التوحيد عند الشيعة الإمامية
هذه جملة من ألفاظ فقهاء الشيعة الإمامية ممن انتهت إليهم رئاسة المذهب في التوحيد
الشيخ الصدوق
متوفى 381 هجري
– الاعتقادات – الشيخ الصدوق ص 21، 22:
قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه الفقيه المصنف لهذا الكتاب اعلم أن اعتقادنا في التوحيد أن الله تعالى واحد أحد، ليس كمثله شيء قديم لم يزال سميع بصير عليم حكيم حي قيوم عزيز قدوس قادر غني. لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ولا خط ولا سطح ولا ثقل ولا خفة ولا سكون ولا حركة ولا مكان ولا زمان.
– الاعتقادات – الشيخ الصدوق ص 21، 22:
وأنه تعالى متعال عن جميع صفات خلقه خارج من الحدين حد الإبطال وحد التشبيه.
وأنه تعالى شيء لا كالأشياء أحد صمد لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك ولم يكن له كفء أحد ولا ند ولا ضد ولا شبه ولا صاحبة ولا مثل ولا نظير ولا شريك لا تدركه الأبصار والأوهام وهو يدركها لا تأخذه سنة ولا نوم وهو اللطيف الخبير خالق كل شيء لا إله إلا هو له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.
– الاعتقادات – الشيخ الصدوق ص 22، 26:
ومن قال بالتشبيه فهو مشرك ومن نسب إلى الإمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب.
وكل خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل وإن وجد في كتاب علمائنا فهو مدلس.
والأخبار التي يتوهمها الجهال تشبيها لله تعالى بخلقه فمعانيها محمولة على ما في القرآن من نظائرها.
لأن في القرآن: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} ومعنى الوجه: الدين والدين هو الوجه الذي يؤتى الله منه ويتوجه به إليه.
وفي القرآن: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} والساق: وجه الأمر وشدته.
وفي القرآن: {أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ} والجنب: الطاعة.
وفي القرآن: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} والروح هي روح مخلوقة جعل الله منها في آدم وعيسى عليهما السلام وإنما قال روحي كما قال بيتي وعبدي وجنتي وناري وسمائي وأرضي.
وفي القرآن: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} يعني نعمة الدنيا ونعمة الآخرة.
وفي القرآن: {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} والأيد: القوة ومنه قوله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الأَيْدِ} يعني ذا القوة.
وفي القرآن: {يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} بقدرتي وقوتي.
وفي القرآن: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} يعني ملكه لا يملكها معه أحد.
وفي القرآن: {وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} يعني بقدرته.
وفي القرآن: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} يعني وجاء أمر ربك.
وفي القرآن: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} يعني عن ثواب ربهم.
وفي القرآن: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ} أي عذاب الله.
وفي القرآن : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} يعني مشرفة تنظر ثوابها ربها.
وفي القرآن: {وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى} وغضب الله عقابه، ورضاه ثوابه.
وفي القرآن : {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} أي تعلم غيبي ولا أعلم غيبك.
وفي القرآن: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} يعني انتقامه.
وفي القرآن: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}.
وفي القرآن: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ} والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة تزكية ومن الناس دعاء.
وفي القرآن: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
وفي القرآن: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}.
وفي القرآن: {اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ}.
وفي القرآن: {سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ}.
وفي القرآن: {نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} ومعنى ذلك كله أنه عز وجل يجازيهم جزاء المكر وجزاء المخادعة، وجزاء الاستهزاء وجزاء السخرية وجزاء النسيان وهو أن ينسيهم أنفسهم كما قال عز وجل: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} لأنه عز وجل في الحقيقة لا يمكر ولا يخادع ولا يستهزئ ولا يسخر ولا ينسى تعالى الله عز وجل عن ذلك علوا كبيرا. وليس يرد في الأخبار التي يشنع بها أهل الخلاف والإلحاد إلا مثل هذه الألفاظ ومعانيها معاني ألفاظ القرآن.
– الاعتقادات – الشيخ المفيد ص 27:
قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله كل ما وصفنا الله تعالى به من صفات ذاته فإنما نريد بكل صفة منها نفي ضدها عنه تعالى.
ونقول: لم يزل الله تعالى سميعا بصيرا عليما حكيما قادرا عزيزا حيا قيوما واحدا قديما وهذه صفات ذاته.
ولا نقول: إنه تعالى لم يزل خلاقا فاعلا شائيا مريدا راضيا ساخطا رازقا وهابا متكلما لأن هذه صفات أفعاله وهي محدثة لا يجوز أن يقال: لم يزل الله تعالى موصوفا بها.
متوفى 413 هجري
أوائل المقالات – الشيخ المفيد ص 80،82:
18- القول في التوحيد
أقول: إن الله عز وجل واحد في الإلهية والأزلية لا يشبهه شيء، ولا يجوز أن يماثله شيء، وأنه فرد في المعبودية لا ثاني له فيها على الوجوه كلها والأسباب، وعلى هذا إجماع أهل التوحيد إلا من شذ من أهل التشبيه فإنهم أطلقوا ألفاظه وخالفوا في معناه.
وأحدث رجل من أهل البصرة يعرف بالأشعري قولا خالف فيه ألفاظ جميع الموحدين ومعانيهم فيما وصفناه، وزعم أن لله عز وجل صفات قديمة وأنه لم يزل بمعان لا هي هو ولا غيره من أجلها كان مستحقا للوصف بأنه عالم حي قادر سميع بصير متكلم مريد، وزعم أن لله عز وجل وجها قديما وسمعا قديما وبصرا قديما ويدين قديمتين، وأن هذه كلها أزلية قدماء، وهذا قول لم يسبقه إليه أحد من منتحلي التوحيد فضلا عن أهل الإسلام.
19- القول في الصفات
وأقول: إن الله عز وجل اسمه حي لنفسه لا بحياة، وأنه قادر لنفسه وعالم لنفسه لا بمعنى كما ذهب إليه المشبهة من أصحاب الصفات ولا الأحوال المختلفات كما أبدعه أبو هاشم الجبائي وفارق به سائر أهل التوحيد وارتكب أشنع من مقال أهل الصفات، وهذا مذهب الإمامية كافة.
والمعتزلة إلا من سميناه وأكثر المرجئة وجمهور الزيدية وجماعة من أصحاب الحديث والمحكمة.
وأقول: إنه لا يجوز تسمية الباري تعالى إلا بما سمى به نفسه في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وآله أو سماه به حججه من خلفاء نبيه، وكذلك أقول في الصفات وبهذا تطابقت الأخبار عن آل محمد عليهم السلام وهو مذهب جماعة الإمامية.
وكثير من الزيدية والبغداديين من المعتزلة كافة وجمهور المرجئة وأصحاب الحديث، إلا أن هؤلاء الفرق يجعلون بدل الإمام الحجة في ذلك الإجماع.
20- القول في وصف الباري تعالى بأنه سميع بصير وراء ومدرك
وأقول: إن استحقاق القديم سبحانه لهذه الصفات كلها من جهة السمع دون القياس ودلائل العقول، وإن المعنى في جميعها العلم خاصة دون ما زاد عليه في المعنى، إذ ما زاد عليه في معقولنا ومعنى لغتنا هو الحس وذلك مما يستحيل على القديم.
وقد يقال في معنى مدرك أيضا إذا وصف به الله تعالى أنه لا يفوته شيء ولا يهرب منه شيء ولا يجوز أن يراد به معنى إدراك الأبصار وغيرها من حواسنا لأنه الحس في الحقيقة على ما بيناه. ولست أعلم من متكلمي الإمامية في هذا الباب خلافا.
وهو مذهب البغداديين من المعتزلة وجماعة من المرجئة ونفر من الزيدية، ويخالف فيه المشبهة وإخوانهم من أصحاب الصفات والبصريون من أهل الاعتزال.
21- القول في علم الله تعالى بالأشياء قبل كونها
وأقول: إن الله تعالى عالم بكل ما يكون قبل كونه، وإنه لا حادث إلا وقد علمه قبل حدوثه، ولا معلوم وممكن أن يكون معلوما إلا وهو عالم بحقيقته، وإنه سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وبهذا قضت دلائل العقول والكتاب المسطور والأخبار المتواترة عن آل الرسول صلى الله عليه وآله وهو مذهب جميع الإمامية.
ولسنا نعرف ما حكاه المعتزلة عن هشام بن الحكم في خلافه. وعندنا أنه تخرص منهم عليه وغلط ممن قلدهم فيه فحكاه من الشيعة عنه، ولم نجد له كتابا مصنفا ولا مجلسا ثابتا وكلامه في أصول الإمامة ومسائل الامتحان يدل على ضد ما حكاه الخصوم عنه. ومعنا فيما ذهبنا إليه في هذا الباب جميع المنتسبين إلى التوحيد سوى الجهم بن صفوان من المجبرة وهشام بن عمرو الفوطي من المعتزلة فإنهما كانا يزعمان أن العلم لا يتعلق بالمعدوم ولا يقع إلا على موجود، وأن الله تعالى لو علم الأشياء قبل كونها لما حسن منه الامتحان.
22- القول في الصفات
وأقول: إن الصفة في الحقيقة ما أنبأت عن معنى مستفاد يخص الموصوف وما شاركه فيه، ولا يكون ذلك كذلك حتى يكون قولا أو كتابة يدل على ما يدل النطق عليه وينوب منا به فيه، وهذا مذهب أهل التوحيد وقد خالف فيه جماعة من أهل التشبيه.
23- القول فيما انفرد به أبو هاشم الجبائي من الأحوال
أقول: إن وصف الباري تعالى بأنه حق قادر عالم يفيد معاني معقولات ليست الذات ولا أشياء تقوم بها كما يذهب إليه جميع أصحاب الصفات ولا أحوال مختلفات على الذات كما ذهب إليه أبو هاشم الجبائي، وقد خالف فيه جميع الموحدين وقولي في المعنى المراد به المعقول في الخطاب دون الأعيان الموجودات، وهذا مذهب جميع الموحدين وخالف فيه المشبهة وأبو هاشم كما ذكرناه.
24- القول في وصف الباري تعالى بالقدرة على العدل وخلافه وما علم كونه وما علم أنه لا يكون
وأقول: إن الله جل جلاله قادر على خلاف العدل كما أنه قادر على العدل، إلا أنه لا يفعل جورا ولا ظلما ولا قبيحا، وعلى هذا جماعة الإمامية.
والمعتزلة كافة سوى النظام وجماعة من المرجئة والزيدية وأصحاب الحديث والمحكمة، ويخالفنا فيه المجبرة بأسرها والنظام ومن وافقهم في خلاف العدل والتوحيد.
وأقول: إنه سبحانه قادر على ما علم أنه لا يكون، مما لا يستحيل كاجتماع الأضداد ونحو ذلك من المحال، وعلى هذا إجماع أهل التوحيد إلا النظام وشذاذ من أصحاب المخلوق.
25- القول في نفي الرؤية على الله تعالى بالأبصار
وأقول: إنه لا يصح رؤية الباري سبحانه بالأبصار، وبذلك شهد العقل ونطق القرآن وتواتر الخبر عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله، وعليه جمهور أهل الإمامة وعامة متكلميهم إلا من شذ منهم لشبهة عرضت له في تأويل الأخبار.
والمعتزلة بأسرها توافق أهل الإمامة في ذلك وجمهور المرجئة وكثير من الخوارج والزيدية وطوائف من أصحاب الحديث ويخالف فيه المشبهة وإخوانهم من أصحاب الصفات.
30- القول في المعرفة
وأقول: إن المعرفة بالله تعالى اكتساب، وكذلك المعرفة بأنبيائه عليهم السلام وكل غائب، وإنه لا يجوز الاضطرار إلى معرفة شيء مما ذكرناه، وهو مذهب كثير من الإمامية.
والبغداديين من المعتزلة خاصة، ويخالف فيه البصريون من المعتزلة والمجبرة والحشوية من أصحاب الحديث.
متوفى 460 هجري
رسائل العقائد الجعفرية – الشيخ الطوسي
(مسألة 1) معرفة الله واجبة على كل مكلف، بدليل انه منعم، فيجب معرفته.
(مسألة 2) الله تعالى موجود، بدليل انه صنع العالم، وأعطاه الوجود، وكل من كان كذلك فهو موجود.
(مسألة 3) الله تعالى واجب الوجود لذاته، بمعنى انه لا يفتقر في وجوده إلى غيره، ولا يجوز عليه العدم، بدليل انه لو كان ممكنا لا فتقر إلى صانع، كافتقار هذا العالم، وذلك محال على المنعم المعبود.
(مسألة 4) الله تعالى قديم أزلي، بمعنى ان وجوده لم يسبقه العدم. باق ابدي، بمعنى ان وجوده لن يلحقه العدم.
(مسألة 5) الله تعالى قادر مختار، بمعنى انه ان شاء ان يفعل فعل، وان شاء ان يترك ترك، بدليل انه صنع العالم في وقت دون آخر.
(مسألة 6) الله تعالى قادر على كل مقدور، وعالم بكل معلوم، بدليل ان نسبة جميع المقدورات والمعلومات إلى ذاته المقدسة المنزهة على السوية، فاختصاص قدرته تعالى وعلمه ببعض دون بعض ترجيح بلا مرجح، وهو محال.
(مسألة 7) الله تعالى عالم، بمعنى ان الأشياء منكشفة واضحة له، حاضرة عنده غير غائبة عنه، بدليل انه تعالى فعل الافعال المحكمة المتقنة، وكل من فعل ذلك فهو عالم بالضرورة.
(مسألة 8) الله تعالى يدرك لا بجارحة، بل بمعنى انه يعلم ما يدرك بالحواس، لأنه منزه عن الجسم ولوازمه، بدليل قوله تعالى: (لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير)، فمعنى قوله تعالى (انه هو السميع البصير) انه عالم بالمسموعات لا بإذن، وبالمبصرات لا بعين.
(مسألة 9) الله تعالى حي، بمعنى انه يصح منه ان يقدر ويعلم، بدليل انه ثبتت له القدرة والعلم، وكل من ثبتت له ذلك فهو حي بالضرورة.
(مسألة 10) الله تعالى متكلم لا بجارحة، بل بمعنى انه أوجد الكلام في جرم من الاجرام، أو جسم من الأجسام، لايصال عظمته إلى الخلق، بدليل قوله تعالى (وكلم الله موسى تكليما)، ولأنه قادر، فالكلام ممكن.
(مسألة 11) الله تعالى صادق، بمعنى انه لا يقول الا الحق الواقع، بدليل ان كل كذب قبيح، والله تعالى منزه عن القبيح.
(مسألة 12) الله تعالى مريد، بمعنى انه رجح الفعل إذا علم المصلحة (يعنى انه غير مضطر وان ارادته غير واقعة تحت إرادة أخرى، بل هي الإرادة العليا التي ان رأى صلاحا فعل، وان رأى فسادا لم يفعل، باختيار منه تعالى) بدليل انه ترك ايجاد بعض الموجودات في وقت دون وقت، مع علمه وقدرته – على كل حال – بالسوية. ولأنه نهى وهو يدل على الكراهة.
(مسألة 13) انه تعالى واحد، بمعنى انه لا شريك له في الألوهية، بدليل قوله (قل هو الله أحد (4))، ولأنه لو كان له شريك لوقع التمانع، ففسد النظام، كما قال: (لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا).
(مسألة 14) الله تعالى غير مركب من شيء، بدليل انه لو كان مركبا لكان مفتقرا إلى الأجزاء، والمفتقر ممكن.
(مسألة 15) الله تعالى ليس بجسم، ولا عرض، ولا جوهر، بدليل انه لو كان أحد هذه الأشياء لكان ممكنا مفتقرا إلى صانع، وهو محال.
(مسألة 16) الله تعالى ليس بمرئي بحاسة البصر في الدنيا والآخرة، بدليل انه تعالى مجرد، ولان كل مرئي لابد ان يكون له الجسم والجهة، والله تعالى منزه عنهما ولأنه تعالى قال: (لن تراني) وقال: (لا تدركه الابصار).
(مسألة 17) الله تعالى ليس محلا للحوادث، والا لكان حادثا، وحدوثه محال.
(مسألة 18) الله تعالى لا يتصف بالحلول، بدليل انه يلزم قيام الواجب بالممكن وذلك محال.
(مسألة 19) الله تعالى لا يتحد بغيره، لان الاتحاد صيرورة الشئ واحدا من غير زيادة ونقصان، وذلك محال، والله لا يتصف بالمحال.
(مسألة 20) الله تعالى منفي عنه المعاني والصفات الزائدة، بمعنى انه ليس عالما بالعلم، ولا قادرا بالقدرة (بل علم كله، وقدرة كلها)، بدليل انه لو كان كذلك لزم كونه محلا للحوادث لو كانت حادثة، وتعدد القدماء لو كانت قديمة، وهما محالان، وأيضا لزم افتقار الواجب إلى صفاته المغايرة له، فيصير ممكنا، وهو ممتنع.
(مسألة 21) الله تعالى غني، بمعنى انه غير محتاج إلى ما عداه، والدليل عليه انه واجب الوجود لذاته، فلا يكون مفتقرا.
(مسألة 22) الله تعالى ليس في جهة، ولا مكان، بدليل ان كل ما في الجهة والمكان مفتقر إليهما، وأيضا قد ثبت انه تعالى ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض، فلا يكون في المكان والجهة.
(مسألة 23) الله تعالى ليس له ولد ولا صاحبة، بدليل انه قد ثبت عدم افتقاره إلى غيره، ولان كل ما سواه تعالى ممكن، فكيف يصير الممكن واجبا بالذات، ولقوله تعالى: (ليس كمثله شيء) و (مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب).
(مسألة 24) الله تعالى عدل حكيم، بمعنى انه لا يفعل قبيحا ولا يخل بالواجب بدليل ان فعل القبيح قبيح، والاخلال بالواجب نقص عليه، فالله تعالى منزه عن كل قبيح واخلال بالواجب.
(مسألة 25) الرضا بالقضاء والقدر واجب، وكل ما كان أو يكون فهو بالقضاء والقدر ولا يلزم بهما الجبر والظلم، لان القدر والقضاء هاهنا بمعنى العلم والبيان، والمعنى انه تعالى يعلم كل ما هو.
(مسألة 26) كل ما فعله الله تعالى فهو أصلح، والا لزم العبث، وليس تعالى بعابث، لقوله: (أفحسبتم انما خلقناكم عبثا).
(مسألة 27) اللطف على الله واجب، لأنه خلق الخلق، وجعل فيهم الشهوة، فلو لم يفعل اللطف لزم الاغراء، وذلك قبيح، (والله لا يفعل القبيح) فاللطف هو نصب الأدلة، واكمال العقل، وارسال الرسل في زمانهم، وبعد انقطاعهم ابقاء الامام، لئلا ينقطع خيط غرضه.
متوفى 374 هجرية
تقريب المعارف – أبو الصلاح الحلبي – مسائل التوحيد
وهو سبحانه واحد لا ثاني له في القدم والاختصاص بما ذكرناه من الصفات النفسية، لأنه لو جاز وجود قديمين قادرين لأنفسهما، لم يخل أن يكون مقدورهما واحدا من حيث كانا قادرين لأنفسهما، أو متغايرا من حيث كانا قادرين، وكون مقدورها واحدا يحيل كونهما قادرين، وتغاير مقدورهما يحيل كونهما قادرين لأنفسهما، فثبت أنه سبحانه واحد لا ثاني له. وقلنا: إن من حق القادرين أن يتغاير مقدورهما.
لأن تقدير مقدور واحد لقادرين يصح له معه أن يدعو أحدها إلى إيجاده داع خالص من الصوارف، وتتوفر صوارف الآخر عنه، فإن يوجد يقتضي ذلك إضافته إلى من يجب نفيه عنه، وإن لا يوجد يجب نفيه عمن يجب إضافته إليه، وكلا الأمرين محال. وقلنا: إن تقدير قادرين لأنفسهما يوجب كون مقدور ما واحدا. لأن من حق القادر لنفسه أن يكون قادرا على كل ما يصح كونه مقدورا إذ تخصيص مقدوراته وانحصارها يخرجه عن كونه قادرا لنفسه، وإذا صح هذا فمقدور كل قادر لنفسه يجب كونه مقدورا لمماثله في هذه الصفة، وذلك يحيل تغاير مقدورهما. طريقة أخرى وهو لا يخلو أن يكون مقدورهما واحدا أو متغايرا، وكونه واحدا يقتضي إضافة الفعل إلى من يجب نفيه عنه، أو نفيه عمن يجب إضافته إليه، لصحة اختلاف الدواعي والصوارف منهما، وكونه متغايرا يقتضي اجتماع الضدين، وارتفاع الفعل من القادر عليه لغير وجه، وكلاهما محال، فثبت أن صانع العالم سبحانه واحد. وقلنا بذلك لأن تقدير تغاير مقدورهما يصحح توفر دواعي أحدهما إلى ما توفرت عنه صوارف الآخر، فإن يوجد المقدوران يجتمع الضدان، وإن يرتفعا فلغير وجه معقول، من حيث علمنا أنه لا وجه يقتضي تعذر الفعل على القادر لنفسه.
وليس لأحد أن يقول: وجه ارتفاع المقدورين كونهما قادرين على ما لا نهاية له. لأن المصحح لوقوع الفعل هو كون الذات قادرة، فلا يجوز أن يجعل ذلك وجها لتعذره، لأنه يقتضي كون المصحح للشئ محيلا له، وذلك فاسد. وليس له أن يقول: وجه التعذر أن أحدهما ليس بالوجود أولى من الآخر. لأنا نعلم هذا في مقدوري الساهي، وقد يوجد أحدهما. وليس له أن يقول: اشتراكهما في العلم بالمقدورات والدواعي منهما يحيل اختلاف الدواعي منهما. لأن الاشتراك في العلم بالشئ وما يدعو إلى فعله لا يمنع من اختلاف الدواعي إليه، يوضح ذلك: علم كل عاقل بحسن التعقل، وما للمحتاج إليه فيه من النفع وعدم الضرر لما، وقد يدعو بعض العالمين بذلك دواعي فعله، وينصرف عن ذلك آخرون. طريقة أخرى وهو أنا قد دللنا على أن فاعل العالم سبحانه مريد بإرادة موجودة لا في محل، فلو كانا قديمين لم يخل إذا فعل أحدهما أو كلاهما إرادة على الوجه الذي يصح كونه مريدا بها، لم يخل أن يوجب حالا لهما، أو لأحدها، أو لا يوجب. وإيجابها لها محال إيجاب الإرادة الواحدة لحيين، كاستحالة إيجابها لحي واحد حالتين، لأن إيجاب الإرادة لحي واحد حالتين أقرب من إيجابها لحيين، فإذا استحال أقرب الأمرين فالأبعد أولى بالاستحالة. وأيضا فإن إيجاب الإرادة الحال أمر يرجع إلى ذاتها، فلو أوجبت في بعض المواضع حالا لحيين لوجب أن يوجب ذلك في كل موضع، لأن الحكم المسند إلى النفس لا يجوز حصوله في موضع دون موضع، وقد علمنا استحالة الإرادة الواحدة حالا لحيين فيما بنينا، فيجب الحكم بمثل ذلك في كل إرادة. وإيجابها لأحدهما محال، لأنه لا نسبة لها إلى أحد القديمين إلا كنسبتها إلى الآخر، ولا وجه لتخصصها بأحدهما. وإن لا يوجب حالا يوجب قلب جنسها، وهو محال. وإذا كانت دالة على كون فاعلها مريدا، وكان تقدير قديم ثان يحيل كون فاعل العالم سبحانه مريدا، ثبت أنه واحد لا ثاني له. وليس لأحد أن يخصص إيجابها حالة المريد لمن هي فعله، وتابعة لدواعيه دون الآخر، كما يقولون فيمن فعل فيه إرادة لدخول النار وهو مشرف على الجنة: في أن هذه الإرادة لا تؤثر، لكونها غير تابعة لدواعيه، ولا يدخل هذا المريد إلا الجنة، لمجرد الداعي. لأن الدليل مبني على استحالة حصول موجب الإرادة، وهو حال المريد مع تقدير قديمين، ولا يفتقر ذلك إلى حدوثها تابعة لدواعي محدثها، فإنما تحتاج إلى ذلك في تأثرها دون إيجابها الحالة المقتضاة عن نفسها الواجب حصولها بشرط وجودها على كل وجه، ألا ترى أن الإرادة المفروض فعلها في الحي لدخول النار قد أوجبت كونه مريدا، وإنها لم تؤثر دخولها لكونها غير تابعة لدواعيه، فصار القدح وفقا للاستدلال على ما تراه، والمنة لله. ولأن اختلاف دواعي القديمين محال، لاختصاص دواعي القديم بالحكمة المستحيل تعري قديم منها، وعلى هذا الدليل ينبغي أن يعول من طريق العقل، لاستمراره على الأصول وسلامته من القدح. طريقة أخرى وهو علمنا من طريق السمع المقطوع على صحته: أن صانع العالم سبحانه واحد لا ثاني له، والاعتماد على إثبات صانع واحد سبحانه من طريق السمع أحسم لمادة الشغب وأبعد من القدح، لأن العلم بصحة السمع لا يفتقر إلى العلم بعدد الصناع، إذا كانت الأصول التي يعلم بصحتها صحة السمع سليمة، وإن جوز العالم بها تكاملها لأكثر من واحد، من تأمل ذلك وجده صحيحا. وإذا لم يفتقر صحة السمع إلى تميز عدد الصناع أمكن أن يعلم عددهم من جهته، فإذا قطع العدد بكونه واحدا وجب العلم به، والقطع ينفي ما زاد عليه.
وإذا تقرر ما قدمناه من مسائل التوحيد وعلمنا صحتها بالبرهان، لزم كل عاقل اعتقادها، أمنا من ضررها، قاطعا على عظيم النفع بها، وفساد ما خالفها من المذاهب، وحصول الأمان من معرتها، ونزول الضرر بمعتقدها، من حيث كان علمه بحدوث الأجسام والأعراض يقضي بفساد مذاهب القائلين بقدم العالم من الفلاسفة وغيرهم، وعلمه بحاجتها إلى فاعل قادر متخير عالم حي يوجب فساد مذهب من أضافه إلى علة أو طبيعة أو غير ذلك ممن ليس في هذه الصفات. وعلمنا بكونه تعالى قديما لا يشبه شيئا ولا يدرك بشئ من الحواس، يبطل مذهب الثنوية والمجوس والنصارى والصابئين والمنجمين والغلاة ومجيزي إدراكه تعالى بشئ من الحواس من فرق المسلمين، لإثبات هؤلاء أجمع إلهية الأجسام المعلوم حدوثها، لحدوث كل جسم على ما قدمناه. هذا إن أرادوا بالقدم إلهية أعيان الأجسام التي هي: نور وظلمة، وشيطان، وكوكب، وصنم، وبشر كعلي والمسيح عليهما السلام. وإن أرادوا أمرا يجاور هذه الأجسام، فالمجاور لا يكون إلا جسما. وإن أرادوا أمرا حالا، فالحلول من خواص الأعراض، وإن أرادوا بالادراك المعقول منه. وإن أرادوا غير ذلك أشاروا إلى ما لا يعقل، لأن كل عبارة يعبرون بها من قولهم: اتحد، واختص، وتعلق، وغير ذلك، متى لم يريدوا به مجاورة أو حلولا لم يعقل، وفساد ما لا يعقل ظاهر، وكذلك القول في إدراك لا يعقل. وعلمنا بتفرده سبحانه بالقدم والصفات النفسية التي عيناها يبطل مذاهب: الثنوية، والمجوس، وعباد الأصنام، والطبايعيين، والصابئين، والمنجمين، والغلاة، والمفوضة، والقائلين بقدم الصفات زائدا على ما تقدم.
متوفى 1411 هجري
عقائد الإمامية – محمد رضا المظفر
5- عقيدتنا في الله
نعتقد إن الله تعالى واحد أحد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولا يزال، هو الأول والآخر، عليم حكيم عادل حي قادر غني سميع بصير.
ولا يوصف بما توصف به المخلوقات، فليس هو بجسم ولا صورة، وليس جوهرا ولا عرضا، وليس له ثقل أو خفة، ولا حركة أو سكون، ولا مكان ولا زمان، ولا يشار إليه. كما لا ند له، ولا شبه، ولا ضد، ولا صاحبة له ولا ولد، ولا شريك، ولم كين له كفوا أحد. لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.
ومن قال بالتشبيه في خلقه بأن صور له وجها ويدا وعينا، أو أنه ينزل إلى السماء الدنيا، أو أنه يظهر إلى أهل الجنة كالقمر، ( أو نحو ذلك ) فإنه بمنزلة الكافر به جاهل بحقيقة الخالق المنزه عن النقص، بل كل ما ميزناه بأوهامنا في أدق
معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا ( على حد تعبير الإمام الباقر عليه السلام ) وما أجله من تعبير حكيم ! وما أبعده من مرمى علمي دقيق ! وكذلك يلحق بالكافر من قال إنه يتراءى لخلقه يوم القيامة، وإن نفى عنه التشبيه بالجسم لقلقة في اللسان، فإن أمثال هؤلاء المدعين
جمدوا على ظواهر الألفاظ في القرآن الكريم أو الحديث، وأنكروا عقولهم وتركوها وراء ظهورهم. فلم يستطيعوا أن يتصرفوا بالظواهر حسبما يقتضيه النظر والدليل وقواعد الاستعارة والمجاز.
6 – عقيدتنا في التوحيد
ونعتقد بأنه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات، فكما يجب توحيده في الذات ونعتقد بأنه واحد في ذاته ووجوب وجوده،
كذلك يجب – ثانيا – توحيده في الصفات، وذلك بالاعتقاد بأن صفاته عين ذاته كما سيأتي بيان ذلك، وبالاعتقاد بأنه لا شبه له في صفاته الذاتية، فهو في العلم والقدرة لا نظير له وفي الخلق والرزق لا شريك له وفي كل كمال لا ند له.
وكذلك يجب – ثالثا – توحيده في العبادة فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه، وكذا إشراكه في العبادة في أي نوع من أنواع العبادة، واجبة أو غير واجبة، في الصلاة وغيرها من العبادات.
ومن أشرك في العبادة غيره فهو مشرك كمن يرائي في عبادته ويتقرب إلى غير الله تعالى، وحكمه حكم من يعبد الأصنام والأوثان، لا فرق بينهما.
أما زيارة القبور وإقامة المآتم فليست هي من نوع التقرب إلى غير الله تعالى في العبادة، كما توهمه بعض من يريد الطعن في طريقة الإمامية، غفلة عن حقيقة الحال فيها، بل هي من نوع التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة كالتقرب إليه بعيادة المريض وتشييع الجنائز وزيارة الأخوان في الدين ومواساة الفقير، فإن عيادة المريض – مثلا – في نفسها عمل صالح يتقرب به العبد إلى الله تعالى. وليس هو تقربا إلى المريض يوجب أن يجعل عمله عبادة لغير الله تعالى أو الشرك في عبادته.
وكذلك باقي أمثال هذه الأعمال الصالحة التي منها زيارة القبور، وإقامة المآتم، وتشييع الجنائز، وزيارة الأخوان. أما كون زيارة القبور وإقامة المآتم من الأعمال الصالحة الشرعية فذلك يثبت في علم الفقه وليس هنا موضع إثباته.
والغرض أن إقامة هذه الأعمال ليست من نوع الشرك في العبادة كما يتوهمه البعض. وليس المقصود منها عبادة الأئمة، وإنما المقصود منها إحياء أمرهم، وتجديد ذكرهم، وتعظيم شعائر الله فيهم ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ).
فكل هذه أعمال صالحة ثبت من الشرع استحبابها، فإذا جاء الانسان متقربا بها إلى الله تعالى طالبا مرضاته، استحق الثواب منه ونال جزاءه.
7 – عقيدتنا في صفاته تعالى
ونعتقد أن من صفاته تعالى الثبوتية الحقيقية الكمالية التي تسمى بصفات (الجمال والكمال)، كالعلم والقدرة والغنى والإرادة والحياة – هي كلها عين ذاته ليست هي صفات زائدة عليها، وليس وجودها إلا وجود الذات، فقدرته من حيث الوجود حياته.
وحياته قدرته، بل هو قادر من حيث هو حي، وحي من حيث هو قادر، لا اثنينية في صفاته ووجودها وهكذا الحال في سائر صفاته الكمالية.
نعم هي مختلفة في معانيها ومفاهيمها، لا في حقائقها ووجوداتها، لأنه لو كانت مختلفة في الوجود وهي بحسب الفرض قديمة وواجبة كالذات للزم تعدد واجب الوجود ولانثلمت الوحدة الحقيقية، وهذا ما ينافي عقيدة التوحيد.
وأما الصفات الثبوتية الإضافية كالخالقية والرازقية والتقدم والعلية فهي ترجع في حقيقتها إلى صفة واحدة حقيقية وهي القيومية لمخلوقاته وهي صفة واحدة تنتزع منها عدة صفات باعتبار اختلاف الآثار والملاحظات.
وأما الصفات السلبية التي تسمى بصفات ( الجلال)، فهي ترجع جميعها إلى سلب واحد هو سلب الإمكان عنه، فإن سلب الإمكان لازمة بل معناه سلب الجسمية والصورة والحركة والسكون والثقل والخفة وما إلى ذلك، بل سلب كل نقص.
ثم إن مرجع سلب الإمكان في الحقيقة إلى وجوب الوجود، ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية، فترجع الصفات الجلالية (السلبية) آخر الأمر إلى صفات الكمالية ( الثبوتية ).
والله تعالى واحد من جميع الجهات لا تكثر في ذاته المقدسة ولا تركيب في حقيقة الواحد الصمد. ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية لما عز عليه أن يفهم كيف أن صفاته عين ذاته فتخيل أن الصفات الثبوتية ترجع إلى السلب ليطمئن إلى القول بوحدة الذات وعدم تكثرها، فوقع بما هو أسوأ، إذ جعل الذات التي هي عين الوجود ومحض الوجود والفاقدة لكل نقص وجهة إمكان، جعلها عين العدم ومحض السلب أعاذنا الله من شطحات الأوهام وزلات الأقلام.
كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى أن صفاته الثبوتية زائدة على ذاته فقال بتعدد القدماء ووجود الشركاء لواجب الوجود، أو قال بتركيبه تعالى عن ذلك، قال مولانا أمير المؤمنين وسيد الموحدين عليه السلام : ( وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه، بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصفه سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه جزأه، ومن جزأه فقد جهله…