اختلفت اقوال الفقهاء المسلمين حول حق المطلقة الحاضنة في السكنى كل حسب مذهبه بل انهم اختلفوا في اطار المذهب الواحد . وسنبين آراءهم وتفصيلاتهم في هذا الموضوع على النحو الآتي :
أولاً- أقوال الحنفية :
اختلف فقهاء الحنفية في مدة استحقاق المطلقة الحاضنة لاجرة المسكن الذي تقيم فيه. وذلك تبعاً لاختلافهم في تكييف هذه الاجرة . هل هي تابعة لنفقة المحضون ؟ وبالتالي تكون على ابي المحضون لان نفقة الولد عليه . ام هي تابعة لاجرة الحضانة ؟ فتكون على الام لانها اخذت اجرةً على حضانتها. فالذي اختاره (نجم الائمة) وهو من كبار الفقهاء هو ان لها السكنى ، وتكون في مال الصبي ان كان له مال والا فعلى من تجب عليه نفقته . ورجح (صاحب النهر) عدم وجوب السكنى ، لان حقها في الاجرة لا يستلزم وجوب المسكن بخلاف النفقة . قال ابن عابدين : ان صاحب النهر ليس من اهل الترجيح فلا يعارض ترجيحه ترجيح نجم الائمة ، ولا سيما مع ضعف تعليله ، لان القول بوجوب اجرة المسكن ليس مبنياً على وجوب الاجرة على الحضانة ، بل على وجوب نفقة الولد فقد تكون الحاضنة لا مسكن لها اصلاً فكيف تلزمها اجرة مسكن لتحضن فيه الولد .
وسئل (ابو حفص) عن الحاضنة التي ليس لها مسكن فقال على الاب اسكناهما جميعاً . واستنبط ابن عابدين من هذا الجواب : انه يمكن التوفيق بين القولين ، فيحمل القول بلزوم أجرة المسكن على الأب إذا لم يكن لها مسكن ، فلا نكلفها بدفع اجرة المسكن لاقامة المحضون فيه وانما يلزم بها من تجب عليه نفقته ، ويحمل القول بعدم اللزوم على ما اذا كان لها مسكن يمكنها ان تحضن فيه الولد ويسكن تبعاً لها وبذلك توفيق بين الرأيين والقول لابن عابدين(1). ويفهم من قول ابن عابدين ، ان الحاضنة اذا احتاجت الى مسكن تقيم فيه لحضانة الصغير وجبت اجرته على من تجب عليه نفقة الصغير ، لان اجرة المسكن من النفقة الواجبة للصغير ، فإذا احتاجت الحاضنة الى مسكن تحضنه فيه وجبت اجرته على من تجب عليه نفقته . واحتياج الحاضنة الى المسكن يتحقق اذا كانت الحاضنة ، تسكن مع شخص اجنبي عن الصغير . ويلزمها الانتقال الى مسكن مستقل لحاضنة الصغير ، ولم يكن هناك من تجب عليه اجرة مسكنها . اما اذا كانت الحاضنة تقيم في مسكن مستقل سواء كان مملوكاً لها او مستأجراً او كانت تسكن مع شخص اجنبي عن الصغير وكان هناك من تجب عليه اجرة مسكنها، فلا تجب اجرة على من تجب عليه نفقة الصغير ، لان الصغير لا يستقل بنفسه في السكنى ، وانما يسكن تبعاً لحاضنته ، فاذا كان للحاضنة مسكن يمكنها ان تحضن فيه الصغير لم يكن هناك ما يدعو الى تقرير اجرة للسكنى في هذه الحالة ، وهذا هو مذهب الحنفية (2).
ثانياً – أقوال المالكية في سكنى الحاضنة :
تعددت آراء فقهاء المالكية في مدى استحقاق المطلقة الحاضنة للسكنى او لأجرتها على ابي المحضون وسنبين هذه الاراء على النحو الاتي :
الرأي الاول – ان السكنى على الاب للحاضنة وللمحضون معاً وانه لاجتهاد في ذلك ، فلا تتحمل الحاضنة منه شيئاً . وذكر الدسوقي في حاشيته ان ذلك هو مذهب المدونة الذي به الفتوى(3). ويفهم من ذلك انه لا شيء على الحاضنة من السكنى . فتكون سكناها وسكنى المحضون في مال من عليه نفقة الولد . ولم يفرق هذا القول بين ان يكون للحاضنة مسكن او لا ، بل جعل عبء المسكن في كل حال على من عليه نفقة الولد(4).
الرأي الثاني – قال ان سكنى الحاضنة على الموسر من الاب والحاضنة(5). بمعنى ان الحاضنة اذا كانت موسرة والاب معسراً فان سكناها هي ومحضونها يكون من مالها ، وان كان الاب موسراً والحاضنة معسرة ، فان سكناها ومحضونها تكون على الاب ولا شيء على الحاضنة من اجرة السكنى . ولم يبين هذا الرأي ما اذا كان الاب والام معسرين او موسرين على حدٍ سواء . !
الرأي الثالث – قال : (ان الاب اذا كان في مسكن يملكه او يستأجره ، ولو كان ولده معه لم تزد عليه الاجرة ، فلا شيء عليه ، لانه لا مندوحة عن دفع الاجرة في سكناها. وان كان يزاد عليه في الكراء او عليها هي لاجل الولد ، فعليه الاقل مما يزاد عليه او عليها لاجله . فإن كان ما زيد عليها اقل اخذته ، لانه القدر الذي اضر بها ، وان كان ما يزاد عليه غرمه لانه مما لم يكن منه بد كما لو كان عنده)(6). ويستشف من أقوال هذا الرأي . ان الحاضنة لو كانت تسكن هي والصغير في مسكن مملوك لها . فلا يلزم الاب بشيء من اجرة السكنى . وكذلك الحكم اذا سكنت في مسكنٍ مستأجر ولم تزد عليها اجرة المسكن بسبب اسكان الصغير معها . اما اذا كانت تسكن في منزل مستأجر وزادت عليها اجرة المسكن بسبب إسكان الصغير معها ، فانها تستحق من الزوج ما زاد عن اصل اجرة المسكن ، بشرط ان تكون هذه الزيادة اقل من الزيادة التي يتحملها الزوج فيما لو كان يسكن بمسكن مستأجر وزادت عليه اجرة المسكن بسبب اسكان الصغير معه . واذا كانت الزيادة في اجرة مسكنها اكثر من الزيادة في اجرة مسكن الزوج المطلق . فانها تستحق اجرة تساوي الزيادة الحاصلة في مسكن الزوج المستأجر فقط .
الرأي الرابع – قال لا سكنى للرضيع على ابيه مدة الرضاع ، فاذا خرج من الرضاعة كان عليه ان يسكنه(7).
الرأي الخامس – قال ان سكنى الطفل على ابيه وعلى الحاضنة ما يخص نفسها . ويكون توزيع الاجرة بين المحضون والحاضنة على حسب اجتهاد القاضي . فقد يجعل نصف الاجرة على ابي المحضون ونصفها على الحاضنة وقد يجعل الثلث على ابي المحضون والباقي على الحاضنة او العكس . فتوزيع الاجر يكون على قدر الرؤوس فقد يكون المحضون متعدداً(8). وعلى الرغم من هذه الاقوال المختلفة عند المالكية فإن جمهورهم على ان سكنى المحضون على والده او من عليه نفقته ، الا الرضيع مدة الرضاعة فتكون سكناه على من يكون عندها . اما الحاضنة ففريق قال بان سكناها هي ايضاً على من عليه نفقة المحضون ، وفريق قال ، بل عليها هي حسب الاجتهاد فيما تتحمله ويتحمله المحضون او على قدر الرؤوس . وقيد البعض كون أجرة السكنى على الحاضنة لكون الاب معسراً وهي موسرة .
ثالثاً- اقوال الشافعية في سكنى المطلقة الحاضنة :
لفقهاء الشافعية قولان في سكنى المطلقة الحاضنة .
الأول – صريح بان ليس لها السكنى على مطلقها . فقد جاء في الفتاوى الكبرى : ان الام الحاضنة اذا طلبت اجرة المسكن الذي تحضن فيه اولادها نظرنا ، فان كانت في عصمة الزوج الاب فالاسكان عليه وإلا فليس لها إلا اجرة الحضانة تستأجر منها سكناً ان شاءت ولا تسقط حضانتها بعدم ملكها او نحوه لمسكن(9).
والثاني – يمكن ان نستشفه ضمناً من كتب الشافعية بان للمطلقة الحاضنة السكنى على ابي المحضون قياساً على خدمته . فقد جاء في نهاية المحتاج للرملي وهو يبين معنى الحضانة ((ومؤنتها على من تلزمه النفقة ، فان احتاج الولد الذكر او الانثى لخدمة فعلى الوالد اخدامه بلائق به عرفاً))(10). ويفهم من قول الرملي ان الاب ملزم باحضار خادمة لولده . فلا يمكن ان يتصور ان الخدمة اولى من المسكن الذي يلجأ اليه الولد ويحميه وإلا اصبح ضائعاً وهذا عين الاضرار به المنهي عنه(11). وبناءً على ذلك . فان للحاضنة المطلقة السكنى او اجرتها على ابي المحضون وفقاً لاقوال الشافعية .
رابعاً – أقوال الحنابلة في سكنى المطلقة الحاضنة :
لم يتطرق فقهاء الحنابلة الى مسكن الحاضنة او اجرته بل تعرضوا في كتبهم الى نفقة الاولاد . وقالوا يجبر الرجل على نفقة والديه وولده ذكوراً كانوا ام اناثاً اذا كانوا فقراء وكان له ما ينفقه عليهم(12). وعليه إن كانت سكنى الصغير من ضمن النفقة التي يلزم بها الاب فيكون سكناها على الاب ويكون سكنى المطلقة الحاضنة تبعاً لسكنى الصغير وإلا فلا .
خامساً – اقوال فقهاء الامامية في سكنى الحاضنة :
لقد جاء في المادة (390) من الاحكام الجعفرية للحلي (اذا كانت ام الطفل هي الحاضنة له ولم يكن لها مسكن تمسك فيه الصغير الفقير فعلى ابيه سكناها جميعاً)(13).
_____________________
[1]- ابن عابدين ، رد المحتار على الدر المختار ، مصدر سابق ، ج2 ، ص877 ؛ ود. عز الدين محمد الغرباني ، الحضانة بين الشريعة والقانون في البلاد العربية ، مصدر سابق ، ص159 ؛ ود. عبد العزيز عامر ، الاحوال الشخصية في الشريعة الاسلامية ، فقهً وقضاءً ، النسب ، الرضاع ، الحضانة ، نفقة الاقارب ، ط1 ، دار الكتاب العربي ، مصر ، 1961 ، ص ص 382-383 .
2- زكي الدين شعبان ، الاحكام الشرعية للاحوال الشخصية ، مصدر سابق ، ص629.
3- محمد عرفة ، حاشية الدسوقي ، على الشرح الكبير للدرديري ، وبهامشه شرح تقريرات الشيخ محمد عليش ، ج2 ، مطبعة احياء الكتب العربية لعيسى البابي الحلبي ، مصر ، 1319هـ ، ص ص533-534 .
4- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ، ج 2 ص 534 ، عبد العزيز عامر ، الاحوال الشخصية في الشريعة الاسلامية ، مصدر سابق ، ص384.
5- الحطاب ، مواهب الجليل ، مصدر سابق ، ج4 ، ص 220 .
6- الحطاب ، المصدر السابق ، ص 220 .
7- الحطاب ، مواهب الجليل ، مصدر سابق ، ج4 ، ص 221 .
8- محمد عرفة ، حاشية الدسوقي ، مصدر سابق ، ج2 ، ص ص 533-534 .
9- ابن حجر الهيتمي ، الفتاوى الفقهية الكبرى ، ج4 ، طبع مطبعة عبد الحميد احمد ، القاهرة ، 1957هـ، ص216.
0[1]- الرملي ، نهاية المحتاج ، مصدر سابق ، ج7 ، ص214.
1[1]- محمد عليوي ناصر ، الحضانة بين الشريعة والقانون ، رسالة ماجستير مقدمة الى مجلس كلية الشريعة ، جامعة بغداد ، 1988 ، ص 271 .
2[1]- ابن قدامة ، المغني ، ويليه ابن قدامة المقدسي ، الشرح الكبير ، مصدر سابق ، ج9 ، ص 256 .
3[1]- الشيخ عبد الكريم رضا الحلي ، الاحكام الجعفرية ، ص101 . و محمد عليوي ناصر ، الحضانة بين الشريعة والقانون ، مصدر سابق ، ص 272.
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
حق المطلقة الحاضنة في السكنى وفقاً لأقوال فقهاء المسلمين