بحث ودراسة قانونية معمقة حول أحكام معاقبة المعتقلين في اتفاقية جنيف الرابعة
القاضي
عادل بدر علوان
المقدمة
من المعلوم إن قواعد القانون الدولي تختلف عن قواعد القانون الداخلي من ناحية قوة الإلزام وفرض الجزاء على منتهك القاعدة القانونية إلا انه في الآونة الأخيرة أخذت الدول بالالتزام بقواعد القانون الدولي لاسيما ما يعتبر منها عرفا دوليا . وحيث إن اتفاقيات جنيف الأربعة قد مضى على صدورها أكثر من نصف قرن لذا فقد أصبحت أحكامها أعرافا دولية واجبة الأتباع من قبل الأطراف المتحاربة . وحتى الدول التي لم تصدق على هذه الاتفاقيات أصبحت تحتج بها على خصومها الدوليين .
ولما جاءت القوات الأمريكية إلى العراق أعلنت هدفها الصريح نقل الحرية للعراقيين وبناء الديمقراطية في العراق وحيث إن من أسس بناء الديمقراطية هو الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان فقد نادت بحقوق الإنسان في العراق وشجبت الانتهاكات الصريحة التي قام بها النظام البائد .
إلا إن المفاجأة الكبرى التي طالعتنا بها القوات الأمريكية هو ما يسمى بفضيحة سجن أبي غريب تلك الفضيحة التي قامت بها راعية حقوق الإنسان في العالم . قامت بها القوات التي جاءت لتجلب معها الحرية للعراقيين تلك هي القوات الأمريكية كاشفة عن وجهها الحقيقي واعني به وجه المستعمر المحتل لهذا البلد لتنتهك كل مبادئ القانون الإنساني في تعذيب السجناء نفسيا وجسديا. و أول تلك المبادئ التي انتهكت هي مبادئ اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بالمدنيين .
وحيث إن اتفاقية جنيف فد نظمت حقوق المعتقلين وضماناتهم الإنسانية لذا فقد وجدنا من المهم إن نكتب في هذا الموضوع (أحكام معاقبة المعتقلين في اتفاقية جنيف الرابعة ) علنا نسهم ولو بجزء يسير في كشف مظلومية هؤلاء السجناء والمعتقلين الذين سلبت حقوقهم وانتهكت كرامتهم باسم حقوق الإنسان .
القاضي
عادل بدر علوان
الفصل الأول المعتقل و طائلة العقاب
لقد حظي موضوع المعتقل في اتفاقية جنيف الرابعة بأهمية كبيرة فاخذ مجالا واسعا تضمنه القسم الرابع من الاتفاقية حتى امتد لأحد عشر فضلا ولكن أهمية الموضوع تقتضينا أن نمهد في هذا الفصل لموضوع البحث فلا بد من أن نعرف أولا من هو المعتقل ضمن مفهوم اتفاقية جنيف وان نبين ثانيا متى يقع المعتقل تحت طائلة العقاب وهذا يقتضينا أن نقسم الفصل إلى مبحثين نوضح في اولهما:من هو المعتقل.
ونبين في ثانيهما: متى يقع المعتقل تحت طائلة العقاب.
المبحث الأول من هو المعتقل
للحديث عن المعتقلين في اتفاقية جنيف الرابعة لابد إن نعرف بان هذه الاتفاقية عالجت حال المدنيين في زمن الحرب وقد نصت المادة ((2)) من الاتفاقية المذكورة على إنها تنطبق في حال السلم وفي حالة الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة حتى لو لم يعترف احدهما بحالة الحرب(1)0اضافة إلى ذلك فهي تنطبق أيضا في جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي لإقليم احد الأطراف السامية المتعاقدة حتى لو لم يواجه هذا الاحتلال مقاومة مسلحة (2) فهي إذن تنطبق على السكان المدنيين فقط من الرجال والنساء والأطفال دون العسكريين منهم قد تمت معالجتها وفق اتفاقيات جنيف الأولى والثانية والثالثة . كما إن نطاق تطبيقها هو ما حددته المادة ((2)) المذكورة بهذا الشكل فإننا نستطيع إن نحدد نطاق بحثنا في المعتقلين من المدنيين أثناء السلم والحرب وذلك عند وقوع احتلال منقبل دولة ما على دولة أخرى إلا إن اتفاقية جنيف الرابعة لم تضع تعريفا للمعتقل وإنما أوردت حالات متعددة كأسباب الاعتقال وذلك في المادة ((79)) وقد أحالت هذه المادة التي ذكرت أسباب الاعتقال إلى المواد ((41))و((42))و((68))و((78))من الاتفاقية وهي كما يلي:ـ
1ــ الأشخاص الذين يتبين لدولة الاحتلال إن تدابير المراقبة بحقهم غير كافية (1).
2ــ الأشخاص الذين يقتضي امن الدولة التي يوجد المحميون تحت سلطتها ذلك (2).
3ــ الأشخاص الذين يطلبون الاعتقال بمحض إرادتهم وكان وضعهم الخاص يستدعي
ذلك (3)
4ــ الأشخاص الذين يقترفون مخالفات يقصد بها الأضرار بدولة الاحتلال ولكنها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المادة (2)من اتفاقية جنيف الرابعة .
(2) المادة (2)من اتفاقية جنيف الرابعة .
تنطوي على الاعتداء على حياة أفراد قوات أو إدارة الاحتلال أو على سلامتهم البدنية أو على خطر جماعي كبير (4) .
5ــ الأشخاص الذين ترى دواة الاحتلال اعتقالهم لأسباب أمنية قهرية (5).
ومن خلال ما تقدم تبين إن المعتقل ضمن مفهوم اتفاقية جنيف الرابعة ((هو من ارتكب الأعمال المنصوص عليها في المواد((42))و((42))و((68))و((78))من الاتفاقية أو طلب هو الاعتقال من السلطات )). الشخص الذي يكون محكوما بالمادة ((79)) تثبت
له كافة حقوق المعتقل التي أوردتها اتفاقية جنيف الرابعة والنصوص عليها في القسم الرابع كحد أدنى . إذ لا يجوز الانتقاص من الحقوق المذكورة في الاتفاقية ولا الاتفاق على ما يخالفها وذلك لان جميع القواعد المتعلقة بحقوق الإنسان تعتبر قواعد آمرة حسب ما ذهبت إليه محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر عام 1951 حيث جاء فيه ((إن جميع قواعد القانون الدولي المنشأة لأغراض إنسانية والتي لا تنشا لأجل مصلحة فردية وإنما لأجل المصلحة العليا للبشرية جمعاء تعد من القواعد الآمرة
وان أي اتفاق على خلاف ما جاء في الاتفاقات الإنسانية يعد باطلا حتى وان لم تصدق الدولة على هذه الاتفاقات لان المبادئ الإنسانية التي تتضمنها هذه الاتفاقيات تعد مبادئ أساسية للقانون الدولي العام وذات صفة القواعد الآمرة ))(6) وهذا يعني انه لا يحق للفرد المعتقل نفسه التنازل عن هذه الحقوق فيبقى المعتقل محتفظا بكامل أهليته المدنية ويستطيع ممارسة كافة الحقوق المترتبة عليها (7) كما إن إعالته من قبل أطراف النزاع تكون مجانا وتوفر له الرعاية الطبي التي تحتاجها حالته الصحية (8) كما تتحمل الدولة الحاجزة إعالة الأشخاص الذين كان يعولهم المعتقل قبل اعتقاله وذلك في حال كونهم غير قادرين على العيش ووسائل التكسب (9) وما إلى ذلك من الحقوق التي نصت عليها الاتفاقية المذكورة المتعلقة بكيفية الاعتقال أو المعتقل أو الغذاء أو الملابس أو الشروط الصحية أو الأنشطة البدنية و الذهنية أو الممتلكات الخاصة و الموارد المالية أو الادار ة في المعتقل أو العلاقة مع الخارج وكل هذه الأحكام قد تضمنتها الفصول من الأول إلى الثاني وجاءت أحكامها بشكل مفصل وواضح.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المادة (41)من اتفاقية جنيف الرابعة .
(2) المادة (42)من اتفاقية جنيف الرابعة .
(3) المادة (42)من اتفاقية جنيف الرابعة .
(4) المادة (68)من اتفاقية جنيف الرابعة .
(5) المادة(78)من اتفاقية جنيف الرابعة .
(6) د0محمد الدوري و د0جنان سكر ـ محكمة العدل الدولية تقارير عن الأحكام بغداد 1990 ص 45 .
(7) المادة(80)من اتفاقية جنيف الرابعة .
(8) المادة (81)من اتفاقية جنيف الرابعة.
(9) المادة (81)من اتفاقية جنيف الرابعة .
المبحث الثاني متى يقع المعتقل تحت طائلة العقاب
لقد راعت المادة ((117)) من اتفاقية جنيف الرابعة حقوق المعتقل في التشريعات التي تنطبق عليه فقد أكدت على إن التشريعات المعمول بها في البلد المحتل تبقى سارية على المعتقلين الذين يقترفون مخالفات أثناء فترة الاعتقال فإذا ما قام المعتقل بضرب احد المعتقلين وأدى إلى قتله أو إحداث عاهة مستديمة للمعتقل الأخر فان هذا الفعل تنطبق عليه إحكام قانون العقوبات النافذ في البلد قبل وقوع الاحتلال وفي العراق قانون العقوبات ذو الرقم ((111)) لسنة 1969 وذلك لان المادة ((64)) من الاتفاقية الرابعة تنص على ما يلي ((تبقى التشريعات الجزائية الخاصة بالأراضي المحتلة نافذة مالم تعلنها دولة الاحتلال أو تعطلها إذا كان فيها ما يهدد أمنها أو يمثل عقبة في تطبيق هذه الاتفاقية )) 0 ولكن تطبيق مواد قانون العقوبات تكون مع مراعاة إحكام الفصل التاسع من القسم الرابع من اتفاقية جنيف الرابعة (1) وعادة يجب تفسير النصوص القانونية بما يخدم مصلحة المعتقل فإذا اقترف المعتقل فعلا يعاقب القانون عليه المعتقلين فقط بينما نفس الفعل لا يترتب عليه العقوبة بالنسبة لغير المعتقلين فان هذا الفعل لا يترتب عليه عقوبة جزائية بالنسبة للمعتقل رغم النص على العقوبة في قانون العقوبات بل تترتب عليه عقوبة تأديبية من العقوبات التأديبية (2) المنصوص عليها في المادة ((119)) من الاتفاقية كما إن العقوبة لا تكون إلا مرة واحدة للشخص الواحد عن العمل الواحد او التهمة الواحدة مهما كانت طبيعة العقوبة على ذلك الفعل (3)0
إما ماهية هذه العقوبات وطبيعتها سيكون موضوع الفصل الثاني 0
الفصل الثاني أنواع العقوبات
لم تترك اتفاقية جنيف الرابعة الأشخاص المعتقلين الذين اقترفوا أفعالا تجلهم تحت طائلة العقاب أي أفعالا مخالفة للقانون ألا وحددت لهم نوع العقوبة التي يجب إيقاعها عليهم وبما يتناسب مع الفعل الذي قام به المعتقل و ذلك للحيلولة دون انتهاك حقوق المعتقل حتى في حالة اقترافه فعلا خلاف القانون 0
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المادة ((117)) من اتفاقية جنيف الرابعة 0
(2) المادة ((117)) من اتفاقية جنيف الرابعة 0
(3) المادة ((117)) من اتفاقية جنيف الرابعة 0
لقد قسمت الاتفاقية الأفعال التي يرتكبها المعتقل إلى نوعين اولهما ما يقع تحت طائلة قانون العقوبات المعمول به في البلد المحتل ثانيهما المخالفات التي يقوم بها المعتقل أو الأفعال التي يعاقب عنا المعتقلين في قانون العقوبات ولا يعاقب عنها سواهم وقد حددت الاتفاقيات إن الطائفة الاولى من الأفعال يعاقب عنها بعقوبات جزائية وفق أحكام المادة ((118))من الاتفاقية وأما الطائفة الثانية فيتعاقب عنها بعقوبات تأديبية نصت عليها المادة ((119))من الاتفاقية فانه يتوجب علينا معالجة الموضوع في مبحثين نذكر في الأول منها العقوبات الجزائية ونعالج في ثانيهما العقوبات التأديبية 0
المبحث الأول العقوبــات الجزائيـــــة
تعتبر العقوبات الجزائية هي الأصل في جميع أنواع العقوبات كونها تطبق على مقترف الفعل من قبل سلطة قضائية تمثل سيادة القانون ومستندة ف فرضها تلك العقوبات إلى نصوص قانوني واضحة تمثل السياسية الجنائية في البلد المحتل حيث نصت الماد ((117)) من الاتفاقية على انه تطبق على المعتقلين التشريعات السارية في الأراضي التي يوجدون بها 0وهذه النصوص الجزائية لا تطبقها إلا سلطة قضائية مختصة مشكل وفقا للقانون وذلك حسب ما أشارت إليه الماد((118)) من الاتفاقية بقولها ((تراعي المحاكم000))وقد رست هذه المادة ((118))ضمانات التقاضي والسياسة الجنائية بالنسبة للمعتقلين و أول تلك الضمانات هو مراعاة الحاكم و السلطات بقدر الاستطاعة عند إصدار الأحكام إن المتهم ليس من رعايا الدولة الحاجزة .وذلك يوجب أن يعامل المعتقل بكل لياقة واحترام من قبل سلطة الاحتلال باعتباره أجنبيا وليس من رعايا تلك الدولة (الحاجزة)وان تضمن له كل حقوقه المنصوص عليها في هذه الاتفاقية دون أي انتهاك أو نقصان 0اضافة إلى ذلك إن المحاكم التي تفرض العقوبة أن تخفف العقوبة المقررة للمخالفة المتهم بها الشخص المعتقل أي ان للمحكمة أن تعتبر كون المتهم الماثل أمامها معتقلا 0فان هذا بحد ذاته يمثل ظرفا مخففا وبذلك تعمل على تخفيف العقوبة من الحد الأعلى إلى الحد الأدنى مثلا إذا كان للجريمة حدين أو النزول بها من الإعدام إلى السجن المؤبد أو من السجن المؤبد إلى السجن المؤقت وكما هو منصوص عليه في قانون العقوبات ويعتبر هذا النص من الظروف القانونية المخففة كما إن المحك غير ملزمة بموجب النص السابق أن تلتزم بالحد الأدنى الذي ينص عليه قانون العقوبات بل يجوز النزول بالعقوبة إلى ما هو دون الحد الأدنى للعقوبة المفروضة (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المادة (118)من اتفاقية جنيف الرابعة0
كما نصت المادة ((118))من الاتفاقية على ضمانات تنفيذ العقوبة الجزائية في السجن فأكدت على إن يكون السجن من مبان يتخللها ضوء النهار وتكون مفتوحة وصحية كما حظرت الماد ذاتها أي نوع من أنواع القسوة في التعامل مع المعتقل المحكوم بالسجن أثناء تنفيذ العقوبة .
و من خلال هذا النص يبدو لنا جليا مدى الانتهاك الذي قام به الجيش الأمريكي في معاملة المعتقلين في سجن أبي غريب من استعمال أساليب القسوة النفسية والجسدية وتعرية المعتقلين وتعذيبهم باستخدام الصدمات الكهربائية .
كل ذلك يثير التساؤلات حول القانون الدولي الإنساني واو لهما أين القوات الأمريكية من تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة بحق المعتقلين ؟ إلا يعتبر انتهاكا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان ؟ كما ضمنت المادة ((118)) من الاتفاقية المذكور عند تنفيذ العقبة السالبة للحرية أن تحتسب كامل المدة التي قضاها المعتقل في السجن الاحتياطي حيث يجري احتساب تلك المدة من ضمن المدة المحكوم بها كعقوبة سالبة للحرية فنطرح المدة التي قضاها المعتقل قبل إصدار العقوبة من المدة التي حكم بها المعتقل وعليه إكمال بقية المدة المحكوم بها 0
إضافة إلى ما تقدم فان المادة ((118)) قد ضمنت للمعتقل معاملته حتى بعد انتهاء مدة العقوبة وفرضت وجوب معاملة المعتقل بنفس الكيفية التي يعامل باقي المعتقلين ولا يجوز أن تختلف معاملته عنهم وذلك باعتبار إن المعتقل قد قضى العقوبة المترتبة على الفعل المحظور قانونا والمقترف من قبله 0 وهذا مبرر كان لعدم اختلاف المعاملة كما أوجبت الاتفاقية احظار لجان المعتقلين النصوص عليها في المادة ((102)) من نفس الاتفاقية بكافة الإجراءات القضائية التي تتخذ ضد المعتقلين الذين تمثلهم هذه اللجنة كما يجب احظارها بكافة نتائج الإجراءات المتخذة بحق المعتقل 0
المبحث الثاني العقوبات التأديبية
العقوبات التأديبية هي تلك العقوبات التي تفرض على المعتقل في حال ارتكابه مخالفة داخل المعتقل وهي من العقوبات البسيطة نوعا ما بالقياس إلى العقوبات القضائية وقد حددت المادة ((123)) من اتفاقية جنيف الرابعة سلطة إيقاع العقوبات التأديبي بالمحاكم والسلطات العليا ابتدأ وذلك في حالة عرض المعتقل المقترف للمخالف عليها ترى أن الفعل ليستحق عقوبة جزائية وفق إحكام قانون العقوبات فتلجا إلى إصدار حكمها بعقوبة تأديبية على المعتقل أو إنها تشير في قرارها إلى قائد المعتقل بان الشخص المعروض أمامها لا يستحق العقوبة تأديبية وفي هذه الحالة يكون من اختصاص قائد المعتقل أو ضابط أو موظف مسؤول يفوضه سلطاته التأديبية مهمة إيقاع العقوبة التأديبية على المعتقل(1)
كما اشترطت فسها وجوب تبليغ المعتقل المتهم قبل صدور الحكم التأديبي بحقه بالأفعال المتهم بها لكي يتسنى له تبرير تعرفه و الدفاع عن نفسه واستدعاء شهود الدفاع والاستعانة بالمقربين عند الحاجة 0
وقد حددت المادة ((119)) من اتفاقية جنيف الرابع تلك العقبات بالنص عيها حصرا كما يلي:ــ
1ــ غرامة تصل إلى 50 % من الراتب المنصوص عنه في المادة ((95))خلال فترة لا تزيد على ثلاثين يوما (2)0
2ــ فق المزايا الممنوحة بصفة إضافية على المعاملة المنصوص عنها في هذه الاتفاقية 0
3ـــ أعمال مرهقة لمدة على ساعتين يوميا تنفيذ لغرض صيانة المعتقل 0
4ـــ الحبس 0
كما اشترطت أن لا كون تلك العقوبات حشية أو بعيدة عن الإنسانية تحتمل خطورة على صح لمعتقلين مع كل ذلك يجب مراعاة سن المعتقل وجنسه وحالته الصحية عند فرض العقوبة عليه (3) وفي كل الأحوال يجب أن لا تزيد العقوبة التأديبية عن ثلاثين يوما متوالية كحد أقصى للعقوبة وسواء كان الشخص مسؤولا عن مخالفة واحدة أم عدة مخالفات مترابطة كلها توجب العقوبة التأديبية فيكون مجموع هذه العقوبات لا يتجاوز الحد الأدنى المسموح به وهو ثلاثون يوما 0
وقد اشترطت المادة (123) من الاتفاقية على وجوب أن لا تزيد المدة التي تنقضي من وقت صدور الحكم التأديبي إلى تنفيذه شهرا واحدا أي المدة الواقعة بين صدور القرار وبدء تنفيذ القرار0
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المادة (123)من اتفاقية جنيف الرابعة 0
(2) نصت المادة ((95))من اتفاقية جنيف الرابعة على ما يلي : ((00تتحمل الدولة الحاجزة المسؤولية الكاملة عن جميع شروط العمل و الرعاية ودفع الرواتب 0000)) 0
(3) المادة ((119)) من اتفاقية جنيف الرابعة0
كما يجب إعلان الحكم في حضور المتهم أو احد أعضاء لجنة المعتقلين المنصوص عليها في المادة (102) من الاتفاقية (1)0
ومن تلك الضمانات التي حددتها الاتفاقية انه إذا حكم على معتقل معاقب تأديبيا بعقوبة تأديبية أخرى فلا يمكن تنفيذ العقوبتين بشكل متتال و بصورة مباشرة بل يجب أن تفصل بين العقوبتين مدة ثلاثة أيام فيما لذا كانت مدة أحداهما عشرة أيام أو أكثر (2)0
الفصل الثالث ضمانات المعتقل أثناء تنفيذ العقوبة
لقد حددت اتفاقية جنيف الرابعة جملة من الضمانات التي نصت عليها للمعتقل أثناء تنفيذ العقوبة بحقه سواء كانت تلك العقوبة جزائية أم تأديبية وجاءت نصوص هذه الضمانات متداخلة مع بعضها البعض ولكنها في كل الأحوال لا تخرج عن نوعين من الضمانات اولهما يختص بمكان الاعتقال وثانيهما يتعلق بالشخص المعتقل مما يستوجب معالجة الأمر مبحثين نفرد اولهما للضمانات الخاصة بمكان الاعتقال الذي تنفذ فيه العقوبة . ونخصص ثانيهما إلى الضمانات المتعلق بالشخص المعتقل .
المبحث الأول الضمانات المتعلقة بمكان تنفيذ العقوبة في المعتقل
مما لاشك فيه ان عبارة المكان الذي تنفذ فيه العقوبة لايمكن أن يكون غير السجن وقد وضعت اتفاقية جنيف الرابعة شروطا للسجن الذي تنفذ فيه العقوبة بحق كضمانات للشخص المعتقل نفسه . ومن تلك الضمانات ما نصت عليه المادة ((118)) من الاتفاقية والتي منعت أن يكون السجن في مبان لا يتخللها ضوء النهار. إذ لابد أن تكون مبان السجن مفتوحة يدخلها ضوء النهار ويتبدل فيها الهواء فلا يجوز تنفيذ عقوبة السجن في سجون تحت الأرض أو في أقبية مظلمة لان ذلك سوف يؤثر على المعتقل صحيا ونفسيا كما يحظر إعداد السجن يؤدي إلى أي شكل من أشكال القسوة كان يكون السجن يتكون من جدار عال غير مسقف مما يعرض السجين إلى حرارة الصيف
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)نصت المادة (102) من اتفاقية جنيف الرابعة على ما يلي ((في كل معتقل ينتخب المعتقلون بحرية كل ستة شهور بالاقتراع السري أعضاء لجنة تمثلهم لدى سلطات الدولة الحاجزة والدول الحامية واللجنة الدولية للصليب الأحمر وجميع الهيئات الأخرى التي تساعدهم ويجوز أعادة انتخاب أعضاء هذه اللجنة ))0
(2) المادة (123) من اتفاقية جنيف الرابعة 0
وبرودة الشتاء (1) .
ولما كانت عقوبة السجن من العقوبات الجزائية وقد رسمت لها كل تلك الضمانات فقد وضعت المادة ((124)) من الاتفاقية الضمانات الخاصة بمكان تنفيذ العقوبة التأديبية في المعتقل حيث حظرت:
أولا: من نقل المعتقل المعاقب عقوبة تأديبية إلى السجون والإصلاحيات والليمانات لقضاء تلك العقوبة التاديبة ذلك لان الشروط والضمانات الواجب توفرها في المعتقل هي أكثر بكثير من الشروط المطلوب توفرها في السجن وحيث أن العقوبة التأديبية هي اخف من العقوبة الجزائية فيكون لها مكان تنفيذ يتناسب مع جسامتها.
ثانيا: اشترطت أن تكون المباني التي تنفذ فيها العقوبات التأديبية مستوفي لكافة الشروط الصحية اللازمة للمعتقل ويجب أن تكون مزودة بمستلزمات كافية للنوم ومستلزمات النضافة والحمامات والمرافق الصحية وما إلى ذلك مما يوفر للمعتقل إمكانية المحافظة على نظافته (2).
ثالثا: ومن الضمانات المهمة التي وضعتها المادة ((124)) من الاتفاقية هو حجز النساء في المعتقلات وأوجبت أن تتوفر فيها كل الضمانات المذكورة إضافة إلى أنها تكون منفصلة عن أماكن الرجال وان يكون الكادر المشرف عليها من النساء فقط وذلك لما للمرأة من مكان ة خاصة تستوجب الصيانة والمحافظة أكثر مما هو عليه لدى الرجل.
المبحث الثاني الضمانات الخاصة بالشخص المعتقل
لقد وضعت اتفاقية جنيف الرابعة ضمانات كثيرة للشخص المعتقل إثناء مدة تنفيذ العقوبة بحقه داخل معسكر الاعتقال سواء كانت العقوبة المنفذة بحق المعتقل عقوبة جزائية أم عقوبة تأديبية ولتداخل تلك الضمانات مع بعضها في نصوص الاتفاقية المذكورة لذا سوف نعرض لها بوضوح على شكل نقاط مشيرين إلى نصوص الاتفاقية وتتمثل تلك الضمانات بما يلي:
1- تطبق على المعتقلين التشريعات السارية في الأراضي التي يتواجدون فيها وذلك عند اقترافهم المخالفات (3)0
2- لا يعاقب المعتقل عن فعل لم يعاقب عنه إلا المعتقلين دون سواهم بل لابد لمعاقبة المعتقل من اقتراف مخالفة يعاقب عنها المعتقل و غيره على حد سواء (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كما كان عليه سجن الحجاج بن يوسف الثقفي في الكوفة فهو عبارة عن سياج
عال بدون سقف ويطعم فيه السجين خبز الشعير المخلوط بالملح والرماد
(2) المادة ((117))من اتفاقية جنيف الرابعة 0
(3) المادة ((117))من اتفاقية جنيف الرابعة.
(4) المادة ((117))من اتفاقية جنيف الرابعة.
ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍ3ـ ا يعاقب المعتقل إلا مرة واحدة عن الفعل الواحد(1)0
4ـ تخفيف العقوبة المفروضة عن الفعل دون الالتزام بالحد الأدنى (2)0
5ـ احتساب مدة الحبس الاحتياطي التي يقضيها المعتقل كجزء من العقوبـــة المحكوم
بها (3)0
6ـ معاقبة المعتقل مرة واحدة لأتزيد عن ثلاثين يوما في حالة تنفيذ العقوبة التأديبية ولو
كانت عن عدة مخالفات مرتبطة مع بعضها (4)0
7ـ عدم اعتبار الهروب من المعتقل أو محاولة تكراره ظرفـا مشـــددا عند فرض
العقوبة (5) 0
8ـ التزام أطراف النزاع بالتحقق من أن السلطات المختصة تستعمل الرأفة عند تقدير
العقوبة ( 6)0
9ـ سرعة إنجاز التحقيق في حالة اقتران المخالفة أو الهروب من قبل المعتقل (7) .
10ـ تبليغ المعتقل بكل أجراء يتخذ بحقه (8) .
11ـ كفالة حق الدفاع للمتهم المعتقل (9)0
12ـ تحديد الحد الأعلى للعقوبة التأديبية بمدة شهر واحد (10)0
13ـ الفصل بين تنفيذ عقوبتين بما لا يقل عن ثلاثة أيام (11)0
14ـ السماح للمعتقل بالتريض و البقاء في الهواء النقي (12)0
15ـ الرعاية الصحية والفحص الطبي المستمر للمعتقل (13).
16ـ حرية القراءة والكتابة وإرسال وتلقي الرسائل (14) .
17ـ عدم صدور الأحكام إلا بموجب محاكمة قانونية (15).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المادة ((117))من اتفاقية جنيف الرابعة .
(2) المادة ((118))من اتفاقية جنيف الرابعة .
(3) المادة ((118))من اتفاقية جنيف الرابعة .
(4) المادة ((119))من اتفاقية جنيف الرابعة.
(5) المادة ((121))من اتفاقية جنيف الرابعة.
(6) المادة ((121))من اتفاقية جنيف الرابعة.
(7) المادة ((122))من اتفاقية جنيف الرابعة.
(8) المواد ((71و123))من اتفاقية جنيف الرابعة0
(9) المادة ((123))من اتفاقية جنيف الرابعة0
(10) المادة ((123))من اتفاقية جنيف الرابعة0
(11) المادة ((123))من اتفاقية جنيف الرابعة0
(12) المادة ((125))من اتفاقية جنيف الرابعة0
(13) المواد (125و76) من اتفاقية جنيف الرابعة0
(14) المواد (125و107) من اتفاقية جنيف الرابعة0
(15) المادة ((71))من اتفاقية جنيف الرابعة0
وهذه الضمانات تعتبر من أهم الضمانات التي ذكرتها الاتفاقية الرابعة كحد أدنى وبشكل مختصر تاركين التفصيلات لدراسات أوسع وأكثر شمولية .
الخاتمة
بعد كل ما تقدم من عرض لموضوع أحكام معاقبة المعتقلين في اتفاقية جنيف الرابعة لابد لنا من وقفة حقيقية على تلك الانتهاكات التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق المعتقلين العراقيين في سجن أبي غريب من تعذيب نفسي وجسدي .
لقد انتهكت القوات الأمريكية كل ماجاء باتفاقية جنيف الرابعة من حقوق وضمانات كانت قد رسمتها هذه الاتفاقية لمصلح المعتقل بهذه الصورة غير الإنسانية . فان هذه التصرفات بالإضافة إلى إنها انتهاكات لحقوق المعتقل المذكورة في الاتفاقية فهي انتهاك لنص الماد ((5)) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي نصت على مايلي ((لا يعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات او المعاملات القاسية او الوحشية أو الحاطة بالكرامة ))فعندما تريد أمريكا أن تكون الراعية لحقوق الإنسان في العالم فهي ادعى أن تكون أكثر الدول التزاما بالاتفاقيات والعهود والمواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان . ومهما ادعت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان مسؤوليها من تصريحات ومهما قدمت من اعتذارات فان ذلك لا يفي بحق كرامة معتقل انتهكت ولا حقوق سجين ضيعت باسم الدفاع عن حقوق الإنسان .
ان موضوع هذا البحث جاء ليعالج مشكلة حقوق المعتقلين الذين يعاقبون وهم في المعتقل ومع ذلك فان اتفاقية جنيف الرابعة توفر لهم كل الضمانات والحقوق التي مر ذكرها سلفا .تلك الاتفاقية التي تعتبر اليوم من المبادي المهم في القانون الدولي الإنساني بل وان جميع قواعدها تعتبر ملزمة للدول كونها أصبحت أعرافا دولية واجبة التطبيق .
إلا إن هذا الشعب كان مظلوما في ظل اعتى نظام دكتاتوري عرفته البشرية وقد كتب
له إن يبقى مظلوما مهما تعاقبت عليه العصور وتوالت عليه الأيام حتى يكتب الله
سبحانه له النصر على يد القائم بأمره . وهو ولي التوفيق .
بحث ودراسة قانونية موسعة حول أحكام معاقبة المعتقلين في اتفاقية جنيف الرابعة