الهبة الملكية تحت الاختبار القضائي أية قيمة؟

الأستاذة: سعاد الإدريسي / محامية بالحسيمة

“الامر الملكي بمنح مأذونية ليس سوى توصية لا يرتب أي اثر قانوني “

قرار استئنافي عدد 1822 ملف إداري عدد 44/7206/2017 بتاريخ 19/4/2017

تعليق على ضوء حكم قضائي

للملك الذي يمارس مهامه الرسمية الموكوله له والمؤصلة في الدستور مهام أخرى تدخل في الجانب الإنساني لشخصيته، وكذا البعد الاجتماعي في إبداء التشارك والتعاطف بين شخص الملك باعتباره رمزا وطنيا ودينيا وأبويا للمواطنين وجزءا من مبدأ الرعاية (رعايا)، مما يفترض وجود مسؤولية خاصة بين الملك والرعية ، يستطيع بها القيام بخدمات شخصية لمن يصادفه في إطار لقاءاته الخاصة والاستماع لهم، والتدخل لحل بعض من مشاكلهم سواء بمنحهم منحا مالية، أو إعطاء ما يضمن مورد عيش قار لحالة اجتماعية، أو معنوية، فاخذ صور شخصية مع الملك يعطي حالة رضا وحفظا للمودة القائمة بين الطرفين ، والذي يظهر أن الملك يحرص على الإبقاء عليها، بل وممارستها بكثير من الأريحية والقبول لذلك؛

قد يحدث أن يتعطل تحقق غاية العطايا الملكية الممنوحة والوصول إلى نتيجتها بوضعها موضع التنفيذ والاستفادة منها لأسباب مختلفة،

في هذا الإطار، نعرض حالة من العطية المباشرة للملك لمواطنة، لكنها لم تتحقق واقعيا مما جعل التفكير في طلب إلزام التنفيذ بإتباع الوسائل القانونية المناسبة عبر القضاء لكي تنتهي الهبة إلى لا شيء؟ مما يطرح تساؤلات حول التكييف القانوني للهبة أو ما يماثلها من عطايا ملكية ووسائل إرجاع وضمان تنفيذها ؟

الهبة الملكية فرصة الخروج من أزمة بلقاء يتم بالصدفة

ان اللقاء مع الملك يدخل في خانة الحظوظ العالية للشخص الذي يتأتى له ذلك , وتدخل إلى خانات الذكريات الفريدة غير القابلة للنسيان ، واللقاء بالملك مقرون في المخيل الشعبي منذ الأزل بقدوم خير ما ، سواء معنويا كان أو ماديا، و بخاصة للضعفاء .

وبطبيعة الحال فان من يلتقي الملك مرة قد لا يكون له حظ لقاء آخر، إلا بمعجزة وبالتالي فان ما قد يكون قد نتج عن اللقاء عن عطية أو هبة، لا يمكن له ان يتشكي له بعدم تنفيذه، ولا من جهة أخرى تستقبل الشكاية وتتفاعل معها مما يجعل ضمانة العطية اذا لم تؤخذ على محمل التنفيذ الفوري معرضة للعدم، فالأصل أن مجرد الإشارة بالعطية _وهو نهج الملوك منذ سابق الأزمان _ هو أمر مباشر تنفيذي لا يقبل المراجعة

فكيف يمكن تكييف الهبات الملكية حالة عدم تنفيذها،؟ وما نية الملك لإعطاء هبة للمواطن ؟ هل هي مجرد توصية لجهة ما بإيجاد مورد عيش حسب ما وصى به ؟ أم إيحاء بمساعدته أم قرار إداري ؟ أم هو اكبر من ذلك وهو أمر يجب تنفيذه قطعا؟

ماذا إن لم ينفذ الأمر الملكي؟

قد يأمر الملك بعطية ما لشخص ما قد اشتكى له من سوء حال وضنك عيش، مما يجعل تأثير العطية على المواطن ذات اثر بالغ عاطفيا، وتعزز وشيجة العلاقة المرغوبة بين الملك والشعب، وهو شيء يحرص عليه كل حاكم ويجعله جزءا من وظيفته ، ولا شك أن قيمة هذا الأثر تنبع من التعاطف أولا، ثم من التأكد من التحقق الناجز للأمر الملكي لكون الملك ضامن للشيء بقوة موقعه الشرعي كأمير للمؤمنين وموقعه الدستوري.

لا شك ان المواطن لن يحمل الملك شخصيا مسؤولية عدم تحقق الوعد المعطى له من طرفه، و يحمل القائمين بتنفيذه مسؤولية ذلك سواء بإهمال الأمر او تهريبه لشخص آخر أو لأسباب أخرى ؛

ولكن مع تكرار الأمر، وتحول الاستثناء إلى قاعدة، وتحول العطايا الملكية إلى سراب من شانها ان تثير أسئلة حول سر هذا القصور في تنفيذ أمر ممن لا يرد له أمر ، فمن المؤكد أن ينشأ تفكير بكون الأوامر الملكية أصبحت مثلها مثل الوعود الإدارية والوزارية وكل ما يصدر عن مؤسسات في الدولة، مما يدخلها دائرة الشك، ويديرها مدار العبث والتهدئة المؤقتة، خاصة بمرور الوقت والتساؤل ان كان الملك نفسه يدري بمصير ما يأمر به من عطايا او انه يعلم ولا يتصرف، وكلاهما له سيئ الأثر على نفسية المواطن فان لم يكن يعلم فهذه كارثة، لكون ذلك غياب عن تتبع مصالح الناس الذي دائما ما يعطي انطباعا انه يتابعها ، وان كان يعلم فتلك مصيبة مركبة لكونه يدخل ضمن المعتاد من ثقافة مستهترة عامة لم تستثن حتى رأس الدولة.

ما العمل؟؟؟

أمام هذا الواقع ، هل من مسلك يصلح الأمر ويعيد اعتبار العطية الملكية؟ وما هي جهة الاختصاص لذلك ؟؟

المسطرة القانونية

قبل سلوك اي مسطرة يجب أولا تكييف الأمر الملكي ، فهل يمكن اعتباره قرار إداريا ام هو توصية أم أمر تنفيذي واجب النفاذ؛

القرار الإداري هو تعبير الإدارة بما لها من سلطة عن إرادة ملزمة بما يمنحه القانون بقصد إحداث اثر قانوني يكون ممكنا وجائزا،

لا يمكن اعتبار الأمر الملكي قرارا إداري ، لكون الملك ليس جهة إدارية تخضع قراراتها للمراقبة القضائية الإدارية وبالتالي يستبعد القضاء الإداري من الموضوع،

التوصية هي عبارة عن رسالة من جهة رسمية او معهود لها بخبرتها وكفاءتها بأخذ مضمون الرسالة باعتبار ايجابي، تحت ضمانها بعد ان استوفت دراستها والبحث فيها بما يستوجب الاستجابة لها،

وأيضا لا يمكن اعتبارها توصية، لان التوصية تصدر من جهة اقل اعتبارا لجهة اكبر اعتبارا والملك بصفته أعلى صفة بالبلد، قد يتلقى التوصيات والاستشارات وما عداها من ذوي الاختصاص لإعانته على اتخاذ قراراته، لكن لا يمكنه ان يصدر التوصيات ولا يفترض منه ذلك.

ان تحديد موقع الآمر يتحدد بموقع صاحبه سواء كان الموقع وظيفيا مرتبطا بوظيفته ام شخصيا بقيمته الاعتبارية ،

شخص الملك يعطيه حسب الموقعين صلاحيات إعطاء أوامر تنفيذية في الحال، وان قيام الجهات الإدارية باستكمال الإجراءات الإدارية هي مسطرة تنفيذية وليست مسطرة تقييمية والنظر في الموضوع.

حيثيات الحكم

اعتبر الحكم ان العطية الملكية مجرد توصية لا ترتب اي اثر قانوني، وبالتالي يكون قد وضع الأمر الملكي موضعا جديدا يستلزم إيجاد موقع له على سلم التصرفات القانونية للتعامل معه قانونا، وتحديد مساره القانوني لاسترجاع مركزه وأثره في مجال التصرفات حالة تعرضه للإعدام الإداري، فكل تصرف له اثر يرتبه واقعا وقانونا

ملاحظات حول الحكم

أول ما يمكن ملاحظته على الحكم الصادر في الموضوع ان المحكمة بدرجتيها لم تحكم بعدم قبول الدعوى بمعنى أنها رأت أن المقال استوفى الشروط الشكلية للدعوى، واعتبرت الإدلاء بمراجع الهبة كافية لإثباتها، كما أن الجهة المدعى عليها لم تجب ولم تنف ولم تنازع مما يجعلها نسبيا قد وضعت دعوى العارضة محل اعتبار جدي لها؛

أن الحكم صدر بشكل غيابي في حق الطرف المدعى عليه، وهو لا شك أمر مثير للانتباه بعدم اخذ الإدارة طلب العارضة التي التجأت للمخاصمة أمام المحكمة مأخذ أي جد ولم يحرك فيها أي خشية من تحميل المسؤولية تجاه أمر ملكي واضح لإعطاء المبررات الموضوعية لذلك بما يعضد موقفهم؛

ان المحكمة لم تتعامل مع الأمر بكونه ذا خصوصية يمنح صاحبها امتيازا، فتوسع من دائرة البحث باستدعاء الأطراف للبحث او اعتماد أية وسيلة تحقيق تكون في مستوى الأمر الملكي الذي لا يخضع للمساطر العادية؛
تساؤلات

الحكم الابتدائي المؤيد استئنافيا، يطرح أسئلة لتقييم كيفية التعامل مع أمر مماثل وجوهرها

ما قيمة الأوامر الملكية الصادرة بمنح عطايا او هبات ؟

من يرجع له صلاحيات تقييم الأمر بتنفيذ الأمر الملكي أو تقييم التوصية الملكية حسب ما اعتبره الحكم القضائي؛

هل يمكن ان يفتح الموضوع ترتيبا تسلسليا للجهات التي لها حق النظر فيما اعتبرته المحكمة توصيات لا ترتب أثرا قانونيا؟

ما المقصود بعدم ترتيب الأثر القانوني ومتى يبدأ عدم ترتيب الأثر القانوني، هل بعد صدور الأمر الملكي مباشرة أم صدور أمر إداري بعدم تنفيذ الأمر أو التوصية؟

وهل هذا القرار بعدم تنفيذ القرار قابل للطعن فيه أم لا؟

هل يمكن القول انه بعد صدور التوصية ورفض الإدارة تنفيذها هل يمكن للمحكمة تقيم الأمر موضوعيا بالنظر فيه وما هي الأسس التي تبني عليها قرارها؟

خاتمة

المستفيدون من عطايا الملك فئة عريضة من المجتمع من الفئات الفقيرة والتي طرقت آخر باب للأمل بالنسبة لها بإيجاد مورد عيش يكفيها اقل ما يمكن من ضروريات الحياة، وهي لا شك يجب أن تدخل ضمن دائرة التنظيم ليتبدى لها طرق ضمان استفادة من مزايا ملكية دون التفاف عليها بدواعي قد تدخلها متاهات تبدأ بها دورة الأوهام بشكل جديد

الأستاذة: سعاد الإدريسي / محامية بالحسيمة

إعادة نشر بواسطة لويرزبوك

تعليق على حكم قضائي حول قيمة الهبة الملكية