كثرت التعريفات المعطاة للشخص المعنوي ، وحسبنا في هذا المقام ان نشير الى فيض من فيضها ، فيعرفها جانب من الفقهاء(1). بانها (مجموعة من الاشخاص او الاموال ترمي الى تحقيق هدف معين بواسطة اداءات خاصة وتمنح الشخصية المعنوية بالقدر اللازم لا دراك هذا الهدف) ، ويعرفها جانب آخر(2). بانها (وجود معنوي لا يدرك ولا يمكن ادراكه بالحس وانما يتمتع بالشخصية القانونية لتمكنه من تلقي الحقوق وتحمل الالتزامات لذا يطلق عليه شخص معنوي او شخص اعتباري) . ومن خلال هذين التعريفين يتبين ان هناك مقومات لا ينشأ هذا الشخص الا بحيازتها وهي :

1. مجموعة من الاموال أو الاشخاص وتشمل لفظة الاموال في هذا المقام ، الاموال المنقولة والاموال غير المنقولة ، اما الاموال المعنوية فأنها تأبى بطبيعتها ان تكون مقوماً لشخص معنوي ، وليس بمانع في الاموال مدار البحث ، ان تكون كافية لتحقيق الغرض المقصود ، اما لفظة الاشخاص فيراد بها هنا ، الاشخاص الطبيعية والاشخاص المعنوية(3)، فبالنسبة للأشخاص الطبيعية ،يلزم الا يكون هؤلاء مقصودين لذواتهم ، لأن الشخص المعنوي المؤلف من اتحادهم، له ذاتيته المستقلة والمتميزة عنهم وبالتالي فهو باق على فرض تبدلهم، ولأن كان هذا الرأي صالحاً لشركات الاموال مثل الشركات متعددة الجنسية، فإنه غير متطبق على شركات الاشخاص ، اذ ان من خصائص الشخص المعنوي، ان تكون له ذمة مالية مستقلة تماماً عن ذمم الاعضاء الذين يتألف منهم ، وهذا الخاصية وان كانت واضحة فيما يتعلق بأموال الشركات المشار اليها حيث تعد الشركة مالكة لذمتها ولا يستطيع احد الشركاء الادعاء بانه يملك بصفته الشخصية حقاً فيها ، الا انها تبدو معتمة بالنسبة لديون الشركة اذ يسأل الشركاء عنها تضامناً مع الشركة ، ولأجل ذلك ذهب البعض(4).الى ان الاعتراف بالشخصية المعنوية لشركات الاشخاص ، لا يعدو ان يكون من صنع القانون والقانون وحده .

2. التنظيم : ويلزم ان يسود الشخص المعنوي تنظيم يكفل له مباشرة نشاطاته صوب الغرض الذي انشئ من اجله ، وهذا التنظيم تحدده الاداة التي تعبر عن ارادة هذا الشخص وتعمل باسمه ، وهذه الاداة اما ان تكون فرداً واحداً كرئيس جمعية او شركة أو مجموعة افراد كمجلس ادارة مثلاً .

3. الغرض : يلزم الشخص المعنوي ان يكون له غرض يسعى الى تحقيقه وهذا الغرض يجب ان يكون :

أ. ممكناً : أي غير مستحيل ، استحالة طبيعية أو قانونية .

ب. مشروعاً : أي غير مخالف للنظام العام والآداب .

ج. معيناً : أي جلي المعالم ، لانه به تتحدد ذاتية الشخص المعنوي في حدوده فينحصر نطاق عمله .

د. مستمراً : سواء كان هذا الاستمرار بصفة دائميه أو كان لمدة غير معينة ، مما يعني ان الغرض العرضي لا يستحق ان يسعى اليه شخص معنوي .

اما من حيث الاعتراف بالشخصية المعنوية فيعتبر من اهم مقومات الشخصية المعنوية اذ لا حياة للمقومات التي اشرنا اليها ما لم يتدخل القانون ينفخ فيها من روحه وبالتالي يدفعها الى الحياة الاجتماعية ككائن قانوني ، فالاشخاص المعنوية والقول لبعض الفقهاء(5).لا تعدو ان تكون مواليد القانون وهم اصحاب مذهب المجاز أو الافتراض، إلا ان بعض الفقهاء(6). من يغض الطرف عن شرط الاعتراف وهم اصحاب مذهب الحقيقة ، اذ انهم مجمعون على ان هذه الشخصية حقيقية فعلية تشابه شخصية الشخص الطبيعي وتشاركه خصائصه ومميزاته ، واعتدل فريق آخر(7).فبدا له عدم جدوى هذا التضارب في الآراء واكتفى بان الشخصية الاعتبارية حقيقة قانونية لا مناص من التسليم لوجودها . ولم يعد نشاط الاشخاص المعنوية قاصراً على محيط القانون الداخلي الذي نشأت فيه وكفى ، بل امتد الى المحيط الدولي بفعل تشابك العلائق الاقتصادية ، ذهب الفقه التقليدي(8). المشبع بروح نظرية المجاز الى ان الشخصية المعنوية ليست إلا حبيسة حدود البلد الذي نشأت فيه ، فالشخص المعنوي ما هو الا مخلوق مصطنع ومن ثم لا وجود له خارج النطاق الاقليمي للقانون الذي اوجده . يتبنى على ذلك ، ان الشخص المعنوي –طبقاً لهذا الرأي- لا يتمتع بشخصية خارج الدولة التي نشأ فيها الا اذا اعترفت له الدول الاخرى بهذه الشخصية صراحة . اما الرأي الحديث فإنه يذهب متأثراً بنظرية الحقيقة ، إلى ان الشخصية المعنوية مادامت حقيقة لا ينازع في وجودها أحد ، فإن أثرها يمتد بحكم القانون خارج الدولة التي نشأت فيها ، وبالتالي لا حاجة إلى الاعتراف المجدد بها من قبل الدول الأخرى ، وما الاعتراف على فرض وجوده : إلا إقرار كاشف عن حقيقة وجود هذه الشخصية(9). فإذا كانت الشركات متعددة الجنسية تتركب من مركز وشركة (وطنية أو دولية) وعدد من الوحدات الفرعية وهي مجرد فرع ليس لها شخصية مستقلة إنما المركز الأصلي وحده هو الذي يكتسب الشخصية المعنوية وفقاً لقانونها الخاص أو وفقاً لأحكام الاتفاقية الدولية التي أنشأته ، اذ إن فرع الشركة هو جزء منها خاضع لأدارتها ويندمج مورده في موردها و تكون جنسيته من جنسيتها(10). لان الفرع لا تكون له جنسية مستقلة عن جنسية الشركة الأم، لأنه متفرع عنها ومن ثم لا يعترف لها بالشخصية المعنوية وعليه فإن (فرع الشركة) (Succuale`) لا يعتبر شركة متميزة وليس له كيان مستقل عن الشركة الأصلية Maisan Principal و إنما هو امتداد خاضع لها(11). أما إذا كانت الشركة ستضم بجانب المركز الأصلي وحدات فرعية لها شخصية مستقلة تتحصل لدينا فكرة الشركة الوليدة Fialiale و هذه الشركة الوليدة تتميز بالميزتين الآتيتين:

أولا: انها تعد شركة بمعنى الكلمة، ولها شخصية معنوية متميزة عن الشركة الأم.

ثانياً: انها تكون خاضعة للشركة ألام بسبب الهدف الذي قامت من اجله هذه الشركة عند تأسيسها وإدارتها ومهما كانت درجة التبعية بين الاثنين فأن لكل من الشركة ألام ووليدتها شخصية معنوية مستقلة(12).

وفي الشركات متعددة الجنسية تتعدد الشخصية المعنوية في الشركة بعدد هذه الوحدات، وتكتسب الشخصية المعنوية وفقاً لقانون الدولة التي تستضيفها. هذا الوضع التقليدي للاعتراف بالشخصية المعنوية و الجديد في حال الشركات متعددة الجنسية هو ذلك الاتجاه الذي يدعى عدم الاعتراف باستقلال الشركة الوليدة إذا كانت تبعيتها للمركز الأصلي من الإطلاق بحيث تذوب شخصيتها في شخصية الشركة الوليدة وتكون لها كما لو كانت مجرد فرع تابع له وهنا يقع التناقض أيضا بين الوضع الاقتصادي للشركة الوليدة والو ضع القانوني الذي يظل مع ذلك يعترف لها بشخصية قائمة بذاتها. بل وبجنسية مستقلة عن جنسية المركز الأصلي. والأمثلة القضائية على تغليب الحقيقة الاقتصادية على الظاهر القانوني ليست بنادرة نذكر منها مثالين نختارهما من السوق الأوربية المشتركة، يتعلق المثال الأول من المادة 85 من اتفاقية روما 1980 التي تنص على حظر الاتفاق على الاحتكارات الاقتصادية بين الشركات التي تعمل في دول السوق. وقد عرض على محكمة العدل التابعة للسوق في قضية (Kodak) مسألة ما إذا كان هذا النص يسري على الاتفاقيات التي تقع بين الشركة ألام والشركة الوليدة التي تغلب عليها التبعية المطلقة. وأجابت المحكمة(13). بالنفي لان الشركات الوليدة التي كان أمرها معروضاً على المحكمة تابعة تبعية مطلقة لشركة كوداك الأم التي تمارس عليها إشرافا فعليا يتمثل في إصدار التعليمات الدقيقة إليهم مع استحالة مخالفتها . والمثال الثاني مأخوذ من حكم المحكمة القضائية التابعة للسوق الأوربية في قضية L’oza الإيطالية للكيمياويات ضد كل من شركة C.S.C. الشركة ألام في نيويورك(14). وشركة I.C.I. الشركة الوليدة في ميلانو(15). اذ قضى باعتبار الشركة ألام والشركة الوليدة شخصاً معنوياً واحداً لشدة تبعية الشركة الوليدة للشركة ألام التي تملك أغلبية راس مالها وتهيمن على إدارتها حتى في المسائل الصغيرة العادية.

_________________________

– د.شمس الدين الوكيل ، مبادئ القانون ، الطبعة الاولى ، منشأة المعارف بالاسنكدرية ، 1968 ، ص339 .

2- الأستاذ الدكتور جعفر محمد الفضلي ، محاضرات ملقاة على طلبة المرحلة الرابعة ، كلية القانون ، جامعة الموصل للسنة الدراسية 1998-1999 .

3- انظر تعريف الجمعية في المادة (50) من القانون المدني العراقي .

4- انظر على سبيل المثال ، عبد الرزاق السنهوري وحشمت ابو شيت ،اصول القانون او المدخل لدراسة القانون ، القاهرة ، 1948 ، ص298 .

5- منير القاضي ، ملتقى البحرين ، اشرح الموجز للقانون المدني العراقي ، المجلد الاول الباب التمهيدي ، نظرية الالتزام العامة ، بغداد ، 1951-1952 ، ص85 .

6- شاب توما منصور ، القانون الاداري دراسة مقارنة ، ج1 ، بغداد ، 1976 ، ص72 .

7- شمس الدين الوكيل ، الموجز في الجنسية ومركز الاجانب ، منشأة المعارف بالاسكندرية ، ط3 ، 1968، ص431 .

8- د. حسن الهداوي ، الجنسية ومركز الأجانب وأحكامهما في القانون العراقي ، مطبعة الإرشاد ، بغداد ، ط3 ، 1972 ، ص ص339-340.

9- راجع بشأن هذه الآراء ، فؤاد عبد المنعم رياض ، وساجدة راشد ، الوجيز في القانون الدولي الخاص ، ج1 ، القاهرة ، 1971 ، ص405 وما بعدها .

0- د. غالب علي الداودي، القانون الدولي الخاص الأردني، الكتاب الثاني في الجنسية دراسة مقارنة، ط2 ، 1997، ص242.

1- د.علي حسن يونس، الشركات التجارية، دار الفكر العربي، القاهرة، 196، ص21.

2- انظر محكمة استئناف الإسكندرية، 30 يونيو 1953، مجلة التشريع والقضاء، ص151.

3- الحكم كان بتاريخ 30 حزيران 1959. وما يترتب على ذلك عدم توافر ذمة مالية مستقلة لها عن ذمم الشركاء، و كذلك يترتب انه ليس لها رأس مال يخصص للوفاء لدائنيها يحتفظ كل شريك بملكية الحصة المتعددة من قبلة إلا إذا وجد اتفاق على خلاف ذلك، ويترتب على ذلك أيضا انه ليس هناك موطن وجنسية، انظر في ذلك د. احمد البسام، الشركات التجارية في القانون العراقي، ط2، بغداد، 1967، ص ص 355-356 ؛ وكذلك د. نوري طالباني وآخرون، القانون التجاري مؤسسة دار الكتب للطباعة والنشر، بغداد 1979، ص ص223-224 ؛ د. طالب حسن موسى، الوجيز في الشركات التجارية- بغداد، 1975، ص ص335-336.

-14 (commercial solvents corporation).

15- (Institute Chemiterapica) Italiano .

المؤلف : يمامة متعب مناف السامرائي .
الكتاب أو المصدر : الشركات متعددة الجنسية والقانون الواجب التطبيق
الجزء والصفحة : ص12-16.

اعادة نشر بواسطة لويرزبوك .

موقف القانون من الاعتراف بالشخصية المعنوية للشركات متعددة الجنسية