي معظم المتطلبات الدولية فيما يخص حماية العلامة التجارية وذلك من خلال اعترافه بالعلامة التجارية الخدمية (Service Mark) والعلامة التجارية المشهورة (Well-known Mark) والعلامة التجارية الجماعية (Collective Mark) وذلك إلى جانب علامات السلع والبضائع (Goods Mark).
ثانيا: أن قانون العلامات التجارية قد وفر حماية مدنية كاملة للعلامة التجارية المسجلة من حيث طلب التعويض، وقف التعدي، الاعتراض على تسجيل العلامة التجارية وشطب (ترقين) العلامة التجارية، أما العلامة التجارية غير المسجلة فإن الحماية المدنية لها غير متوافرة، إذ لا يحق للمتضرر طلب تعويضات جراء التعدي على علامته التجارية غير المسجلة (م 34) ولا يجوز له طلب وقف التعدي (م 39) .
ثالثا: أن القانون المعدل لقانون العلامات التجارية رقم (34) لسنة 1999 رغم قيامه بتعديل معظم نصوص قانون العلامات التجارية لسنة 1952 انسجاما مع انضمام الاردن لمنظمة التجارة العالمية، إلا أنه أبقى على نص المادة (34) من قانون العلامات التجارية كما هو، والتي اشترطت تسجيل العلامة التجارية في المملكة لإمكانية المطالبة بالتعويض جراء التعدي عليها رغم انتقاد هذا الشرط من قبل الفقه التجاري خاصة وأن اتفاقية تريبس لم تشترط تسجيل العلامة التجارية لإمكانية المطالبة بالتعويض جراء التعدي عليها.
رابعا: أن قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية رقم (15) لسنة 2000 قد اعتبر من قبيل اعمال المنافسة غير المشروعة تلك المتعلقة بعلامة تجارية مستعملة في الأردن سواء كانت مسجلة أو غير مسجلة ما دامت تؤدي إلى تضليل الجمهور. هذا بالإضافة إلى أن المادة (256) من القانون المدني الأردني تعطي الحق لمن وقع عليه اعتداء في علامته التجارية أن يطالب بالتعويض وفقا للمبادئ العامة في المسؤلية المدنية.
خامسا: للمطالبة بالتعويض جراء التعدي على علامة تجارية مسجلة أم غير مسجلة لا بد من إقامة دعوى المنافسة غير المشروعة، وهذا يتطلب أولا ان يكون المعتدى عليها علامة تجارية بالمعنى الذي يقصده القانون وذلك من خلال استكمالها لمجموعة من الشروط الموضوعية (إذا كانت العلامة التجارية مسجلة وغير مسجلة) واستكمالها للشروط الموضوعية والشروط الشكلية معاً(إذا كانت العلامة التجارية مسجلة فقط). ولقيام دعوى المنافسة غير المشروعة لا بد من قيام عناصر المسئولية المدنية وهي: -الفعل، الضرر وعلاقة السببية. ويتمثل الفعل في حالة التعدي على علامة تجارية باستعمال ذات العلامة أو علامة مشابهة من قبل تاجر آخر دون إذن مالك العلامة التجارية أو محاولة استخدام العلامة في الإعلان والتسويق لمنتجاته. أما الضرر فلا بد أن يكون محقق الوقوع بأن يكون قد وقع بالفعل أو سيقع حتميا في المستقبل، وقد يكون الضرر مادياً يصيب التاجر في ذمته المالية أو معنوياً يصيبه في سمعته وسمعة منتجاته، والضرر المعنوي هو ضرر متحقق دائماً بمجرد حصول واقعة الاعتداء على علامة تجارية وذلك من خلال عزوف الناس عن التعامل بالمنتجات التي تحملها علامته التجارية وهذا يؤدي الى انخفاض مبيعات التاجر وخسارته، كما لا بد من توافر علاقة سببية ما بين فعل التعدي على العلامة التجارية والضرر الذي اصاب المعتدى على علامته .
وعلى ضوء النتائج السابقة, فاننا نقترح ما يلي:-
أولأ:- تعديل المادة (34) من قانون العلامات التجارية الأردني بحيث تعطي الحق لكل متضرر المطالبة بالتعويض في حالة التعدي على علامته التجارية سواء أكانت تلك العلامة التجارية مسجلة أم غير مسجلة.
ثانيا:- الغاء نص المادة (2/ب) من قانون المنافسة غير المشروعة والأسرار التجارية التي عالجت موضوع العلامة التجارية غير المسجلة في الأردن لأنها ستعتبر تكرار لا مبرر له في حالة تعديل المادة (34) من قانون العلامات التجارية الأردني.
دراسة قانونية و بحث حول الإعتداء على العلامة التجارية في التشريع التجاري الأردني