هل مجلس النواب ساحة لتصفية الحسابات الشخصية ؟
أ/ ليث نصراوين
إن أهم ما يميز مجريات الدورة غير العادية التي يعقدها حاليا مجلس الأمة الأردني تفشي ظاهرة المناكفات النيابية ضد شخص رئيس الوزراء عبد الله النسور من قبل بعض السادة النواب والتي بدأت مبكرا منذ أول جلسة لمجلس النواب السابع عشر التي خصصت للاستماع لخطبة العرش. فقد تنوعت أشكال هذه المشاغبات وتعددت صورها ابتداء من رفع يافطات تطالب بإسقاط النسور، مرورا بإصدار بيانات خاصة تهدد باتخاذ إجراءات تصعيدية في حال تم تجديد البيعة له كرئيس للوزراء تتمثل بالنزول إلى الشارع والتظاهر ضد القرار، وانتهاء بتقديم عريضة إلى الحكومة تطالب بإعادة عرض مسلسل “الدغري” للفنان السوري دريد لحام وذلك نكاية برئيس الوزراء.
إن العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية دائما ما تكون قائمة على التنافس وإثبات الوجود، حيث تحاول الحكومة استمالة ود النواب تارة والضغط عليهم تارة أخرى لتمرير مشاريع القوانين التي تقترحها، في حين يمارس مجلس النواب رقابة سياسية خصه بها الدستور الأردني على مجلس الأعيان تتمثل في متابعة القرارات والأعمال التي تصدر عن الحكومة كافة، وتلك التي يتخذها كل وزير على حدة لغايات حجب الثقة عنهم وفق أحكام الدستور. وهذا ما أكدت عليه المادة (51) من الدستور التي تعتبر رئيس الوزراء والوزراء مسؤولين أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة، وأن كل وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته.
إن هذه المسؤولية السياسية التي قررها الدستور الأردني لمجلس الوزراء والوزراء أمام مجلس النواب يجب أن تبقى دائما في إطار التنافسية الدستورية الشريفة وأن تستجدي تحقيق المصلحة العامة للدولة على حساب المصلحة الخاصة لأعضاء مجلس النواب. وهذا الأمر يتطلب بالضرورة أن تتم محاسبة الوزراء عن كل ما يصدر عنهم من قرارات وأعمال ذات صلة بإدارتهم لشؤون الدولة الداخلية والخارجية أو شؤون وزاراتهم كلا على حدة، وأن يخرج من إطار تلك الرقابة أي هجوم شخصي على الوزراء ورئيسهم بغية اغتيال الشخصية وبدافع الانتقام وتلطيخ سمعتهم أمام أفراد الشعب كافة.
أما أن يتحول مجلس النواب إلى ساحة لتصفية الحسابات الشخصية من خلال ممارسة أنواع المناكفات النيابية ضد أعضاء الحكومة كافة فهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا كونه يمس بهيبة المجلس وقدسيته باعتباره بيت الأردنيين جميعا من شتى الأصول والمنابت يستضيف ممثليهم المنتخبين لفترة زمنية محددة ليخرجوا منه ويحل محلهم أشخاص آخرون، بالتالي فلا يجوز بأي حال من الأحوال أن يسمح لفئة من النواب أن تدنس حرمته وأن تستخدمه كمطية لتصفية حسابات خاصة مع أعضاء السلطة التنفيذية.
وكذلك الحال، فإن تقديم مذكرة نيابية إلى رئيس مجلس النواب تطالب الحكومة بإعادة عرض مسلسل “الدغري” يعد تطاولا على المجلس النيابي ومساسا مباشرا بكرامة وهيبة أعضائه أكثر من اعتباره استهزاء بشخص رئيس الوزراء الذي أبلى بلاء حسنا بعدم الرد والترفع عن تلك المناكفات.
ولا يرد القول إن ما يقوم به بعض السادة النواب من مشاغبات فردية في مجلس النواب يدخل ضمن باب حرية الكلام وإبداء الرأي كحصانة موضوعية أثناء انعقاد جلسات مجلس النواب ذلك أن المشرع الدستوري لم يجعل حرية الرأي والكلام والتعبير أثناء جلسات مجلس النواب مطلقة تسمح للسادة النواب أن يتصرفوا على هواهم وبكامل حريتهم، فقد فرضت المادة (87) من الدستور قيودا موضوعية على حرية الكلام تتمثل في إعطاء كل عضو من أعضاء مجلس النواب ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي ولكن ضمن حدود النظام الداخلي للمجلس النيابي. وفي هذا المجال فقد حظرت المادة (104) من النظام الداخلي لمجلس النواب على النائب أن يستعمل ألفاظا نابية أو عبارات غير لائقة أو فيها مساس بكرامة المجلس أو رئيسه أو بكرامة الأشخاص أو الهيئات أو المساس بالنظام العام أو الآداب العامة، كما أعطت المادة (105) من النظام الداخلي رئيس المجلس الحق في أن يمنع النائب المتكلم من متابعة كلامه إذا تفوه بعبارات نابية بحق أحد النواب أو اللجان أو الكتل النيابية أو إذا تعرض بالتحقير لشخص أو هيئة ما لم تكن أقواله مؤيدة بحكم قضائي قطعي.
فبموجب الأحكام السابقة التي تنظم إجراءات سير العمل أثناء جلسات مجلس النواب، فإن النواب المتهجمين على شخص رئيس الوزراء النسور بصفته الشخصية يعدون مخالفين لأصول الكلام والنقاش داخل أروقة مجلس النواب مما يبرر مجازاتهم وفق أحكام النظام الداخلي.
أما بخصوص تهديد بعض السادة النواب بالنزول إلى الشارع في حال اختيار الدكتور عبد الله النسور رئيسا للوزراء في الحكومة البرلمانية القادمة، فإنه يمكن وبكل دستورية أن يتم استبدال ذلك الإجراء بالتلويح بحجب الثقة عن البيان الوزاري الذي يلزم بتقديمه خلال شهر واحد من تاريخ تأليفه الحكومة الجديدة. فالأسباب التي يتمسك بها أولئك النواب ضد التجديد لرئيس الوزراء والتي يرغبون في التعبير عنها من خلال المظاهرات العامة والاعتصامات للمطالبة بإسقاطه يمكنهم أن يعبروا عنها بشكل دستوري وأثناء نقاشات البيان الوزاري للحكومة ومن خلال حجب الثقة عنها في أي وقت يشاؤون.
إن التمسك بالصلاحيات الدستورية لمجلس النواب وممارستها بالصورة التي أرادها له المشرع الدستوري هما أكبر دلالة على فعالية المجلس المنتخب وحيويته البرلمانية، ومن شأنه أيضا أن يحفظ ماء وجه المجلس وأن يعيد إحياء الثقة الشعبية به وبقدرته على العمل من أجل المصلحة العامة، تلك الثقة التي انحدرت إلى مستويات قياسية خلال المجالس النيابية السابقة نتيجة لما بدر من نواب سابقين من أخطاء وهفوات ما زالت تلقي بظلالها الوفيرة على نظرة الأردنيين لمجلس النواب السابع عشر والتي يعتريها الحسرة وانعدام الأمل في قدرة النواب الحاليين على القيام بالمهام والأعمال الدستورية الموكولة إليهم في مواجهة السلطة التنفيذية.
هل مجلس النواب ساحة لتصفية الحسابات الشخصية؟ مقال قانوني فريد