الضمانات القانونية للتفتيش في التشريع العراقي

التفتيش

ان التفتيش بوصفه من اجراءات التحقيق يعد من الاجراءات الخطيرة التي تمس الحياة الخاصة للفرد ،وحرمة منزله،ولهذا اكد الدستور علىحرمة المساكن وصيانتها في الفقرة(ثانياً/من المادة 17) ، وعليه لابد ان يحاط المتهم بضمانات معينة عند اللجوء لهذا الاجراء بحيث لا يتعدى نطاق الغرض الذي قصد من ورائه . فالتفتيش هو اجراء من اجراءات التحقيق يقصد به الاطلاع على محل له حرمة خاصة للبحث عما يفيد التحقيق . وتفتيش المتهم يعني تحسس ملابسه و فحص تلك الملابس بدقة واخراج ما يخفيه المتهم فيها ويعني ايضاً فحص الجسم ظاهرياً . وهذه الامور تمثل اكراها يستوجب تنظيم حدوده ودواعيه . وعليه فالغرض من التفتيش قد يكون من اجل الحصول على دليل جرمي وضبطه او للقبض على متهم هارب او مختبئ او لفك حجز شخص حبس من دون حق او لحفظ الامن وسلامة الاشخاص او للتأكد من تنفيذ الاوامر والنواهي الصادرة من السلطة التنفيذية . وعليه يجب ان يحاط التفتيش بضمانات منها :

الفرع الاول – بيان الأحوال التي يجوز فيها التفتيش :

لاجراء التفتيش لابد من وقوع فعل او امتناع عن فعل يعد في نظر القانون جريمة ، وعليه لا يمكن القيام بالتفتيش قبل وقوع الجريمة . كما تشرط بعض القوانين أن تكون هذه الجريمة جناية او جنحة فلا تجيز التفتيش في المخالفات بعكس القانون العراقي الذي اجاز اجراء التفتيش بغض النظر عن جسامة الجريمة (5) . فضلاً عن ذلك يجب ان تكون هناك قرائن على نسبتها إلى شخص معين ، وبعبارة اخرى لابد من توافر الدلائل التي تكفي للتعرض لحرمة المتهم الشخصية (6) . ولذا فنحن نؤيد الرأي الذي يدعو المشرع العراقي إلى حصر نطاق التفتيش في الجنايات والجنح فقط من دون المخالفات ، وذلك لقلة خطورتها ولانها ليست على ذلك القدر من الاهمية التي تجيز التعرض لحرمة الشخص .

الفرع الثاني – وجود فائدة من اجراء التفتيش :

من اجل اللجوء إلى التفتيش لابد من وجود فائدة مرجودة من اجراء ذلك التفتيش ، سواء كانت تلك الفائدة لمصلحة المتهم او ضده ، مادامت تفيد في كشف الحقيقة . وهذه الفائدة تتمثل في الحصول على اوراق او اسلحة أو الآلات او ادلة اخرى ، وهذا ما نصت عليه اغلب القوانين (1) . وعليه إذا لم تكن هناك فائدة مرجوة من التفتيش ، فلا يجوز اللجوء اليه والا عد باطلاً . ولكن كيف نستطيع القول ان هناك فائدة مرجوة من التحقيق ؟ وبعبارة اخرى هل هناك معيار لتحديد ذلك ويمكن اللجوء اليه ام ان الامر متروك لتقدير سلطة التحقيق ؟

لا يوجد معيار يمكن اللجوء إليه في ذلك ، ولكن الامر متروك لسلطة التحقيق تستخلصه من القرائن التي تشير الى امكانية ضبط ما يفيد عند تفتيش الشخص او مسكنه (2) .

الفرع الثالث – بيان السلطة القائمة بالتفتيش :

نصت المادة (72 / ب) من قانون أصول المحاكمات الجزائية على ان يقوم بالتفتيش قاضي التحقيق او المحقق او عضو الضبط القضائي بامر من القاضي او من يخوله بالقانون اجراءه (3) . كما نصت المادة 80 / من قانون أصول المحاكمات الجزائية على انه ( إذا كان المراد تفتيشه انثى فلا يجوز تفتيشها إلا بواسطة انثى يندبها لذلك القائم بالتفتيش بعد تدوين هويتها في المحضر ) وبالحكم نفسه اخذ قانون الاصول الجزائية الاردني في المادة 86 / 2 منه والتي تنص على ( واذا كان المفتش انثى يجب ان يكون التفتيش بمعرفة انثى تنتدب لذلك ). اجراءات جنائية روسي على وجوب تفتيش الشخص من قبل شخص اخر من جنسه وحضور اخر من الجنس نفسه .

لقد قام المشرع العراقي بتعيين عدد من العناصر النسائية في الوظائف او المناصب التحقيقية لكي تقوم بمهام التحقيق ومنها التفتيش والتحقيق مع المتهمات من النساء ، وذلك لان المرأة تكون اكثر اطمئنانا وثقة بالمرأة مثيلتها ، كما ان السماح للمرأة بالقيام ببعض مهام التحقيق يمكن من الوصول للحقيقة بالسرعة المطلوبة . ان تولي العنصر النسائي لبعض مهام التحقيق لا يتم اعتباطا وانما يتم بعد اخضاعهن لاختبارات ودورات يتلقن فيها العلوم الجنائية المختلفة . ان تفتيش المرأة المتهمة من قبل امرأة مثيلتها يعد ضمانة مهمة لها من عدم المساس بجسمها فيما لو تم ذلك التفتيش من قبل الرجل .

الفرع الرابع – اجراء التفتيش طواعية :

الأصل ان يتم التفتيش طواعية سواء كان التفتيش للشخص المتهم او للمكان الذي يوجد فيه المتهم ، وذلك بان يمكن المتهم الشخص القائم بالتفتيش من اداء واجبه بالشكل المطلوب ، فاذا ما رضى المتهم بتفتيشه او تفتيش مسكنه فلا يجوز له الدفع ببطلان التفتيش بعد ذلك . ولكن إذا امتنع المتهم عن تمكين القائم بالتفتيش من اداء واجبه فللقائم بالتفتيش ان يجريه عنوة او يطلب مساعدة الشرطة ، وهذا يعني امكانية لجوء القائم بالتفتيش إلى استخدام القوة اللازمة او طلب مساعدة الشرطة ، فهو مخير بين الامرين . فالمتهم الذي يرفض اجراء تفتيشه او تفتيش مسكنه يمنح الشخص القائم بالتفتيش امكانية اللجوء إلى القوة اللازمة لاجباره على التفتيش . ولكن السؤال الذي يطرح هنا هو كيف يتم اجباره على ذلك ؟

المادة (81) / من قانون أصول المحاكمات الجزائية اوضحت انه بإمكان القائم بالتفتيش اجراءه عنوة على المتهم او اللجوء إلى افراد الشرطة لتمكينه من اداء مهمته على اكمل وجه ، وذلك بالقبض عليه واستخدام الاكراه ضده .

وقبل اللجوء إلى وسائل القوة يرى البعض ان المتهم يؤمر بتقديم الشيء المراد ضبطه بالتفتيش ، فاذا امتنع يجوز عندها تفتيشه واستخدام القوة اللازمة . ويرى جانب من الفقه ان هذه الحالة لا يمكن ان تنطبق على المتهم بوصفه انه يتمتع بحق الدفاع الذي يعفيه من تقديم ادلة اتهامه .

الفرع الخامس – تحديد وقت معين للتفتيش :

ان من حق المتهم التمتع بقسط من الراحة ، وعليه يجب عدم مباشرة التفتيش في اوقات راحة المتهم . فاذا كان المراد تفتيشه ( شخص المتهم ) وكان مقبوضا عليه فيجب ان لا يتم تفتيشه في اوقات متأخرة من الليل ، لان ذلك يعد مساسا بصحته وبالتالي سلامة جسمه . وعليه يجب تحديد اوقات معينة ومناسبة للتفتيش . أما إذا كان المتهم غير مقبوض عليه ويتواجد في مسكنه ، فلا يجوز اجراء التفتيش في اوقات الراحة ، لان ذلك يعد مساسا بحق المتهم في سلامة جسمه . ان المشرع العراقي لم يورد نصاً في قانون أصول المحاكمات الجزائية يحدد الفترة الزمنية التي يجوز اجراء التفتيش خلالها ، شانه شان العديد من التشريعات الاخرى كالتشريع المصري والسوري والأردني والسوداني ، ومن ثم يكون اجراء التفتيش ليلاً ونهاراً وفي اية ساعة او في ايام العطل والاعياد امراً جائزاً . الا انه ومن خلال البحث الدقيق وجدنا بعض النصوص في بعض التشريعات الخاصة فقد حددت فترة زمنية لاجراء التفتيش،كامادة (15) من قانون الامراض العفنة لعام 1926
ولهذا لا بد من تضمين قانون أصول المحاكمات الجزائية نص خاص يحدد الفترة التي يجوز خلالها اجراء التفتيش والاحوال المستثنى من ذلك ، لان في ذلك ضمانة مهمة للمتهم في المحافظة على سلامة جسمه .

الضمانات القانونية للتفتيش في التشريع العراقي