يتعين لأعتبار فعلاً جريمه تأديبية مراعاة الظروف التي وقع فيها وهل هي ظروف عادية أم إستثنائية مع الوضع في الأعتبار القيم الاجتماعية السائدة , فقوانين الوظيفه العامة تضم الواجبات التي يتعين علي الموظف العام اتباعها وإن مخالفتها تعد جريمه تأديبية , كما تنص في ذات الوقت علي المحظورات التي يجب علي الموظف تجنبها لتفاديه المسائلة التأديبية, وأنه لابد من توافر الركن المادي والمعنوي في الجريمه التأديبية كما هو الحال في الجريمه الجنائية وهو يتمثل ليس فقط بالسلوك الإيجابي بل أيضا بالسلوك السلبي المؤثم الصادر من الموظف العام , علي أن يكون هذا السلوك ظاهراً وملموساً في المحيط الخارجي لسهولة الإثبات ويسره , فلا جريمة علي المعتقدات والأفكار وما تختلج به النفس البشرية مهما كان الفكر إجرامياً وإلا كان في ذلك إهداراً للحرية الشخصية ,

وحتي يكون هناك فرصة للعدول عن ما تحدثت به نفسه , ولهذا لابد من مراعاة الظروف والملابسات التي أحاطت بالموظف حال ارتكابه للجريمة , ويستوي في هذا أن يكون سلوك الموظف إيجابياً أو سلبياً كالغياب عن العمل أو الإهمال في واجبات الوظيفة وعدم الطاعة , كما يستوي أن يقع سلوك الموظف أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها أو خارجها , فالموظف بيسأل عن سلوكه الشخصي في حياته العامة أو الخاصة طالما بينعكس سلوكه علي الوظيفة , ونجد أن الركن المعنوي في الجريمه التأديبية مثلها مثل الجريمه الجنائية كلاهما سلوك إنساني صادر عن إنسان , إرادته متجهة نحو ارتكاب كل ماديات الجريمة , ولابد أن يسبق الإرادة العلم , والركن المعنوي له صورتان القصد الجنائي والخطأ الغير عمدي, ولكن اختلف الفقهاء حول تحديد مفهوم الركن المعنوي في الجريمه التأديبية , فلا يكفي لتوافر الجريمة التأديبية التحقق من وجود الفعل بل يجب التحقق من عنصر الإثم , فلا يحاسب الموظف علي المخالفه ذاتها ما لم تنسب الي إراده حرة كانت عن عمد أو عن تعمد ,

وموضوعنا عن موقف الموظف الذي يتعرض لمرض نفسي أو يصاب بعاهة بعقلية في ضوء المسئولية التأديبية والجنائية , فمن المقرر في المجال الجنائي أنه لا عقاب علي من يكون فاقد الشعور أو الأختيار في عمله وقت ارتكاب الفعل إما لجنون أو عاهة عقلية , وقد أستقر الفقه علي أن الجنون أو عاهة العقل دون غيرهما اللذان يجعلان الجاني وقت ارتكاب الجريمة فاقد الشعور والأختيار , ولا يعتبر المرض النفسي مانعا من موانع المسئولية الجنائية , فمن خصائص المريض العقلي إنعدام الشعور والإدراك أما المرض النفسي من خصائصه شدة الأنفعال أو ثورة الشخصية وهي في المجال الجنائي تعد عذراً في تخفيف العقاب , ولو أن البعض في الفقه يري أنه من شأن الأمراض النفسية أن يجعل المريض مالكاً لشعوره , ولكن فاقد الأختيار فإنه يكون قد فقد عنصر من عناصر الركن المعنوي للمسئولية الجنائية , وبالتالي يتعين إمتناع مسئوليته والحال عكس ذلك بالنسبة للمسئولية التأديبية فقد ساوي القضاء التأديبي بين المرض النفسي والعصبي وعاهة العقل واعتبر الموظف غير مسئول عن أفعاله أثناء إصابته بإحداهما ,

وفي فرنسا اعتبر الصرع مانعا من موانع المسئولية التأديبية مثله مثل الجنون , وعلي ذلك فإن النظام التأديبي يعتبر أكثر تطوراً في مجال إمتناع المسئولية إذ أخذ بالمرض النفسي كمانع من موانع المسئولية التأديبية في حين أنه بالمجال الجنائي يرفض القضاء المساواة بين المرض النفسي وبين الجنون وعاهة العقل , الأمر الذي يتبين معه أن الفقه والقضاء في فرنسا ومصر متفقان علي ان انعدام الأرادة يدرأ عن الموظف المسئوليه الجنائية سواء كان مرده الي عاهه في العقل او الإكراه , وفي القضاء المصري قضت المحكمة الادارية العليا اذا انعدمت الأرادة فان هذا لا يعني عدم وقوع المخالفه بل يدرأ مسئوليه صاحبها , وأن القضاء المصري علي خلاف القضاء الجنائي يساوي بين المرض النفسي والعقلي باعتبارهما مانعاً من موانع المسئولية , فقد قضي بأن ارتكاب العامل مخالفة تأديبية أثناء نوبة من نوبات مرضه النفسي الذي يعالج منه يترتب عليه انعدام مسئوليته عن هذه المخالفة وبطلان الجزاء الموقع عليه ,

كما قضي بامتناع مسئولية المجنون أو المصاب بعاهة عقلية عما يرتكبه من أفعال بسبب فقدانه الإدراك والاختيار وقت ارتكاب الفعل , ورغم هذا نجد أن قضاء النقض مستقر علي أن المرض النفسي لا يقوم به مانع المسئولية والواقع ان المشرع يتطلب في جرائم المخالفات الركن المعنوي أيضا ولكن لا يلزم لصدور حكم بالأدانه اقامه الدليل علي الركن المعنوي استقلالاً عن الركن المادي وحده .

المستشارة هدى الاهواني نائب رئيس هيئة النيابة الادارية

اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .

الأمراض النفسية وفقاً لأحكام المسؤولية الجنائية والتأديبية