حجية الورقة العرفية من حيث صدورها ممن وقع عليها :
إذا احتج ذو شأن بورقة عرفية على من تحمل توقيعه ، فان صاحب التوقيع إما أن يعترف بأن التوقيع له وأن الورقة صادرة منه ، وإما أن ينكر أن الورقة كلها أو بعضها صادرة منه ، وإما إن يخرج بالسكوت عن الاعتراف أو الإنكار . ومقتضى نصى المادة 394 السابقة الذكر أن السكوت هو بمثابة الاعتراف . وإذا أراد صاحب التوقيع أن ينفى صدور الورقة منه ، فعليه أن ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أ بصمة .
فإذا اعترف صاحب التوقيع بصدور الورقة منه ، أو سكت ولم ينكر صراحة صدورها، اعتبرت الورقة صادرة منه ، واعتبر التوقيع توقيعه والخط المنسوب إليه خطه ، وتصبح الورقة العرفية ، من حيث صدورها ممن وقع عليها ، فى قوة الورقة الرسمية . ولا يجوز لصاحب التوقيع أن يعود بعد ذلك إلى الإنكار ، إلا أن يطعن بالتزوير. أما إذا أنكر صراحة توقيعه أوخطه ، فأنكر بذلك أن الورقة كلها أو بعضها صادرة منه ، فعلى المحتج بالورقة عبء إثبات صدورها من صاحب التوقيع ، وذلك بأن يطلب إحالة الورقة على التحقيق. وفقاً لإجراءات رسمها تقنين المرافعات فى تحقيق التوقيع والخطوط .
والإنكار إنما يرد على الأوراق العرفية ، أما ادعاء التزوير فيرد على جميع الأوراق الرسمية والعرفية (م 261 مرافعات) . ومعنى ذلك أن الورقة العرفية تحتمل الطعن بالتزوير والإنكار . فلصاحب التوقيع أن يكون هو المهاجم ، فيطعن فى الورقة العرفية بالتزوير ، ويقع عليه عندئذ عبء الإثبات . وله كما بينا ، أن يقتصر على إنكار الورقة ، فيلجأ المحتج بها إلى إجراءات تحقيق الخطوط ، ويقع عليه لاعلى صاحب التوقيع عبء الإثبات . أما إذا كانت الورقة رسمية ، ويقع عليه لا على صاحب التوقيع عبء الإثبات . أما إذا كانت الورقة رسمية ، فلا يستطيع صاحب التوقيع إنكار صدروها منه إلا إذا طعن فى الورقة بالتزوير كما قدمنا([1]) . والذى يبرر هذا الفرق في الحكم بين الورقة الرسمية والورقة العرفية أن الورقة الرسمية تحمل توقيع الموظف العام الذى وثقها ، وفى هذا الموظف من الضمانات وعليه من المسئولية ما يسمح بافتراض صحة صدور الورقة الرسمية من صاحب التوقيع . فاذا أراد هذا أن ينكر صدور الورقة منه ، فعليه هو عبء الإثبات ولا سبيل له إلا الطعن بالتزوير .
أما الورقة العرفية فلا يتوافر فيها هذه الضمانات ، بل هى ورقة تحمل توقيعاً يقول المتمسك بها أنه توقيع خصمه ، فاذا أنكر هذا الخصم لم يكن عليه هو أن يحمل عبء الإثبات ، بل المتمسك بالورقة هو الذى يحمل هذا العبء فيثبت أن الورقة صادة حقاً صادرة حقاً من صاحب التوقيع عن طريق إجراءات تحقيق الخطوط. وإذا أنكر صاحب التوقيع صدور الورقة العرفية منه ، ثم أثبت التحقيق أنه هو الذى وقعها ، صارت هذه الورقة العرفية ، كالورقة التى اعترف بها أو سكت عن إنكارها ، فى قوة الورقة الرسمية . وفى جميع الأحوال ، سواء اعترف بالورقة أو سكت عن إنكارها أو أنكرها وأثبت التحقيق صدورها منه ، يجوز له أن يطعن فى هذه الورقة العرفية بالتزوير ، كما يجوز له ذلك فى الورقة $194 الرسمية ، ويحمل هو عبء إثبات تزويرها .
([1]) وقد قضت محكمة النقض بأنه متى كان الثابت أن الطاعن لم يقف عند حد إنكار توقيع مورثه على السند ، وإنما ذهب إلى الادعاء بتزويره ، فإن الحكم إذ ألقى عليه عبء إثبات هذا التزوير لا يكون قد خالف قواعد الإثبات
( نقض مدنى 24 ديسمبر سنة 1953 مجموعة أحكام النقض 5 رقم 46 ص 297 ) ـ
وقد قضت المادة 274 من تقنين المرافعات بأنه لا تسمع شهادة الشهود إلا فيما يتعلق بإثبات حصول الكتابة أو الإمضاء أو الختم أو بصمة الأصبع ، أما فى دعوى التزوير فيجوز قبول إثبات عدم قيام الدين الذى حررت عنه الورقة قرينة على التزوير . وقضت محكمة النقض بأن المادة 270 مرافعات ( 274 جديد ) خاصة بتحقيق الخطوط ولا مجال لتطبيقها فى دعوى التزوير . والمقصود منها هو احترام القاعدة العامة فى الإثبات بعدم تمكين من يتمسك بورقة أنكرها خصمه من أن يثبت بالبينة ، فى غير الأحوال التى يجوز فيها ذلك قانونا ، الالتزام المدون بها ، ولذلك جاء نصها مقصورا على أن البينة لا تسمع إلا عند إثبات واقعة الكتابة أو التوقيع دون الالتزام ذاته ، بخلاف الحال فى دعوى التزوير ، فإن الأمر فيها ـ إذا ما قبلت أدلة التزوير ـ يكون متعلقا بجريمة أو غش مما يجوز قانونا إثباته بجميع الطرق ومنها قرائن الأحوال كعدم قيام الدين الذى حررت عنه الورقة . وذلك يستتبع أن يكون الخصم مدعى التزوير الحق فى أن يثبت بجميع الطرق أيضا عدم صحة الدعوى عملا بالمادة 281 مرافعات (192 جديد) . وإذن فإذا كان التحقيق فى دعوى التزوير قد تناول غير الكتابة أو التوقيع وقائع أخرى ، واعتمدت عليها المحكمة ، فلا تثريب عليها فى ذلك
( نقض مدنى 29 يناير سنة 1942 مجموع عمر 3 رقم 139 ص 410 ـ أنظر أيضا نقض مدنى 26 أبريل سنة 1934 مجموعة عمر 1 رقم 174 ص 346 ) .
منقول من كتاب الوسيط – الجزء الثاني – للعلامة الاستاذ الدكتور / السنهوري
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
حجية المحررات العرفية في الاثبات من حيث صدورها من صاحب التوقيع