قناة السويس بين الشرعية الدولية و الأطماع الاستعمارية
قناة السويس والاستراتيجية الدولية – قناة السويس بين الشرعية الدولية والأطماع الاستعمارية
المصدر: السياسة الدولية
بقلم: بطرس بطرس غالى
بين قناة السويس والقانون الدولى، علاقة بدأت منذ نوفمبر 1854، تاريخ صدور أول فرمان لامتياز شق القناة وظلت تلك العلاقة
حتى اليوم، والقناة على وشك أن يعاد فتحها للملاحة الدولية، بعد أن ظلت مغلقة منذ وقوع عدوان يونيو سنة 1967، ويؤكد تلك
العلاقة، أن الحكومة المصرية قبلت فى 18 يوليو سنة 1958 الولاية الجبرية لمحكمة العدل بالنسبة لما قد ينشأ من كافة
المنازعات القانونية التى قد تقع بين هيئة القناة والحكومات التى تستعمل القناة والهدف من دراستنا هذه، إبراز دور القانون
الدولى فى القضايا المختلفة التى ثارت حول قناة السويس، سواء أكانت قضية حرية المرور فى القناة، أم تأميمها، أم قضية تعويض
شركة القناة بعد التأميم، وسنحاول إلا نتعرض فى تلك الدراسة للقضايا التاريخية التى لازمت أحداث القناة اكتفاء بإبراز
الجانب القانونى، موضحين أن مصر استندت فى كل تصرفاتها إلى قواعد القانون الدولى فى المعارك التى خاضتها فى سبيل الدفاع عن
سيادتها على القناة، باعتبارها جزءا لا يتجزأ من تراب مصر
المبحث الأول:ـ
الأوضاع القانونية للقناة حتى تأميم شركة قناة السويس
فى الثلاثين من نوفمبر سنة 1854، صدر من الباب العالى فرمان الامتياز الأولى الذى منح فرديناند ديليسبس حق إنشاء شركة لشق قناة السويس، وقد عدلت بعض أحكام هذا الفرمان بفرمان آخر صدر فى الخامس من يناير سنة 1856، وكان الفرمان الأول يقضى بأن ديليسبس يشرف على الشركة ولكن مدير هذه الشركة يتم اختياره بمعرفة الحكومة المصرية، وأن مدة الامتياز تسع وتسعون عاما تبدأ من تاريخ فتح القناة
وقد بدأ العمل فى حفر القناة فى 25 إبريل سنة 1859، رغم اعتراضات كل من إنجلترا والباب العالى، وسرعان ما وقعت بعض
الخلافات بين الشركة الجديدة والباب العالى، ثم سويت بإبرام اتفاقية جديدة فى 22 فبراير سنة 1866 تحدد الشروط النهائية لوضع شركة قناة السويس
وأهم ما اشتملت عليه نصوص تلك الاتفاقية:ـ
أولا:ـ المادة التاسعة التى تقول ـ تبقى القناة البحرية وملحقاتها خاضعة لنظام البوليس المصرى، ويباشر عليها سلطة
مطلقة، مثلما يباشرها فى أى مكان من الأراضى المصرية، بحيث يحافظ على النظام والأمن العام، ويكفل تنفيذ قوانين البلاد
ولوائحها ـ
ثانيا:ـ المادة العاشرة التى نقول ـ الحكومة المصرية تشغل داخل حدود الأراضى المحتفظ لها بها كملحقات للقناة البحرية، أى
موقع أو نقطة حربية تراها لازمة للدفاع عن البلاد على إلا يعرقل هذا أشغال الملاحة ولا يتعارض مه حدود الاتفاق المترتبة على
لشقة المحتفظة بها الواقعة على ضفتى القناة ـ
ثالثا:ـ المادة السادسة عشر وتقول ـ بما أن الشركة العامة لقناة السويس البحرية شركة مصرية، فأنها تخضع لقوانين البلاد
وعرفها، على أنها فيما يتصل بتكوينها كشركة وعلاقات الشركات فينا بينهم تنظمها وفقا لاتفاق خاص القوانين التى تخضع لها
الشركات المساهمة فى فرنسا، ومن المتفق عليه أن جميع المنازعات التى تنشأ عن ذلك يفصل فيها محكمون بفرنسا، ويجوز استئناف
حكمهم أما المحكمة الإمبراطورية فى باريس، بوصفها محكما ثالثا ـ أما المنازعات التى تنشأ فى مصر بين الشركة والأفراد من أى
جنسية كانوا فتنظرها المحاكم المحلية تبعا للأوضاع المقررة فى قوانين البلاد وعرفها والمعاهدات، كذلك تعرض المنازعات التى
تنشأ بين الحكومة المصرية والشركة على المحاكم المحلية، فتفصل فيها طبقا لقوانين البلاد ـ
وقد تم افتتاح قناة السويس فى 17 يناير سنة 1869، ومرت فيها جميع سفن العالم، دون أى عقبة ودون أى حاجة إلى اتفاقية دولية
لضمان حق المرور بقناة السويس إلا أنه بعد وقوع الحرب الإنجليزية الروسية سنة 1877، واحتلال الإنجليز لمصر سنة 1882، فى
أعقاب الثورة العرابية، أوقف المرور فى قناة السويس لمدة مؤقتة، فرأت الدول الكبرى أن حرية المرور فى القناة فى حاجة إلى
اتفاق دولى، حتى لا تستغل بريطانيا وجودها العسكرى على ضفتى القناة، لتمنع مرور ما تريد منعه من السفن، واجتمعت فى باريس
لجنة دولية سنة 1885، لوضع وثيقة دولية لضمان حرية الملاحة فى قناة السويس فى كافة الأوقات، ولكل الدول، وان أى تمييز عير
أن الدول المجتمعة فى باريس لم تستطيع أن تتفق على أحكام هذه الاتفاقية، ولكن فى القسطنطينية وفى أكتوبر سنة 1888، استطاعت
الدول أن تتفق ووقعت على اتفاقية خاصة بضمان حرية المرور فى القناة
وأما الدول التى وقعت على تلك الاتفاقية، فهى بريطانيا العظمى وفرنسا والنمسا والمجر وأسبانيا وإيطاليا وهولندا وروسيا
وتركيا وقد وقعت تركيا الاتفاقية نيابة عن مصر، إذ كانت مصر حينئذ تابعة للدولة العثمانية، حلت محلها فى الحقوق والالتزامات
المقررة لها فى تلك الاتفاقية، وذلك طبقا لقواعد الميراث الدول المنصوص عليها فى القانون الدولى المعاصر
وتتضمن اتفاقية القسطنطينية المبادئ التالية:ـ
ـ 1 ـ حرية الملاحة لجميع السفن التجارية فى وق سلم ووقت الحرب على السواء
ـ 2 ـ حرية الملاحة للسفن الحربية، بشرط أن يتم مرورها دون توقف، ودون أن تنزل جيوشا أو معدات حربية
ـ 3 ـ حياد القناة وقت الحرب حيادا تاما
ـ 4 ـ عدم حيلولة ذلك دون التدابير التى يرى الخديوى أو السلطان اتخاذها للدفاع عن مصر، وصيانة الأمن بواسطة قواتها وتلك
المبادئ العامة قد فقدت مثيرا من أهميتها بسبب التحفظ الذى أعلنته الحكومة البريطانية فى مؤتمر القسطنطينية، ومؤداه أن
بريطانيا لا تأخذ بهذه المبادئ، إذا تعارضت مع ما يقتضيه وضعها الاستثنائى فى مصر أثناء مدة الاحتلال، وفيما بعد سحبت
إنجلترا تحفظها الخاص باتفاقية القسطنطينية فى التصريح الفرنسى البريطانى الصادر فى 18 إبريل سنة 1904، والمعروف باسم
الاتفاق الودى، وأصبحت اتفاقية القسطنطينية والمبادئ التى تضمنتها، هى الميثاق الأساسى لحرية المرور فى قناة السويس، لذلك
نجد اكثر من إشارة إليها فى المواثيق الدولية التى أبرمت بين الدول الكبرى عامة، وبين مصر وإنجلترا خاصة، فنجد إشارة إليها
فى المادتين 152، 282 من معاهدات فرساى والمادة 99 من معاهدة لوزان، والمادة 107 من معاهدة سان جرمان، والمادة 91 من معاهدة
ريانون، كما نجد إشارة إليها فى المادة الثامنة من المعاهدة المصرية البريطانية المبرمة فى 26 أغسطس سنة 1936، وفى المادة
الثامنة من اتفاقية الجلاء المنعقدة بين مصر الثورة وبريطانيا فى 19 أكتوبر سنة 1954
وعند تأميم السويس، كانت أحكام اتفاقية القسطنطينية هى المحور الذى دار حول الجدل الفقهى فى حق مصر فى تأميم شركة قناة
السويس، وفى قدرة مصر على حرية المرور فى القناة
وفى 26 يوليو سنة 1956 أعلن الرئيس جمال عبد الناصر، فى تأميم شركة قناة السويس وجاء فى قانون التأميم أن الحكومة المصرية
تنوى تعويض المساهمين وحملة حصص التأسيس عما يملكون من اسهم وحصص، بقيمتها بحسب سعر الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا
القانون فى بورصة الأوراق المالية بباريس، ولكن لا يتم دفع هذا التعويض إلا بعد إتمام استلام الدولة لجميع أموال وممتلكات
الشركة المؤممة
كما أن قانون التأميم أعلن أن تتولى إدارة مرفق المرور بقناة السويس، هيئة مستقلة لها الشخصية الاعتبارية، وتحلق بوزارة
التجارة وجاء فى المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 285 وهو قانون التأميم، تفسيرا بهذا القانون قولها ـ أن الشركة إنما تقوم
على استغلال مرفق المرور بقناة السويس، وذلك العمل يعتبر مرفقا عاما، وثيق الصلة بالكيان الاقتصادى والسياسى لمصر، وهى إنما
نقوم بهذا الاستغلال نيابة عن الحكومة المصرية بمقتضى الامتياز الموضح بالفرمانين الصادرين فى 30 نوفمبر سنة 1854 و 5 يناير
سنة 1856 وما تلاهما من فرمانات أخرى مثل الفرمان الصادر فى 19 مارس سنة 1866 بالتصديق على العقد المبرم فى 22 فبراير سنة
ـ 1866، بين مصر ومسيو فرناند ديليسبس فالشركة فى قيامها بهذا العمل ليست صاحبة الحق الأصيل المسلم دائما بأنه للحكومة
المصرية، إذ من المعترف به أن المرافق العامة إنما تدار مباشرة من الدولة أو بالوساطة بطريق الامتياز، باعتباره منحة منها
سواء ورد فى هذا الشان نصر صريح فى عقد الامتياز أو لم يرد، أو المصلحة العامة وحدها التى تجعل الدولة تختار الوسيلة التى
تحقق اكبر قسط من المصلحة العامة ـ
وبصدور قرار التأميم ينتهى الفصل الأول من قضية قناة السويس فبعد أن فقدت مصر سلطتها فى القناة بسبب ضعف حكومة الخديوى، أو
بسبب جبروت القوى الاستعمارية، استطاعت أن تسترد سيادتها على قناة السويس فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر ولكن القوة
الاستعمارية لم تستطع أن تقبل تلك الهزيمة بسهولة، وردت على ما حسبته تمردا من مصر، باستعمال كافة الوسائل إلى كانت فى
إمكانها، وسنتناول دراسة هذا الرد فى القسم الثانى من موضوعنا هذا
المبحث الثانى
الرد الاستعمارى على تأميم شركة القناة
اتخذ الرد الاستعمارى على تأميم شركة قناة السويس عدة صور:ـ فعلى الصعيد الاقتصادى، اتخذ الرد صورة تجميد الأموال المصرية
فى الخارج، وعلى الصعيد الدبلوماسى اتخذ صورة مؤتمرات دولية لعزل مصر سياسيا، ولإثبات خروجها على الشريعة الدولية، وعلى
الصعيد العسكرى اتخذ صورة لعدوان الثلاثى على سيناء وبور سعيد وسنفصل فيما يلى تلك الصور وفقا لتسلسلها التاريخى
أولا:ـ الرد الاقتصادى:ـ تجميد الأموال المصرية وتحصيل رسوم السفن باسم الشركة القديمة:ـ
كان أول رد على قرار تأميم شركة قناة السويس، هو أن كلا من فرنسا وإنجلترا جمدت الأموال المصرية التى لها فى بلادهما فقد
نشرت الجريدة الرسمية الفرنسية فى عددها الصادر فى 29 يوليو سنة 1956 القرار رقم 717 الذى يقتضى بان تحويل أى مبلغ من أى
حساب مصرى، سواء أكان باسم أفراد مصر بين، أم كان باسم الحكومة المصرية، لا يتم إلا بموافقة إدارة النقد فى فرنسا، أما فى
إنجلترا، فقد صدر فى 28 يوليو سنة 1956 قراران أحدهما بتجميد أموال شركة قناة السويس الموجودة فى إنجلترا، والثانى بتجميد
الأموال المصرية، ومن الجدير بالذكر أن الحكومة المصرية كان لها حساب دائن لإنجلترا من ديون الحرب العالمية الثانية، وكان
هذا الحساب بقدر فى تاريخ التأميم بنحو 135 مليون جنيه إسترلينى
أما الولايات المتحدة، فتضامنا منها مع إنجلترا وفرنسا، اصدر فى 31 يوليو سنة 1956 قرارا بتجميد أموال شركة القناة فى
الولايات المتحدة، وكذلك تجميد أموال الحكومة المصرية حتى تتضح الأمور فيما يتعلق بمستقبل شركة قناة السويس، ومما يجدر
التنبيه له، أن الولايات المتحدة، بخلاف فرنسا وإنجلترا، لم تجمد الأموال الخاصة بالأفراد المصريين، وكانت أموال الحكومة
المصرية هناك تقدر بنحو 43 مليون دولار، أى ما يعادل نحو 15 مليون جنيه مصرى
ويستخلص من ذلك، أن مجموع الأموال المصرية التى تقرر تجميدها فى إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة يزيد على القيمة المالية
لشركة قناة السويس، وكان ذلك سلاحا فى يد هذه الدول الاستعمارية، استعانة فى الضغط على مصر، وإذا أضيف إلى ذلك أن الولايات
المتحدة قررت فوق ذلك، وقف تقديم أى مساعدة مالية أو معنوية فنية لمصر، وأن كلا من فرنسا وإنجلترا ضغطت على سويسرا لتتعاون
معها بتجميد الأموال المصرية لديها، ولكنها لم تستجيب لذلك، إذا عرفنا ذلك أدركنا مدى ضغط التدابير الاقتصادية ضد مصر ولم
يتخذ الرد الاقتصادى صورة تجميد الأموال المصرية فحسب، ولكن ابرق مدير شركة قناة السويس إلى جميع اتحادات أصحاب السفن
طالبا منهم أن يدفعوا رسم مرور السفن فى القناة إلى الشركة القديمة، وليس إلى الحكومة المصرية، كما تعهد بإعادة مجموع هذه
الرسوم، إذا تبين بعد ذلك أن السفينة لم تستطع المرور فى القناة بهذا السبب
والحق أن موقف اتحادات أصحاب السفن اختلف باختلاف الدول التى تنتمى إليها تلك الاتحادات، وباختلاف توجيهات الحكومات
التابعة لها، فالحكومة الفرنسية مثلا قررت أن رسوم مرور السفن الفرنسية، يجب أن تدفع لمقر الشركة القديمة فى باريس أو لندن
وإذا رفضت السلطات المصرية السماح بمرور هذه السفن ما لم تدفع الرسوم، فيجب على السفينة أن تمتنع عن المرور، وتختار وجهة
أخرى، أما إنجلترا فاتخذت موقفا فيه مرونة، إذ نصحت للسفن البريطانية بالا تدفع رسوم المرور إلى الهيئة المصرية الجديدة
وإنما تدفعها للشركة القديمة، دون أن تعتبر ذلك إلزاما، أما الولايات المتحدة فاتخذت موقفا خاصا، إذ سمحت لسفنها أن تدفع
رسوم المرور للهيئة المصرية الجديدة، ولكن بتحفظ حتى إذا وقع خلاف بين أصحاب السفن وشركة قناة السويس القديمة، فان الحكومة
الأمريكية تتعهد بدفع تلك الرسوم للشركة، وتخصم قيمتها من الأموال المصرية المجمدة عندها, أما الحكومة الألمانية والحكومة
الإيطالية، فان كلا منهما لم تصدر إلى سفنها آية تعليمات ومما تجدر ملاحظته، أن الحكومة المصرية لم تحاول منع مرور السفن
التى لم تدفع الرسوم بل دفعتها للشركة المؤممة وتدل الإحصاءات على أنه فى القترة التى مرت بين تاريخ تأميم شركة قناة
السويس، وتاريخ إغلاق القناة على اثر العدوان الثلاثى، بلغت نسبة مجموع الرسوم التى دفعت إلى الحكومة المصرية 35% تقريبا
والباقى دفع للشركة المؤممة، وقدر ذلك بأكثر من خمسة ملايين جنيه مصر، وقد تقرر خصم هذا المبلغ من مجموع التعويض، الذى
دفعته الحكومة المصرية للشركة، فى ظروف سيرد تفصيلها فى القسم الثالث من هذه الدراسة
ثانيا الرد الدبلوماسى:ـ عقد مؤتمر لندن وتشكيل هيئة المنتفعين
اتخذ الرد الدبلوماسى صورة محاولة لتعبئة الرأى العام الدولى ضد مصر، وإقناعه بأنها بتأميمها لشركة قناة السويس، قد خالفت
الشريعة الدولية وحطمت مبدأ حرية المرور فى القناة، وهددت السلام والأمن فى منطقة الشرق الأوسط، ولتلافى كل هذه المخاطر
اجتمع كل من وزير خارجية فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية، واصدروا فى الثانى من أغسطس سنة 1956، بيانا أهم ما
جاء فيه أن قرار التأميم الصادر من جانب الحكومة المصرية يهدد حرية الملاحة فى القناة، ويهدد الأمن فيها، وفى ذلك مخالفة
لأحكام اتفاقية القسطنطينية، لذلك يرون ضرورة إقامة مؤتمر تدعى إليه الدول المنتفعة بالقناة، وهى الدول التى وقعت على
معاهدة القسطنطينية، أو التى حلت محلها فى الحقوق والالتزامات المقررة لها فى تلك الاتفاقية طبقا لقواعد الميراث الدولى
وهذه الدول هى، مصر وفرنسا وإيطاليا وهولندا وأسبانيا وتركيا وبريطانيا والاتحاد السوفيتى ودول أخرى تدعى باعتبارها من
مستخدمى القناة، وهى النمسا وسيلان، ـ(سريلانكا الآن)ـ ، والدانمارك وأثيوبيا وألمانيا الغربية واليونان والهند وإندونيسيا
وإيران اليابان ونيوزلندا الجديدة، والنرويج وباكستان والبرتغال والسويد والولايات المتحدة الأمريكية
وقد رفضت الحكومة اليونانية فى 11 أغسطس أن تشترك فى المؤتمر وفى 12 أغسطس أعلنت الحكومة المصرية رفضها الاشتراك فى هذا
المؤتمر، أما الدول الأخرى فقد قبلت الاشتراك فيه، وأن كان بعضها قد قبل الاشتراك بتحفظات فالهند مثلا وافقت على الاشتراك
بشرط إلا يمس اشتراكها هذا الحقوق والسيادة المصرية، ولا يتخذ المؤتمر أى قرار نهائى إلا بموافقة مصر، ووافقت الحكومة
السوفيتية مع المطالبة بتوجيه الدعوة إلى مجموعة أخرى من الدول منها الدول العربية والدول العربية والدول الاشتراكية
وقد اجتمع المؤتمر فيما بين 16 و 23 أغسطس سنة 1956، وقام بدراسة مشروعين:ـ أحدهما تقدم به وزير خارجية الولايات المتحدة
الأمريكية مستر دلاس، والثانى تقدم به السيد كريشنا مينون مندوب الهند وكان المشروع الأمريكى يتضمن اقتراحا بإقامة منظمة
دولية تقوم على نمط الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، لتشرف على إدارة القناة، أما المشروع الهندى فكان يطالب بأن
الهيئة المصرية تتولى الإشراف على إدارة القناة بمساعدة هيئة استشارية مكونة من مستعملى القناة، ونال المشروع الأمريكى
أغلبية الأصوات، بعد إدخال التعديلات عليه بناء على اقتراحات مقدمة من أثيوبيا وإيران وباكستان، أما الدول التى عارضت
المشروع فهى الهند والاتحاد السوفيتى وإندونيسيا وسيلان، وتقرر إنشاء لجنة خماسية مكونة من مندوبى كل من أثيوبيا وإيران
والسويد والولايات المتحدة تحت رياسة مندوب استراليا مستر مينزيس، لإبلاغ الرئيس جمال عبد الناصر قرارات مؤتمر لندن وحمله
على قبولها، وقابلت هذه اللجنة الخماسية الرئيس جمال عبد الناصر فيما بين 3و 9 سبتمبر سنة 1956، ولكنه رفض المشروع وإزاء
هذا الرفض، تقدم مندوبا فرنسا وإنجلترا بمذكرة فى 12 سبتمبر إلى مجلس الأمن، جاء فيها أن الحكومة المصرية رفضت أن تتفاوض
على أساس المقترحات التى اقرها مؤتمر لندن، والتى تمثل إرادة اثنتين وعشرين دولة، ممثلة لنحو تسعين % من مجموع المنتفعين
بالقناة، وترى أن رفض مصر قد خلق موقفا يهدد السلام والأمن
وفى اليوم التالى، أعلن رئيس وزراء إنجلترا فى مجلس العموم، إنشاء هيئة جديدة باسم ـ هيئة المنتفعين ـ سيكون لها طابع
مؤقت وستكون مسئوله عن تنسيق المرور فى القناة، وتحصيل رسوم المرور وفعلا انعقد فى لندن فيما بين 19 و 21 سبتمبر، مؤتمر ثان
وضع القانون الأساسى لتلك الهيئة، وأعربت مجموعة من الدول عن استعدادها للانضمام إلى هذه الهيئة وانعقد مجلس الأمن فى 26
سبتمبر لوضع جدول الأعمال النهائية لقضية قناة السويس، وانعقدت عدة جلسات علنية، كما دارت مفاوضات سرية بين الأطراف
المعنية، وأسفرت تلك المجهودات من إصدار قرار فى 13 أكتوبر 1956 يتألف من شطرين، أولهما يتضمن مبادئ ستة تكون أساسا
للمفاوضات التى تجرى مستقبلا وتلك المبادئ هى:ـ
ـ 1 ـ أن يكون المرور عبر القناة مفتوحا لجميع الدول بدون تمييز مباشرة أو غير مباشرة سواء فى الشئون السياسية والشئون
الفنية
ـ 2 ـ تحترم سيادة مصر على القناة
ـ 3 ـ تعزل إدارة القناة عن سياسة أى دولة
ـ 4 ـ تقرر طريقة تحديد الرسوم والمصاريف بناء على اتفاق بين مصر ومستخدمى القناة
ـ 5 ـ يخصص نصيب عادل من الرسوم لتحسين القناة
ـ 6 ـ فى حالة وقوع نزاع بسبب المشاكل التى لا يمكن التغلب عليها بين شركة القناة والحكومة المصرية، فإن هذا الخلاف يسوى عن
طريق محكمة تحكمهم، وتحدد اختصاصها بوضوح، كما تحدد الأساليب المناسبة لدفع الأموال التى يثبت استحقاقها أما الشطر الثانى
من القرار، فيتضمن الاعتراف بهيئة لمنتفعين التى ستكلف الإشراف على القناة، إلا أنه لم يفز حين الاقتراع عليه إلا بتسعة
أصوات واعتراض صوتين كان منهما صوت الاتحاد السوفيتى المتمتع بحق الفيتو وأمام فشل السياسة الاستعمارية فى تحقيق مآربها عن
طريق الضغط الدبلوماسى، دبرت لاستعمال القوة العسكرية وأن كان هناك من يرى أن الدول الاستعمارية كانت تنوى استعمال القوة
منذ البداية، وأنها اتخذت من الضغط الدبلوماسى ستارا للتمويه
ثالثا:ـ الرد العسكرى:ـ وقوع العدوان الثلاثى:ـ
عرفت تفاصيل المؤامرة التى تمت بين كل من إسرائيل وفرنسا وإنجلترا لتدبير أمر العدوان الثلاثى على مصر، لذلك فأى محاولة
لدراسة الحجج القانونية التى تقدمت بها كل من فرنسا وإنجلترا لتبريرها تدخلهما العسكرى، تعتبر غير ذات أهمية، أن التخطيط
الاستعمارى لتبرير التدخل العسكرى لم بعد مقبولا أن يقال أنه ما حدث إلا للفصل بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية من
أجل حماية قناة السويس، ولكن حين اثبت البحث أن العدوان الإسرائيلى لم يقع إلا بموافقة كل من إنجلترا وفرنسا، وبمساعدة
عسكرية أساسية من فرنسا، فان حجة الفصل بين القوتين المتحاربتين فقدت كل ما لها من معنى أو قيمة، بل لم يكد يوجد كاتب سياسى
واحد، أو فقيه قانونى يستطيع أن يبرر تلك المغامرة العسكرية التى قامت بها القوات الإنجليزية والفرنسية
لقد بدأ الهجوم الإسرائيلى على شبه جزيرة سيناء فى 29 أكتوبر سنة 1956، وفى الثلاثين منه، تقدمت كل من بريطانيا وفرنسا
بإنذار موجه إلى مصر وإسرائيل، جاء فيه أن الحرب القائمة بينهما من شأنها أن تعطل حرية الملاحة فى قناة السويس، ولكى تقف
هذه الحرب حالا، تطلب الحكومتان ما يلى:ـ
ـ 1 ـ إيقاف العمليات الحربية فى الأرض والبحر والجو
ـ 2 ـ أن تتراجع كل من القوتين المتحاربتين عشرة أميال عن قناة السويس ـ(ومن العجيب أن القوات الإسرائيلية لم تكن قد وصلت
بعد إلى قرب القناة بمقدار هذا البعد حين صدر الإنذار)ـ
ـ 3 ـ أن تقبل مصر احتلال القوات الفرنسية والإنجليزية منطقة بور سعيد والإسماعيلية والسويس
ـ 4 ـ أن يجاب على هذه المطالب فى مدى اثنتين عشرة ساعة، على أنه إذا انقضى هذه الأجل ولم تنفذ إحدى الدولتين أو كلتاهما
هذه المطالب، فان القوات المسلحة البريطانية والفرنسية ستتدخل بأى قوة يريانها ضرورية لضمان الامتثال لهذه المطالب
ورفضت مصر هذا الإنذار العجيب، واجتمع مجلس الأمن للنظر فى العدوان الإسرائيلى والإنذار الإنجليزى الفرنسى، واصدر قرار
يطلب من القوات الإسرائيلية الانسحاب إلى ما وراء خطوط الهدنة، كما يطلب من الدول الأخرى أن تمتنع عن استخدام القوة أو
التهديد باستخدامها، إلا أن إنجلترا وفرنسا استخدمتا حق الفيتو للحيلولة دون اصدرا القرار، وإزاء إخفاق مجلس الأمن فى أداء
مهمته، طلب مندوب يوغوسلافيا عقد جلسة غير عادية للجمعية العامة للأمم المتحدة، التى اجتمعت فى أول نوفمبر، وأصدرت عدة
قرارات منها قرار بتاريخ 3 نوفمبر يطلب إيقاف النار، ويكلف الأمين العام للأمم المتحدة إنشاء قوة طوارئ دولية ولكن على
الرغم من قرارات الجمعية العامة، واستنكار الرأى العام العالمة نزلت القوات الإنجليزية والفرنسية فى بور سعيد فى السدس من
نوفمبر سنة 1956، إلا أن المقاومة الشعبية فى بور سعيد، والإنذار السوفيتى للدولتين المعتديتين، واستنكار المجتمع الدولى فى
الأمم المتحدة، وفوق ذلك الضغط الأمريكى كل هذا مجتمعا، أدى إلى وقف التغلغل الإنجليزى الفرنسى، وقبول هذه الدول وقف النار
ابتداء من الساعة الثانية من صباح 7 نوفمبر، بتوقيت القاهرة، وتلا ذلك انسحاب القوات الفرنسية والإنجليزية من بور سعيد فى
ـ 22 ديسمبر سنة 1956، وبدأت بعد ذلك عملية تطهير القناة التى انتهت فى 11 إبريل سنة 1957، وتكلفت ثمانية ملايين ونصف مليون
دولار وكان من النتائج القانونية لتلك المغامرة العسكرية، قطع العلاقات الدبلوماسية من جانب مصر مع كل من فرنسا وإنجلترا فى
ـ 31 أكتوبر سنة 1956، ووضع الممتلكات الإنجليزية والفرنسية تحت الحراسة، وإلغاء اتفاقية 19 أكتوبر سنة 1954 بين مصر
وإنجلترا، وكان هذا الإلغاء فى أول يناير سنة 1957 بأثر رجعى يمتد إلى تاريخ وقوع العدوان ومن هذا نرى أنه إذا كان قد نجه
إلى حد ما الرد الاقتصادى، والرد الدبلوماسى، فان الرد العسكرى قد فشل ذريعا، افقد الرد الاقتصادى والرد الدبلوماسى كل ما
كان لهما من اثر
المبحث الثالث
الجدل القانونى بين أطراف النزاع
تحدثنا فى القسم الأول من هذه الدراسة، عن الملابسات السياسية لازمة السويس، وها نحن نعرض للجدل القانونى الذى دار حول
الأزمة ذاكرين الحجج التى استند إليها كل طرف من أطراف الصراع، لتبرير تصرفاته، وتعزيز موقفه أمام الرأى العام، ولإثبات أن
خصمه هو الذى خرق الشريعة الدولية، وخالف ميثاق الأمم المتحدة، وهدد الأمن والسلام الدوليين
أن الجدل القانونى دار حول ثلاث قضايا متشابكة على الرغم من اختلاف طبيعتها، أما القضية الأولى فأنها خاصة بجنسية قناة
السويس، فإذا كانت الشركة مصرية فأن من حق حكومة مصر أن تؤممها، وأما إذا كانت تلك الشركة غير مصرية أو كانت دولية
فالتأميم يكون مخالفا للقانون الدولى
أما القضية الثانية فتتعلق بحرية المرور فى قناة السويس، فهل ضمان تلك الحرية مرتبط بوجود قناة السويس، بحيث أن مصر لا
تستطيع وحدها أن تكفل تلك الحرية، بمعنى أن كفالة تلك الحرية لا تتم إلا عن طريق تنظيم دولى يحل محل شركة القناة أما القضية
الثالثة، فتتعلق بتعويض شركة قناة السويس، وطريقة حساب هذا التعويض، وتحديد الجهة التى سيقدم إليها هذا التعويض
القضية الأولى:ـ الجدل حول جنسية شركة القناة:ـ
حين انفجرت أزمة قناة السويس عقب تأميم شركة القناة، وقع جدل فقهى عنيف بين أطراف النزاع حول جنسية الشركة، وانقسمت الآراء
إلى ثلاثة:ـ
رأى يؤكد أن الشركة دولية، وأنها بمثابة وكالة دولية تخضع لقواعد القانون الدولى، ورأى يرى أن شركة قناة السويس شركة من
نوع خاص، تخضع فى بعض أنشطتها للقانون المصرى، وتخضع فى بعض ثالث إلى القانون الدولى العام، ورأى ثالث هو الذى تمسكت به
الحكومى المصرية، وهو أن الشركة مصرية، وخاضعة للسيادة المصرية
الرأى الأول:ـ شركة قناة السويس وكالة دولية:ـ
هذا الرأى نادى به كل من الحكومة الفرنسية والحكومة الإنجليزية وردده أهم فقهاء القانون الدولى فى كل منهما، وقد ورد هذا
الرأى بطريقة رسمية فى التصريح الثلاثى الصادر فى 2 أغسطس سنة 1956، من الحكومة البريطانية والحكومة الأمريكية والحكومة
الفرنسية، فقد ذكر فى الفقرة الأولى من هذا التصريح، أن الشركة العالمية لقناة السويس، لها طابع دولى فيما يتعلق
بالمساهمين، وفيما يتعلق بأعضاء مجلس الإدارة، وما يتعلق بالمشرفين على العمل فيها، وبالمسئولية التى تقع على عاتقها من أجل
ضمان سير العمل فى القناة
وفى الخطبة التى ألقاها انتونى أيدن رئيس الحكومة البريطانية فى 18 أغسطس سنة 1956، ردد نفس هذا الرأى، إذ قال ما معناه أن
تأميم شركة قناة السويس يختلف عن التأميمات التى تمت فى بريطانيا، لان شركة القناة شركة دولية حقوقها مضمونة بموجب اتفاقات
رسمية، أبرمت مع الحكومة المصرية
وقد ظهر صدى لهذا الرأى فى كتابات بعض فقهاء القانون الدولى، وفى مقدمتهم أستاذنا الدكتور جورج سيل، فقد نشر دارسة حول ذلك
فى الكتاب السنوى الفرنسى للقانون الدولى ـ(1956 ص 3)ـ قال أن الشركة ليست مصرية، وليست فرنسية، ولكنها فى واقعها شركة
دولية، وذهب مذهبه فى ذلك الأستاذ الدكتور جولدمان فى مقال نشر فى 14 أكتوبر سنة 1956، بجريدة الموند الباريسية، جاء فيه أن
الشركة خاضعة مباشرة لقواعد القانون الدولى
وأتيح لى أن القى الدكتور جورج سيل وأناقشه فى آرائه، فأبدى أنه يرى أن قناة السويس مثل قناة بنما من المرافق الدولية
وبالتالى فالأجهزة التى تشرف على حسنه سير العمل فى تلك المرافق، يجب أن تحسب هيئات دولية، وكان رأيه يدور حول تقييد سيادة
الدول بغية نقل سلطاتها شيئا فشيئا إلى المجتمع الدولى الممثل فى المنظمات الدولية, ولاشك أن تلك الآراء المثالية قد
استغلتها السياسة الاستعمارية لتخفى مآربها وراء ستار من الشرعية الدولية
الرأى الثانى:ـ شركة قناة السويس شركة مساهمة من نوع خاص:ـ
تمسك بهذا الرأى ممثلو شركة القناة، ودافع عنه المشرع الفرنسى، ومجمله أنه لا يمكنه القول بأن شركة قناة السويس ليست
مصرية، ولكن لا يمكن القول أيضا بأنها فرنسية، فهذه الشركة ذات جنسية مزدوجة، لأنها مصرية وفقا لأحكام الفقرة الأولى من
المادة 16 من اتفاقية سنة 1866، ولكنها فرنسية خاضعة فى عدة جوانب من أنشطتها للقانون الفرنسى، وفقا للجزء الثانى من نفس
الفقرة السالفة الذكر، وهذا الوضع المزدوج للشركة، يجعل لها صبغة دولية من نوع خاص، بحيث لا يجوز للحكومة المصرية أن تؤمم
الشركة، إلا بعد موافقة الدول التى لها مصالح خاصة فى تلك الشركة، وفى مقدمة هذه الدول فرنسا، وقد دافع عن هذا الرأى عدة
فقهاء فرنسيين منهم الأستاذ ورجيه بنتوفى دراسة له نشرت فى الكتاب السنوى الفرنسى للقانون الدولى ـ(سنة 1956ص 21، 22)ـ
الرأى الثالث:ـ شركة قناة السويس شركة مساهمة مصرية:ـ
وبهذا الرأى تمسكت الحكومة المصرية، ففى قانون التأميم رقم 285 الصادر فى 26 يوليو سنة 1956، نصت المادة الأولى بقولها ـ
تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية ـ(شركة مساهمة مصرية)ـ ، وأكدت المذكرة الإيضاحية للقانون 285 ذلك الرأى ودعمته
بالحجج الآتية:ـ
ـ ـ تنص الفقرة الأولى من المادة 16 من اتفاقية 22 فبراير سنة 1866، على أن شركة القناة ـ هى شركة مصرية، فهى خاضعة
لقوانين البلاد وعاداتها ـ
ـ ـ الشركة تقوم على استغلال موفق المرور قناة السويس، وذلك العمل مرفق عام وثيق الصلة بالكيان الاقتصادى والسياسى لمصر
وتقوم الشركة بهذا الاستغلال نيابة عن الحكومى المصرية، بمقتضى الامتياز الموضح بالفرمانات، ومن حق الدولة دائما أن تسترد
هذا الامتياز، سواء ورد فى هذا الشأن نص صريح فى عقد الامتياز، أو لم يرد، بل كما جاء فى بيان الحكومة المصرية الصادر فى 12
أغسطس سنة 1956، بشأن هذه الشركة ـ أنها مصرية لأنها فتحت التزاما منصبا على أملاك مصرية عامة، ولأنه لا يأتى أن تكون
مصرية وغير مثرية فى وقت واحد، أى تكون مصرية وعالمية؟، لان ذلك يتنافى والمبادئ القانونية العامة ـ
ـ ـ ونجد حجج وأسانيد أخرى تنفى الطابع الدولى عن الشركة، وتؤيد مصريتها، ففى بيان الحكومة المصرية الصادر فى 12 أغسطس سنة
ـ 1956، إشارة إلى المذكرة المقدمة من وكيل الحكومة البريطانية لمحكمة استئناف الإسكندرية المختلطة سنة 1939، وتلك المذكرة
لها دلالتها ما دامت مقدمة من الخصم، وقد جاء فى هذه المذكرة، أن شركة قناة السويس شخص معنوى بحكم القانون الخاص، وأن
جنسيتها وصبغتا مصرية، ولا يمكن أن تكون غير ذلك، وتسرى عليها حتما القوانين المصرية، أن هذه الشركة تأسست تحت اسم شركة
قناة السويس البحرية العالمية، ولكن ما هى النتائج القانونية التى ترتبت على هذه التسمية؟ من الثابت أن هذه التسمية لا
يترتب عليها بأى حال من الأحوال سلب الشركة جنسيتها المصرية، فهى مصرية بحكم المبادئ القانونية العامة، وعلى الأخص بحكم
أنها مصرية لأنها منحت التزاما منصبا على أملاك عامة مصرية ـ
وقد أيد الرأى المصرى مجموعة من الدول، فى مقدمتها الاتحاد السوفيتى، ففى تصريح رسمى صادر من الاتحاد السوفيتى بتاريخ 9
أغسطس سنة 1956 ورد أن المحاولة التى ترمى إلى اعتبار تلك الشركة الخاصة الخاضعة للقوانين المصرية بمثابة منظمة دولية تحمى
نظام المرور فى قناة السويس، ليس لها أى سند قانونى
والحق أن هذا الجدل القانونى، إذا كان جوهريا بالنسبة لشركة قناة السويس، وبالنسبة للمساهمين فيها، فانه هامشى بالنسبة
للحكومات المتنازعة، إذ أنه فى نهاية المطاف فان الحكومة الفرنسية والحكومة البريطانية تدخلتا باسم الدفاع عن مصلحة شركة
القناة، ولا باسم الدفاع عن مصلحة المساهمين، ولكنها تدخلتا باسم الدفاع عن حرية الملاحة فى القناة، وهو دفاع له صدى عند
الرأى العام العالمى
القضية الثانية:ـ الجدل حول حرية المرور فى قناة السويس:ـ
حاول المنطق الاستعمارى، أن يربط بين مبدأ حرية المرور فى قناة السويس وبين شركة القناة التى كلفت بضمان هذا المبدأ، بمعنى
أنه فى رأيه لا يوجد ضمان حقيقى لحرية المرور فى قناة السويس إلا بوجود جهاز تشترك فى إدارته، أو الإشراف على إدارته، الدول
التى تمر سفنها فى القناة وهذا المنطق الاستعمارى يرجع إلى عقدة الكبرياء الأوروبية، التى ترى أن الدول المتخلفة، ومنها مصر
ليس لها قدرة تكنولوجية لضمان سير العمل بطريقة جيدة فى مرفق خطير كقناة السويس، كما أنها ليس فيها نضوج سياسى يجعلها لا
تحاول أن تستغل إشرافها على هذا المرفق الدولى لتحقيق مآرب سياسية عاجلة لا تتمشى مع مصلحة السلام العالمى
وقد حاولت الدول الاستعمارية أن تجد سندا قانونيا يدعم مذهبها هذا، وكان من أهم ما استندت إليه اتفاقية القسطنطينية التى
يستخلص من أحكامها، أن هناك علاقة وثيقة بين مبدأ حرية المرور وشركة القناة المكلفة حماية هذا المبدأ ومرجع ذلك إلى أن
فرمان الامتياز الصادر بتاريخ 22 فبراير سنة 1866، قد ورد ذكره صراحة فى ديباجة اتفاقية القسطنطينية مما يؤكد العلاقة بين
شركة القناة وحرية الملاحة، كما أضافوا أن المادة التاسعة من الاتفاقية تؤكد تلك العلاقة بقولها ـ تتخذ الحكومى المصرية
فى حدود سلطتها المستمدة من الفرمانات ـ كان سلطة الحكومى المصرية مقيدة بالفرمانات، التى هى بدورها تكلف شركة القناة
الإشراف على حرية المرور فى القناة، ويضيفون أيضا، أن المادتين العاشرة والحادية عشرة من اتفاقية القسطنطينية تؤكدان
العلاقة الوثيقة بين شركة القناة وأحكام الاتفاقية
باختصار، فالاستعمار يرى أن المكلف تنفيذ أحكام اتفاقية القسطنطينية الخاصة بحرية المرور فى قناة السويس هو شركة القناة لا
الحكومة المصرية، فأى محاولة لتصفية شركة القناة تؤثر على حرية المرور فى القناة، وتخالف أحكام اتفاقية القسطنطينية
وبعد أن تم تأميم شركة القناة، فانه يجب من منطق الاستعمار أن تحل محلها وكالة دولية، لتكفل ضمان حرية المرور فى القناة
وتأييد بهذا المنطق، ظهرت عدة مقالات علمية بأقلام بعض الساسة وبعض كبار فقهاء القانون الدولى، كان مجمل الحجج التى جاء بها
هؤلاء الفقهاء، ما يلى:ـ
ـ 1 ـ قناة السويس، باعتبارها ممرا دوليا، يجب إلا تستغلها دولة واحدة، ولكن يجب أن يكون هذا الاستغلال لمصلحة كافة الدول،
ـ ولا ضمان لذلك إلا عن طريق مؤسسة دولية، وقد وردت هذه العبارة فى خطبة انتونى ايدن فى 8 أغسطس سنة 1956
ـ 2 ـ أن صيانة القناة تتطلب خدمات دائمة بواسطة جهاز مدرب من خبراء متخصصين فى الهندسة والملاحة، وهؤلاء غالبيتهم من الدول
الأجنبية، ولا سبيل إلى استمرارهم فى العمل إلا بتوافر الثقة بين الحكومة المصرية وبينهم وبين المنتفعين بالقناة ـ(من
مذكرة لجنة منزيس إلى الرئيس جمال عبد الناصر)ـ
ـ 3 ـ لمواجهة حركة المرور المتزايدة فى قناة السويس فأن تكاليف ذلك ستكون جاهزة، فمن الضرورة أن يكون الجهاز الذى يتولى
ثقة عالية، ومن القدرة بحيث يقدم الضمانات الكافية لمن يلجأ إليهم فى زيادة رأس المال عند الحاجة
ونستطيع إيراد من هذه الحجج التى تذرع بها الاستعمار إلا إننا وحدجنا أنها جميعا تدور حول هذا المعنى الذى أوضحناه
وكان رد الحكومة المصرية على ذلك فى البيان الذى أصدرته فى 12 أغسطس سنة 1956 ردا على التصريح الثلاثى السابق الإشارة
إليه، وقد حاء فى المذكرة المصرية:ـ
ـ ـ أن أى محاولة للربط بين شركة قناة السويس وحرية الملاحة فى القناة، لأمر يدعو إلى المزيد من الشك ـ فان شركة قناة
السويس لم تكن مسئولة فى أى وقت من الأوقات عن حرية الملاحة فى القناة، واتفاقية سنة 1888، وحدها هى التى تنظم حرية الملاحة
فى القناة، والحكومة المصرية هى التى تصون هذه الحرية بمقتضى سلطانها على أرضها التى تمر بها القناة، وتعتبر جزاء لا يتجزأ
منها ـ
والحجج التى تقدم بها الجانب المصرى لإبراز اللبس الاستعمارى بمحاولة الخلط بين حرية الملاحة وشركة القناة، حجج كثيرة نورد
منها ما يلى:ـ
ـ 1 ـ وفقا لأحكام المادة 14 من اتفاقية القسطنطينية، فإن أحكام الاتفاقية ـ غير محددة بمدة الامتياز الممنوحة لشرطة قناة
السويس العالمية ـ بمعنى أنه كما جاء فى بيان الحكومة المصرية الصادرة فى 12 أغسطس سنة 1956 ـ اتفاقية سنة 1888 قائمة
سواء كانت الشركة هى التى تدير القناة أو تديرها الحكومة المصرية ـ مؤدى ذلك أنه لا علاقة بين شركة القناة وحرية المرور
ـ 2 ـ فيما بين سنة 1869 وهو تاريخ افتتاح قناة السويس وسمة 1888 وهو تاريخ إبرام اتفاقية القسطنطينية ـ كانت حرية الملاحة
مضمونة فى القناة بموجب أحكام القانون المصرية لا بموجب أحكام القانون الدولى
ـ 3 ـ فيما بين 26 يوليو سنة 1956، وهو تاريخ تأميم شركة قناة السويس، ووقوع العدوان الثلاثى على مصر، كانت الحكومة المصرية
التى تتولى حماية حرية المرور فى القناة، لا شركة القناة التى تم تأميمها والاستيلاء على إدارتها، وكذلك جاء فى رد الرئيس
جمال عبد الناصر بتاريخ 9 سبتمبر سنة 1956 على المشروع الذى تقدم به مستر مينزيس ـ أن مصر مهتمة تمام الاهتمام ـ ولو
لمجرد مصلحتها الشخصية ـ بحرية المرور فى القناة، وبضرورة استمرار إدارتها بكفاية ودراية وتقدم، بدون أى تمييز أو استغلال
من أى نوع كان ـ
وقصارى القول فأن الجهة الوحيدة التى تستطيع ضمان حرية المرور فى القناة هى مصر، لان القناة ترم فى الأراضى المصرية وقد
قيل فيما بعد إغلاق القناة سنة 1956، وإغلاقها مرة أخرى سنة 1967، يتضمن دليلا على أن مصر لا تستطيع أن ضمن حرية المرور فى
قناة السوي، والجواب على ذلك، تضمنته المذكرة المصرية التى صديت فى 9 سبتمبر سنة 1956، إذ تكهنت بما وقع فيما بعد فى قناة
السويس، حين قالت:ـ ـ الخطر الوحيد الذى تواجهه هذه الحرية ـ حرية المرور ـ ينبعث من التهديدات ومن حشد القوات
العسكرية ـ أن العدوان الإسرائيلى سنة 1956، ثم فى سنة 1967 يؤكدان أن الخطر الحقيقى على حرية المرور فى القناة، صادر من
الاستعمار الصهيونى التوسعى، ولو أن الدول المستفيدة من المرور فى القناة، عملت على الحفاظ على حرية المرور، لوقفت فى وجه
هذا العدوان
القضية الثالثة ـ الجدل حول تعويض شركة القناة:ـ
إذا كان الجدل الفقهى تناول القضيتين السابقتين بتوسع، فانه لم يتناول قضية تعويض شركة قناة السويس والمناورات التى بذلتها
الشركة لمقاومة قانون التأميم، واسترداد سلطانها على القناة إلا نادرا
وكان فى يد الشركة سلاح لا يستهان به، وهو ممتلكاتها خارج إقليم مصر، فإذا كان قانون التأميم قد نصر عفى مادته الثالثة على
أنه ـ تجمد أموال الشركة المؤممة وحقوقها فى جمهورية مصر وفى الخارج ـ فانه من الناحية العملية، كان من العسير على
الحكومة المصرية أن تستولى على ممتلكات الشركة الموجودة خارج الديار المصرية، لا سيما أن الحكومات الأجنبية التى كانت توجد
فى ديارها هذه الممتلكات، اعتبرت قانون التأميم قانونا غير مشروع، وعلى الرغم من تلك الميزة التى كانت تتمتع بها شركة
القناة فى معركتها التى شنتها ضد مصر، فأنه كانت هناك أربعة عوامل تضعف مركز الشركة، وتشل قدرتها على المقاومة، وهذه
العوامل هى:ـ العامل الأول ـ أن جنسية الشركة لم تكن واضحة، وكانت الآراء ـ كما أشرنا ـ متضاربة فى ذلك، العامل الثانى_
أن النظام الداخلى لشركة قناة السويس ـ لا يمكن تعديله وفقا لأحكام المادة 71 من هذا النظام إلا بموافقة الحكومة المصرية
فلو أرادت الشركة أن تعدل نظامها الداخلى تعديلا يمكنها من مواجهة الموقف الجديد الناتج عن التأميم، فأنها لا تستطيع ذلك ما
دامت الحكومة المصرى تأباه
العامل الثالث أن هناك خلافا بين فقهاء القانون الدول بالنسبة لأثار التأميم:ـ هل يمتد إلى ممتلكات الشركة الموجودة داخل
إقليم الدولة التى قررت التأميم فحسب، أم هل تمتد تلك الآثار إلى ممتلكاتها الموجودة أيضا خارج إقليم الدولة التى أصدرت
قرار التأميم
العامل الرابع ـ أن الرأى العام، حتى فى أوروبا، لم يتحمس للدفاع عن مصالح الشركة، ولا للدفاع عن مصالح المساهمين فيها
وفى قرارات مؤتمر لندن الأول، لم ترد آية إشارة إلى شركة قناة السويس المؤممة، بل اكتفى المؤتمر بمذكرة نية تكوين مجلس
إدارة جديد يكلف الإشراف على الملاحة فى القناة، أما فى مؤتمر لندن الثانى، فقد تم تشكيل هيئة المنتفعين التى حلت محل
الشركة المؤممة، وكانت بتحصيل رسوم المرور فى القناة، ومعنى كل ذلك أن الدول المستفيدة من قناة السويس، قد نفضت يدها من
الشركة، وقررت أن مهمتها قد انتهت
وللتغلب على بعض هذه الصعوبات، لجأت شركة القناة إلى المشرع الفرنسة إلى اصدر القانون رقم 658 بتاريخ أول يونيو سنة 1957
ومضمونه أن أحكام قانون أجنبى لا تأثير له على شركة تكون خاضعة للقانون الفرنسى، وبالتالى فالأحكام التى تتطلب موافقة
الحكومة المصرية لإجراء أى تعديل على النظام الداخلى للشركة العالمية لقناة السويس، تعتبر باطلة وعلى أساس هذا القانون
الجديد، استطاعت شركة القناة أن تعدل نظامها الداخلى، بحيث أصبحت لها أهداف استثمارية جديدة، ونقل مقرها القانونى إلى
باريس، وامتدت مدة العمل بها حتى سنة 2050، وفى ظل هذه التعديلات، تعزز مركز الشركة بحيث صادت قادرة على خوض معركة المصير
مع الحكومة المصرية، لنيل اكبر قدر ممكن من التعويض عن الممتلكات التى تم تأميمها فى مصر
أما الاستراتيجية التى اتبعنا الشركة للدفاع عن كيانها وعن ممتلكاتها، فكانت قائمة فى بداية الأمر على أن فانون التأميم
الذى أصدرته الحكومة المصرية، قانون غير مشروع، يجب إلغاؤه، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه من قل ـ(تصريح الشركة فى 3
أغسطس سنة 1956)ـ
وعندما رأت الشركة أن الحكومات الإنجليزية والفرنسية والأمريكية لم تتحمس لعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل التأميم
لاستحالة تحقيق ذلك، تراجعت الشركة، ووضعت لنفسها استراتيجية جديدة، اتضحت معالمها فى المذكرة التى قدمتها فى 7 أغسطس سنة
ـ 1956، إلى كل من وزارة خارجية فرنسا، ووزارة خارجية بريطانيا،مكتوية بطلب التعويض ـ وفقا لما يلى:ـ
ـ 1 ـ تعويض حملة الأسهم، وحماية حصص التأسيس حسب قيمة تلك الأسهم وحصص التأسيس بسعر الإقفال فى بورصة باريس فى اليوم
السابق لتاريخ التأميم، يعتبر تعويضا عادل، لأنه لا يمثل القيمة الحقيقية لممتلكات الشركة
ـ 2 ـ التأميم يمكن أن يسرى على الممتلكات الضرورية الأخرى التى لا تمس سير العمل
ـ 3 ـ التعويض يقدم إلى الشركة نفسها وليس إلى أصحاب الأسهم
ـ 4 ـ التعويض يجب أن يشمل المكاسب الآجلة التى كانت ستحصل عليها الشركة فى مدة الاثنتى عشرة سنة، التى كانت باقية على
انتهاء الامتياز
وكانت الشركة تأمل فى أن نجاح التدخل العسكرى الإنجليزى الفرنسى فى مصر، وسقوط حكومة الثورة، سيعززان مكانتها، ويقويان
مطالبهما، إلا أنه حين اخفق العدوان الثلاثى، اضطرت الشركة إلى عادة النظر فى سياستها، بعد أن تبين لها أن لها انه من غير
الممكن لها أن تحفظ بممتلكات لها فى مصر، فبدلا من أن تطالب بقصر التأميم على ممتلكات الشركة الضرورية لسير العمل فى القناة
وإعفاء الممتلكات الأخرى من هذا التأميم، أصبحت تطالب تحديد إقليمى للممتلكات، بمهنى أنها تتنازل عن ممتلكاتها الموجودة فى
مصر، وتتمسك بممتلكاتها الموجودة خارج مصر، ويتضح ذلك من المذكرة التى قدمتها الشركة إلى الأمين العام للأمم المتحدة بتاريخ
ـ 14 ديسمبر سنة 1956، واهم نقاط هذه المذكرة هى:ـ
ـ 1 ـ آثار التأميم يجب أن تقتصر على ممتلكات الشركة الموجودة فى مصر، ولا يمكن أن تمتد لأى ممتلكاتها الموجودة خارج مصر
ـ 2 ـ الشركة يجب أن تستمر فى الوجود، ويتركز نشاطها الجديد خارج مصر
ـ 3 ـ التعويض يجب أن يشمل ممتلكات الشركة الموجودة خارج مصر، والمكاسب التقديرية لما كان يترتب على بقائها حتى نهاية مدة
الامتياز
ـ 4 ـ التعويض يجب أن يكون مضمونا بحق امتياز يمنحه للشركة التى ستحصلها المحكومة المصرية من رسوم المرور فى القناة
أما الموقف المصرى فكان على نقيض موقف الشركة، وكان يستند على النقاط القانونية التالية:ـ
ـ 1 ـ قانون التأميم واضح أنه يسرى على جميع ممتلكات الشركة أينما كانت
ـ 2 ـ أصبحت الشركة مصفاة بعد قرار التأميم، ولا وجود لها أما المشرع المصرى، وبالتالى لا يمكن أن يعطى لها التعويض، بل كما
جاء فى قانون التأميم:ـ يعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس ـ
ـ 3 ـ قانون التأميم قد أوضح بطريقة بسيطة وعادلة، تقدير التعويض، وهو سعر الأسهم وحصص التأسيس حسب سعر الأسهم وحصص التأسيس
حسب سعر إقفال بورصة الأوراق المالية بباريس فى اليوم السابق لتاريخ العمل بقانون التأميم ويتبن من ذلك، مدى الاختلاف
الجذرى بين موقف الحكومة المصرية، وموقف شركة قناة السويس، ونستعرض فى الجزء الأخير من هذه الدراسة، كيف تمت المصالحة غير
الحكومية المصرية وشركة قناة السويس
المبحث الرابع
التصالح بين أطراف النزاع
الأطراف الاصلاء فى قضية تأميم شركة قناة السويس هم:ـ مصر وإنجلترا وفرنسا وشركة قناة السويس، أما الأطراف الثانويون، فهم
الدول المنتفعة بالقناة من جانب والدول العربية والدول الصديقة من جانب أخر، هذا إلى جانب الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات
الدولية أما النزاع، ففى واقعه يتألف من نزاعين:ـ
أحدهما سياسى، وهو الذى وقع بين مصر من ناحية وفرنسا وإنجلترا من ناحية أخرى، وكان يدور حول السلطة لى كانت تتمتع بها كل
من الدولتين على القناة، واتخذ صورة خلاف حول الدفاع عن مبدأ حرية المرور فى القناة، والنزاع الثانى، هو نزاع مالى بين مصر
وشركة قناة السويس، خاصة بمقدار التعويض الذى تدفعه الحكومة المصرية والمصالحة المالية، قد تمت قبل الصالحة السياسية، بل قد
تكون المصالحة المالية هى التى مهدت للمصالحة السياسية، لذلك سنعرض لما أولا، وننتقل منها إلى تحليل أبعاد المصالحة
السياسية
التصالح بين الحكومة المصرية وشركة القناة:ـ
كان التصالح بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس المؤممة، تعترضه صعوبتان:ـ
الأولى هى أن الشركة قد ألغيت وفقا للقانون المصرى، ولكنها قائمة وفقا للقانون الفرنسى، والصعوبة الثانية، فرع من الصعوبة
الأولى، وهى أن الحكومة المصرية مستعدة للتفاوض مع أصحاب الأسهم من اجل، تعويضهم، ولكن وفقا للقانون الفرنسى الصادر فى أول
يوينو سنة 1957 لا يجوز لأصحاب الأسهم أن يتفاوضوا معه الحكومة المصرية لنيل التعويض ما دامت شركة قناة السويس قائمة
وقد استطاع أطراف النزاع التغلب على هاتين الصعوبتين، وعلى غيرها من الصعوبات التى ظهرت فيما بعد أثناء سير المفاوضات، أما
تلك المفاوضات فقد بدأت فى مدينة روما فى 19 فبراير سنة 1958، على اثر المساعى إلى قام بها الأمين العام للأمم المتحدة
وبعد أن وافق مدير البنك المركزى الدولى للتنمية، على أن يقوم بدور الوسيط فى تلك المفاوضات التى انقسمت إلى مرحلتين:ـ
إحداهما خاصة بتسوية المشكلات المالية، وقد دارت فى روما فيما بين 19 و 21 فبراير، ثم فيما بين 31 مارس و 4 إبريل ـ ثم
فيما بين 25 و 29 إبريل سنة 1958، وتكللت بالاتفاق على مبادئ، وتم التوقيع عليه فى 29 إبريل سنة 1958، أما المفاوضات التى
دارت لتسوية المشكلات القانونية فقد دارت فى القاهرة فيما بين 17 و 18 مايو سنة 1958، ثم فى باريس فيما بين 5، 12 يوينو سنة
ـ 1958، وقد تم التوقيع النهائى على الاتفاق الذى عقد بين الحكومة المصرية والشركة بمدينة جنييف فى 13 يوليو سنة 1958، وكان
قد سبق أن وافقت الجمعية العامة للمساهمين لشركة قناة السويس الجديدة، على أحكام هذه الاتفاقية فى 4 يوليو سنة 1958
أما كيف تم التصالح بين الطرفين، فذلك أن الطرفين اتفق على أن الجمعية العامة لشركة قناة السويس ـ التى تعتبر فى نظر
القانون الفرنسى قائمة ـ تعين ثلاثة مفوضين عنها ليتفاوضوا مع الحكومة المصرية، أما فى نظر الحكومة المصرية، فإن هؤلاء
المفوضين الثلاثة يمثلون أصحاب الأسهم، وأصحاب حصص التأسيس ما دامت الشركة قد ألغيت وفقا للقانون المصرى أما عن تقدير مبلغ
التعويض فالحكومة المصرية تنازلت عن أسلوب التعويض الذى ذكر فى قانون التأميم ـ(قيمة الأسهم حسب سعر الإقفال السابق على
تاريخ العمل بقانون التأميم فى بورصة باريس)ـ ، وقبلت مبدأ تعويض جزافى يقدر وفقا للمبادئ التالية:ـ
ـ 1 ـ تتنازل الحكومة المصرية عن ممتلكات الشركة الموجودة خارج مصر، وتتعهد الشركة أن تدفع الديون التى تمت خارج مصر، وأن
تدفع الشركة أيضا جزاء من المعاش للموفين الذى يعيش خارج مصر
ـ 2 ـ تتنازل شركة قناة السويس المؤممة، عن مطالبة الحكومة المصرية بالمكاسب التى كان ينتظر أن تجنيها فى مجى الاثنتى عشرة
سنة الباقية على مدة الامتياز، وتتعهد الحكومة المصرية بأن تتحمل جميع ديون الشركة إلى فى مصر، وتتحمل معاشات الموظفين
المقيمين فى مصر
ـ 3 ـ تتعهد الحكومى المصرية بأن تدفع مبلغا جزافيا لشركة القناة المؤممة، بقدر بملغ 28 مليون وثلاثمائة ألف جنيه مصرى
وقد ظهرت صعوبات جديدة فى آخر مراحل المفاوضات، ناشئة عن تحديد سعر العملة التى ستسدد بها الحكومة المصرية التزاماتها، وتم
الاتفاق على دفع المبلغ على أربع أقساط، القسط الأول يدفع فى أول يناير سنة 1960، ومقداره سبعة ملايين دولار، والقسط الثانى
مقداره أربعة ملايين دولار تدفع فى أول يناير سنة 1961، والقسط الثالث مقداره أربعة ملايين دولار تدفع فى أول يناير سنة
ـ 1962، والقسط الرابع مقداره أربعة ملايين دولار وتدفع أول يناير سنة 1962 ومعنى ذلك أن الحكومة المصرية خصمت من التعويض
المتفق عليه، ما حصلته شركة قناة السويس من رسوم المرور من تاريخ التأميم حتى وقوع العدوان الثلاثى على مصر، وإغلاق قناة
السويس
هذا بإيجاز وتبسيط، أهم بنود اتفاق 13 يوليو سنة 1958، الذى تم بين شركة قناة السويس والحكومة المصرية، والجدير بالملاحظة
أن الحكومة قد تنازلت عن ممتلكات الشركة خارج مصر، كما تناولت عن طريق حساب التعويض التى قررتها فى قانون التأميم ـ وأن
كانت قيمة التعويض الجزافى جاءت أقل من المبلغ الذى كانت الشركة المؤممة قد قدرتها لنفسها
ويلاحظ أيضا أن الحكومة الفرنسية والحكومة البريطانية، لم تتدخلا رسميا فى تلك المفاوضات، بل كان مندوب البنك المركزى هو
الذى قام بدور الوسيط، لذلك فحين تم التوقيع على الاتفاق، بادرت الحكومة المصرية بتبليغه إلى الأمين العام للأمم المتحدة
الذى اعتبره وثيقة من وثائق الأمم المتحدة، وقرر توزيعه على جميع أعضاء المنظمة الدولية، وبذلك انتهى الخلاف المالى بين
الحكومة المصرية والشركة المؤممة
التصالح بين كل من فرنسا وإنجلترا:ـ
إذا كان التصالح بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس سهلا إلى حد ما، لأنه محصور أصلا فى الخلاف المالى، فإن التصالح
السياسى بين مصر وكل من فرنسا وإنجلترا، كان اشد صعوبة بسبب العدوان الثلاثى، والخلفيات السياسية لهذا العدوان، فمثلا
مساعدة مصر لحزب التحرير فى الجزائر، كانت من الأسباب التى دفعت فرنسا إلى قبول الاشتراك فى المغامرة العسكرية على السويس
ولا شك أيضا أن جماعات الضغط الصهيونية فى فرنسا وإنجلترا والولايات المتحدة، وكان لها دور ذو شأن فى تشجيع أنصار الحل
العسكرى، وأنصار القضاء هلى حكم الثورة فى مصر، ولا شك أيضا فى أن الطريقة التى تم بها تأميم شركة القناة، اعتبرت تحديا لكل
من فرنسا وإنجلترا، وساعدت أنصار الحل العسكرى على فرض إرادتهم، والتدخل العسكرى أيضا كان آخر محاولة من إنجلترا وفرنسا
لوقف الاضمحلال الذى أصاب الإمبراطورية كل منها، ولوقف الحد من الموجة التحررية التى سادت فى كل مستعمراتها
لهذا له، كان من الصعب أن نحدد وقتا معينا للتصافى الحقيقى بين مصر وهاتين الدولتين، على إننا نستطيع أن نقول أن التصالح
تم بتاريخ إبرام اتفاق التعويضات عن الممتلكات الفرنسية والبريطانية التى وضعت تحت الحراسة فى مصر ثم أممت، ونستطيع أن نقول
أن التصالح قد تم بعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإنجلترا وفرنسا، ولكن إذا اعتبرنا أن الخلاف الجوهرى بين أطراف
النزاع، كان يدور حول ضمان حرية المرور فى القناة، فإننا نستطيع أن نعتبر التصالح قد تم، حين اتفقت الأطراف المتنازعة على
ضمان مبدأ حرية المرور، لذلك حاولت الدبلوماسية المصرية أن تبذل جهد المستطاع، لتطمئن الدول التى تمر سفنها فى قناة السويس
على أن مصر ستكفل لها، بكل الوسائل الممكنة، ضمان حرية المرور فى القناة، ففى 18 مارس سنة 1957 تقدمت الحكومة المصرية
بمذكرة تقول فى ديباجتها، منذ تولت مصر بنفسها شئون قناة السويس، أكدت عزمها على التزام سياستها القابضة باحترام اتفاقية
القسطنطينية وتمكنت من إثبات مقدرتها على إدارة الملاحة رغم الصعاب الجمة التى أقيمت فى سبيلها، حتى تسبب العدوان على مصر
فى غلق القناة، ثم تقول المذكرة ـ وبمناسبة استئناف الملاحة فى قناة السويس، فإن الحكومة المصرية تعلن أن مصر لازالت
مصممة على احترام اتفاقية القسطنطينية المعقودة فى 1888، نصا وروحا ـ
وفى 24 إبريل سنة 1957، أرسل وزير خارجية مصر، رسالة خاصة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أكد فيها تمسك مصر بأحكام
اتفاقية القسطنطينية، وجاء فى البيان المرفق بها أن الحكومة مصممة بوجه خاص على ـ إيجاد ملاحة حرة مستمرة، والاحتفاظ بها
بجميع الأمم فى حدود اتفاقية القسطنطينية سنة 1888 ووفقا لأحكامها ـ بل لقد أكدت الحكومة المصرية فى الفقرة السابقة من هذا
البيان، أن هيئة القناة لا تستطيع بأى حال، أن تنمح أى سفينة أو شركة أو طرفا من الأطراف، أى امتياز أو رعاية لا تسمح للسفن
أو الشركات أو الأطراف الأخرى فى ظروف متشابهة، وفى حالة وجود شكوى، فان الموضوع يعرض على الناشئة عن اتفاقية القسطنطينية
فتعرض على المحكمة العدل الدولية وجاءت الفقرة الأخيرة من البيان تقول ـ وهذا البيان بما يحوى من التزامات، يكون وثيقة
دولية، وسوف يودع ويسجل لدى سكرتارية الأمم المتحدة ـ
وقد آثار إعلان هذا البيان الذى أذاعته الحكومة المصرية، ضجة كبيرة فى الأوساط الدولية عامة، وفى أوساط الأمم المتحدة
خاصة، وفى مؤتمر صحفى أدلى الأمين العام للأمم المتحدة، ببعض الإيضاحات بخصوص هذا البيان، فقال أنه وفقا لأحكام المادة 102
من ميثاق الأمم المتحدة، يجب تسجيل المعاهدات الدولية لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، وعابرة معاهدة يجب أن تفهم بالمعنى
الواسع لهذه الكلمة، بمعنى أن تصريحا صادرا من جانب الواحد، يدخل فى عداد المعاهدات الدولية، ويجوز تسجيله بالأمانة العامة
وأما هذا التسجيل فانه يعنى أن الحكومة المصرية تعتبر هذا البيان وثيقة دولية ملزمة لها فى مواجهة الدول التى تستعمل سفنها
قناة السويس، أما إذا وجد خلاف حول تطبيق اتفاقية القسطنطينية، فالبنيان المصرى ذكر صراحة أن محكمة العدل الدولية مكان
اختصاص له
وقد انعقد مجلس الأمن، بناء على طلب الولايات المتحدة الأمريكية، فى 26 إبريل سنة 1957، لمناقشة القيمة القانونية لبيان
الحكومة المصرية، وانعقد مرة أخرى لنفس الغرض فى 20 و 21 مايو سنة 1957 بناء على طلب فرنسا، وكانت اجتماعات مجلس الأمن هذه
آخر فصل من فصول المعركة السياسية التى دارت بين فرنسا وإنجلترا من ناحية، ومصر من ناحية أخرى، بخصوص حرية المرور فى قناة
السويس
أن الجانب الاستعمارى كان يرى أن بيان الحكومة المصرية تصريح من جانب واحد، وأنها تستطيع أن تلغيه من جانب واحد، وذلك مما
لا يجعل له أى قيمة إلزامية، وفوق هذا فإن البيان لم يشتمل على المبادئ الستة التى تم الاتفاق عليها فى مجلس الأمن من أجل تنظيم الملاحة فى قناة السويس
وكان الجانب الاستعمارى يرى أيضا أن البيان لم يتضمن آية إشارة إلى جهاز دولى يكلف بتنظيم التعاون بين الحكومة المصرية
والدول المنتفعة بقناة السويس، والبيان أيضا لم يكفل حرية مرور السفن الإسرائيلية فى قناة السويس وبذلك فأنه يخالف القرار
الصادر من مجلس الأمن فى أول سبتمبر سنة 1951
باختصار، فإن البيان غير دقيق، وغير ملزم لمصر، ولا يتمشى مع قرارات مجلس الأمن الخاصة بحرية المرور فى قناة السويس تلك
كانت أول وجهة النظر الاستعمارية، أما الجانب المصرى وقد سانده فى ذلك الجانب السوفيتى فقد رأى أن هذا البيان خير ضمان
لحرية المرور فى قناة السويس، وانه يتمشى مع أحكام اتفاقية القسطنطينية، ويتمشى كذلك مع المبادئ الستة التى وافق عليها مجلس
الأمن فى 13 أكتوبر سنة 1956، وكان رأى مندوب الولايات المتحدة فى مجلس الأمن، رأيا وسطا بين الآراء المتضاربة إذ قال ما
معناه أنه من السابق لأوانه الحكم على قيمة الحكومة المصرية، وان التجربة والممارسة وحدها تستطيعان توضيح قيمة هذا البيان
وظلت المعركة بغير انتهاء، إذ اجتمعت هيئة المنتفعين فى 9 مايو سنة 1957 لتقرر أن البيان المصرى لا يتضمن حرية المرور فى
قناة السويس
وقد طلبت فرنسا كما أشرنا من قبل ـ اجتماع مجلس الأمن مرة أخرى فى 20 و 21 مايو سنة 1957، لمناقشة قضية حرية المرور فى
قناة السويس، ودارت معركة كلامية بين كريستيان بينو وزير خارجية فرنسا، وعمر لطفى مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، لم
تأت بجديد، وقد كشف المندوب المصرية خفايا المأرب الفرنسية حتى قال:ـ أن وزير خارجية فرنسا قد آثار قضية حرية المرور، على
الرغم من جميع السفن تمر فى القناة دون صعوبة، ولا يعنى من ذلك إلا مجرد مناورة لتأجيل الأزمة الخانقة التى تتعرض لها حكومة
بلاده وتهدد بسقوطها
وأيا كان الأمر، فإن مجلس الأمن لم يتخذ أى قرار فى هذا الموضوع وفى 18 يوليو سنة 1957، أصدرت الحكومة المصرية بيانا بقبول
مصر، الولاية الجبرية لمحكمة العدل الدولية فى جميع المنازعات المتعلقة بتطبيق اتفاقية القسطنطينية
وكان هذا الإعلان المصرى بداية التصالح بين مصر وكل من فرنسا وإنجلترا فبدأت المفاوضات بين شركة القناة المؤممة والحكومة
المصرية ـ كما أشرنا ـ ودارت بعد ذلك مفاوضات مباشرة بين مصر وفرنسا بشأن تعويض الأموال الفرنسية، وتم الاتفاق فى زيوريخ
فى 22 أغسطس سنة 1958، أما المفاوضات المصرية الإنجليزية فقد انتهت بإبرام اتفاقية فى القاهرة بتاريخ 28 فبراير سمة 1959
وعادت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإنجلترا بتاريخ أول ديسمبر سنة 1959، أما المصلحة النهائية بين مصر وفرنسا، فقد تأخرت
بسبب قضية تجسس الدبلوماسيين الفرنسيين وبسبب الحرب الفرنسية الجزائرية وأخيرا زالت كل الأسباب التى كانت معوقة للتصالح
الكامل، وأصبحت فرنسا وإنجلترا من الدول الأوروبية التى تنعقد بينهما وبين مصر مودة صافية وتعاون حسن
تعقيب ختامى على القضية:ـ
فى ختام هذا البحث، لا نرى بدا من تقديم مجموعة من الملاحظات العامة المستخلصة من الأحداث التاريخية التى مرت بها قضية
قناة السويس فى مدى قرن من الزمان لاشك أن شق قناة السويس فى الأراضى المصرية، قد وضع مصر فى الصفوف الأولى فى المسرح
الدولى، وساعدهما على الانفتاح على حضارة القرن العشرين، كما ساعد فى الاتصال بمختلف دول العالم، وابرز استعدادها لزعامة
المنطقة التى تعيش فيها، بل لزعامة الدول مجموعة الدول الافرو آسيوية النامية، وان كانت تلك الثمرات لم تزر إلا بعد أن
تخلصت مصر من الاستعمار ولكن من ناحية أخرى، فإن شق قناة السويس هو الذى دفع الاستعمار إلى تعجيل بسط سلطانه على البلاد
وقد أدى الاحتلال البريطانى لها، إلى تجمد نموها السياسى والاقتصادى والى عزلها عن العالم العربى والعالم الأفريقى، ولاشك
أن وجود شركة القناة، بامتيازاتها وحصاناتها، كان مفتاحا للاحتلال، وامتدادا للنفوذ الاستعمارى الأوروبى فى الأراضى
المصرية، وكذلك فإن الشركة قد أهملت كما جاء فى المذكرة الإيضاحية لقانون التأميم كثيرا من واجباتها، وغفلت عن الوفاء بكثير
من الالتزامات الواجبة عليها، ولكن مع ذلك، فإن هذه الشركة قد أسهمت فى تعمير منظمة الأراضى المصرية كانت صحراء جرداء، كما
أسهمت فى إنشاء ثلاث مدن هامة، قامت بأدوار بطولية فى حياة مصر السياسية وقرار التأميم الذى اتخذه الرئيس جمال عبد الناصر
بشجاعة، وهو فى باكورة حكمه، كان اقوى مسمار دق فى نعش الاستعمار الأوروبى، وقد فهمت الدول الاستعمارية المغزى العميق لهذا
القرار، فقررت القضاء على الثورة الناصرية بكل وسيلة ممكنة، ولم تتردد فى استخدام قوة السلاح لتحقيق هذا الهدف، ولوقف المد
التحررى الذى فتحت طريق تلك الثورة، واخذ يغمز جميع البلاد الآسيوية والأفريقية التى كانت ما تزال ترزح تحت نير الاستعمار
أن إخفاق مغامرة السويس العسكرية، عجل بنهاية الإمبراطوريات الاستعمارية، وجعلها تتحول إلى دول تدور فى فلط العملاق
الأمريكى، ولا تستطيع أن تتحرك إلا وفق إرادته، وكانت معارضة الولايات المتحدة الأمريكية لهذه المغامرة العسكرية الثلاثية
هى اكبر عوامل إخفاقها، والباحث الموضوعى لمنصف، يجب إلا يتأثر بالدعاية المحلية التى ضخمت من دور المقاومة الشعبية فى بور
سيعد وخارجها، ونسبت إليها وحدها هذا الإخفاق، كما يجب إلا يتأثر بالدعاية السوفيتية التى ضخمت من حجم تأثير الإنذار
السوفيتى إلى كل من فرنسا وإنجلترا ـ فالواقع إخفاق العدوان الثلاثى يرجع ـ اكثر ما يرجع ـ إلى إرادة العملاق الأمريكى
إلى درجة أن كثيرا من المعلقين السياسيين يرون أن الولايات المتحدة الأمريكية، قد سمحت بالعدوان الثلاثى، على نية العمل بعد
ذلك على إخفاقه، لينتهى وجود الاستعمار الأوروبى فى المنطقة، وتحل هى محله، وإعلان نظرية ايزنهاور عقب انسحاب القوات
الفرنسية والإنجليزية من بور سعيد، قد يكون دليلا على صحة وجهة نظر هؤلاء المعلقين، وثمة ملاحظة أخرى، بغض النظر عن القيمة
السياسية والاقتصادية لتأميم شركة قناة السويس، فأهمية هذا التأميم كانت اكبر لدول العالم الثالث، وللدول العربية التى كانت
تكافح من أجل استقلالها، اكثر مما كانت تلك الأهمية بالنسبة لمصر، التى كانت ستسترد قناة السويس بعد بضع سنوات، إذ تنتهى
مدة عقد الامتياز دون حاجة إلى تلك المعركة التى خاضتها ـ فهذا التأميم الجرىء، أتاح للدول العربية والافرواسوية ذلك الدفع
الثورة الذى بموجبه استطاعت أن تكمل مشوارها نحو تحقيق استقلالها السياسى والاقتصادى وأخيرا، فأنه مما عزز موقف مصر منذ
تاريخ صدور أول فرمان امتياز حتى اليوم، هو أن مصر كانت تستند فى كل هذه المسيرة إلى قواعد القانون الدولى، وكانت تحاول
دائما أن تلتزم الشريعة الدولية، وقد يكون مرد ذلك إلى أن مصر كانت دائما الطرف الضعيف طوال الفترات المختلفة لقضية قناة
السويس، والطرف الضعيف لا يضيف إلى ضعفه خروجا على القانون، كما لا يعمل على احترامه، والاحتماء به، وعلى أمل إلا تتعثر
خطاه نحو الانضمام إلى المجتمع الدولى المعاصر، وربما كانت هناك عوامل أخرى، ولكن المهم أن القانون الدولى قام بدور رئيس فى
تحركات مصر فى مدى قرن مضى، ففى ظله استطاعت أن تعزز نضالها، وأن تجعل منه منهجا فكريا، يكون مرشدا لها ولغيرها من الدول
الكادحة، التى ذاقت من ويلات الاستعمار، وكافحت فى سبيل الخلاص منه
قناة السويس بين الشرعية الدولية والأطماع الاستعمارية