يتمتع الموظف بحرية العقيدة الدينية شأنه شأن باقي المواطنين ، ولكن لا يجوز له استغلال هذه الحرية على نحو ينعكس على وظيفته ويؤثر سلباً فيها . أي انه يخل بكرامة الوظيفة ومقتضياتها وبالثقة الواجبة في شاغلها والاحترام المطلوب له . كما ان هذه الحرية الدينية لا تتصرف إلا إلى الأديان السماوية ، فلا يجوز للموظف مباشرة شعائر دين غير سماوي. ولكن سنتناول هذه الحرية باعتبارها مكفولة للمواطنين بموجب دساتير دولهم . فقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في سنة 1948 ، على ان ” لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو البلاد أو أي وضع آخر ، دون أي تفرقة بين الرجال والنساء 000 “(1).

ونص كذلك على ان ” لكل شخص الحق في التفكير والضمير والدين ويشمل هذا الحق حرية تغيير ديانته أو عقيدته وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها . سواء أكان ذلك سراً أم مع الجماعة “(2). كما نص على انه ” لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان دون أي تمييز . كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو أي رأي اخر000“(3). وجاء في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ذكر هذه الحرية ، عندما أشار إليه هذا العهد من المساواة في الحقوق دون تمييز بين الافراد000 أو الدين 000(4).

وأشار في موضع آخر إلى الحق في حرية الفكر والضمير والديانة 000(5).فيقصد بحرية الاعتقاد في المجال الوظيفي ان يكون الموظف حراً في اختيار العقائد التي يؤمن بها والفلسفات التي يبني عليها فكره والسياسات التي يعتقد في صحتها بحيث لا يجوز إكراهه على اعتناق ما يخالفها . ولا يجوز في هذا الصدد الخلط بين حرية العقيدة في ذاتها وبين سوء السلوك الشديد الذي قد يستفاد من التلاعب بالعقيدة والأديان بقصد تحقيق مآرب خاصة وأغراض دنيوية معينة. فسرعان ما يرتد المتلاعب بالعقيدة أو الدين عن عقيدته أو دينه إذا ما تحققت مآربه الخاصة وأغراضه الدنيوية الزائلة.

ومع التسليم بحرية لعقيدة ما لدين معين إلا انه ليس من شك في ان مسلك المتلاعب بالعقيدة أو الدين بقصد تحقيق تلك المآرب والأغراض أياً كانت العقيدة والدين يصمه بسوء السلوك الشديد من الناحية الخلقية(6). فما كانت العقيدة والأديان وسيلةً لتحقيق أغراض دنيوية زائلة ، وإنما تقوم العقيدة فيها على الإيمان بها والإخلاص لها . ومن ثم كان الشخص الذي يتلاعب بها لتحقيق تلك المآرب والأغراض يمسخ الحكمة التي تقوم عليها حرية الدين والعقيدة مسخاً ظاهر الشذوذ لذا يعتبر مسلكه الملتوي سيئ السلوك(7).

_____________________

1-المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948.

2- المادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948.

3- المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948.

4- المادة 2/1 من اتفاقية العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .

5- المادة 18/1 من اتفاقية العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية .

6- د. محمد السيد الدماصي / الحقوق الدستورية في المجال الوظيفي ” حق إبداء الرأي ” بحث منشور في مجلة العلوم الإدارية ، ع1 لسنة 1974 ، ص71.

7- د. علي عبد الفتاح محمد خليل / مصدر سابق ، ص161.

المؤلف : مصطفى سالم مصطفى النجفي
الكتاب أو المصدر : المساواة ودورها في تولي الوظائف العامة

اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .

مقال حول التنظيم القانوني والدولي لحرية العقيدة