إن الغلط في شخصية المجنى عليه والغلط في التصويب لا ينفيان القصد الجرمي(1) ويؤاخذ الجاني كما لو كانت الجريمة قد وقعت على المقصود بها اساساً وذلك لأن الغلط الذي وقع فيه المتهم لم يغير شيئاً من جوهر الجريمة أي انه لم ينصب على أي عنصر من العناصر الداخلة في تكوينها بل انصب على عنصر عرضي فيها وهو محل الجريمة، فحقوق الناس متساوية في الحماية القانونية والقصد المنصرف إلى قتل إنسان معين ينصرف إلى من وقع عليه القتل فعلاً(2). فالقانون يعنيه الاعتداء مجرداً ولا يعنيه الموضوع الذي تصادف تحققه فيه، فالشارع يحمي الحق في الحياة ويقدر جدارة كل حي بهذا الحق فيعاقب على الاعتداء أياً كان الشخص الذي ناله(3)،وتطبيقاً لذلك قضت محكمة التمييز في العراق بأنه(إذا تعمد المتهم اطلاق النار فأن الخطأ في شخص المجنى عليه لا يبدل التكييف القانوني لجريمة القتل)(4)، كما قضت محكمة التمييز الاردنية بأنه (ملاحقة المتهم لشقيقته لقتلها وقيامه باطلاق النار عليها بعد ان خطط لذلك بتروٍ فأنه يشكل جناية القتل العمد، الا أنه ولو اخطأ الهدف واصاب والدته بدلاً من شقيقته فأنه يعاقب كما لو كان الفعل قد اقترف بحق من كان يقصد)(5).
وقد تحصل جريمة قتل او اعتداء نتيجة الغلط في شخصية المجنى عليه أو الغلط في التصويب حال المفاجأة بالزنى، كما لو اعتقد زوجاً ان المرأة التي فوجئ بتلبسها بالزنى هي زوجته، فهاله المنظر واستفزه فارتكب جريمة القتل او الاعتداء في الحال ضدها وشريكها او ضد احدهما، ثم تبين إن المجنى عليها هي ليست زوجته ولا أحدى محارمه وانما هي امرأة أخرى، أو ان يطلق عياراً نارياً قاصداً به قتل الزانية وعشيقها او احدهما، ولعدم دقته في التصويب، فأنه لم يصب أي منهما وأنما اصاب طفل الزانية الذي كان إلى جوارها فأودى بحياته. فهل يمكن القول ان الجاني في هاتين الحالتين وما شابههما يستفيد من العذر المخفف المنصوص عليه (409) عقوبات أم ان جريمته لا تكون مشمولة بهذا العذر؟ ان جريمة القتل المنصوص عليها في المادة (237) عقوبات (المقابلة للمادة /409 عقوبات عراقي) تشكل نموذجاً مستقلاً عن جرائم القتل العمدي لها عناصرها المميزة. ومن اجل ذلك فأن الغلط المنصب على أحد تلك العناصر له تأثيره على الركن المعنوي للقتل، فمن يفاجأ امرأة متلبسة بالزنى في فراش الزوجية ويعتقد خطأ انها زوجته فيقتلها ثم تبين انها ليست زوجته وانما شقيقتها فأنه يطبق في شأنه العذر المخفف(6) . أي يعد الجاني-زوجاً أو محرماً- مرتكباً لجريمة قتل عمد مقترنة بعذر مخفف وليس جريمة قتل عمد عادية رغم أنه اخطأ في شخصية المجنى عليها.
وقد قضت محكمة التمييز في العراق بأنه (لا عبرة بخطأ المدان في شخصية المجنى عليه او في التصويب نحوه ويعاقب بعقوبة القتل مع سبق الاصرار ولو قتل غير من قصده للخطأ المذكور كما تخفف عنه العقوبة إذا كانت نية القتل بباعث شريف وذلك وفق المادة (130) عقوبات). وما جاء في هذا القرار (…ان العذر المخفف للعقاب يتعلق بنية المتهم فينسحب على الجريمة التي وقعت ولو كانت المجنى عليها لم تكن هي المقصودة لغلط في التشخيص…)(7). وبذلك نعتقد بأن الزوج او المحرم يستفيد من العذر المخفف إذا ارتكب جريمة القتل او الاعتداء حال المفاجأة بالزنى على شخص آخر سوى الزانيين سواء كان ذلك ناتج عن غلط في التصويب او غلط في شخص المجني عليه. كما يمكن ان تحصل جريمة القتل او الاعتداء نتيجة الغلط في شخص المجنى عليه والغلط في التصويب في وقت واحد حال المفاجأة بالزنى، كما لو أن شخصاً اطلق عياراً نارياً على امرأة قاصداً قتلها اعتقادا منه انها زوجته او احدى محارمه حال المفاجأة بتلبسها بالزنى، ثم تبين انها امرأة أخرى تشبهها ولكنه لم يصبها لعدم دقته في التصويب وادى فعله إلى اصابة طفل كان بجوارها.
__________________
1- عرفت المادة (33/1) عقوبات عراقي القصد الجرمي بأنه (توجيه الفاعل ارادته إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفا إلى نتيجة الجريمة التي وقعت او اية نتيجة جرمية أخرى).
2- ينظر د. كامل السعيد، الأحكام العامة للجريمة في قانون العقوبات الاردني-دراسة تحليلية مقارنة، ط1، نشر الجامعية الاردنية، 1981، ص237.
3- ينظر د. محمود نجيب حسني، النظرية العامة للقصد الجنائي، مرجع سابق، ص93.
4- القرار رقم 3805/جنايات/72 في 6/8/1973. النشرة القضائية، ع3، س4، 1975، ص377.
5- تمييز جزاء رقم 808/98 لسنة 1999. اشار اليه جمال مدغمش، مرجع سابق، ص56.
6- ينظر د. مأمون محمد سلامة، قانون العقوبات- القسم الخاص، ج2، مرجع سابق، ص85-86.
7- القرار رقم 362/تمييزية /78 في 18/4/1978. مجموعة الأحكام العدلية ، ع2، س9، 1978، ص188. ومن وقائع القضية الواردة في قرار محكمة التمييز ان الجاني قد عزم على قتل شقيقته بسبب سوء سلوكها الا أنه اخطأ في شخصيتها فأطلق النار من مسدسه على امرأة اخرى فقتلها.
المؤلف : قاسم تركي عواد الجنابي
الكتاب أو المصدر : المفاجأة بالزنى عنصر استفزاز في القتل والايذاء
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
توضيح لموقف القانون من الغلط في شخصية المجني عليه في حالة المفاجأة بالزنا