مقالة قانونبة مميز عن هيبة القضاء في التنفيذ

القاضي المستشار زياد الحليبي

ان التنفيذ بحث يطول شرحه وهو سيف العدالة الذي يقتص به الحق..فلولا التنفيذ لا داعي للقضاء ..فما اهمية الاحكام بدون تنفيذها ..وللاحكام القضائية هدفين وهما الردع العام والردع الخاص : اما العام فهو لمعرفة العامة انه هناك قضاء يحصل الحقوق داخل الدولة ولو بالقوة عن طريق السلطة العامة

وبالتالي لا يمكن لاحد ان يتهرب من حقوق الاخرين ولابد من تحصيلها…والخاص وهو تنفيذ الحكم على المدين او المجرم ومحاسبته وتحصيل حقوق الدولة او المجتمع وفق قواعد القانون
فالقانون المدني هدفه حماية حقوق و المصالح الخاصة بأطراف الدعوى…. أما القانون الجنائي يهدف إلى منع الجرائم من إرتكابها ومعاقبة فاعليها بقصد حماية المجتمع… ومن هنا يختلف التنفيذ الجنائي عن التنفيذ المدني فالأول يشمل عقوبات تمس الأرواح وحريات الأشخاص و الأموال أما الثاني فيأتي على المراكز المالية بصفة أساسية للافراد ومن ثم لكل فرع قواعد تنفيذية خاصة به ومحددة قانونا وبالتالي لا يجوز للشخص أن يقضي حقه بنفسه و لنفسه و إلا عمت الفوضى في المجتمع لذلك تتولى الدولة هذه المهمة بإعتبارها السلطة العامة .

لابد لنا هنا ان نتعرف على التنفيذ الجبري المدني وهو:

ذلك التنفيذ الذي تجريه السلطة العامة تحت إشراف ورقابة القضاء بناء على طلب الدائن الذي يحمل سند مستوف لشروط قانونية خاصة ، بقصد إستفاء حقه الثابت في سند المدين قهرا عنه وذلك إما عن طريق منع المدين من التصرف في ماله المحجوز أو عن طريق جبر المدين على التنفيذ المباشر .

اما السلطة التي تباشر إجراءات التنفيذ فتكون انطلاقأ من

أن المبدأ القانوني هو أنه لا يجوز لدائن أن يقتضي حقه بنفسه من مدينه كون المجتمعات القانونية لا تسمح للشخص في أن يحصل على حقه بنفسه لنفسه وهذا حرصا للمحافظة على الأمن و النظام العام…..إذن فالقاعدة أن الدائن يستعين بالسلطة العامة في إستيفاء حقه قهرأ وعلى السلطة العامة أن تقدم له يد العون بما لها من قوة على تنفيذ ما هو محكوم له تجاه مدينه .
وإذا إمتنعت السلطة العامة عن التنفيذ تكون مسؤولة بتعويض طالب التنفيذ عن الضرر الذي يصيبه من عدم حصوله على حقه أو التأخير في الحصول عليه ولا يستوجب أن تمتنع السلطة عن التنفيذ إلا في حالتين وعليها اثباتهما امام القضاءلتدفع عن نفسها طلب التعويض و هما :

الحالة الأولى : القوة القاهرة ولها شروطها واركانها لتتوافر.
الحالة الثانية : عندما تكون مضطرة للمحافظة على الأمن والنظام العام .
و السلطة القضائية هي التي تقوم بالتنفيذ عن طريق دائرة التنفيذ وهي دائرة تطورت وتغيرت وفق تغير القوانين ففي ظل تعاقب التشريعات تغيرت تبعأ لها، فكانت دائرة التنفيذ في ظل التشريع العثماني تتألف من عدد من الكتاب العدليين يتولاها الرئيس الأول لمحكمة البداية إلى أن صدر في عام (1928) القرار /238/ الذي أجاز في المادة /65/ منه تعيين أحد قضاة المحكمة البدائية رئيساً لدائرة التنفيذ ونص على قيام حكام الصلح في المناطق التي ليس فيها محكمة بداية بأعمال التنفيذ وفق القانون.

وفي عام (1953) صدر المرسوم التشريعي رقم /133/ المتضمن قانون السلطة القضائية ونص في الفقرة /أ/ من المادة /3/ على ما يلي: أن دائرة التنفيذ هي إحدى الدوائر القضائية الخاضعة لنظام السلطة القضائية

وفي عام (1959) صدر قانون جديد للسلطة القضائية برقم /56/ الذي نص في الفقرة /92/ منه على أن رؤساء المحاكم الابتدائية مختصون في تنفيذ الأحكام وقراراتهم تستأنف أمام المحاكم الابتدائية بصفتها الاستئنافية

وفي عام1961صدر القانون الحالي للسلطة القضائية بالمرسوم التشريعي رقم /98/ ونصت المادة /62/ على ما يلي: يقوم القضاة البدائيون بتنفيذ الأحكام وفقاً للقوانين النافذة.
. وإذا تعدد القضاة البدائيون في مركز واحد يعين أحدهم لرئاسة التنفيذ بقرار من مجلس القضاء الأعلى، أما المساعدون العدليون (مأمورو التنفيذ) فعددهم في كل دائرة تنفيذية يختلف حسب الحاجة ولهم رئيس يعرف باسم مدير التنفيذ……….. و الأسناد التنفيذية كما نصت عليها القوانين ومنها القوانين السورية هي: الأحكام والقرارات العقود الرسمية والأوراق الأخرى التي يعطيها القانون قوة التنفيذ
والأسناد التنفيذية وهي بحسب النص القانوني أربعة وسنتحدث عن كل منهم على حده وبشكل موجز :

أولاً: الأحكـام:
وهي التي تأتي مؤكدة وجود الحق في ذمة المدين وتلزمه بالوفاء بدين و تكون ممثلة بكل أطرافها بقضاء الخصومة وتصدر

مستكملة كل شرائطها ولذلك تكون عادة هذه الأحكام أقوى الأسناد التنفيذية وهذه الأحكام لها شقين:
أ- أحكام مبرمة حازت قوة القضية المقضية لا تقبل أي طريق من الطعن.
ب- أحكام اكتسبت الدرجة القطعية بانتهاء مدة الطعن بها وصدقت نهائياً من المحكمة.
ج- أحكام صادرة عن المحاكم الشرعية أو الاستئنافية قابلة للطعن بالنقض: وتكون صالحة للتنفيذ ضمن ما بينته المادة /251/ أصول محاكمات مدنية: “أن الطعن بطريق النقض بالأحكام الصادرة عن المحاكم المذكورة لا يوقف تنفيذها عدا ما تعلق منها بعين العقار ولا يؤثر على السير بالتنفيذ بها سوى صدور قرار محكمة النقض بوقف يقضي تنفيذها”.
د- الأحكام الصادرة عن محكمة النقض: إما أن يصدر القرار برفض الطعن ويكون السند التنفيذي هو الحكم الذي طعن به.
أو أن يصدر الحكم بقبول الطعن وإلغاء الحكم المطعون به فيكون الحكم سنداً تنفيذياً ويعيد الحال إلى ما كانت عليه إذا سبق وأن تم تنفيذ السند جبراً في دائرة التنفيذ.
أو أن يصدر الحكم بقبول الطعن ويفصل في الموضوع ويعتبر سنداً تنفيذياً ملزماً.
هـ- الأحكام الصادرة بصورة مستعجلة أو مؤقتة: وهي الأحكام التي تصدر عن قاضي الأمور المستعجلة أو قاضي الموضوع بصورة مستعجلة يخشى معه فوات الوقت وضرر لا يمكن تداركه.
كما في الأحكام الصادرة في النفقة، الحجز الاحتياطي، بيع الأموال المحجوزة خشية تلفها على أن يحفظ ثمنها بصندوق المحكمة أو بتعين حارس قضائي، ويمكن أن يعطيها القاضي صيغة النفاذ المعجل كما وردت في نص المادة /290/ أصول فقرة /ب/، الأحكام الصادرة بالنفقة أو بأجرة الحضانة أو الرضاع أو المسكن أو تسليم الصغير أو إراءته لوليه وقد ورد في نص المادة /289/ أصول محاكمات ما يلي انه لا يجوز تنفيذ الأحكام جبراً ما دام الطعن فيها بالاستئناف جائزاً إلا إذا كان النفاذ المعجل منصوصاً عليه في القانون أو محكوماً به.
و لا يجوز تنفيذ الأحكام الجزائية المتعلقة بالحقوق الشخصية ما لم تصبح مبرمة
وقد استقر الاجتهاد القضائي على أن إعطاء القرار صفة النفاذ المعجل يجعله قابلاً للتنفيذ دون أن يتبلغ ودون انتظار مهل الطعن
واما أحكام المحكمين: التي أصبح لها طابع التنفيذ والتي تكون مستكملة ومستوفية الشروط القانونية وذلك بقرار يصدر من قاضي الأمور المستعجلة.
“الحكم الوجاهي الصادر بإعطاء حكم المحكمين صيغة التنفيذ خاضع للتبليغ حتى تبدأ مهلة الطعن استئنافاً بحقه”

ثانياً: القرارات الوارد ذكرها في المادة /273/ أصول مدنية وهي:
الأسناد التنفيذية هي: الأحكام والقرارات والعقود الرسمية والأوراق الأخرى التي يعطيها القانون قوة التنفيذ.

ثالثاً: العقود والأسناد الرسمية:
إن العقود أو الأسناد الرسمية القابلة للتنفيذ هي اولأ أسناد الدين المنظمة لدى الكاتب بالعدل المنظم وفق المادة /31/ من قانون كتاب العدل وثانيأ العقود المسجلة أصولاً بتأمين ورهن المركبات لدى مديرية المواصلات وفق قانون السير.
وثالثأالعقود التي تشمل صلحاً مكتسب حكماً قضائياً قطعياً.
ورابعأ الوثائق الرسمية الصادرة عن المحاكم الشرعية كالوصية، صك الزواج او وثيقة طلاق
وتقوم دائرةالتنفيذ بطرح السندات المقدمة إلى التنفيذ مباشرة وذلك دون أن يكون صاحب السند قد حصل على حكم قضائي به وإنما تقوم هذه الدائرة بتبليغ المدين بما عليه من ذمة بموجب إخطار ترسله له وعند تبلغ المدين بذلك الإخطار له أن يلجأ إلى حالتين:

الحالـة الأولـى:
إما بالحضور إلى الدائرة والإقرار بذلك السند واعتبار ذمته مشغولة به وبذلك يكون الإقرار متروك للمدين للإقرار بما فيه ذمته ويصبح السند هنا له القوة القانونية للتنفيذ الجبري. ونميز هنا حالة فيما إذا تبلغ المدين الإخطار بذلك السند ولم يراجع الدائرة المختصة ومضت المدة القانونية كذلك يصبح السند قانوني وله القوة التنفيذية.

الحالـة الثانيـة:
حضور المدين إلى دائرة التنفيذ وإنكاره للسند المطالب به وهنا يكلف الدائن بمراجعة القضاء المختص لإثبات ما وقع عليه الإنكار من المدين والحصول على قرار قضائي قطعي بذلك الدين له القوة التنفيذية الجبرية
وقد بينت المادة /468/ من قانون أصول المحاكمات المدنية طريقة تحصيل الديون الثابتة بالكتابة فنصت على:
اولأ للدائن بدين من النقود إذا كان دينه ثابتاً بسند عادي أو ورقة من الأوراق التجارية القابلة للتظهير أن يراجع دائرة التنفيذ ويطلب تحصيل دينه.

وثانيألا يجوز سلوك هذه الطريقة إلا إذا كان للمدين موطن أصلي أو مختاراً أو سكنى بذات المنطقة التي يشملها الاختصاص المكاني لدائرة التنفيذ أو كان لأحد المدينين المتعددين سكن فيها أو كان السند محرراً في هذه المنطقة أو مشروطاً دفعه فيها وكان الدين حال الأداء معين المقدار”.
ثم بينت المادة /471/ أصول مدنية:
اولأ إذا أقر المدين بالدين أو قسم منه تقوم الدائرة بتنفيذ ما جرى الإقرار به.
وثانيأ يجب أن يقع الإقرار بحضور الرئيس بعد أن يتثبت من هوية المقر ويدون به محضراً بذلك…

رابعاً: هناك بعض الأوراق الأخرى التي تأخذ قوة التنفيذ بحكم القانون وتشمل السندات العادية والأوراق التي يمكن تقديمها للتنفيذ ويسمح بها القانون:
مثل الديون الثابتة بالكتابة كالسندات العادية أو التي تكون موثقة لدى جهة معينة.
وقد بينت المادة /274/ أصول محاكمات مدنية من مختص بالتنفيذ حيث جاء في هذه المادة:
ان دائرة التنفيذ المختصة هي الدائرة التي توجد في منطقة المحكمة التي أصدرت الحكم أو الدائرة التي أنشئت الأسناد في منطقتها.

ويجوز التنفيذ في الدائرة التي يكن موطن المدين أو أمواله فيها أو الدائرة التي اشترط الوفاء في منطقتها…
و حدود القانون في إعطاء السند قوته التنفيذية نلاحظ من مجمل ما جاء في إجراءات التنفيذ وقوتها القانونية في ذلك… هناك حدود معينة لا يمكن تجاوزها كأن يخفق الدائن في إبراز الوثائق الرسمية المؤيدة لمطالبه أو أنكر المدين وجود هذه الوثائق أو نفى بالأصل وجود ذمة عليه فإنه يتوجب على الدائن أو المحكوم له الحصول على قرار من المحكمة المختصة لإثبات ما تقدم به من ادعاء وبعد حصوله على حكم بذلك يحق له متابعة الإجراءات التنفيذية حيث أن ذلك يعتبر منازعة موضوعية تخرج عن اختصاص دائرة التنفيذ. وسنتحدث مستقبلأ عما يخرج عن اختصاص دائرة التنفيذ كونه بحث يطول شرحه..

فقد نصت المادة /283/ من قانون أصول المحاكمات المدنية على:

أنه لا يجوز تنفيذ سند يتعلق بحق غير ثابت الوجود أو غير معين المقدار أو غير مستحق.
وإذا كان التنفيذ موقوفاً على القيام بالتزام يجب على المستدعي أن يقوم فعلاً بقضاء هذا الالتزام أو أن يضم إلى طلبه الأوراق التي تثبت القيام به وبالتالي يتضح أن المشرع قصد وجوب أن يكون السند التنفيذي جازماً لا لبس فيه ولاغموض من حيث النتيجة التي انتهى إليها وأن لا يكون معلقاً على شرط او إجراءات من الواجب إتباعها فيما بعد وأن لا ينطوي على تكليف دائرة التنفيذ بإتباعها، وذلك كون دائرة التنفيذ ليست محكمة موضوع وخصومة و لا يجوز لها إتباع إجراءات تتعلق بأمور موضوعية تمس اصل الحق…….

ولا بد من الحديث هنا ان هناك بعض التشريعات الحديثة في بعض الدول طورت مفهومها للتنفيذ بحيث اعطى المشرع عندهم حق تنفيذ الحكم للمحكمة المصدره له و يتولى القاضي المصدر للحكم الإشراف على عملية التنفيذ كون القاضي المصدر للحكم أكثر اطلاعاً على ماهية النزاع وما هو المقصود بالحكم الصادر حيث أن ملف القضية بكامله موجود لديه ويعلم تماماً حقيقة وطبيعة النزاع ……….

مقالة قانونبة مميزة عن هيبة القضاء في التنفيذ