المسألة الأولى: البيع الواقع بين الفروع والأصول
تعددت التشريعات المدنية التي تمنع الشفعة بين الفروع والأصول ففي القانون المدني المصري نصت على ذلك المادة ( 939 ) في فقرتها الثانية على أنه (لا يجوز الأخذ بالشفعة إذا كان البيع بين الفروع والأصول…) وكذلك المادة ( 1161 ) من القانون المدني الأردني في الفقرة الثانية تحت عنوان لا تسمع دعوى الشفعة إذا وقع البيع بين الأصول والفروع.
أما في مجلة الأحكام العدلية فقد نصت المادة ( 1027 ) على ذلك بقولها لا تجري الشفعة في تقسيم العقار فلو قسمت دار مشتركة بين المشتركين فلا يكون الجار شفيعًا أما القانون رقم( 51 ) لسنة ( 58 ) المعدل للأحكام المتعلقة بالأموال غير المنقولة وفي المادة الثانية منه فقرة (ب) لا يمارس حق الأولوية أو الشفعة إذا حصل البيع بين الفروع والأصول. يتضح من النصوص السابقة أن مختلف التشريعات موضوع الدراسة قد قررت عدم جواز الشفعة في البيع الواقع بين الفروع والأصول فبيع المالك لفروعه مهما نزلوا أو لأصوله مهما علوا دون التقييد بدرجة معينة، فإذا باع الأب ابنته أو ابنه أو ابن ابنته مهما نزل الفرع فالشفعة لا تجوز وكذلك إذا باع الابن عقاره لأبيه أو لأم أبيه أو لأبي أبيه أو لأمه مهما علا الأصل فإنه لا شفعة وعلة ذلك لاعتبارات تطلبتها قرابة المشتري فإذا باع مالك العقار لمشتري تصله به قرابة وثيقة وضع القانون هذا المانع من موانع الشفعة (1)ولا يخفي على أحد أن الحكمة واضحة من ذلك وهي الحفاظ على الترابط الأسري والاجتماعي ذلك أن البيع ذو طبيعة عائلية.(2)
المسألة الثانية: البيع بين الزوجين
لا تجوز الشفعة في بيع واقع بين الزوجين ويجب أن تكون العلاقة الزوجية قائمة وقت إبرام البيع ولا تنقطع تلك العلاقة إلا بالطلاق المكمل للثلاث أو بانقضاء العدة في الطلاق الرجعي وبالتالي إذا تم البيع بعد الطلاق البائن بينونة كبرى أو صغرى فإن البيع يكون بين غرباء وليس بين الزوجين إذ بوقوع البينونة تصبح الزوجة غريبة عن زوجها أما إذا تم البيع بعد الطلاق الرجعي وقبل انقضاء العدة فإن العلاقة الزوجية تكون قائمة ويجوز للزوج مراجعة زوجته بكلمته فلا تجوز الشفعة فقد يتم البيع إرضاء للزوجة قبل مراجعتها وهي لم تزل في عصمته مثلا(3) ولا تجوز الشفعة في البيع المبرم بين الزوجين ولو كان معلق على شرط واقف أو فاسخ حتى إن توفيت الزوجة قبل أن يتحقق الشرط الواقف إذ يعتبر عقد البيع من عناصر الذمة المالية فتنتقل إلى ورثتها ويجب لعدم جواز الشفعة في البيع المبرم بين الزوجين أن يكون جديًا فإن كان صوريًا وتمكن الشفيع من إثبات الصورية انتفى المانع حين ذلك.
أما عن الطلاق بين الزوجين فقد قضت محكمة التمييز الأردنية في قرارها رقم (31/91) بان المقرر في فقه الحنفية على ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن الطلاق الرجعي لا يغير شيئًا من أحكام الزوجية فهو لا يزيل الملك ولا يرفعه إلا بانقضاء العدة ويحق للزوجة المطلقة أن تقيم في مسكن الزوجية الذي كانت تقيم فيه حتى تنتهي عدتها الشرعية (4). نص المجلة كما يتضح من أحكامها أنها لم تضع مثل هذه الموانع.
المسألة الثالثة: البيع بين الأقارب حتى الدرجة الرابعة
كذلك لا تجوز الشفعة في البيع الواقع بين المالك وأحد من أقاربه حتى الدرجة الرابعة وفي حساب درجة القرابة فقد كان النص واضحًا في المادة ( 36 ) من قانون المدني المصري (وعند حساب درجة القرابة نعد الدرجات صعودًا من الفرع للأصل المشترك ثم النزول من .( الأصل إلى الفرع الأخر وكل فرع ما عدا الأصل المشترك يعتبر درجة) (5) وفي شرح ذلك كتب المرحوم السنهوري “إن الأخ يعتبر لأخيه من الدرجة الثانية إذ أن الأصل المشترك في الأخوين هو الأب فيحسب الأخ درجة ومنه تصعد إلى الأب وهو الأصل المشترك فلا يحسب ثم تنزل من الأب إلى الأخ الآخر فيحسب هذا أيضًا درجة فهاتان درجتان ويكون البيع الصادر من الأخ لأخته أو لأخيه بيع لا تجوز الشفعة”. ويعتبر العم بالنسبة لأبن أخيه في الدرجة الثالثة إذا أن الأصل المشترك هو الجد فلا يحسب ثم تنزل من الجد إلى ابن الأخ درجتين الأخ درجة ولابنه درجة ثانية فيكون مجموع الدرجات ثلاثة ومثل ذلك عن العمة والخال والخالة ويكون البيع الصادر من العم أو العمة أو الخال أو الخالة لابن أخيه أو لابن أخيها أو لابن أخته أو لابن أختها بيعًا واقعًا بين أقارب الدرجة الثالثة فلا تجوز فيه الشفعة. وكذلك لا تجوز الشفعة في البيع الصادر من ابن الأخ للعمة ولابن الأخت لخاله لأن درجة القرابة من الدرجة الثالثة ويعتبر كذلك ابن العم بالنسبة إلى ابن عمه من الدرجة الرابعة إذ أن الأصل المشترك بينهما هو الجد فتصعد من ابن العم إلى الجد بدرجتين ولا يحسب الجد ثم تنزل من الجد إلى ابن العم الآخر بدرجتين فيكون المجموع أربعًا فيكون البيع الصادر من ابن العم إلى ابن عمه بيعًا واقع بين أقارب الدرجة الرابعة ولا تجوز فيه الشفعة، وكذلك نقول عن بنت العم وابن العمة وابن الخال وبنت الخال وابن الخالة وبنت الخالة كل هؤلاء أقارب حتى الدرجة الرابعة( 6) “. وهذا ما عليه الوضع أيضًا في القانون المدني الأردني سندًا لأحكام المادة 35 منه والذي يؤكده قرار محكمة التمييز الأردنية رقم 344/77(7)
المسألة الرابعة: البيع لأقارب المصاهرة
كذلك قررت ذات النصوص الواردة سابقًا في كل من القانون المدني المصري بموجب المادة 939 /ب ” لا يجوز الأخذ بالشفعة إذا وقع البيع بين الأصهار لغاية الدرجة الثانية ” والقانون المدني الأردني عدم جواز الشفعة بين أقارب المصاهرة حتى الدرجة الثانية عملا بأحكام المادة 1161/2 ” إذا وقع البيع بين الأصول والفروع أو بين الزوجين أو الأقارب حتى الدرجة الرابعة أو بين الأصهار حتى الدرجة الثانية ” وكذلك القانون رقم ( 51 ) لسنة 1958 المعدل للأحكام المتعلقة بالأموال غير المنقولة وهو المطبق في فلسطين نص على ذات القيد بموجب أحكام المادة 3/ب وهو ذات النص الوارد في المادة 1161 القانون المدني الأردني المشار إليه أعلاه .
وبذلك فإن الشفعة لا تجوز في البيع الذي يتم بين الزوج ووالد زوجته إذ تكون قرابته بالنسبة لهما من الدرجة الأولى كذلك لا تجوز الشفعة بالبيع الذي يتم بين الزوج وأخ الزوجة أو أخت الزوجة وتكون القرابة بالنسبة لأي منهما في الدرجة الثانية وكذلك في الصور المعاكسة في البيع الذي يتم بين الزوجة ووالد الزوج أو والدته والبيع الذي يتم بين الزوجة وأخ الزوج أو أخته. (8)
فإذا كان من بين المشترين أحد مما تم ذكرهم وكان العقار المبيع غير قابل للتجزئة فإن الشفعة لا تجوز بالنسبة لجميع المشترين أما إذا كان العقار قابلا للتجزئة فإن الشفعة تجوز بالنسبة لحصة من لم يتحقق له مانع من هذه الموانع. هذا حسبما قررت محكمة النقض في قرارها رقم 1/97 بتاريخ 9/2/ 95 (9) أما التساؤل الذي يدور هل تنقضي قرابة المصاهرة بعد وفاة أحد الزوجين؟. هنا اختلفت الاتجاهات في الإجابة على هذا التساؤل فمنهم من يرى انتقاء قرابة المصاهرة بوفاة أحد الزوجين وحينها فإن الشفعة لا تجوز إذا تم البيع قبل الوفاة “اما إذا كان للشفيع الحق في الشفعة أو عدم أحقيته في ذلك بوقت إبرام العقد فإن قرابة المصاهرة قائمة في هذا الوقت ،فلا يكون للشفيع حق في الشفعة لو حدثت الوفاة بعد ذلك أما إذا تم البيع بعد الوفاة فإن قرابة المصاهرة تكون قد انقضت في هذا الوقت وبالتالي يثبت للشفيع الحق في الشفعة باعتبار أن رابطة القرابة مبنية على رابطة الزواج لا على رابطة المصاهرة وهو الرأي القضائي الذي أخذت به محكمة النقض في العديد من قراراته”(10)
المسألة الخامسة: البيع بطرق المزاد العلني
نصت المادة ( 939 ) من القانون المدني المصري والمادة ( 1161 ) من القانون المدني الأردني والمادة( 2) فقرة ( 3) من القانون رقم( 51 ) لسنة 1998 المعدل للأحكام المتعلقة بالأموال غير المنقولة المعمول به في فلسطين على عدم جواز الشفعة في البيع الذي يتم بطريق المزاد العلني.
والسبب في ذلك الاستثناء أن البيع الذي يجري على هذا النحو يكون المجال متاحًا للشفيع إذا ما أراد أخذ العقار في أن يدخل في المزاد بالإضافة إلى أن هذا البيع يحقق مصلحة البائع بحيث يستطيع بيع عقاره بيعا قضائيا بطريق التنفيذ (دائرة الأجراء) في القانون الأردني(11) والتي سميت لدينا في فلسطين بدائرة التنفيذ حسب أحكام قانون التنفيذ الجديد رقم ( 8 لسنة ) 2005
وأسباب البيع بالمزاد العلني متعددة يصعب حصرها فقد يباع العقار للشخص المفلس أو عديم الأهلية أو عقار الغائب وكذلك بيع العقار في إزالة الشيوع لعدم إمكانية قسمة هذا العقار. ويقصد بهذا البيع هو البيع الذي تجري فيه المزايدة العلنية آلت يتحصل بالنداء إذ فيها يتمكن الشفيع من الدخول للاشتراك في هذه المزايدة أما إن كانت المزايدة مثلا بطريق الظرف المختوم فلا ينطبق عليها هذا الحكم لأنها ليست مزايدة حقيقية لانتفاء العلانية به وعدم استطاعة الشفيع معرفة ما إذا كان السعر المدفوع فيها لو كان يستطيع أن يدفع أعلى منه. أما بخصوص البيع الذي يجريه الأشخاص بالمزاد العلني (لا قضائيًا ولا إداريًا) فإنه لا يمنع من الشفعة(12)
المسألة السادسة: البيع لجعل العقار محل عبادة
( تنص المادة ( 939 ) / ج مدني مصري والمادة ( 1161 ) من المدني الأردني والمادة ( 2) فقرة( 4) من قانون رقم ( 51 ) لسنة 1958 المتعلق بالأحكام المتعلقة بالأموال غير المنقولة على عدم جواز الأخذ بالشفعة إذا كان العقار قد بيع ليجعل محلا للعبادة أو ليلحق بمحل عبادة. وقد عنى القانون بذلك “أن العقار يخرج من دائرة التعامل إذا قصد ببيعه أن يكون محلا للعبادة أيا كانت تلك العبادة فلا يجوز فيه الشفعة إذا خصص لإقامة مسجد للمسلمين أو كنيسة للمسيحيين أو معبد لليهود وهذه الديانتان التي يعتبرها الإسلام باعتبار المعتنقين لها من غير المسلمين أهل الكتاب وذلك باعتبار أن الإسلام دين الدولة. إما دور العبادة للديانات التي لا يقرها الإسلام فأنها تخرج عن نطاق القيد ويجوز أخذها بالشفعة كمعابد البوذيين وغيرهم من أهل الشرك”(13) ولا يسوغ القول هنا بأن النص المطلق يجري على إطلاقه وبالتالي تكون الشفعة غير جائزة إذا كان العقار قد بيع يجعل محلا للعبادة دون تحديد تلك العبادة لأن هذا الأول يختلف مع دين الدولة وبالتالي في ذلك مخالفة للنظام العام مع قواعد الشريعة الإسلامية أو النظام العام.(14)
ويجب لعدم جواز الشفعة أن يخصص العقار للعبادة المتعارف عليها فيما ذلك إقامة الشعائر الدينية فلا يكفي أن يخصص لأعمال البر. فإذا تضمن العقد أن الغرض من البيع إقامة مستشفى خيري ومدرسة لتحفيظ القرآن الكريم فإن الشفعة تجوز حتى لو أضيفت لذلك إقامة مكان للصلاة ولا يعتبر البيع واردًا على محل عبادة.(15).
المسألة السابعة: لا يجوز للوقف أن يأخذ بالشفعة
أما عن هذا القيد فقد أنفرد به القانون المدني المصري في المادة ( 939 ) ولا يوجد مثل هذا النص في القانون المدني الأردني أو القانون رقم (51) لسنة 1998 المعدل للأحكام المتعلقة بالأموال غير المنقولة مما يعني خلو التشريع الأردني من ذلك إلا أن كان ذلك موجودًا في قانون الأوقاف أو قانون الأراضي الموقوفة وخلا التشريع في فلسطين لعدم وضوح أحكام الأخذ بالشفعة وتناثرها أصلا في فلسطين لاختلاف التشريعات المطبقة فتارة تطبق المجلة وتارة قانون الأراضي العثماني رقم ( 42 ) لسنة 1852 وتارة قانون رقم ( 51 ) لسنة 1958 المعدل للأحكام المتعلقة بالأموال الغير منقولة(16). وهناك بعض القيود المتعلقة التي تمنع من الشفعة في القانون المصري مثل تجاوز الشفعة للملكية والبيع لمؤسسة الإسكان في القانون الأردني.
______________
1- السنهوري، عبد الرزاق، الوسيط في شرح القانون المدني، أسباب كسب الملكية ، الجزء التاسع، الإسكندرية، دار الفكر الجامعي، 1995 ، ص 534
2- زكي، محمود جمال الدين، الوجيز في الحقوق العينية الأصلية، ص 430 -مطبعة جامعة القاهرة، 1978 ص 422 نصت المادة 1074 من مشروع القانون المدني الفلسطيني على:-
1. لا يجوز الأخذ بالشفعة:
أ. في البيع بالمزاد العلني وفقًا للقانون.
ب. إذا وقع البيع بين الفروع والأصول أو بين الزوجين أو بين الأقارب حتى الدرجة الرابعة أو بين الأصهار حتى الرجة الثانية.
ج. إذا كان العقار قد بيع ليجعل محل عبادة أو ليلحق بمحل عبادة أو للمنفعة العامة.
د. إذا كان العقار تجري قسمته وفقًا للقانون.
2. لا شفعة في الوقف ولا له إلا لمسوغ قانوني.
3- طلبة، أنور، الشفعة والتحيل لإسقاطها، الطبعة الأولى، القاهرة، المكتب الجامعي الحديث، 2004 ، ص 204
4- العمروسي، أنور، الملكية وأسباب كسبها، الطبعة الأولى، دار محمود للنشر والتوزيع، 1995 ، ص 520
5- شنب، محمد لبيب، الوجيز في الحقوق العينية الأصلية، ، ص 11
6- السنهوري، عبد الرزاق المرجع السابق، ص 536
7- مجلة نقابة المحامين الأردنيين، 1978 ، ص 166
8- السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني -أسباب كسب الملكية – ج 9، دار الفكر الجامعي، الإسكندرية، 1995، ص 536
9- الشواربي عبد الحميد، الشفعة والقسمة، الشفعة والقسمة، الطبعة الثانية ، دار النصر للنشر والتوزيع 1979 ، ص 161
10- معوض عبد التواب، الشفعة و الصورية، الطبعة الثامنة، بدون دار نشر 2004 ص 185
11- القلاب، سليمان خليف، الشفعة في القانون المدني الأردني، عمان، المكتبة الوطنية 1995 ، ص 58
12- الشواربي، عبد الحميد، الشفعة والقسمة، المرجع السابق، ص 86
13- انظر البدراوي، عبد المنعم، حق الملكية، الطبعة الثالثة-ص 338 -جامعة القاهرة، 1994 ، ص 366 . سعد، نبيل إبراهيم، الشفعة علمًا وعملا، بدون طبعة، الإسكندرية منشأة المعارف، 1997 ص 52
14- عباسي، جلال، الخلاصة الجلية في أحكام الشفعة والأولوية، الطبعة الأولى، عمان، المكتبة الوطنية، 1994 ، ص 3
15- سعد، نبيل إبراهيم، الشفعة علمًا وعملا، المرجع السابق، ص 109
16- محمد عبد الظاهر حسين، حق الملكية، منشورات جامعة بني سويف، 2006 ، ص 264
اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .
بيان توضيحي بالبيوع التي لا تجوز فيها الشفعة – مقال قانوني متميز