إعادة نشر بواسطة لويرزبوك
إذا كانت مسؤولية الإدارة على أساس الخطأ تشكل القاعدة العامة في ميدان مسؤولية الإدارة عن أعمالها غير المشروعة, فما هو الحال عندما تقوم السلطة العامة بإجراءاتها بشكل قانوني وسليم وينشأ عن تلك الإجراءات ضرر ما يصيب أحد الأفراد. في مثل هذه الحالة يتعذر الاعتماد على الأسس العادية التي ترتكز عليها المسؤولية وهي الخطأ للمطالبة بالتعويض، فما هو الحل؟
لقد أنشأ مجلس الدولة الفرنسي نظرية تستند إلى ركنين فقط من أركان المسؤولية؛ هما الضرر والعلاقة السببية بينه وبين تصرف الإدارة. وقد أُطلق عليها نظرية المخاطر أو مبدأ المساواة تجاه الأعباء العامة. وساعد القضاء الإداري الفرنسي في استحداث هذه النظرية عدم تقييده بنصوص القانون المدني, غير أن هذا النوع من المسؤولية له صفة استثنائية ويقوم بدور تكميلي بالنسبة للمسؤولية القائمة على أساس الخطأ. والأساس القانوني الذي اعتمده مجلس الدولة الفرنسي في بناء هذه النظرية هو فكرة ((الغنم بالغرم)).
ونتيجة هذا المبدأ يتوجب على المواطنين أن يتحملوا مخاطر نشاط الإدارة إذا ما لحق ببعض الأفراد أضراراً معينة، لأن الإدارة ما قامت به إلا لصالحهم. واشترط مجلس الدولة الفرنسي لقيام مسؤولية الإدارة بدون خطأ أن تكون الأضرار التي حدثت قد أصابت فرداً معيناً بالذات أو أفراداً بذواتهم دون سائر المواطنين. كما يجب أن تكون هذه الأضرار على درجة كبيرة من الجسامة بحيث تتجاوز المخاطر التي يتعرض لها الأفراد في المجتمع. وطبقت هذه النظرية في الحالات التالية:
1ـ مسؤولية الإدارة عن الفصل المشروع لموظفيها: تلجأ الإدارة إلى هذا الإجراء ـ وهي بصدد تنظيم المرافق العامة ـ إلى إلغاء بعض الوظائف إلغاءً قانونياً، مما يستتبع الاستغناء عن الموظفين شاغلين هذه الوظائف. وهذا الإجراء من جانب الإدارة يعد شرعياً ومتفقاً مع مبدأ المشروعية لأنها تهدف إلى ضمان سير المرافق العامة. ورغم ذلك قرر مجلس الدولة الفرنسي مسؤولية الإدارة بدفع تعويض لهؤلاء الموظفين المفصولين استناداً لنظرية المخاطر، وعدّ المجلس هذا الفصل بمثابة ضرر استثنائي يجب تعويضه لأن الوضع العادي استقرار الموظف في وظيفته.
2ـ مسؤولية الإدارة عن إصابات العمل: تبنى القضاء الإداري فكرة إلزام الإدارة بتعويض عمالها عن الأضرار التي تلحق بهم نتيجة سير المرفق العام، حتى ولو لم يثبت وقوع أي خطأ من جانب المرفق؛ مثال ذلك العامل الذي يصاب بشظية من الحديد المحمى أثناء العمل ولم يستطع اثبات أي خطأ من جانب الإدارة. ومع ذلك قضى بمسؤولية الإدارة لأن العدالة تقتضي تعويض العامل عن المخاطر الناشئة عن مشاركته في تسيير المرفق العام.
3ـ مسؤولية الإدارة عن أضرار الأشغال العامة: ويقصد بهذه الحالة الاعتداء المادي على عقار يستهدف تحقيق منفعة عامة ويتم لحساب أحد أشخاص القانون العام. واشترط مجلس الدولة الفرنسي في التعويض عن هذا الضرر أن يكون محققاً وليس مجرد احتمال، وأن يكون غير عادي ومستمر لمدة طويلة من الزمن، وذلك كما لوأدت الأشغال إلى حجب النور عن منزله أو جعل مدخل العقار متعذراً أو مستحيلاً.
4ـ مسؤولية الإدارة عن الأضرار الناشئة عن نشاط الإدارة الخطِر: مثل حالة انفجار وقع بعربة سكة حديد محملة بالمتفجرات فأدى إلى إصابة بعض المنازل.
5ـ مسؤولية الإدارة عن الإمتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية: حيث يتعذر على الإدارة في بعض الحالات تنفيذ هذه الأحكام لاعتبارات تتعلق بالأمن العام، وفي مثل هذه الحالات لا ترتكب الإدارة خطأ بامتناعها عن تنفيذ حكم قضائي، ولكنها بالرغم من ذلك تسبب ضرراً للشخص المستفيد من الحكم القضائي.
والحقيقة أن مفهوم المسؤولية على أساس المخاطر يعد نتيجة من نتائج السياسة القضائية التي اختطتها مجلس الدولة الفرنسي لنفسه، والتي تستهدف إيجاد نقطة التوازن بين المصالح العامة والخاصة وتوزيع الأعباء العامة على المواطنين جميعاً كلما كان ذلك ممكناً.
لكن القضاء العربي والسوري لم يأخذ بهذه النظرية حيث جاء في قرار للمحكمة الإدارية العليا في سورية رقم 15 لعام 1970:
1ـ أن مسؤولية الإدارة عن القرارات الإدارية التي تصدر منها, منوطة بأن تكون تلك القرارات معيبة وأن يترتب عليها ضرر, وأن تقوم علاقة سببية بين عدم مشروعيتها وبين الضرر الذي يصيب الأفراد.
2ـ أن المشرّع قد جعل مناط مسؤولية الإدارة عن تلك القرارات الإدارية التي تسبب أضراراً للأفراد هو وقوع عيب في هذه القرارات، من العيوب المنصوص عليها قانوناً, فإذا انتفى هذا العيب فلا مسؤولية على الإدارة مهما ترتب على القرار من ضرر بالأفراد.
ونحن نعتقد أن المشرّع السوري قد أخذ بنظرية مبدأ المساواة تجاه الأعباء العامة أو تحمل التبعة في قرار التعويض على المواطنين عن الأضرار التي تتعرض لها ممتلكاتهم نتيجة الأعمال الإرهابية. فالدولة لم تكن هي مسببة الضرر ولا فاعله، ومع ذلك تقوم بالتعويض على الأفراد، وإن قيام المؤسسات التابعة لها بملاحقة الإرهاب واقتلاع جذوره قد يسبب بعض الأضرار، وتصرف الدولة في هذه الحالة يتفق مع مبدأ الشرعية القانونية. وإذا نجم عنه ضرر لفرد ما، فإن لجنة تعويض الأضرار تقوم بدفع هذا التعويض مما يعني أن المشرّع السوري ــ بموجب هذا القرار ــ أوجد توازناً بين مصلحة الوطن والدولة عامة، ومصلحة الفرد خاصة، وعمد إلى تحمل المخاطر رغم عدم ارتكاب أي خطأ وذلك بهدف تحقيق العدالة لأفراد الشعب كافة.
مقال قانوني حول مسؤولية السلطة العامة عن إجراءاتها
إعادة نشر بواسطة لويرزبوك