الحماية القانونية للشيك في التشريع الجنائي
المقدمة
يلعب الشيك دورا هاما، في حياتنا اليومية، سواء في ميدان المعاملات التجارية او في ميدان المعاملات المدنية باعتباره اداة وفاء تحل محل النقود في التعامل بين الافراد.
ونظرا لاهمية الشيك في ميدان التعامل بين الافراد، فقد اصبح اكثر الاوراق التجارية انتشارا وتداولا في الحياة اليومية على الرغم من حداثته اذا ما قيس بالاوراق التجارية الاخرى كالكمبيالة مثلا.
فالشيك لم يبق كما كان في بداية عهده اداة لسحب الودائع المصرفية لحساب الساحب ذاته بل اصبح اداة وفاء تحل محل النقود لا على النطاق الداخلي بالنسبة للمعاملات التي يجريها الافراد داخل الدولة فحسب، بل حتى على النطاق الدولي بالنسبة للمعاملات التجارية الخارجية.
ولاهمية الشيك والدور الذي يلعبه في الحياة اليومية كاداة للوفاء تحل محل النقود في التعامل بين الافراد، بات من اللازم ان يتدخل المشرع بالقدر الضروري لضمان ثقة المتعاملين بهذه الورقة وتوفير الحماية القانونية لها وذلك بسنه قانونا لمواجهة مختلف الحالات التي من شانها ان تخرج عن دوره الطبيعي الذي أنشئ من اجله وتفقد ثقة المتعاملين به. وفعلا اصدر المشرع المغربي في 28 ذي القعدة 1357 الموافق 19 يناير 1939 ظهيرا خاصا بالشيك تضمن 77 فصلا كانت محلا لبعض التعديلات اللاحقة. وقد تضمن جزاءات جنائية لحماية التعامل بالشيك.
وجدير بالذكر ان الجزاء الجنائي هو الذي يوفر الثقة اللازمة للمتعاملين بالشيك ويشجع الافراد على التعامل به، كما يحميهم من مختلف الحالات التي تهدد هذه الثقة كما هو الشان بالنسبة لحالات اصدار شيك بدون رصيد، قبول تسلم شيك صدر في مثل هذه الحالات، اصدار او قبول شيك على سيبل الضمان.
ولاشك ان الجزاء الجنائي الذي قرره المشرع المغربي في المادة 70 من ظهير الشيك وفي المادتين 543 و544 من القانون الجنائي يعتبر خير ضمان لحماية حامل الشيك وتوفير الثقة له فيه، وبالتالي فهو افضل وسيلة للحفاظ على الغرض الذي انشئ من اجله الشيك كاداة للوفاء تحل محل النقود في المعاملات بين الافراد.
وبالرجوع الى مقتضيات المادة 453 والمادة 544 من القانون الجنائي وكذا المادة 70 من ظهير الشيك نجد المشرع قد ذكر لفظة شيك بدون أي تحديد لطبيعته، فهو عندما جرم الفعل ووضع له الجزاء لم يميز فيه بين ما اذا كان الشيك مدنيا او تجاريا وانما اراد حماية الشيك حماية مطلقة من دون أي تخصيص.
وعليه فان تطبيق العقوبة المنصوص عليها في المادة 543 من القانون الجنائي والمادة 70 من ظهير الشيك من اجل اصدار الشيك بدون رصيد، وكذا العقوبة المقررة في المادة 544 من اجل اصدار او قبول شيك على سبيل الضمان تطبق على المخالف أيا كانت العملية التي انشئ من اجلها الشيك أي سواء كان من اجل عملية تجارية او عملية مدنية، وبعبارة أخرى سواء كان الشيك تجاريا او كان مدنيا.
وسنتناول الموضوع في مبحثين:
المبحث الاول: حالات اصدار الشيك بدون رصيد
المبحث الثاني: اصدار او قبول الشيك على سبيل الضمان.
المبحث الاول
حالات إصدار الشيك بدون رصيد
أولا : تبيان الحالات :
جاء في المادة 543 من القانون الجنائي المغربي :
” يعد مصدرا لشيك بدون رصيد من يرتكب بسوء نية احد الافعال الاتية :
1- اصدار شيك ليس له رصيد قائم قابل للتصرف او له رصيد يقل عن قيمته، وكذلك سحب الرصيد كله او جزء منه بعد اصدار الشيك أو اصدار امر للمسحوب عليه بعدم الدفع.
2- قبول تسلم شيك صدر في الظروف المشار اليها في الفقرة السابقة.
ويعاقب مرتكب الجريمة بالعقوبة المقررة في الفقرة الاولى من المادة 540 على ان لا تقل الغرامة عن قيمة الشيك او قيمة الرصيد الناقص”.
وجدير بالملاحظة ان الشروط التي اشترطتها المادة 543 من القانون الجنائي لتطبيق عقوبة النصب هي نفس الشروط المشار اليها في المادة 70 من ظهير الشيك، فكلاهما يستلزمان لتطبيق العقوبة توافر سوء النية في الحالات المشار اليها.
يتبين مما سبق ان المشرع المغربي ذكر حالات اصدار الشيك بدون رصيد على سبيل الحصر لا على سبيل المثال، فبتحقق احداهما تتحقق الجريمة ويلزم تطبيق العقاب.
وهذه الحالات هي الآتية :
أولا : اصدار شيك ليس له رصيد قائم وقابل للتصرف.
ثانيا : اصدار شيك ليس له رصيد كاف.
ثالثا: سحب كل الرصيد او بعضه بعد اصدار الشيك.
رابعا: امر الساحب المسحوب عليه بعدم اداء قيمة الشيك.
خامسا: قبول تسلم شيك صدر في مثل هذه الحالات.
الحالة الاولى: اصدار شيك ليس له رصيد قائم وقابل للتصرف
تعتبر هذه الحالة من اكثر الحالات شيوعا وانتشارا في الحياة العملية، اذ كثيرا ما يعمد الساحب الى اصدار شيك وهو يعلم انه بدون رصيد قائم وقابل للتصرف فيكون مرتكبا للجريمة منذ وقت تسليم الشيك للمستفيد، أي ابتداء من وقت خروج الشيك من حيازته القانونية وطرحه للتداول يستوي في ذلك ان يكون التسليم قد تم بعد كتابة جميع المعلومات الضرورية او يكون الساحب قد اكتفى بوضع امضائه فقط وسلمه للمستفيد او للحامل من اجل اضافة بقية المعلومات الاخرى بعد الاتفاق بطبيعة الحال على مبلغ الشيك.
والعبرة في تقدير وجود الرصيد وقابليته للتصرف من عدمه هي لوقت الاصدار لا لوقت التقديم. ويرجع في اثبات وقت الاصدار الى التاريخ المكتوب على الشيك حتى ولو كان مغايرا لتاريخ الاصدار الحقيقي.
ويذهب بعض الفقه الى ان الجريمة تتحقق حتى ولو تاخر المستفيد عن صرف قيمة الشيك في تاريخ الاصدار فتمكن الساحب من وضع الرصيد او تكملة الخصاص خلال فترة التاخير (1).
ويذهب الدكتور حومد الى انه ” لو كان الساحب يعرف انه لا رصيد له في المصرف، ومع ذلك يسحب الشيك وهو يامل ان يضع في المصرف مبلغا كافيا قبل ان يقدمه المستفيد للقبض، وتمكن فعلا من ذلك فانه يظل معاقبا. والسبب نص القانون الصريح، ثم لان الساحب الذي كان ينوي ان يؤمن المبلغ قبل عرض الشيك على المصرف لا يستطيع ان يتحكم في الظروف والحوادث المقبلة التي قد تحول دون تامين المبلغ ووضعه في المصرف” (2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) رؤوف عبيد – المرجع السابق – ص428.
أدوار عيد – المرجع السابق – ص 20.
2) القانون الجنائي المغربي – القسم الخاص- ص 312.
3) نعم ان الجريمة تتحقق في حالة توقيع حجز ما للمدين لدى الغير ويكون الساحب على علم بهذا الحجز الذي اجري تحت يد الغير
ولا يشترط لتحقق الجريمة ان يقوم المستفيد من الشيك بتقديمه للمسحوب عليه في تاريخ اصداره، بل هي تتحقق حتى ولو تقدم في تاريخ لاحق عن تاريخ الاصدار ما دام الشيك قد استوفى شكله القانوني لكي يحل محل النقود اذ هو مستحق الاداء بمجرد الاطلاع عليه.
فالرصيد يجب ان يكون موجودا بصورة فعلية وقت تحرير الشيك وتسليمه للمستفيد.
اما اذا كان الرصيد قابلا للتصرف وقت اصدار الشيك تم اصبح بعد ذلك غير قابل للتصرف لسبب من الاسباب وقبل تقديم الشيك للوفاء، فان الجريمة لا تتحقق، وبالتالي فان الساحب لا يسال جنائيا، كالقاء الحجز على أمواله، او اعلان افلاسه او هلاك محل المسحوب عليه بسبب حريق شب فيه.
وتقديم الشيك الى المسحوب عليه لا علاقة له بتحقق الجريمة فهو اجراء مادي يتجه الى استيفاء الرصيد لا اقل ولا اكثر، كما ان افادة البنك بعدم وجود الرصيد ما هو الا اجراء كاشف للجريمة.
والجريمة تتحقق حتى ولو كان الساحب قد ادى للمستفيد قيمة الشيك الصادر بدون رصيد.
ولا وجود للجريمة اذا امتنع المسحوب عليه من الوفاء بقيمة الشيك للمستفيد لسبب من الاسباب لا دخل لارادة الساحب فيه، كعدم ادلاء المستفيد مثلا ببطاقة تعريفه او التشكك في التوقيع. وقد ذهب القضاء الفرنسي الى ان الجريمة لا تتحقق في حالة من يعطي شيكا على بنك من البنوك فيمتنع المسحوب عليه عن الدفع، لان الشيك لم يكن محررا على نموذج من النماذج التي درجت الابناك على اصدارها (4)
الحالة الثانية : اصدار شيك ليس له رصيد كاف
وفي هذه الحالة نجد الساحب يملك رصيدا قائما وقابلا للتصرف، الا انه رصيد غير كاف للوفاء بقيمة الشيك التي سحب بها.
وحسنا فعل المشرع المغربي لما نص على هذه الحالة بصورة صريحة وذلك دفعا لكل التباس ينشأ عن عدم التنصيص عليها.
فالجريمة تتحقق ايا كانت نسبة نقص او الخصاص، وحتى لو كانت نسبة النقص ضئيلة جدا (5)، اذ لا يكفي ان يكون للساحب رصيد قائم وقابل للتصرف لدى المسحوب عليه بل يجب ان يكون هذا الرصيد كافيا للوفاء بمبلغ الشيك.
ولا يمنع من تحقق الجريمة قيام المسحوب عليه بتكملة نسبة النقص وتسديد قيمة الشيك كاملة بعد اصداره، اذ ان مثل هذا التصرف هو من قبيل العمل اللاحق على عملية اصدار الشيك، وبالتالي فلا اثر له على تحقق الجريمة.
نعم، اذا كان الساحب قد اتفق مسبقا مع المسحوب عليه على تكملة النقص الحاصل في الرصيد او كان يعتقد ان المسحوب عليه سيقوم بتكملته لثقته فيه، فان الجريمة لا تتحقق لانعدام القصد الجنائي (6).
والجريمة تتحقق ولو قام الساحب بعد اصداره الشيك بتكملة الرصيد الناقص اذ العبرة بتحققها هي لوقت الاصدار.
والجدير بالاشارة انه يحق للحامل اذا كان الرصيد اقل من مبلغ الشيك ان يطالب المسحوب عليه بمقدار الرصيد الموجود مع الاحتفاظ بحقه في الرجوع على الساحب والموقعين على الشيك بالجزء المتبقى الذي لم يدفع بعد اجراء الاحتجاج بعدم الاداء (7).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4) دالوز الاسبوعي سنة 1936.
5) قد يكون النقص اليسير في قرينة في يد الساحب يدفع بها التهمة عن نفسه ودليلا ينفي به توافر القصد الجنائي لديه ما لم تثبت النيابة العامة سوء نيته وعلمه بنقصان الرصيد، فتتحقق الجريمة ويجب تطبيق العقوبة مهما كانت نسبة النقص.
ويذهب الدكتور أدوار عيد في هذا المعنى الى القول ” غير ان النقص التافه في المؤونة قد يعد دليلا على حسن النية، او يؤخذ في الاعتبار عند تعيين حد العقوبة”. المرجع السابق ص 20.
6) احمد سرور ص 531 اورده غالي الذهبي – المرجع ص 470.
7) راجع المادة 34 من ظهير الشيك..
مقالة متميزة بعنوان الحماية القانونية للشيك في التشريع الجنائي