تمت إعادة النشر بواسطة محاماه نت

بسم الله الرحمن الرحيم

أركان جريمـــة التحرش الجنســـــي -*- التشريع الجزائري -*-

تقتضي هذه الجريمة شرطا أوليا لقيامها، نتطرق إليه قبل عرض ركنها المادي و المعنوي، إذ لا يمكن تصور جنحة التحرش الجنسي في قانون العقوبات الجزائري إلا في إطار علاقة تبعية أي علاقة رئيس بمرؤوس، قائمة بين الجاني و المجني عليه إذ تشترط ا لمادة 341 مكرر أن يكون الجاني شخص يستغل سلطة وظيفته أو مهنته، و من ثمة يفلت من التجريم ما يصدر عن زميل في العمل أو عن زبون في مؤسسة.
و لم يحصر المشرع الجزائري مجال تطبيق الجريمة فيما يصدر عن الجاني أثناء ممارسة الضحية لنشاطها المهني، فكل ما يتطلبه القانون هو أن يتم التحرش في إطار علاقة تبعية أي علاقة رئيس بمرؤوس، سواء تم ذلك أثناء ممارسة وظيفة أو بمناسبتها.
و عبارة وظيفة على شمولها تتسع لكل الأنشطة بصرف النظر عن إطارها، فقد تكون الإدارة أو المؤسسات أو الجمعيات
بل و حتى الترفيه و التطوع.
أما المهنة فيقصد بها على وجه الخصوص الوظائف المنظمة سواء في القطاع الخاص أو العام مثل الطب و المحاماة و القضاء و الهندسة و الفلاحة و الصناعة و التجارة،…
و الواقع أن عبارة الوظيفة تغنينا عن الإشارة إلى المهنة، و يجدر التنويه إلى أن المشرع الفرنسي منذ تعديله قانون العقوبات بموجب قانون 2002.01.17 لم يعد يشترط علاقة رئيس بمرؤوس بين الجاني و الضحية، حيث لم يلزم النص أن يكون الجاني شخصا يستغل سلطة وظيفته، و تبعا لذلك تثبت الجريمة و لو صدر التحرش عن زميل في العمل و من أحد زبائن المؤسسة بل و حتى لو صدر التحرش من المستخدم.

الركــن المــادي للجريمـــة

تقتضي جريمة التحرش الجنسي أن يلجأ الجاني إلى استعمال وسائل معينة، أهمها إصدار الأوامر، التهديد، الإكراه و ممارسة الضغوط قصد إجبار الضحية على الاستجابة لرغبات جنسية.
و يتكون الركن المادي من عنصرين أساسيين في وصف السلوك الإجرامي و هما، استعمال وسيلة من وسائل العنف المادي أو المعنوي ، ثم الغاية من استعمال الوسيلة و هي الحصول على فضل ذي طابع جنسي.

1 – الوسائل المستعملـة:
تتمثـل وسائل العنف المستعملة من طرف المتحرش فيما يلي:

1-1 – إصدار الأوامر
يقصد به ما يصدر من رئيس إلى مرؤوس، من طلبات تستوجب التنفيذ، و قد يكون الأمر كتابيا أو شفويا، و من هذا القبيل، مدير المؤسسة الذي يطلب أو يستدعي إحدى المستخدمات أو الموظفات إلى مكتبه و يأمرها بغلق الباب أو تغليقه و خلع ثيابها.

1-2 – التهــــديد
تؤخذ عبارة التهديد بمعناها اللغوي فلا يقتصر مدلولها على التهديد المجرم في المواد 284 إلى 287 من قانون العقوبات، و إنما يتسع ليشمل كل أشكال العنف المعنوي، و يستوي أن يكون التهديد شفويا أو بواسطة محرر أو مجرد حركات أو إشارات كأن يطلب المدير من مستخدمه قبول الاتصال به جنسيا و إلا فصلها عن العمل، إذ أن الأفعال، التعاليق، الملاحظات و الطلبات ذات الطابع الجنسي التي تقع في إطار العمل تعتبر تحرشا جنسيا إذا كانت ملحة و مضايقة، أو إذا كان أثرها على المستخدمين أو الطالبين للعمل مدعاة للخضوع أو رفض الخضوع للسلوكات المذكورة أعلاه بما يؤثر على القرارات التي ستتخذ بشأنــهــم.

1-3 – الإكــــــراه
قد يكون الإكراه ماديا، و يقصد به استعمال القوة الجسدية أو وسيلة مادية كالسلاح، كأن يرغم المدير مستخدمته على تلبية طلبه المشار إليه في الفقرة أعلاه، مستعملا قوته الجسدية، وفي هذه الحالة يتحول الفعل إلى اغتصاب و قد يكون الإكراه معنويا كتهديد المستخدمة أو المستخدم بإفشاء سر قد يسبب ضررا إن كشف. كما أن تطرق نص المادة لعنصر الإكراه، يشير بصفة واضحة إلى أنه لا يعد تحرشا جنسيا إذا توفر عنصر الرضا غير أن هذا الرضا لا يعتد به إذا تم التوصل إليه بالتهديد أو الوعد بمنصب شغل أو أي شكل من أشكال الإكراه، كما أن الصمت لا يعني بالضرورة توفر عنصر الرضا إذ أن الشخص القائم بالتحرش يعد مسئولا إذا ثبت بأن سلوكاته كانت ملحة و مضايقة.

1-4 – ممــارسة الضغــوط
إن ممارسة الضغوط تتعدد أشكالها فقد يكون مباشرا أو غير مباشر، و ها هنا تجدر الإشارة إلى أنه لا يشترط استعمال وسيلة معينة، و تبعا لذلك تقوم الجريمة حتى لمجرد إغواء أو مراودة امرأة داخل مقرات العمل، و إجمالا يمكن القول أن التهديد و الإكراه و ممارسة الضغوط هي أشكال للعنف المعنوي و ثمة يثار التساؤل حول التمييز بين جريمة التحرش الجنسي و جريمتي الاغتصاب و الفعل المخل بالحياء اللتان لا تستبعدان لقيامهما العنف المعنوي.

و يشترط حكم الإدانة، الإشارة إلى إحدى الوسائل المذكورة آنفا و في هذا الصدد نذكر على سبيل المقارنة أنه قضي في فرنسا بنقض قرار محكمة الاستئناف لكونها لم تشرح في قرارها كيف استعمل الجاني التهديد أو إصدار الأوامر أو الإكراه، كما قضي في مناسبات أخرى بعدم قيام الجريمة لانعدام التهديد أو الإكراه أو إعطاء الأوامر.

2 – الغاية من استعمال الوسائل المذكورة:
و تتمثل في إجبار الضحية على الاستجابة للرغبات الجنسية للجاني.

2-1 – إجبار المجني عليه الاستجابـــة
يقصد به حمل المجني عليه القبول بالطلب الموجه له، و الإجبار يفيد عدم الرضا لدى المجني عليه، فان كان راضيا انعدمت الجريمة حسبما سبق التنويه إليه، و بالمقابل يتحول التحرش إلى هتك عرض أو فعل مخل بالحياء مع استعمال العنف إن زاد عن حده و من الصعوبة بمكان رسم الحد الذي يتحول عنده الإجبار إلى عنف معنوي.

2-2 – الرغبات الجنسية للجانــي
تتسع هذه العبارة لتشمل كل الأعمال الجنسية من التقبيل و الملامسة إلى الوطء و يشترط القانون أن يكون الجاني هو المستفيد و ليس غيره و من ثم لا يسأل جزائيا من أجبر المجني عليه بما سبق من الوسائل على الاستجابة لرغبات غيره الجنسية، ما لم يشكل هذا الفعل جنحة تحريض قاصر على الفسق و الدعارة أو فساد الأخلاق، المنصوص عليها في المادة 342 من قانون العقوبات الجزائري، و في هذه الحالة يشترط أن يكون المجني عليه قاصرا، أو جنحة وساطة في شأن الدعارة المنصوص عليها في المادة 343 من نفس القانون، و في هذه الحالة يشترط أن يكون ذلك بمقابل فضلا على اعتياد المجني عليه ممارسة الدعارة .

الركــــن المعنــــوي

نظرا لما يلتبس على وصف الأقوال و الأفعال و الحركات، ايجابية كانت أو بالامتناع، فان هذه الجريمة تتطلب قصدا جنائيا، بل لا يمكن تصورها بدون هذا القصد و تبعا لذلك لا تقوم الجريمة إذا انعدم القصد الجنائي، فعلى سبيل المقارنة، قد قضي في فرنسا بعد قيام الجريمة في حق مدير مؤسسة أبدى عاطفة حب تجاه مستخدمة كان قد أرسل لها عدة خطب و قصائد شعرية لا تتضمن فحشا و هجرا، و كذا في حق من لمس يد مستخدمة أثناء استراحة لتناول القهوة و أعرب لها عن حبه لها و قدم لها هدية عند عودته من سفر و أقر لها أنه يشتاق إليها كلما غابت عن مكتبه، و عليه أقر الفقهاء في فرنسا القول أن مثل هذه الجريمة لا تطبق على مبادرات حب صادقــة.

و إذا كان القصد الجنائي منعدما في المثالين السابقين فان الجاني لم يلجأ فيهما أيضا لأساليب التهديد أو الضغط أو الإكراه أو إعطاء الأوامر و مع ذلك فقد قضي بعدم قيام الجريمة حتى و إن سلك الجاني سلوكا بدئيا ما دام إساءة استعمال السلطة و التهديد و الضغط و الإكراه غير مثبتــة.
إن إثبات الركن المعنوي لجريمة التحرش الجنسي، من خلال تحديد العلاقة السببية بين الأفعال الموصوفة بالتحرش و بلوغ الجاني النتيجة الإجرامية المقصودة و المتمثلة في تلبية رغبات جنسية أو الحصول على فضل ذي طابع جنسي، يعد من الصعوبة بمكان إن لم نقل انه يستعصى في أغلب الأحيان، ما عدا الأفعال الموصوفة بالتحرش لفظية كانت أو جسدية و التي تحمل دلالة واضحة لا لبس فيها كعزل الضحية بالمكتب و إغراؤها أو تهديدها مقابل الرضوخ لنزوات جنسية، إذ أن أغلب الأفعال الموصوفة بالتحرش تقع تحت طائلة التلميح من خلال استعمال ألفاظ و عبارات و جمل تحمل أكثر من معنى، إذ يكون المعنى المشير للجنس الأقرب للتصور و الأكثر بداهة أو من خلال الاستعمال أو اللجوء إلى حركات و إيماءات جسدية تختلط فيها النية المتعمدة المقصودة بمجرد سلوك قد لا يثير لغير المتحرش به أي رد فعل.

جريمة التحرش الجنسي في التشريع الجزائري