محمد بن يعيش
رئيس غرفة بمحكمة النقض
وأستاذ زائر بكلية الحقوق بطنجة
مقدمة:
لم يكن القانون العقاري المغربي بمفهومه الوضعي ينص على أحكام الحيازة الاستحقاقية، وظلت الحيازة المكسبة للملك تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية وفق المذهب المالكي، في العقار غير المحفظ، إلى أن وضعت مدونة الحقوق العينية العقارية، مؤخرا، وبدئ في تطبيقها منذ 24/05/2012.
وقد تناولت بين الأحكام الفقهية التي قننتها الحيازة الاستحقاقية، وذلك في المواد 239 إلى 263.
ورغم أن المدونة قننت أحكام الحيازة، فقد نصت في المادة الأولى منها بأن ما لم يرد نص به يرجع فيه إلى قانون الإلتزامات والعقود ، وإذا لم يوجد نص يرجع إلى الراجح والمشهور، وما جرى به العمل من الفقه المالكي.
وقد فصلت أحكام الحيازة بين الفقه الإسلامي، بما في ذلك الفقه المالكي الذي اعتمدته المدونة، وأدخلت القوانين المقارنة الحيازة وأحكامها في القوانين المدنية.
وتختلف المقاربة في الحيازة بين الفقه الإسلامي والقوانين الوضعية المقارنة من حيث التصور والأساس، ويمكن القول بأن الحيازة الاستحقاقية تعتبر مدخلا للحائز لملك ما يحوزه كلما توفرت له شروط هذا الملك.
ولذلك نخصص المبحث الأول لمفهوم الحيازة الاستحقاقية في الفقه والقانون بينما نعرض في المبحث الثاني لشروط الملكية سواء تعلقت بالشيء المحوز أو بأطراف العلاقة في الحيازة (المحوز عليه خاصة) أو الشروط الموضوعية للملكية.
المبحث الأول
مفهوم الحيازة الاستحقاقية وتمييزها عن الحيازة العرضية
يراد بالحيازة الاستحقاقية الدليل على الملك للحائز[1]، وهي ليست الحيازة العرضية أو الحيازة التصرفية المنظمة في قانون المسطرة المدنية بمقتضى الفصول من 166 إلى 170.
المطلب الأول: مفهوم الحيازة الاستحقاقية:
يدخل فقهاء القانون الوضعي الحيازة ضمن أسباب الملكية، ويدرسونها في إطار حق الملكية العقارية، ضمن الأسباب المؤدية إلى ملكية هذا الحق أو أي حق عيني عقاري[2]، بينما الرأي في الفقه لإسلامي أن الحيازة دليل ظني على الملكية[3]، وسمت المدونة الحيازة سببا للملكية، وذلك في القسم الأول من الكتاب الثاني الذي أوردت فيه أسباب كسب الملكية،في المواد 239 إلى 263 المشار إليها، ومهما يكن فإن الخلاف في الرأي في وصف الحيازة بأنها سبب للملك أو دليل عليه، لا يترتب عنه خلاف في النتيجة ألا وهي استحقاق الملك للحائز وانقطاع حجة المحوز عليه إذا توفرت شروط الملكية للحائز.
الفرع الأول: تعريف الحيازة الاستحقاقية:
يعرض كل من الفقه الإسلامي وفقه القانون للحيازة الاستحقاقية ويتناولانها من منظور مختلف، فالفقه الإسلامي يعتبرها دليلا على الملكية، وفقه القانون سببا لها.
الفقرة الأولى: مفهوم الحيازة في الفقه الإسلامي[4]
يعرض الفقه الإسلامي لمفهوم الحوز أو اليد، ضمن الشروط المتعلقة بثبوت الملك لمالك حق عيني عقاري، ويعتبرها مختلفة عن التصرف[5]، فقد ورد عن العلامة سيدي المهدي الوزاني في حاشيته على شرح التداوي ابن سودة للامية الزقاق ” أما أولا فإنه فسر الحوز وما بعده بالتصرف مع أن الحوز والتصرف متغايران، فكيف يجعلان شيئا واحدا” والغالب لدى الفقهاء أن يتناولوا جملة من التعريفات لعدة موضوعات عند الوقوف عليها، بينما الحوز تناوله الفقهاء في إطار شروط الملك الذي يقترن بالحيازة.
وعلى غرار مقاربة الفقهاء الأقدمين للحيازة والحوز أو وضع اليد المعتبر شرطا من شروط الملك، نهج الفقيه والموثق أبو الشتاء بن الحسن الغازي الحسيني، فقد تناول الحيازة دون تعريف، وميز بين نوعين منها:
1- الحيازة المثبتة للملك مع بقية شروطه- وهذه تكفي فيها عشرة أشهر أو أكثر، وأقل من هذه المدة لا يشهد بها.
2- الحيازة المبطلة للملك قبلها، وهي التي تصل المدة فيها إلى عشرة سنين بين الأجانب و الأقارب المتشاجرين بينهم.
أما الأولى المثبتة للملك فمحلها الشيء الذي لم يعرف له مالك قبل حائزه (مجهول أصل الملك)، بينما الثانية محلها أن يعرف مالك الشيء قبل حائزه لتلك المدة الطويلة(عشر سنين فأكثر) مع جهل أصل مدخل الحائز[6].
ويبدو أن الحيازة في الفقه الإسلامي عموما لم تعرف على غرار الشفعة والقسمة والاستحقاق مثلا واعتبرت دليلا على الملك وشرطا من شروطه.
الفقرة الثانية: تعريف الحيازة في فقه القانون
لم ينهج فقهاء القانون المدني على غرار فقهاء الشريعة الإسلامية في الحيازة دراستها في إطار الأدلة على الملك، ووقع تناولها في هذا الفقه في إطار أسباب الملك، كما عرضوا لتعريفها، غير أن بعض الفقه الوضعي إذا صح التعبير عرفها مباشرة- مثلما فعل الأستاذ مامون الكزبري الذي عرفها بأنها” السلطة الواقعية أو السيطرة الفعلية على شيء منقولا كان أو عقارا، أو على حق عيني مترتب على شيء شريطة أن لا تكون الأعمال التي يأتيها شخص على أنها مجرد رخصة من المباحات أو التي يتحملها الغير على سبيل التسامح”[7].
في حين اقتبس الأستاذ عبد الرزاق أحمد السنهوري تعريف الحيازة من مشروع التقنين المدني المصري في المادة 1398 التي ألغتها لجنة مجلس الشيوخ بداعي غلبة الطابع الفقهي عليه-وورد في تعريفه للحيازة بأنها وضع مادي ينجم على أن شخصا يسيطر سيطرة فعليه على حق لنفسه أو لغيره[8]، وتتجلى هذه السيطرة في استعماله للحق عن طريق أعمال مادية يقتضيها مضمون هذا الحق.
ومثل هذا التعريف بالإضافة إلى وصف الحيازة بأنها سبب للملك وهو الطابع الذي أكد عليه المؤلف بقوله بأن الحيازة كالشفعة ليست بحق، ولكنها سبب لكسب الحق، وهي واقعة مادية بسيطة تحدث أثارًَا قانونية[9] لم يخل من الإشارة إلى دلالتها على الملك مما ورد فيه من أن السيطرة فيها يقتضيها مضمون هذا الحق.
وهذا المظهر للحيازة مادي محض، فالحائز يحرز الشيء في يده إحرازًًًََََا ماديا، ويباشر عليه أعمالاً عادة ما يختص بها المالك، ويتحدد نوع الحق الذي يباشر عليه هذه الإعمال بحسب الاستعمال الذي يجريه عليه، فإذا سكن الدار أو أكراها للغير أو أفلح الأرض لنفسه أو بواسطة غيره،
فإن صفة هذا الاستعمال تفيد نوع الحق المستعمل وهو حق الملكية – وإذا اقتصر على نوع آخرمن الحقوق العينية المنقولة أو العقارية من خلال طريقة الاستعمال، كالارتفاق بالمرور أو الاستعمال والاستغلال وحدهما الذين يفيدان حق الانتفاع دون حق الملكية تحدد هذا الحق، في الارتفاق والانتفاع وحدهما، غير أن السيطرة المادية واستعمال الشيء بطرق مادية مختلفة يستبطن الحائز فيها عنصراً أساسيا لينشئا له الملك بها يتجلى في القصد من هذا الاستعمال،
وجب كذلك أن يستعمله ويتصرف فيه تصرف مالك ذلك الحق، مثل حق الارتفاق بالمرور والشرب وحق الانتفاع والسطحية وغيرها، ويمكن القول بأن النظرية الشخصية في القصد في الحيازة تعني أن يحوز الشخص، ويستعمل الحق، ويتصرف فيه لنفسه، لا لغيره، فالمكتري والمعار له، والمودع عنده، لا يمكن أن يقر لهم بالحيازة لأن القصد عندهم منتف، وهو أنهم لا يحوزون لأنفسهم، وإنما يحوزون لغيرهم.
أما النظرية المادية- في القصد في الحيازة، التي يتزعمها إهرنج، فتعني أن عنصر القصد في الحيازة، ليس مستقلا عن العنصر المادي، الذي هو السيطرة الفعلية على الشيء، إذ أن النية لدى الحائز ليست إلا في الأعمال المادية التي يباشرها على الشيء لتحقيق سيطرته، فلا تتحقق هذه السيطرة إلا أرادها، فعديم التمييز مثلا لأنه لا إرادة تصرفية عنده لا يحوز شيئاً بنفسه،
وينوب عنه نائبه في ذلك لإرادته القصدية إلى الحيازة عنه، ويتحقق القصد في حيازة الشيء، سواء كانت هذه الحيازة من طرف الحائز لنفسه أو بواسطة غيره فالمكتري والمستعير كلاهما يسيطر على الشيء الذي يحوزه، ولو كانت حيازتهما لحساب غيرهما، وهنا الفرق بين القصد الإرادي في النظرية الشخصية التي لا يجوز أن يحوز حائز إلا لنفسه، والنظرية المادية التي لا تعتبر في القصد إلا حصول الحيازة المادية بغض النظر عن حصولها من الحائز لنفسه أو لغيره[11].
الفرع الثاني:تحديد مفهوم الحيازة قانونا
الحيازة الاستحقاقية من الموضوعات التي اهتمت القوانين المدنية الوضعية بتحديد مفهومها وتعريفها، ولا يختلف القانون المغربي في ذلك عن القانون المقارن.
الفقرة الأولى: الحيازة الاستحقاقية في القانون المقارن[12] (القانون المدني الفرنسي):
بدأت الحيازة في القانون المدني الفرنسي (تقنين نابليون)، من حيث انتهى تطورها في القانون الفرنسي القديم الذي أخذ هذا المفهوم عن القانون الروماني الذي تطورت الحيازة فيه من الحيازة المادية،-وهي لم تكن إلا على حق الملكية، بمعنى أنها كانت تختلط بالشيء مادياً، ولا تتصور بمعزل عنه-إلى شبه الحيازة أو حيازة الحق، وبعبارة أخرى لم تبق الحيازة يعني بها حيازة حق الملكية وحده، ولا يبقى أي عنصر من هذه العناصر خارج حيازة الحائز- وهي الحيازة التامة، وإنما تطورت ليصبح ممكناً حصول حيازة الحقوق العينية الأخرى، غير حق الملكية كحق الانتفاع، وحق الارتفاق، وسميت لذلك هذه الحيازة بحيازة الحق أو شبه الحيازة.
غير أن القانون المدني الفرنسي عند وضعه، أنهى الفرق بين الحيازة التامة وشبه الحيازة، وأصبحت الحيازة شيئا واحدا، بغض النظر عن الحق الذي يراد بها، سواء كانت ملكية أو حقا عينيا آخر متفرعا عنها.
وقد سوغ هذا التطور العلاقة بين تصور الحيازة للشيء المادي، بما هي حق ملكية واقتصار هذه الحيازة على حق من الحقوق العينية الأخرى، ففي كلتا الحالتين يتعلق الأمر بحق عيني سواء كان حق ملكية أو حقا آخر، فكل من الحيازة (التامة) وشبه الحيازة حيازة، ويصدق نفس المفهوم على أي حق عيني، وهكذا ورد في المادة 2228 من القانون المدني الفرنسي بأن ” الحيازة هي إحراز شيء أو استعمال حق (شبه الحيازة) نحرزه أو نستعمله بأنفسنا أو بواسطة شخص آخر يحرزه أو يستعمله بالنيابة عنا “[13].
ويبدو جليا أن القانون المدني الفرنسي أخذ بالنظرية المادية في القصد في الحيازة للشيء، إذ لم يبرز في التعريف الذي أورده عنصر القصد أو النية لدى الحائز، في ملكيته الشيء الذي يحوزه، وأكد على الاستعمال المادي للشيء من طرف الحائز نفسه أو بواسطة الغير، فالنية وفق النظرية المادية، هي ذلك الاستعمال المادي للشيء الذي تتحقق به السيطرة عليه، ولا يخضع للحيازة وفق القانون المدني الفرنسي الحقوق الشخصية، والأموال العامة، والمجموع من المال كالتركة والأصل التجاري[14].
الفقرة الثانية: تحدي مفهوم الحيازة الاستحقاقية في مدونة الحقوق العينية:
نصت المادة 239 من مدونة الحقوق العينية بأن الحيازة الاستحقاقية تقوم على السيطرة الفعلية على الملك بنية اكتسابه، وأضافت أنها لا تقوم لغير المغاربة مهما طال أمدها.
وأول ملاحظة يمكن إبداؤها على هذا التعريف أنه اقتصر على الحيازة للملك وهو يعني به العقار أو حق الملكية، لا غير، مما يعطي انطباعا بأن القانون المغربي تأثر بمفهوم الحيازة المادية التي تقتصر على حق الملكية، دون غيره من الحقوق العينية المتفرعة عنه، من حق انتفاع وسطحية وزينة وغيرها، وقد رأينا فيما سبق أن التطور في القانون المقارن، ولا سيما القانون المدني الفرنسي حصل من النظرية المادية المحضة للحيازة إلى حيازة الحق بغض النظر عن طبيعة هذا الحق سواء كان حق ملكية أو حقا عينيا آخر،
غير أن هذا النقص في التعريف يمكن القول بأنه متجاوز، لأن المدونة نصت في المادة 3 منها بأنه يترتب على الحيازة المستوفية للشروط القانونية اكتساب الحائز ملكية العقار غير المحفظ، أو أي حق عيني آخر يرد عليه إلى أن يثبت العكس، ويبدو لذلك أن تعريف المدونة في المادة 239 للحيازة الاستحقاقية ينبغي أن يقرأ كذلك مع المادة 3 منها، ويصبح استقراء النصين معا يفيد أن الحيازة الاستحقاقية تقوم على السيطرة الفعلية على الملك أو أي حق عيني بنية اكتسابه.
أما ملكية العقار عند إطلاقها، وفق مفهوم المدونة للعقار الذي أصبح يختص بالأرض والبناء، والأشجار والثمار العالقة بها قبل فصلها، وما يوجد تحت الأرض أو عليها من منشآت، وما يثبت ويدمج في الأبنية من أشياء منقولة في أصلها، إضافة إلى العقار بالتخصيص الذي هو في أصله منقول، ويحاز حيازة عقار، ولم تبق الحقوق العينية العقارية من ملكية وغيرها، والدعاوى العقارية عقارات،
مثلما كان يعتبرها ظهير 2/6/1915 السابق في الفصلين 5 و 8 منه، وإن كانت الحيازة يؤول الأمر فيها إذا تحققت شروط الملكية في سائر الحقوق العينية العقارية إلى اكتساب ذات الحقوق، ولو انصبت على العقارات محل هذه الحقوق، فالحيازة مع شروط الملك يملك الحائز بها الحق العيني الذي يحوزه ولا يمكن تصور أن الحيازة مع تلك الشروط يمكن فصلها عن مفهوم الحق العيني.
ونص المدونة في التعريف للحيازة الاستحقاقية على نية تملك الحائز للحق العيني العقاري واضح منه تبنيها للنظرية الشخصية في مفهوم الحيازة الاستحقاقية، وهو تعريف لم تخل منه مؤلفات بعض الفقهاء المعاصرين، ولا سيما من تناول منهم بالشرح الحقوق العينية، ونخص بالذكر مامون الكزبري الذي عرف الحيازة،
وأدخل في تعريفه مفهوم نية التملك للحائز[15]، وهذا المفهوم مصدره الأساسي النظرية الشخصية في عنصر القصد في الحيازة لصاحبها سافيني، كما سبق الذكر، وان كان القانون المدني الفرنسي لم يعتمد هذه النظرية، واعتمد النظرية المادية لإهرنج.
وهذه المقاربة مختلفة تماما عن مقاربة الشريعة الإسلامية، ولا سيما المذهب المالكي المطبق في العقار غير المحفظ، والذي تعتبر المدونة امتدادا له ويعتبر مرجعا لها بعد قانون الالتزامات والعقود ، ذلك أن الفقه المالكي يشترط جهل مدخل الحائز إلى الحق العيني الذي يحوزه، ليستحق تملكه، فان كان معلوما بما لا ينقل الملك لا يستحق ملكه،
وان كان ناقلا للملك يستحق الملك مثلما يستحقه مع جهل المدخل، ومعنى ذلك أن الحائز إذا دخل مدخلا معلوما غير ناقل للملك من كراء وعارية، وإسكان وغيرها لا يمتلك الشيء أو الحق العيني بالحيازة مهما طالت مدتها، وهذه المقاربة، لا شك أنها مبنية على أن الأصل في الحائز أن يحوز الحق العيني بقصد تملكه، وعلى من يدعي خلاف ذلك أن يثبته ، مما لا حاجة معه إلى تضمين أحكام الحيازة عنصر النية في التملك،
لان مختلف الأحكام الأخرى المتعلقة بأوضاع الحائز من بيان مدخلهن وأصل الشيء أو الحق العيني المحوز، ما إذا كان يعرف له مالك قبله أم لا كفيلة بان يتبين منها موقف الحائز هل هو يريد الملك أم انه حائز عن غيره، ويمكن القول بان النظرية المادية في الحيازة موافقة لمقاربة الشريعة الإسلامية، لعدم اشتراطها قصد الحائز إلى التملك، واعتبارها على العكس من ذلك أن القصدية والإدارية مضمرة بالضرورة في السيطرة التي هي جوهر الحيازة المكسبة للحق العيني للحائز.
ومن هذا المنطلق يمكن الذهاب ف التحليل للمادة 239 من المدونة بان التعريف الذي تبنته للحيازة الاستحقاقية اعتمدت فيه النظرية الشخصية في القصد في الحيازة إلى الملكية من طرف الحائز، بالنص صراحة على الإرادة في التملك لدى الحائز، ولكن ذلك لم يمنع من تقنين بقية أحكام الحيازة وفقا للمذهب المالكي ، في تفصيل هذه الأحكام ، خاصة الحيازة المبطلة[16]
لملك سابق، وهي حيازة معلوم أصل الملك، إما مجهول أصل الملك فلم تتعرض له المدونة، ويبقى لذلك محكوما بقواعد الفقه المالكي.
المطلب الثاني: تمييز الحيازة الاستحقاقية عن الحيازة العرضية[17]:
تدل الحيازة على الملك إذا كانت استحقاقية- ولذلك ورد في التحفة لابن عاصم قوله:
والأجنبي إن يحز أصلا بحق عشر سنين فالتملك استحق[18]
وفي مختصر خليل وخاصة الحيازة الأولى، وهي الحيازة المكسبة للملك، أشار إليها بقوله ” وصحة الملك بالتصرف وعدم المنازع، وحوز طال كعشرة أشهر وانه لم يخرج عن ملكه في علمهم” ، والفرق بين الحيازتين أن الحيازة التي ذكرها صاحب التحفة هي الحيازة المبطلة لملك سابق على الحائز بينما الحيازة التي ذكرها الشيخ خليل في النص النشار إليه، هي الحيازة الأولى- وهي الحيازة المكسبة- وإن الشيخ خليل، ذكر كذلك الحيازة المبطلة بقوله: وإن حاز أجنبي غير شريك وتصرف، ثم ادعى حاضر ساكت، بلا مانع عشر سنين، لم تسمع ولا بينته إلا بإسكان ونحوه.
واقتصرت المدونة على الحيازة المبطلة دون المكسبة، وان كانت المبطلة تؤول إلى المكسبة بالنسبة للحائز، لأنها إنما أبطلت ملك الحائز السابق، واستحق بها الحائز اللاحق ملكية الشيء أو الحق العيني المحوز من طرفه.
وعلى هذا الأساس، فان الحيازة الاستحقاقية تؤول إلى الملك بتوفر شروطه، وليس كذلك الحيازة العرضية التي يمكن ذلك أن تتداخل مع الحيازة الاستحقاقية إذا تعلق الأمر بالحائز المالك.
ويمكن رصد أوجه الاختلاف بين الحيازتين من الإطار القانوني لكل منهما (الفرع الأول)، ومن جوهرهما وآثارهما(الفرع الثاني).
الفرع الأول: النصوص المنظمة للحيازتين:
تنظم أحكام الحيازة الاستحقاقية مدونة الحقوق العينية في موادها من 239 إلى 263، وقانون الالتزامات والعقود، والفقه الإسلامي على مذهب الإمام مالك، ولذلك فإن أحكام الحيازة الاستحقاقية هي بالأساس م.ح.ع، وإذا لم يرد بها نص،
يرجع إلى قانون الالتزامات والعقود وإذا لم يوجد نص فيه، يرجع إلى الراجح والمشهور أو ما جرى به العمل من الفقه المالكي، وهذا النص الذي جاء عاما في جميع أحكام المدونة في إعطائه الأولوية لقانون الالتزامات والعقود على الفقه المالكي بشكل مطلق، لم يراع في الحقيقة خاصية بعض الموضوعات المقننة في المدونة، ومنها الحيازة، والتبرعات، وكان ينبغي الإحالة فيهما، فيما لم يرد نص فيه مباشرة إلى الفقه المالكي، عن طريق إضافة نص خاص بهذه الإحالة في الفصل الخاص بكل موضوع منهما،
وإلا ما معنى الرجوع إلى ق.ل.ع في الحيازة والتبرعات بينما هو خلو منهما تماما ولم ترد الحيازة فيه في الفصول 101 إلى 104 إلا بمعنى الحوز للشيء بالنسبة للحائز حسن النية والحائز سيء النية بمناسبة أحكام رد الشيء مع ثماره للمالك.
أما الحيازة العرضية فهي كائنة لكل من الحائز المالك والحائز عنه، وهذا الأخير هو الذي يصدق عليه الحائز حيازة عرضية، غير أن المالك حائز كذلك إذا اختار رفع دعوى الحيازة يتقيد فيها بشروطها، ولو كان مالكا- ويمكن القول بان الدعاوى الحيازية كما نصت عليها الفصول 166 إلى 170 من ق.م.م تتضمن قواعد موضوعية وإن نص عليها ق.م. م من ولذلك فإن الدعاوى الحيازية تتطلب نوعين من الشروط ، شروطا شكلية شخصية من صفة وأهلية ومصلحة (الفصل 1 ق.م.م)، وشروطا شكلية موضوعية، هي المنصوص عليها في الفصول 166 إلى 169 من ذات القانون، وغني عن البيان أن هذه الدعاوى حصرية،
وهي دعوى استرداد الحيازة المخولة لكل من الحائز القانوني (المالك) والحائز العرضي (الحائز لغيره)، ودعوى منع التعرض ودعوى وقف الأعمال الجديدة، ولا يرفعهما إلا الحائز القانوني إلا إذا انصب الاعتداء على ذات منفعة الحائز العرضي، ويمكن تلخيص شروط الدعوى الحيازية في:
حيازة عقار أو حق عيني عقاري مدة سنة، حيازة هادئة علنية متصلة غير منقطعة وغير مجردة من الموجب القانوني وخالية من الالتباس، إلا إذا وقع الانتزاع بالعنف أو الإكراه، فإن دعوى استرداد الحيازة يمكن رفعها ولو حاز الحائز مدة اقل من سنة بشرط أن تكون حيازته مادية وخالية وهادئة وعلنية (الفصل 166 من قانون المسطرة المدنية).
رفع الدعوى داخل أجل سنة من وقوع الفعل النخل بحيازة الحائز (الفصل 167 من قانون المسطرة المدنية).
عدم سبق رفع دعوى الملكية بعد الإخلال بالحيازة للحائز القانوني إلا إذا كان قد رفع دعوى الملكية ووقع الإخلال بحيازته بعد ذلك جاز له رفع دعوى الحيازة رغم دعوى الملكية الجارية أو السابقة(الفصل 169 من قانون المسطرة المدنية ).
الفرع الثاني: اختلاف الجوهر والآثار بين الحيازتين:
إن جوهر الحيازة الاستحقاقية من وجهة نظر الفقه والمدونة على غراره- في حيازة شيء- أو حق عيني عقاري من الحائز، وهو مجهول أصل ملكه أو معلوم أصل ملكه، أن يتملكه بما له من حيازة عليه، ولتوفر شروط الملك الدالة هذه الحيازة عليه والشاهد بها الشهود له، وسواء علم أصل الملك أو لم يعلم،
إلا انه يفرق في ذلك بطول المدة وصفة الحيازة المكسبة أو المبطلة، فهي مكسبة في مجهول أصل الملك، ومبطلة في معلوم أصل الملك، بينما الحيازة العرضية ولو كان الذي أرادها مالكا ليست في جوهرها إلا مظهرا ماديان لا يشهد فيها بالملك للحائز، ولا يكون له إلا حق شخصي – إذا كان ليس مالكا- تجاه المالك[19].
ولذلك يصف الفقه الحيازة العرضية بأنها ليست حيازة صحيحة، فالحائز فيها لا يحوز لنفسه، ويحوز لحساب غيره، وينعدم بذلك عنصر القصد لديه في استعمال الحق لحساب نفسه، وإنما يوجد لدى غيره الذي يستعمل نفس الحق، مع توفر قصد الاستعمال، فمن يكري عقارا أو حقا عينيا عقاريا يستعمله لنفسه ويتضمن هذا الاستعمال القصد فيه وفق النظرية المادية أو أنه ينتوي فعلا استعماله على سبيل حق الملكية للشيء أو الحق العيني وفق النظرية الشخصية.
ويتجلى الفرق بين الحيازتين كذلك في آثارهما، فالحيازة الاستحقاقية، كما سمتها المدونة أخذا من مفهومها الفقهي- وهو استحقاق الحائز ملكية الشيء أو الحق العيني الذي يحوزه إذا توفرت مع حيازته شروط الملك- يترتب عنها حق الملكية للشيء المحوز أو الحق العيني من طرف الحائز، فتدل الحيازة على ملكيته لما يحوزه،
لما يصاحب هذه الحيازة من مظاهر تفيد ملكه، من خلو المنازع، والاتفاق العلني على أنه له (النسبة)، واستمرار اتصال وضع يده لمدة يصدق الظن معها على صحة ملكه(طول المدة) علاوة على المظاهر المادية الدالة على ملكه كذلك المتجلية في مختلف التصرفات المادية والقانونية التي يجريها في الشيء المحوز (التصرف في الشيء أو الحق العيني).
أما الحيازة العرضية، وأن كانت تصدق على المالك كذلك، فهي لا تختص به- وإنما هي أعم من الملك[20]، ووجه العموم في الحوز أنه يكون بالملك وغيره من عارية مثلا وإكراء ووديعة، والأعم ( الحوز) لا يعارض الأخص ( الملك) لأنه لا إشعار له بأخص معين[21].
وفي الحيازة العرضية كل من العنصر المادي(السيطرة المادية) والعنصر المعنوي ( القصد في الاستعمال) يباشرها الحائز القانوني ( الملك) غير أن الاستعمال والسيطرة المادية يباشرهما بواسطة الغير، والقصد في التملك يباشره دائما بنفسه، سواء كان الشيء أو الحق العيني تحت يده وسيطرته المادية أو كان هذا الشيء أو الحق بيد الغير، وبعبارة أخرى ليست الحيازة العرضية إلا وضعا لليد من الغير الحائز نيابة عن المالك، ولا يكون للحائز العرضي قصد إلى التملك[22].
المبحث الثاني
شروط الملكية بمقتضى الحيازة
الشيء أو الحق العيني العقاري قد يحاز من طرف حائزه وهو مجهول أصل الملك لمن قبل هذا الحائز، وقد يحاز مع علم أصل ملكه لمن هو[23].
المطلب الأول: حيازة مجهول أصل الملك لمن هو:
يشترط في هذه الحيازة لمجهول أصل الملك إلا يكون المحوز يعلم أصل ملكه لمن هو قبل الحائز الأول، وتسمى هذه الحيازة لذلك بالحيازة الأولى، لأنها أول ما حصلت في الشيء أو الحق العيني المحوز، وسواء كان الشيء عقارا أو منقولا، فإذا توفر شرط جهل أصل الملك،
وحاز الحائز معه الشيء أو الحق العيني المدة المعتبرة شرعا وتوفرت باقي شروط الملك من نسبة، وعدم منازع، وعدم علم التفويت في الشهادة للميت والشهادة بالملك والمال، على الرأي بهذا الشرط وتصريح الشهود بهذه الشروط جميعا[24]، بأن يشهد كل شاهد بخصوص كل شرط بذاته، فان مدة الحيازة لا تتعدى 10 أشهر، وفي رأي آخر عاما واحدا، ليستحق الحائز ملكية الشيء الذي يحوزه على تلك الصفة من شروط الملك.
وإلى هذه الحيازة أشار الشيخ خليل بقوله” وصحة الملك بالتصرف، وعدم النازع، وحوز طال كعشرة أشهر، وأنه لم يخرج عن ملكه)[25]، ولم يذكر هذه الحيازة صاحب التحفة، واقتصر على الحيازة المبطلة وهي التي تطول مدتها 10سنين بين الأجانب، والأقارب الذين بينهم عداوة، أو 40 سنة بين الأقارب، وقد ذكرها كل من أبي الحسن علي الزقاق في لاميته، بقوله:
يد نسبة طول كعشرة أشهر وفعل بلا خصم بها الملك يجتلا[26]
وصاحب العمل الفاسي بقوله:
وحوز ما جهل أصله كفى عشرة أشهر أو العام وفي[27]
وتختلف هذه الحيازة في مجهول أصل الملك عن الحيازة في معلوم أصل الملك في أنها لا تكون إلا في مجهول أصل الملك وفي مدتها التي لا تتعدى 10 أشهر.
ونظرا إلى اشتراط جهل أصل الملك فيها اعتبرت عن حق حيازة مثبتة للملك مع بقية شروطه، بينما اعتبرت حيازة معلوم أصل الملك مبطلة للملك قبلها، وذلك مع توفر بقية شروط الملك كذلك[28].
ولم تنص المدونة على الحيازة لمجهول أصل الملك، واقتصرت على حيازة معلوم أصل الملك، وذلك في المواد المتعلقة بالحيازة الاستحقاقية من 239 إلى 263.
ولا يعني عدم نص المدونة على حيازة مجهول أصل الملك أن حيازة ما جهل أصل ملكه لمن هو هي كحيازة معلوم أصل الملك تستلزم حتى يستحق الحائز الملك بها، دليل بذلك على ملكه أن تتوفر فيها مدة 10 سنين بين الأجانب، بل يرجع في ذلك إلى الفقه المالكي ويعمل بالحيازة المكسبة للملك فيما جهل أصله كملك متروك، ويجهل من تركه، ويحوزه حائز، فيكفي في مدة حيازته 10 أشهر مع توفر بقية شروط الملك، ذلك أم المادة الأولى من المدونة تقضي بأنه إذا لم يوجد نص فيها وفي ق.ل.ع يرجع إلى الراجح والمشهور وما جرى به اعمل من الفقه المالكي.
أن الحيازة الأولى التي لا تحصل إلا في مجهول أصل الملك لمن هو، لا يمكن أن تتكرر كلما ظل صاحب الملك معلوما، إلا إذا ترك ملكه، وأصبح مجهولا من يملكه بفعل ذلك، يضحى هذا الملك قابلا للحيازة المكسبة للملك، وطالما ظل معلوم المالك، ولو كان غائبا عنه مدة طويلة، فانه لا سبيل إلى تملكه عن طريق الحيازة، مع توفر بقية شروط الملك إلا بالحيازة الثانية- وهي الحيازة المبطلة للملك قبلها، والقاطعة لحجة المالك السابق، مع توفر شروط عدم قبول قيامه على الحائز للمطالبة بملكه وهي كونه حاضرا ساكتا، عالما بملكه، ولا مانع يمنعه من القيام بالمطالبة به ضد الحائز[29].
ولا تختلف الحيازة المبطلة لملك سابق قبلها عن الحيازة المكسبة، إلا في صفة أصل الملك وطول المدة، وكون الأولى مبطلة لملك مالك سابق، والثانية مثبتة لملك مالك لاحق، أما بقية شروط الملك، تبقى في كلا الحيازتين هي نفسها.
المطلب الثاني: حيازة معلوم أصل الملك لمن هو وشروط التملك بالحيازتين الأولى والثانية:
إن الملك وأي حق عيني عقاري، ولو ملكهما مالك، إذا حازهما حائز، وتوفرت مع حوزه شروط الملك،يستحق بذلك ملكهما، رغم وجود وعلم مالك قبله، ومن اجل ذلك سميت هذه الحيازة لمعلوم أصل الملك بالحيازة المبطلة لملك مالك سابق، وفي نفس الوقت، هي مثبتة لملك مالك لاحق(المطلب الأول) إلا أن هذه الحيازة كما الحيازة المكسبة، والخاصة بملك مجهول أصل الملك، لا يستحق بها الملك للحائز إلا مع توفر شروط الملك الأخرى(المطلب الثاني).
الفرع الأول: حيازة معلوم أصل الملك:
إذا علم أصل الملك للشيء المحوز لمن وقبل وضع يد الحائز عليه فلا تكفي فيه مدة عشرة أشهر وإنما يشترط مرور عشر سنين على هذه الحيازة واستيفاء بقية شروط الملك الأخرى مع هذه الحيازة لكسب الحائز الشيء الذي يحوزه، وهذه الشروط كما ستأتي مفصلة هي: ذكر الشهود وضع اليد الحائز، والتصرف منه، والنسبة من نفسه ومن الناس كذلك، وعدم المنازع، وطول المدة، وعدم التفويت في علم الشهود[30]، وشهادتهم بهذه الشروط مجتمعة مصرحين بها كل شرط على حدة.
وصورة إعمال هذه الحيازة علاقة بالحيازة المكسبة ( حيازة مجهول أصل الملك) أن يدعي مدع على الحائز انه مالك لما بيده من عقار أو حق عيني عقاري، ويدلي مع ادعائه ببينة مستوفية شروط الملك، فيعذر فيها إلى المدعى عليه فان لم يجد فيها مطعنا فهي تدل دلالة ظنية على أن الملك هو للمدعي ولا تفيد بينته القطع لان الفقه على أن الشهادات من حيث هي لا تفيد إلا غلبة الظن، وهو معنى قول الفقهاء: إنما تعمل البينة التي شهد شهودها بشروط الملك مع الحيازة له فيما جهل أصل ملكه.
أي على سبيل غلبة الظن أن المشهود له هو المالك لان مالكا قبله ليس معلوما إلى إن شهدت له البينة بالملك، فيقضي له بها حيث لا مطعن بعد أن يسال الحائز ما إذا كانت له حجة على ملكه لما بيده فإذا اقر للمدعي بالملك وانه دخل بكراء أو عارية ونحوهما مع ما استدل به المدعي من وثيقة ملكه بالبينة المستوفية شروط الملك ثبت له حق ملكيته.
وإذا أجاب المدعى عليه بحوزه وملكه وأن الشيء بيده واثبت حيازته عنه عشر سنين في الأصول من ارض أو بناء أو شجر مع العقود المتعلقة بالملك والحال أن المدعي حاضر ساكت بلا مانع وعالم بملكه فان حقه يسقط ويبقى الملك المدعى فيه بيد حائزه لأنه اثبت حيازته المبطلة لملك المدعي ولو ثبت قبله، ولا يكلف ببيان وجه تملكه وإنما حيازته لتلك المدة مع توفر قيود الملك تكفي دليلا على ملكه[31] وفي ذلك قول الفقهاء: حيازة عشرة أعوام مع علم أصل الملك هو عاملة لأنها قطعت حجة القائم مع علم أصل ملكه، ومحل قطعها إذا لم يعلم أصل مدخل الحائز أو علم وكان ناقلا للملك من بيع وهبة ونحوهما[32].
وهذا الشرط المتمثل في جهل أصل مدخل الحائز أو علمه مع كونه ناقلا للملك نصت عليه المدونة في المادة 264 بقولها: لا تقوم الحيازة ولا يكون لها اثر إذا ثبت أن أصل مدخل الحائز غير ناقل لملكه. وأضافت: ولا يحق لواضع اليد أن يغير بنفسه لنفسه سبب وضع اليد على الملك محل ادعاء الحيازة ولا الأصل الذي تقوم عليه.
وتعني هذه الفقرة الأخيرة منع تغيير صفة الحيازة العرضية وتحويلها إلى حيازة أصلية، فسند الحائز إذا كان يفيد حيازة عرضية تبقى حيازته على هذه الصفة ولو أراد أن يغير صفة حيازته بعقد النية على ذلك لا تتحول حيازته إلى أصلية أو استحقاقية، فحيازة المكتري تبقى عرضية ولو عقد نيته انه يحوز من اجل التملك حتى ولو أعلن نيته إلى المكري وامتنع عن أداء الكراء له.
لكن مع ذلك فإن تغيير صفة الحائز العرضي إلى حائز أصلي ممكن في إحدى حالتين:
أولا: أن يصدر تصرف من الغير في العين المحوزة أو الحق العيني المحوز لفائدة الحائز العرضي ويكون ناقلا للملكية له كان يشتري الحائز العرضي من شخص يعتقده هو المالك للعين التي يكتريها فتنقلب حيازته العرضية إلى أصلية من وقت شرائه.
ثانيا: أن يصدر تصرف بالتفويت من المكري إلى المكتري منه فيتحول من حائز عرضي إلى حائز أصلي نتيجة هذا التصرف إليه، وتبدأ الحيازة الاستحقاقية منذ شرائه كذلك[33].
وحيازة ما علم أصل ملكه كما سبقت الإشارة إلى ذلك ذكرها ابن عاصم في تحفته عند قوله: والأجنبي إن يحز أصلا بحق عشر سنين فالتملك استحق
أما الشيخ خليل فقد ذكرها في مختصره فقال: وإن حاز الأجنبي غير شريك وتصرف ثم ادعى حاضر ساكت بلا مانع عشر سنين لم تسمع ولا بينته إلا بإسكان ونحوه.
والحيازة مع علم أصل الملك يشترط جهل المدخل فيها إلا إذا علم بما ينقل الملك من بيع وهبة ونحوهما، ولا يفيد الحائز الغاصب من حيازته مهما طالت شيئا وعلى هذا الشرط نص صاحب التحفة بقوله: إن يحز أصلا بحق.
وقد اشترطت المدونة في المادة 241 نفس الشرط بان منعت الحيازة إذا كانت مبنية على عمل غير مشروع.
وقد يحصل الخلط بين أصل الملك واصل المدخل بينما هما شيئان متغايران، فاصل الملك الذي يشترط جهله في الحيازة المكسبة وهي حيازة عشرة أشهر لأول حائز لملك لم يسبق إليه، يعني مالك الشيء الأول إذا كان معلوما، واصل المدخل هو وجه مدخل الحائز إلى الشيء الذي بيده هل هو معلوم أم مجهول، فالمدخل المعلوم بما لا ينقل من كراء وإسكان وعارية لا تنفع الحائز فيه حيازته ولو طالت.
أما المدخل المعلوم من كل ناقل للملك من المدعي إلى المدعى عليه (الحائز) من شراء أو هبة أو معاوضة فتعمل معه الحيازة المبطلة لملك الأول (المدعي) مع بقية شروط الملك، ونفس الحكم سار إذا كان مدخله مجهولا[34].
ولم تعرض المدونة لبيان هذا الشرط في الحيازة المطلة لملك قبلها، ومع ذلك فان هذا الشرط لا غنى عنه، إذ أن بحث مدخل الحائز يفضي إلى بيان السبب الذي وضع به يده على الشيء أو الحق الذي يحوزه، وهذا السبب نصت المدونة على وجوب كونه مشروعا، لكن ذلك لا يكفي، فقد يكون مشروعا ولا ينقل الملك مثل العارية، والوديعة والكراء، وقد لا يكون معروفا لتقدير شرعيته من عدمها.
ولكن التكامل بين المدونة والفقه المالكي جاء النص صريحا عليه في المادة الأولى منها، ولذلك فان شرط جهل المدخل أو كونه معلوما ناقلا للملك في الحيازة المبطلة لملك قبلها لا مفر من بحثه في المنازعات بشان الحقوق العينية العقارية لترتيب الآثار القانونية للحيازة.
الفرع الثاني: شروط الملكية للحيازتين المكسبة والمبطلة[35].
يمكن التمييز في هذه الشروط جمعا بين الفقه والمدونة بين شروط متطلبة في الشيء المحوز وشروط ترجع إلى علاقة الحائز بالمحوز عليه، وشروظ خاصة بالمحوز عليه، وشروط التملك عن طريق الحيازة.
الفقرة الأولى: شروط الشيء المحوز:
تنص المادة 261 من المدونة على أنه لا تكتسب بالحيازة أملاك الدولة العامة والخاصة والأملاك المحبسة وأملاك الجماعات السلاليةو أملاك الجماعات المحلية والعقارات المحفظة والأملاك الأخرى المنصوص عليها صراحة في القانون.
وقبل صدور المدونة، كانت الاستثناءات من الحيازة الاستحقاقية يرجع في أساسها الشرعي أو القانوني إلى الفقه أو القوانين الخاصة، فلا تحاز الأحباس حيازة استحقاقية لأن الأصل في الحبس أن يبقى ملكا للمحبس في رقبته[36]، ولا تحاز الأملاك العامة نصا على ذلك في ظهير 1 يوليوز 1914، والأراضي الجماعية طبقا لظهير 27 أبريل 1919، والأملاك الغابوية وفقا لظهير 10 أكتوبر 1917، والأملاك المحفظة حسب الفصل 63 من ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري.
وبصدور المدونة، نصت في المادة 261 المذكورة صراحة على منع الحيازة الاستحقاقية في عدة عقارات نظرا لصفة الملك فيها وأضحى هذا النص عاما في أنواع الأملاك العقارية غير القابلة للتقادم والحيازة.
الفقرة الثانية: الشروط المانعة من الملك بطريق الحيازة لصفة بين الحائز والمحوز عليه:
قننت المدونة هذه الشروط وجعلتها مانعة من الحيازة المبطلة لملك المحوز عليه وذلك في المادة 255 التي تقضي بأنه لا محل للحيازة بين الأب وابنه وإن سفل، ولا بين الأم وابنائها وإن سفلوا وبين الأزواج أثناء قيام الزوجيةوبين الشركاء مطلقاوبين النائب الشرعي ومن هم إلى نظره وبين الوكيل وموكله وبين المكلف بإدارة الأموال العقارية وأصحاب هذه الأموال.
يعتبر منع الحيازة الاستحقاقية بين الأب وابنه وبين الزوجين وبين الشركاء في المدونة أمرا مستحدثا ولا أصل له في الفقه، إذ الأب وابنه والزوجان أقارب بينهم، ولا تختلف الحيازة بين الأقارب في أثرها عن الحيازة بين الأجانب إلا في طول المدة متى لم يكن بين هؤلاء الأقارب عداوة، ولذلك ورد في تحفة ابن عاصم:
والأقربون حوزهم مختلف بحسب اعتمارهم يختلف
فإن يكن بمثل سكنى الدار والزرع للأرض والإعتمار
فهو بما يجوز الأربعين وذو تشاجر كالأبعدين[37]
فحيازة الأقارب غير الأب وابنه إذا لم يكن ترفهم بالهدم والبناء تستمر مدته أربعين سنة، من غير عداوة، وإلا كانت المدة عشر سنين كالأجانب، وإن كان التصرف بالهدم والبناء والغرس وكراء الدار أو الأرض مثلا مع حضور قريبه المحوز عليه وسكوته وعدم وجود مانع له من المطالبة بحقوقه، فإن المدة على الرأي المعول عليه هي عشر سنين فقط لوقوع التصرف بأقوى الأشياء من هدم أو بناء أو غرس أو كراء، أما إذا كان بالبيع فمن وقت البيع دون أية مدة.
أما الأب وابنه فإنه لا حيازة بينهما إلا فيما يطول فيه الزمن، وتهلك البينات وينقطع العلم بذلك[38].
أما الحائز الشريك للمحوز عليه والأجنبي عنه أي غير قريب له فإن الحكم فيه في الفقه أن الشركة بينهما في الشيء المحوز تمنع استحقاقه من شريكه بالحيازة ولو طالت مدتها إلا إذا تصرف الشريك الحائز تصرفا قويا من مثل الهدم والبناء والغرس مع حضور شريكه وسكوته ونظره إلى تصرفه ومرور مدة عشر سنين فإن حيازته لتلك المدة مع مثل ذلك التصرف تقطع حجة وحيازة شريكه.
أما المدونة فقد منعت الحيازة بين الشركاء مطلقا ويفيد لفظ مطلقا منع هذه الحيازة بغض النظر عن نوع التصرف الذي تصرف به الحائز الشريك سواء كان تصرفا قويا من هدم أو بناء أو غرس أو لم يكن كذلك، فليس للشريك الحائز أن يتملك على شريكه بالحيازة مطلقا.
ويعتبر نمنع حيازة النائب الشرعي على من هو إلى نظره لأمواله التي يحوزها في إطار نيابته عنه والوكيل على موكله تحصيل حاصل، لقيام شرط جهل مدخل الحائز أو كونه معلوما بما ينقل الملك مانعا من تلك الحيازة، فالنائب الشرعي والوكيل كلاهما معلوم مدخلهما وهو لا ينقل الملك.
الفقرة الثالثة: الشروط الخاصة بالمحوز عليه.
يطلق على هذه الشروط إذا جاز أن تسمى كذلك في الفقه الأعذار أو الموانع للمحوز عليه من القيام على الحائز لمطالبته بملكه، وقد اعتبر الفقهاء منها الصغر والسفه والخوف من الحائز لكونه ذا سطوة أو مستندا إلى ذي سطوة، وأدخل الفقهاء ضمن هذه الموانع المرأة المتزوجة التي يمنعها زوجها من الخروج ولا تتمكن من مخاصمة حائز ملكها، والمشتغل بالتجارة غدوا ورواحا يشهد له الشهود أنه غير تارك لحقه،
ومن غاب شهوده أو فقد حجته ووجدها الآن أو حضر شهوده[39]، كل هؤلاء يعذرون في رأي الفقه بتلك الأعذار، ولا يحاز عليهم إلا بعد زوالها إلا إذا أثبت الحائز ولو ببينة السماع الشراء من المحوز عليه أو موروثه وخاصة الصغير والسفيه بواسطة نائبهما وذي الخوف والمرأة الممنوعة من الخروج، فإنه ينتفع بحيازته مع إثباته الشراء ولو ببينة السماع.
ولا يجوز إثبات البيع بالبينة طبقا للقانون الوضعي منذ صدور قانون الالتزامات والعقود الذي ينص الفصل 489 منه على وجوب ثبوت بيع عقار أو حق عيني عقاري بالكتابة، وقد زادت المدونة من التقييد في قبول إثبات أي تصرف في حق عيني عقاري إلا عن طريق محرر رسمي أو محرر عرفي ثابت التاريخ يحرره محام مقبول أمام محكمة النقض.
أما المدونة فقد اعتدت في هذه الأعذار في المواد 245، 250، 256 بالإكراه وحصول وضع اليد خفية أي على غير مشهد من الناس أو على الأقل من المالك أو صاحب الحق الذي يستعمله واللبس في الحيازة كأن يحتمل أنه يحوز لنفسه أو لغيره ولا يكون قصده واضحا في حيازيته كوجود أشياء في الشياع ويحوز الشريك شيئا منها ولكن استعماله يكون بنية أنه يوجد غيره يشاركه فيه، وعدم الاستمرار أو التقطع في المدة كأن يمضي في استعماله بين عمل وآخر فترة طويلة من الزمن لا يستعمله فيها[40] والغيبة وعدم علم الملك له والصغر والخوف من الحائز لكونه ذا سلطة أو مستندا إلى ذي سلطة ووجود مانع قاهر للمدعي يستحيل معه قيامه بالمطالبة ضد الحائز لملكه والذي يقدره القضاء في إطار سلطته.
ويلاحظ أن المدونة في مقاربتها لعيوب الحيازة الاستحقاقية أو أعذار وموانع المحوز عليه زاوجت في أخذها بها بين الفقه والقانون المقارن، فأدخلت موانع منصوصا عليها في الفقه كالصغر والغيبة وعدم علم الملك والخوف من الحائز وأضافت إليها موانع واردة في القانون والفقه الوضعي المقارنين من قبيل عدم التقطع والإكراه واللبس والمانع القاهر من القيام على الحائز، ولم تذكر عذر السفه للمحوز عليه إلى زواله.
ويطرح السؤال ما إذا كانت هذه الموانع في المدونة حصرية أم أن بالإمكان الرجوع فيما لم يرد فيها إلى الفقه المالكي؟
إن قيام مانع السفه مثلا منصوص عليه فقها يمكن أن يؤول عليه المانع القاهر الوارد في المدونة وكذلك المرأة المتزوجة الممنوعة من الخروج.
الفقرة الرابعة: شروط الملكية عن طريق الحيازة.
لا تعد الحيازة دليلا على الملك وفقا للفقه الإسلامي بصفة عامة، إلا إذا توفرت معها عدة قيود هي شروط الملكية، وهي المشار إليها في لامية الزقاق بقوله:
يد نسبة طول كعشرة أشهر وفعلا بلا خصم بها الملك يجتلا
وهل عدم التفويت في علمهم كما ل أم صحة للحي للميت ذا إجلا
والشيخ خليل بقوله: وصحة الملك بالتصرف وعدم المنازع وحوز طال كعشرة أشهر وأنه لم يخرج عن ملكه في علمهم وتؤولت على الكمال في الأخير[41].
وقد أوصل الفقهاء هذه الشروط إلى ستة[42] وهي:
وضع اليد أو الحوز.
تصريح الشهود بأن المشهود به مال وملك للمشهود له ومن جعل شروط الملك خمسة لم يذكر هذا الشرط.
تصرف الحائز بمختلف أنواع التصرف في ملكه
نسبة المشهود له الملك لنفسه والناس إليه كذلك
عدم المنازع طيلة مدة الحيازة
عدم تفويت المشهود له لملكه[43]
والشروط الخمسة الأولى يشهد بها على البت والقطع، والشرط الأخير لا يشهد به إلا على العلم وإلا بطلت الشهادة لتعذر قطع الشهود فيه، فقد يفوت المشهود له ملكه سرا دون أن يطلع الشهود عليه وفي ذلك قول ابن رشد: إذ لا يصح للشاهد أن يشهد بمعرفة الملك حتى يغلب على ظنه انه لم يبع أو يفوت فهي محمولة على الصحة.
ثم أن هذا الشرط، عدم علم التفويت يعتبر شرط صحة في المشهود له الميت وشرط كمال في المشهود له الحي، وهو معنى قول الزقاق السابق:
وهل عدم التفويت في علمهم كما ل أم صحة للحي للميت ذا اجعلا
وقول خليل: وتؤولت على الكمال في الأخير، وهو عدم خروج الملك من المشهود له الحي.
وقد تقرر من كلام الفقهاء أن كل من شهد له بظاهر وجب أن يستظهر على باطنه باليمين، وفي شرح ميارة للتحفة عند قولها: ثم الشهادة لدى الأداء…قوله:
ولا يكفي عن يمين الاستحقاق قول الشهود وما يعلمونه باعه ولا وهبه لأنهم إنما نفوا العلم فقط لأنهم شهدوا بالملكية على البت وباستمرارها على العلم، فاليمين في مقابلة دعوى ما لم يعلمه الشاهد من عدم استمرار الملك[44].
وبناء على ذلك فان مدعي الحيازة الاستحقاقية يحلف يمين الاستحقاق كلما كانت بينته مشهودا فيها بالملك لميت لقيام شرط عدم علم التفويت فيها شرط صحة.
أما شرط عدم المنازع الذي يشهد به على القطع فقد اعتبر الفقه فيه وقوع المنازعة ولو مرة واحدة، ولا يشترط عرض النزاع على القاضي، بل كل منازعة ولو أمام غير القاضي تنخرم بها الحيازة ولا تستمر مدتها، وتبدأ مدة جديدة[45].
وقد اعتمدت المدونة في المادة 240 نفس مفهوم شروط الملك في الفقه فاستلزمت الشهادة بوضع اليد والنسبة والتصرف وطول المدة وعدم المنازع على البت والقطع والشهادة بعدم علم التفويت على سبيل العلم كما هو صريح العبارة في هذا الشرط متى كان لازما وذلك في حق المشهود له الميت.
ولم تنص المدونة على شرط شهادة الشهود بان المشهود به مال من أموال المالك المشهود له أخذا برأي بعض الفقهاء الذين يجعلون شروط الملك خمسة فقط ولا يذكرون الشهادة بالمال والملك للمشهود له.
وعلى هذا الأساس فإن إقامة بينة الملك لمشهود له ميت من طرف ورثته يستوجب فيها ورود الشهادة بعدم علم التفويت تحت طائلة بطلان تلك الشهادة إذا لم تتضمن هذا الشرط، أما إذا استدل الورثة بوثيقة الملكية لموروثهم أقامها في حياته فإنها تقبل منهم ولو تكن تتضمن شرط الشهادة بعدم التفويت، ويلزمهم فقط إثبات استمرار الملك لهم بعد وفاته.
وقيدت المدونة شرط عدم المنازعة بان تكون قضائية ويصدر الحكم فيها لصالح المنازع، إما تنازل المدعي عن دعواه أو تم رفضها فان منازعته لا تأثير لها على استمرار الحيازة( المادة 257).
ويلاحظ على المادة 240 من المدونة أنها جعلت الشروط التي نصت عليها شروط صحة في الحيازة بينما ليس المقصود صحة الحيازة، وإنما صحة شهادة الشهود بالملكية للحائز، ويدل لذلك أن الشيخ خليل في مختصره بحث صحة الملك في أحكام الشهادة وخاصة في أسباب الترجيح بين الحجج عند بيان ترجيح الملك على الحوز[46].
الشيء الذي يفهم منه أن شروط الملك يشهد الشهود بها في صحة الملك وتقتضي الصياغة المناسبة لمطلع المادة 240 أن يرد فيها: يشترط في صحة بينة الملك بحيازة حائز…
شرط المدة:
تختلف مدة الحيازة المعتبرة شرطا للملكية بين الحيازة المكسبة وهي عشرة أشهر لأنها حيازة لمجهول أصل الملك لمن هو، والحيازة المبطلة لملك سابق قبلها وهي عشر سنين بين الأجانب والأقارب الذين بينهم عداوة وأربعون سنة بين الأقارب غير المتشاجرين بينهم، ولا حيازة بين الأب وابنه إلا بمدة طويلة تهلك فيها البينات وينقطع العلم بالمالك السابق مع ذلك فإن الرأي المعتمد والمعول عليه في الفقه أن الحائز الأجنبي إذا تصرف بالهدم والبناء والغرس فمن وقت قيامه بهذه الأشياء[47]،
وكذلك الأجنبي الشريك مع شركته إذا تصرف في المدة وهي عشر سنوات بالهدم والبناء والغرس يستحق الملك مع حيازته وتوفر بقية شروط الملك.
هذه الأحكام المختلفة في مدة الحيازة بحسب نوع التصرف الذي ا تبقى معه أية مدة إذا كان بأقوى الأشياء من هدم أو بناء أو غرس لم تأخذ بها المدونة ونصت على كامل المدة في الحيازة في جميع الأحوال وهي عشر سنين بين الأجانب والأقارب الذين بينه عداوة، وأربعون سنة بين الأقارب غير الشركاء الذين ليس بينهم عداوة، ومنعت الحيازة مطلقا بين الشركاء وذلك في المواد 250، 251، 255.
ولا يشترط في المدة اتصالها بالحائز الأول إلى تمامها ويجوز تلفيقها بين سلف وخلف كموروث ووارثته[48] وبائع ومشتري، كما تلفق مدة الحيازة في سكوت المحوز عليه بينه وبين خلفه الخاص والعام وهو الحكم الذي نصت عليه المدونة كذلك في المادة 247.
خاتمة:
إن حيازة حائز مع جهل مدخله تمثل الصورة الأوضح في الحيازة المبطلة للملك قبلها وإذا علم مدخله فإن الفقه على أنه إن كان ناقلا للملك فلا إشكال أن حيازة الحائز مع توفر بقية شروط الملك تنفعه كأن يثبت الشراء من المدعي أو من غيره أو أي عقد ناقل للملك وإن كان غير ناقل للملك من كراء وإيداع وعارية وإسكان فإن حيازته لا تنفعه لأنها عرضية ولا يمكن أن يغير سنده فيها ويعقد مع نفسه نية الكسب بها، ولذلك فإن الفقهاء اعتبروا أن المدخل المعلوم غير الناقل للملك استثناء من الحيازة ولا يستحق بها الملك، كما استثنوا منها ادعاء الحائز الشراء أو التبرع من المدعي أو موروثه المجرد عن الإثبات فأوجبوا حلفه اليميني على الشراء أو التبرع دون فرق بينهما على الرأي المعتمد خلاف ما ذهب إليه صاحب التحفة حين قال:
إلا إذا أثبت حوزا بالكرا أو ما يضاهيه فلن يعتبرا
أو يدعي حصوله تبرعا من قائم فليثبتن ما ادعى
أو يحلف القائم واليمين له إن ادعى الشراء منه معلمة
أما الاستثناء الثالث للفقهاء من إعمال الحيازة المبطلة فيتعلق بادعاء الحائز الإقالة من المدعي من بيع صادر له منه، يحلف معه اليمين على الإقالة ويبقى له الملك مع حيازيته، وهو الاستثناء الذي ورد النص عليه كذلك في قول صاحب التحفة:
وأن يكن مدعيا إقاله فمع يمينه له المقاله
ولم تنص المدونة على هذه الأحكام ولعل مرجع ذلك إلى وجوب تحرير عقد مكتوب للبيع أو الإقالة طبقا لما ينص عليه الفصل 489 من قانون الالتزامات والعقود، أما التبرع فلا يجزي إلا عن طريق الإشهاد عليه ومعاينة الحوز فيه حسب قواعد الفقه، وهذه الأحكام ظلت هي المطبقة إلى أن دخلت المدونة حيز التطبيق، والتي قصت في المادة 4 على أن كل تفويت لحق عيني عقاري لا يتم إلا بمحرر رسمي أو عرفي ثابت التاريخ يحرره محام مقبول أمام محكمة النقض إلا إذا وجد نص خاص.
ويظل السؤال مطروحا ولا جواب عليه في المدونة: ما حكم حيازة حائز ادعى شراء أو تبرعا أو إقالة ولا سند له رسمي أو عرفي؟
[1]في الفقه الإسلامي عامة تتلخص أدلة الملكية في البينة، الاستفاضة( شهادة السماع)، الدعوى (إن يدعي مدع الملك لشيء لا يد لأحد عليه، ولا ينكر عليه ادعاءه احد)، الإقرار، الحيازة، وهذه سبب الملك في بعض مذاهب الفقه الإسلامي، بينما في الفقه المالكي،
هي دليل للملك، وليست سببا منشئا له وهي لا تدل عليه إلا ضمن شروط في الحائز والمحوز عليه، والمال المحوز، والفترة الزمنية التي تتم فيها الحيازة، وهي تختلف عن اليد في شيء جوهري، هو أن الشيء المحوز ليس معتبرا فيه أن يكون أساسا مباحا ( جهل أصل الملك) بل حتى ولو كان معلوما فان فوات مدة معينة يسقط حق المالك الأول، وتصبح حجته غير مسموعة، ويثبت الملكية للحائز الثاني راجع كتاب: اليد في الفقه الإسلامي سببا للملكية ودليلا عليها- دراسة مقارنة.ص 315 للدكتور فاضل محمد جواد السهلاني، دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت لبنان.
[2]عبد الرزاق احمد السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني الجديد – أسباب كسب الملكية، مع الحقوق العينية الأصلية المتفرعة عن الملكية، حق الانتفاع وحق الارتفاق المجلد التاسع- دار النهضة العربية القاهرة.
[3]ما عدا مذهب الإباظية يجعلها سببا للملكية – اليد في الفقه الإسلامي – مرجع سابق ص 315
[4]راجع مؤلف الأستاذ عبد العلي العبودي : الحيازة فقها وفضاء، الطبعة الأولى 1996، الناشر المركز الثقافي العربي، ص 17 إلى 19
[5]حاشية العلامة أبي عيسى سيدي محمد المهدي الوزاني على شرح التاودي ابن سودة للامية الإمام أبي الحسن الزقاق- الطبعة السادسة – القاهرة، 1349ه ن ص 196
[6]أبو الشتاء بن الحسن الغازي الحسيني، التدريب على تحرير الوثائق العدلية، الجزء الأول، ص 154.
[7]الدكتور مأمون الكزبري، التحفيظ العقاري والحقوق العينية الأصلية والتبعية، ص 478.
[8]يبدو أن الصواب سيطرة الحائز سيطرة فعلية، على حق لنفسه أو بواسطة غيره وليس لغيره، لأن الحائز لغيره السيطرة بواسطته تنصرف إلى المالك.
[9]عبد الرزاق أحمد السنهوري، مرجع سابق، ص 784. مأمون الكزبري: مرجع سابق ص 478.
[10]عبد الرزاق أحمد السنهوري، مرجع سابق، ص 803.
[11]عبد الرزاق أحمد السنهوري، مرجع سابق. ص 806.
[12]انظر عبد العلي العبودي، مرجع سابق، ص 27.
[13]عبد الرزاق السنهوري – مرجع سابق، ص 787
[14]عبد الرزاق السنهوري – مرجع سابق، ص
[15]مامون الكزبري- مرجع سابق، ص 478
[16]تتميز الحيازة المبطلة عن الحيازة المكسبة بورود الأولى على ملك سابق عن الحائز، فتبطله، لتوفر شروط الملك معها من يد ونسبة وطول مدة وعدم منازع والتصرف والشهادة بالملك والمال وعدم علم التفويت أما صحة أو كمالا، بينما الحيازة الثانية (المكسبة) لا ترد إلا على مجهول أصل الملك فيكسب بها الحائز، أول مرة ملكية الشيء أو الحق العيني الذي حازه قبل غيره إذا توفرت له باقي شروط الملك(انظر أبو الشتاء بن الحسن الغازي الحسيني- مرجع سابق، ص 154)
[17]انظر عبد العلي العبودي مرجع سابق، ص 21
[18]انظر في شرح ذلك البهجة في شرح التحفة، لأبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي، الجزء الثاني، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية – بيروت، لبنان ص 416
-إحكام الأحكام على تحفة الحكام، للعلامة الشيخ محمد بن يوسف الكافي، دار الكتب العلمية – بيروت، لبنان ص 226
[19]الحق الشخصي التزام على المدين لفائدة الدائن، غير أن بعض القوانين المقارنة، كالقانون المدني الألماني والسويسري متأثرين بالنظرية المادية في الحيازة لأهرنج وسعا من مفهوم الحيازة، لتشمل حتى الحقوق الشخصية وليس فقط الحقوق العينية، فالمكتري مثلا يعتبر حائزا لحقه الشخصي قبل المكري. ع الرزاق احمد السنهوري، مرجع سابق، ص 788.
[20]الترجيح بالملك على الحوز، انظر فيه حاشية سيدي المهدي الوزاني على شرح التاودي ابن سودة، للامية الزقاق، مرجع سابق، ص 190.
[21]محمد القدوري – موسوعة قواعد الفقه والقانون مستخرجة من حادي الرفاق إلى فهم لامية الزقاق، الطبعة الأولى 1424-2004، ص 260.
[22]ع الرزاق احمد السنهوري، مرجع سابق، ص 825.
[23]أبو الحسن علي بن عبد السلام التسولي – البهجة في شرح التحفة، مرجع سابق، ص 415.
[24]أبو الشتاء بن الحسن الغازي الحسيني – مرجع سابق، ص 154.
[25]مختصر العلامة خليل بن إسحاق المالكي، تحقيق أحمد جاد، دار الحديث، القاهرة، ص 227. انظر الخرشي على مختصر خليل، الجزء السابع، دار صادر بيروت، لبنان، ص 231.
– مواهب الجليل من أدلة خليل، للشيخ أحمد المختار الجكني الشنقيطي، المجلد الرابع ص 259.
[26]حاشية سيدي محمد المهدي الوزاني، على شرح سيدي محمد التاودي بن سودة، لامية الزقاق، ص 196.
[27]أبو اشتاء بن الحسن بن محمد الغازي الحسيني، مرجع سابق، ص 154.
[28]أبو اشتاء بن الحسن بن محمد الغازي الحسيني، مرجع سابق، ص 154.
[29]أبو الحسن علي بن علي التسولي، البهجة في شرح التحفة، مرجع سابق، ص 415.
[30]أبو الحسن علي بن علي التسولي، البهجة في شح التحفة، مرجع سابق، ص 415. انظر كذلك أبو اشتاء بن الحسن بن محمد الغازي الحسيني، مرجع سابق، ص 156.
[31]التسولي البهجة في شرح التحفة، مرجع سابق، ص 416.
[32]العلامة الكافي، إحكام الأحكام على تحفة الحكام، مرجع سابق، ص 226.
[33]ع الرزاق السنهوري، مرجع سابق، ص 836-837.
[34]أبو الشتاء الغازي الحسيني، م س، ص 155.
[35]انظر عبد العلي العبودي، مرجع سابق، ص 39 وما بعدها.
[36]عرف ابن عرفة وهو محمد بن محمد الورغامي التونسي الحبس بأنه: إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطيه، ولو تقديرا.
[37]انظر عبد العلي العبودي مرجع سابق، ص 61 وما بعدها.
[38]إحكام الأحكام على تحفة الحكام، مرجع سابق، ص 228.
[39]البهجة في شرح التحفة، مرجع سابق، ص 420.
[40]ع الرازق أحمد السنهوري، مرجع سابق، ص 842 و860.
[41]مختصر العلامة خليل، مرجع سابق،ص 227
[42]التدريب على تحرير الوثاق العدلية، مرجع سابق، ص 155 و 166.
[43]الخرشي على مختصر خليل، مرجع سابق، ص 230.
[44]التدريب على تحرير اللوثائق العدلية، مرجع سابق، ص 157.
[45]البهجة في شرح التحفة، مرجع سابق، ص 419.
[46]وفي ذلك قوله في باب أحكام الشهادة: وصحة الملك بالتصرف وعدم المنازع الخ بعد قوله: وإن أمكن الجمع بين الينتين جمع وإلا رجع بسبب ملك.الخ.
[47]البهجة في شرح التحفة، مرجع سابق، ص 418.
[48]البهجة في شرح التحفة، مرجع سابق، ص 420.
الاحتياطي وفق مستجدات قانون 07-14
د. محمد بنزهة
رئيس غرفة بمحكمة النقض
يعد الإشهار العقاري من أفضل ما أفرزته الصياغة التشريعية كنظام يكفل للعقار حماية قانونية في مواجهة الأطراف المتعاملين بشأنه، وكذا في مواجهة الأغيار محققا بذلك الاطمئنان إلى البيانات الواردة بالرسوم العقارية[1].
إذا كان للتسجيل بالرسم العقاري أثر إنشائي للحق بين الأطراف والغير، فإن هناك تقييدات مؤقتة تكتسي أهمية بالغة في القانون العقاري أوجب إشهارها في الرسم العقاري من أجل حفاظ أصحابها على مراكزهم القانونية وكذا من أجل ضمان استيفاء حقوقهم في مواجهة الأطراف والغير.
وتتنوع هذه التقييدات المؤقتة حسب الحق الذي ترمي إلى ضمانه أهو حق شخصي أم عيني حيث إن الحجز العقاري سواء منه التحفظي أو التنفيذي يضمن استيفاء الحق الشخصي للدائن تجاه مدينه كما يمنع من إجراء أي تسجيل جديد على العقار المحجور، أما بالنسبة للتقييد الاحتياطي (موضوع هذا البحث) فهو شرع أساسا من أجل أن يضمن مؤقتا الحق العيني الوارد على الرسم العقاري المتعلق به.
إن للتقييد الاحتياطي دور هام في حماية الحقوق الغير القابلة للتسجيلات النهائية، بواسطته يقع إشهار أولي و تحفظي للحق المزمع تسجيله بعد رفع الإشكال الحائل دون التقييد حاليا، الغاية منه المحافظة المؤقتة إما على حق موجود لكن منازع فيه و ينتظر من القضاء أن يعطي كلمته و إما حق تعذر استكماله لتأخر توفره على شكلية من الشكليات.
وقد أدخل قانون 14.07[2]على مؤسسة التقييد الاحتياطي عدة مستجدات كانت في مجملها نتيجة اقتراحات الفقهاء المهتمين بالموضوع وتكريسا للعمل القضائي سنحاول من خلال هذا البحث التطرق إليها وتتعلق بحالات التقييد الاحتياطي وآثاره.
وقبل تحديد آثار التقييد الاحتياطي في مبحث ثاني، لابد أولا بصورة مختصرة من تعريف التقييد الاحتياطي كإجراء تحفظي وتعيين فوائده وموضوعه ثم حالاته في (مبحث أول).
المبحث الأول: ماهية التقييد الاحتياطي.
لقد أعطيت للتقييد الاحتياطي تعريفات كثيرة غير أنها تختلف فقط في أساليب التعبير فكلها تدور حول الوظيفة التحفظية التي يقوم بها هذا التقييد الاحتياطي سنقتصر على أهمها فيما يلي:
المطلب الأول: تعريف التقييد الاحتياطي
التقييد الاحتياطي كما عرفه الأستاذ ذوكر في كتابه القانون العقاري المغربي هو:
“بيان يثبت بالرسم العقاري بصفة مؤقتة ومشروطة وينبئ بالحق المطالب به والذي يكون غير قابل للتقييد بالسجلات العقارية بطريقة قانونية، فالتقييد الاحتياطي ليس سوى إجراء تحفظيا مؤقتا يثبت بالرسم العقاري في انتظار اتخاذ التقييد النهائي بهدف المحافظة على الحقوق المدعاة للمنتفع منه ضد كل عقود التصرف التي يمكن أن تصدر عن المالك المقيد وبتدليس منه”.
والتقييد الاحتياطي في حد ذاته لا قيمة له إذ لا تكون له سوى قيمة التقييد النهائي الذي سيتخذ فيها بعد وفي الوقت المناسب، فإن تحقق هذا التقييد النهائي فإنه يعود بأثر رجعي إلى تاريخ التقييد الاحتياطي الذي يعلن رتبة التقييدات اللاحقة له، أما إذا لم يتخذ التقييد النهائي داخل الأجل القانوني فإن الآثار التحفظية للتقييد الاحتياطي تنحصر قانونا وينعدم هذا التقييد الاحتياطي بحيث لن يصبح سوى شكلية لم تترك أي أثر بالرسم العقاري.
ويرى البعض أن التقييد الاحتياطي مجرد إنذار للغير، ولا يترتب عنه اعتبار الملك المسجل موضوع منازعة[3]، إلا أنه من الممكن أن يصير الملك المعني بالأمر موضوع نزاع حقيقي في حالة ما إذا ضمت بالرسم العقاري الموضوع له تقييدات احتياطية أخرى[4].
إذن التقييد الاحتياطي حسب نص الفصل 85 من قانون التحفيظ العقاري هو إجراء يمكن لكل من يدعي حقا على عقار محفظ أن يطلب تقييدا احتياطيا للاحتفاظ به مؤقتا.
و يضمن طلب التقييد الاحتياطي من طرف المحافظ بالرسم العقاري إما:
بناء على سند يثبت حقا على عقار، و يتعذر على المحافظ تقييده على حالته.
بناء على أمر قضائي صادر عن رئيس المحكمة الابتدائية التي يقع العقار في دائرة نفوذها.
بناء على نسخة من مقال دعوى في الموضوع مرفوعة أمام القضاء.
تعتبر الحالة الأولى من التقييد الاحتياطي المذكورة أعلاه من ضمن المستجدات الواردة في القانون 14-07[5]. وهو تقييد يقوم به المحافظ دون اللجوء إلى أمر من رئيس المحكمة أو الإدلاء بمقال دعوى الموضوع فهو تقييد احتياطي إداري مؤقت ومدته عشرة أيام كما جاء في الفصل 86 من نفس القانون.
المطلب الثاني: موضوع التقييد الاحتياطي
إن الحقوق المتعلقة بالعقارات المحفظة هي وحدها التي يمكن أن تكون موضوع تقييد احتياطي دون الحقوق المرتبطة بمطلب التحفيظ أو تلك الناشئة في طور التحفيظ، وتكون منازعا فيها أو غير مستوفية لكل شروطها الشكلية والجوهرية إذ تكون موضوع إيداع طبقا للفصل 84 من قانون 07-14 أو موضوع خلاصة إصلاحية أو تعرض على مطلب التحفيظ حسب الأحوال، وحسب الرأي الراجح فإن نطاق الحقوق القابلة لأن تكون محلا للتقييد الاحتياطي لا ينحصر في الحقوق العينية فحسب بل فإنه يتسع حتى للحقوق الشخصية القابلة لأن تتحول بعد تسجيلها إلى حقوق عينية ومن ضمنها الوعد بالبيع واتفاق الأفضلية[6].
ومن رأي البعض، فإن الوعد بالبيع أو اتفاق الأفضلية المنصبان على عقار محفظ يشكلان نوعا من القيود الواردة على حق تصرف المالك بملكه، وبهذه الصفة فهما خاضعان للتقييد في السجل العقاري عملا بالفقرة الخامسة من الفصل 69 من القانون المذكور.
ومن رأي البعض الآخر، أن الفقرة الخامسة من الفصل المذكور لا تجيز تسجيل القيد على الحق في التصرف أو أي تقييد خاص آخر إلا تبعا لتسجيل الحق الأصلي كما لو اقترن البيع أو الهبة بقيد يمنع المشتري أو الموهوب له من التصرف بالعقار محل البيع أو الهبة لمدة معينة حيث يكون طلب التسجيل شاملا حق الملكية، وفي نفس الوقت قيد منع التصرف المفروض على المشتري أو الموهوب له، وبالتالي فإنه يجوز طلب تسجيل الوعد بالبيع كقيد على الحق في التصرف إذا كان ورد هذا الوعد في بيع أو هبة أو أي تصرف آخر، كأن يكون البائع أو الواهب ضمن عقد البيع أو الهبة وعدا من المشتري أو الموهوب له ببيع العقار إلى بائعه أو واهبه الأصلي حيث يسجل البيع أو الهبة ويسجل بالتبعية الوعد بالبيع الصادر عن المشتري أو الموهوب له كقيد على ملكية المشتري أو الموهوب له، أما إذا كان الوعد بالبيع معقودا بصورة أصلية وورد قائما بذاته فإنه لا يمكن طلب تسجيله على وجه الاستقلال[7].
المبحث الثاني: آثار التقييد الاحتياطي
يرتب التقييد الاحتياطي آثارا قانونية هامة سواء في الزمن خلال المدة التي يستغرقها أو على الحقوق التي يحافظ عليها وتلك التي يمارس في مواجهتها أو كذا على الأشخاص، وهكذا نقسم البحث إلى آثار التقييد الاحتياطي من حيث الزمن في مطلب أول، وإلى آثاره على الحقوق في مطلب ثان وأخيرا إلى آثاره على الأشخاص في مطلب ثالث.
المطلب الأول: آثار التقييد الاحتياطي في الزمن
ينتج التقييد الاحتياطي آثارا قانونية هامة في الزمن حسب المدد التي يستغرقها وهي محددة في قانون 07-14 وخلال هذه المدة يظل التقييد الاحتياطي قائما وساري المفعول ويحافظ على الحق المقيد احتياطيا، وحينما يقع الاعتراف بهذا الحق ويتم تقييده نهائيا فإن هذا التقييد النهائي سيعود بأثر رجعي إلى تاريخ التقييد الاحتياطي ويكون من آثاره التشطيب على كل الحقوق المنافية واللاحقة له، أما حينما لا يقع الاعتراف بالحق المقيد احتياطيا فإنه يشطب على التقييد الاحتياطي وتلغى آثاره التحفظية.
إن أول أثر للتقييد الاحتياطي هو الرجعية، ذلك أن التقييد النهائي للحق الذي سبق تقييده احتياطيا كما سبق يعود بأثر رجعي إلى تاريخ هذا التقييد الاحتياطي، كما هو مقتضى الفقرة الخامسة من الفصل 85 من قانون 07-14، بمعنى أن التقييد النهائي للحق المقيد احتياطيا سيعتبر وكأنه أنجز من تاريخ التقييد الاحتياطي بكل ما يترتب عن ذلك من نتائج.
والأثر الرجعي للتقييد الاحتياطي مطلق بدليل النص ولو لم تكن هذه الرجعية مطلقة لما كان التشطيب هو مصير الحقوق اللاحقة للتقييد الاحتياطي عندما يعترف القضاء بالحق المقيد احتياطيا بحكم نهائي.
يرى البعض أن الحق المقيد احتياطيا لم يكن موجودا وحالا وواقعا أو قائما وإنما كان محتملا أو مفترض الوجود فقط، وأنه لم ينشأ ولو كحق شخصي يمنح صاحبه حق المطالبة بالتقييد النهائي إلا ابتداء من تاريخ اعتراف القضاء به أو من تاريخ استكمال توفره على الشروط الشكلية والجوهرية المتطلبة قانونا، وإن من آثار هذا الاعتراف التشطيب على الحقوق اللاحقة له، وبالتالي لم يكن ليعطي آثاره المدنية والقانونية قبل الاعتراف به قضاء.
إلا أن هذا القول مردود، ذلك أنه حقيقة أن الحق المقيد احتياطيا لم يكن سوى محتملا أو مفترض الوجود، إلا أن اعتراف القضاء بهذا الحق أو واقعة استكمال عناصره الشكلية والجوهرية المتطلبة قانونا لا ينشآنه في الواقع ولا يقرران أي وضعية قانونية جديدة فهما لا يصرحان ولا يعترفان سوى بواقع كان موجودا لكن منازع فيه، ذلك أن الحق المقيد احتياطيا والمنازع فيه كان ناشئا من قبل بوصفه التزاما أو حقا شخصيا يمنح الدائن حق المطالبة بتقييده النهائي وبمجرد توافق إرادة الطرفين، إلا أنه أصبح موضوع نزاع حين أراد الطرفان إتمام الشكليات القانونية التي يتطلبها إثبات هذا الحق وتحويله إلى حق قابل للتقييد النهائي، وتحويله بالتالي إلى حق عيني مع تماطل أحد الطرفين في إتمام هذه الإجراءات، أو لسبب آخر.
وهكذا يتبين أن رجعية التقييد الاحتياطي مطلقة وليست نسبية وذلك رغم أن التقييد النهائي لا يؤرخ بتاريخ التقييد الاحتياطي، ورغم أن الحق المقيد احتياطيا لا يصير عينيا عقاريا إلا من يوم تقييده نهائيا، وعلى هذا الأساس فإنه يحق لصاحب التقييد الاحتياطي الذي استطاع أن يحصل على التقييد النهائي لكل هذا الحق سواء بعد اعتراف القضاء به أو بعد استكماله شروطه القانونية أو بعد رفع العائق من التقييد أن يطلب غلة العقار موضوع حقه وثماره المدنية والطبيعية والصناعية التي أنتجها من تاريخ التقييد الاحتياطي، وكذا المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقته من جراء حرمانه من الانتفاع من تلك المنتجات ابتداء من نفس التاريخ، وبصفة عامة يحق له المطالبة بكل ما يخوله له القانون من حقوق وتعويضات ابتداء من نفس التاريخ.
المطلب الثاني: آثار التقييد الاحتياطي على الحقوق
ترتيبا على الفصل 85 من قانون 07-14 تتجلى آثار التقييد الاحتياطي في إعطاء الأفضلية للحق المقيد احتياطيا على باقي الحقوق اللاحقة المقيدة بعد التقييد الاحتياطي المذكور، لكن قبل تقييد هذا الحق نهائيا، فقد سبق القول أن رجعية التقييد الاحتياطي مطلقة وبأن مصير الحقوق اللاحقة له التشطيب إذا اعترف القضاء بالحق المقيد احتياطيا أو إذا ما استعمل الحق كل شروطه القانونية أو أخيرا إذا ما رفع العائق من التقييد بصفة عامة، ولتكون هنالك أفضلية الحق المقيد احتياطيا على الحقوق اللاحقة له فإنه يجب أن يكون هناك إقرار بإمكانية اتخاذ تقييدات نهائية لاحقة للتقييد الاحتياطي، وهذا ما يستدعي طرح هذه الإشكالية وتبيان آثار التقييد الاحتياطي على سير التقييدات في فقرة أولى وآثاره على تعيين نقطة الانطلاق بالنسبة لأجل ممارسة حق الشفعة في فقرة ثانية.
الفقرة الأولى: آثار التقييد الاحتياطي على سير التقييدات
القاعدة العامة هي أن التقييد الاحتياطي لا يوقف سير التقييدات النهائية اللاحقة له إلا في حالة واحدة ورد النص عليها في الفصل 86 فقرة أولى من قانون 07-14 وهي حالة التقييد الاحتياطي بموجب سند، حيث يقضي بأنه خلال العشرة أيام التي يجب أن يصحح فيها التقييد الاحتياطي المتخذ بمقتضى سند فإنه لا يمكن طلب اتخاذ أي تقييد آخر برضاء الأطراف، وأثر توقيف سير التقييدات هذا الناتج عن الفصل 86 المذكور لا يتعدى عشرة أيام فإذا ما امتد مفعول التقييد الاحتياطي المتخذ بموجب سند إلى أكثر من عشرة أيام بواسطة أمر من رئيس المحكمة الابتدائية أو بموجب مقال افتتاحي للدعوى فإن سير التقييدات يجب أن يعود إلى حالته الطبيعية ابتداء من اليوم الحادي عشر، وبالتالي يرتفع المنع المفروض في هذه الحالة.
وهكذا ففيما عدا الاستثناء المذكور فإنه يمكن تقييد كل الحقوق القابلة للتقييد النهائي رغم وجود التقييد الاحتياطي، وتجب الإشارة إلى أن المالك المقيد قبل اتخاذ التقييد الاحتياطي لا يفقد حقه في التصرف بالعقار المعني بالأمر وإنما ابتداء من إجراء التقييد الاحتياطي بالرسم العقاري تفقد كل التصرفات التي يبرمها هذا المالك وكل الحقوق التي ينشئها أو ينقلها أو يسقطها حجيتها في مواجهة المستفيد من التقييد الاحتياطي.
وبالتالي تظل كل الحقوق المقيدة بعد هذا التقييد الاحتياطي قابلة للتشطيب عليها بحسب المصير الذي سيخصص للحق المطالب به من طرف صاحب التقييد الاحتياطي، بحيث تبقى بمثابة تقييدات مؤقتة فإذا اعترف بالحق المطالب به فإنه سيقع التشطيب على التقييدات اللاحقة للتقييد الاحتياطي، ولا تبقى هناك إلا علاقة دائنية بين الأطراف الأخرى المعنية، أما إذا لم يعترف بالحق المطالب به فإنه سيشطب على التقييد الاحتياطي وتصبح التقييدات اللاحقة له نهائية لا جدال فيها.
وتجدر الإشارة إلى أن التبليغ الحاصل للمحافظ على الأملاك العقارية والرهون في شأن الإنذار بإلقاء الحجز العقاري أو بقرار الحجز التحفظي أو بمحضر الحجز التنفيذي أو كذا بمحضر التدخل في الحجز التنفيذي وإثباته بالرسم العقاري المعني بالأمر لا يقف عائقا أبدا في وجه إجراء التقييد الاحتياطي، فتوقيف سير التقييدات الذي يقتضيه الفصل 87 من قانون 07-14 لا يتعلق سوى بالتقييدات النهائية أما بالنسبة للتقييد الاحتياطي فإن وظيفته تحفظية، وبالتالي فإن اتخاذه لا يمس أبدا بقاعدة سير التقييدات المنصوص عليها في الفصل 87 المذكور.
على أن ثمة ملاحظة هامة يجب إبداؤها، هي أن وقف سير التقييدات عملا بالفصل السابق الذكر ينطبق على التقييد الاحتياطي المتخذ بموجب سند، حيث أن هذا التقييد الاحتياطي كما سبق يعتبر إجراء رضائيا أو اتفاقيا أي لا يمكن اتخاذه بدون رضى الأطراف المعنية وبدون الإدلاء بنظير الرسم العقاري موضوع الاتفاق، وأن آثاره تستمر لمدة عشرة أيام فقط حيث يجب أن يتخذ التقييد النهائي خلالها.
كما يمكن تمديد هذه المدة بمقتضى أمر من رئيس المحكمة الابتدائية أو بموجب مقال الدعوى مباشرة، وهكذا فإنه لا يمكن اتخاذ أي تقييد احتياطي بمقتضى سند في حالة وجود إنذار بإلقاء حجز عقاري أو حجز تحفظي أو حجز تنفيذي، وذلك نظرا للآثار القانونية لوقف سير التقييدات التي أنتجها الحجز وعملا بالفصل 86 من القانون السابق الذكر، ونظرا كذلك لكون مدة التقييد الاحتياطي المتخذ بمقتضى سند هي مدة قصيرة جدا بحيث يمكن أن يرفع الحجز خلالها ويصبح الحق المقيد احتياطيا بمقتضى السند غير قابل للتقييد النهائي رغم استكماله كل شروطه القانونية الجوهرية منها والشكلية ورغم وظيفته التحفظية للتقييد الاحتياطي.
أما بالنسبة للتقييد الاحتياطي المتخذ بمقتضى أمر من رئيس المحكمة الابتدائية أو بمقتضى مقال افتتاحي للدعوى فإن المنع المنصوص عليه في الفصل 87 المذكور لا يقف عائقا دون اتخاذها بالمرة وذلك لكونهما تقييدين احتياطيين غير اتفاقيين، ويمكن رفع الحجز خلال هذه المدة وبذلك يمكن أن يقوم هذا التقييد الاحتياطي بوظيفته في الحفاظ المؤقت على الحق المقيد احتياطيا، بشرط أن يكون الحق المتنازع فيه غير قابل للتقييد النهائي لسبب من الأسباب يكون قد أنشئ قبل إيقاع الحجز.
وفي ختام هذا الجزء من البحث لابد من الإشارة إلى أن القضاء قد أكد مبدأ وقف سير التقييدات التي ينص عليه في الفصل 87 من القانون المذكور وحصرها في التقييدات النهائية كما يبدو في القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 6/10/1936 المنشور بمجموعة قرارات لحكم الاستئناف 3/11/36 عدد 1712 ص 69 الذي جاء فيه : “بغض النظر عن الأثر الرجعي للحكم القاضي بالقسمة، فإنه لا يمكن تقييد هذا الحكم بالسجلات العقارية في الوقت الذي أثبت بها مسبقا بيان إنذار قصد إلقاء الحجز العقاري، وأن مقتضيات الفصل 87 هي آمرة.
وفي قرار صادر عن محكمة النقض الفرنسية[8] بتاريخ 7/5/35 قرر بأن طلب تقييد حق الشياع بالرسم العقاري الذي لم يضمن قبل اتخاذ الحجز قد ضمن بالرسم العقاري بطريقة قانونية قبل اتخاذ التقييد الاحتياطي من طرف الشريط المزعوم.
المطلب الثالث: آثار التقييد الاحتياطي على تعيين
نقطة آجال ممارسة حق الشفعة
يطرح التقييد الاحتياطي إشكالية تحديد الأجل الذي يبتدئ منه حق الشفعة خاصة حينما يجب ممارسة هذا الحق داخل أجل سنة من تاريخ تقييد البيع بالرسم العقاري عملا بالفصل 304 من قانون 08-39 المتعلق بمدونة الحقوق العينية، أي في حالة عدم تبليغ البيع للشركاء الآخرين أو عدم حضورهم مجلس العقد، فهل سيبتدئ أجل ممارسة حق الشفعة من تاريخ التقييد النهائي للحق المشترى من طرف الغير أو من تاريخ التقييد الاحتياطي المتخذ مسبقا للحفاظ على هذا الحق.
ولقد اعتبرت بعض المحاكم بأن تاريخ التقييد النهائي لبيع الحصة المشاعة لفائدة الغير هو الذي يكون وحده نقطة الانطلاق بالنسبة لسريان أجل ممارسة الشفعة.
أن التقييد الاحتياطي السابق للحق المطالب به من طرف المشتري الغير لم يكن له أي أثر على نقطة الانطلاق هاته فهو لا يصحح هذا الحق ولا يمنحه أي وجود لا قانوني ولا فعلي، بينما محاكم أخرى اتجهت عكس ذلك وذهبت إلى أن أجل السنة لممارسة حق الشفعة يسرى من تاريخ التقييد الاحتياطي تطبيقا للفصل 85 من قانون 07-14 والذي يعطي للتقييد النهائي آثرا رجعيا يعود به إلى تاريخ التقييد الاحتياطي، واعتبر تاريخ إجرائه منطلقا لسريان أجل الشفعة في قراره الصادر بغرفتين تحت عدد 929 تاريخ 22/3/2006 في الملف المدني عدد 744/1/4/01[9] الذي نعى فيه على القرار الاستئنافي عدد 2056 الصادر بتاريخ 20/3/97 في الملف رقم 3308/93 خرقه الفصل 85 من ظهير 12/8/، حينها علل قضاءه بتأييد الحكم الابتدائي القاضي باستحقاق الشفعة في عقار محفظ، بأن التقييد الاحتياطي ما هو إلا إجراء لضمان رتبة حقوق محتملة لا تسري من تاريخ إجرائه مدة الأخذ بالشفعة، لأن هذه الأخيرة لا تؤخذ من حق لازال في طور الاحتمال رغم أن الفصل 85 المذكور ينص صراحة على أنه يمكن لكل من يدع حقا في عقار محفظ أن يطلب تقييدا احتياطيا قصد الاحتفاظ المؤقت بهذا الحق، هذا وأن تاريخ التقييد الاحتياطي هو الذي يعتبر لتعيين رتبة التسجيل اللاحق للحق.
وبمقتضى الفصل 299 من مدونة الحقوق العينية فإنه إذا تعدد البيع في الحصة المشاعة فلشفيع أن يمارس حق الشفعة داخل الأجل على أي بيع شاء بالثمن الذي وقع به البيع، ويترتب على ذلك بطلان البيوع اللاحقة، إلا أنه إذا كان العقار موضوع البيع محفظا فإن الحصة المشفوعة لا تؤخذ إلا من يد المشتري الذي قيد شراءه بالرسم العقاري.
المطلب الرابع: آثار التقييد الاحتياطي على الأشخاص
ينتج التقييد الاحتياطي آثارا قانونية جد هامة في مواجهة الأشخاص المالكين للحقوق على العقارات المحفظة وذلك سواء كانوا مالكين مقيدين بالسجلات كأصحاب حقوق قبل التقييد الاحتياطي بوصفهم أطرافا في علاقة التزامية متنازع بشأنها أو مدعى عليهم بهدف إسقاط حقوقهم، أو سواء كانوا هم المستفيدون من التقييد الاحتياطي أنفسهم ولو بوصفهم حائزين أو كذلك سواء كانوا مالكين لحقوق مقيدة لاحقا وبعد التقييد الاحتياطي.
الفقرة الأولى: الأشخاص الذي يحق لهم الاستفادة من التقييد الاحتياطي
عملا بالفصل 85 من قانون 07-14 فإن كل صاحب حق قابل للتقييد النهائي تعذر عليه تقييده فورا له أن يطلب تقييده احتياطيا شرط أن يكون حقه متصلا من المالك المقيد بالرسم العقاري صاحب التقييد السابق مباشرة، وذلك عملا بمقتضيات الفصل 28 من القرار الوزيري المؤرخ في 3/6/1915.
وإذا تعلق الأمر بنزاع يعرض على القضاء فيجب أن تتضمن الدعوى كل أصحاب الحقوق المتسلسلة بإدخالهم فيها وصولا إلى صاحب آخر تقييد مضمن بالسجل العقاري.
وفي نفس السياق، فإن كل دعوى ترفع أمام القضاء في إطار الفصل 91 من قانون 07-14 في شأن التشطيب على حق مقيد أو حدث تعلق به يجب أن ترفع في مواجهة الأشخاص المقيدين كمالكين أصحاب التقييد السابق مباشرة أو إدخال كل الأشخاص المعنيين بالتقييدات المتسلسلة والمعنية بالدعاوى، وذلك من أجل أن يشملهم الحكم الذي سيصدر في مواجهتهم جميعا وحتى لا يستفيدوا من وصف الأشخاص حسني النية والمقيدين بالرسوم العقارية، وبالتالي حتى لا يستفيدوا من القوة الثبوتية المطلقة التي يمنحها القانون للأشخاص الأغيار المقيدين عن حسن نية.
وبالطبع وللاستفادة من الآثار الهامة والفعالة للتقييد الاحتياطي، وخاصة في عدم تطبيق الآثار الأساسية للتقييدات النهائية، فإنه ينبغي على الأشخاص المقيمين للدعاوى المرتبطة بالحقوق المقيدة بالسجلات العقارية من أجل التشطيب عليها أن يتخذوا تقييدات احتياطية لهذه الدعاوى عملا بالفصل 202 من ظهير 2/6/1915.
وعلاقة بموضوع البحث لا بد من الإشارة إلى آثار التقييد الاحتياطي على الحائز بدون سند، وهل يمكن رفع دعوى الطرد ضده أمام قضاء المستعجلات في حالة غياب التقييد الاحتياطي؟
فعلى مستوى الاجتهاد القضائي القار فإنه من المقبول قانونا أن قاضي المستعجلات مختص للأمر بطرد حائز العقار المحفظ دون أن يكون مقيدا به وذلك بمقتضى القوة الثبوتية للتقيدات والحجة العامة المنصوص عليها في الفصل 62 و65 وما بعده من قانون 07-14.
وهذا منطقي حيث إنه في غياب التقييد الاحتياطي فإنه لا يمكن اعتبار واضع اليد سوى حائز بدون سند، بالإضافة إلى أن الحيازة ولو طالت لا تكتسب الملك في العقار المحفظ عملا بالفصل 63 من قانون 07-14.
إلا أن الأمر يكون مختلفا في حالة ما إذا اتخذ شخص ما يدعي شراءه للعقار المحفظ من مالكه أو تلقيه منه على سبيل الهبة أو الصدقة مثلا تقييدا احتياطيا لحقه هذا.
حيث تردد الاجتهاد القضائي في الحل الذي يجب إعطاؤه لمثل هذه النوازل، وهل يمكن لقاضي المستعجلات رغم وجود التقييد الاحتياطي مختصا بطرد الحائز؟ وهل يحق له أن يعتبر الحائز في هذه الحالة بدون سند؟
جاء في قرار صادر عن محكمة النقض بتاريخ 27/5/2007 تحت عدد 48[10] : “أنه لئن كان من آثار التقييد الاحتياطي المنصوص عليه في الفصل 85 من ظهير 12/8/1913 الاحتفاظ مستقبلا بتقييد الحقوق المدعاة بالرسم العقاري وصيانتها، إلا أن إقرار هاته الحقوق نهائيا منوط بنتيجة الدعوى المقدمة لهذا الغرض، وإنه في انتظار هذه النتيجة فإن المعول عليه هو الرسم العقاري الذي لا ذكر فيه لتقييد هذه الحقوق”.
وهكذا فإن محكمة النقض في قرارها المذكور تكون قد أكدت القوة الثبوتية لرسوم الملكية وحجيتها، وفي نفس الوقت سلمت باختصاص قاضي المستعجلات بطرد الحائز، وبأن التقييد الاحتياطي لا يمكن أن يناقض الرسم العقاري وأن التقييد النهائي الجديد هو وحده الذي يكون فاصلا.
والواقع أنه لما كانت وظيفة التقييد الاحتياطي هي الحفظ المؤقت على الحق المطالب به من طرف صاحبه وفي مواجهة المالك المقيد بالرسم العقاري صاحب التقييد السابق مباشرة خوفا من أن يصدر منه تصرف ثان يضيع على المستفيد من التقييد الاحتياطي حقه العقاري العيني بالمرة، وحتى تنظر المحكمة في المسألة وتحسم في النزاع القائم يبدو أن حرمان الحائز من حيازته متناقض تماما مع وظيفة الصيانة التي يقوم بها التقييد الاحتياطي.
حيث يجب في الوقت نفسه الذي يحتفظ فيه التقييد الاحتياطي برتبة التقييد النهائي للحق المقيد احتياطيا أن يكون من آثاره أيضا الحفاظ المؤقت على أحكام الحيازة.
فخلافا للمتصرف إليه الذي تقاعس عن تقييد حقه تقييدا نهائيا ويستظهر فقط بالعقد الذي يستند إليه فإن المستفيد من التقييد الاحتياطي الحائز لعقار محفظ يطالب بحقه مستعملا الإطار القانوني المخصص له فهو في وضع أقوى من الشخص الأول وإلا فما الفائدة من التقييد الاحتياطي إن لم يكن بإمكانه الحفاظ على الحقوق المدعاة والمقيدة احتياطيا في مواجهة المالك المقيد.
خاصة وأن هذه الحقوق هي مدعمة بحيازة العقار وأن الدعوى في الجوهر جارية أمام قضاء الموضوع، وهذا ما أكده وأيدته محكمة النقض في قرارها عدد 1940 الصادر لاحقا حيث جاء فيه: “أنه لما قضى القرار المطعون فيه بطرد الطاعن من العقار موضوع النزاع اعتمادا على أن هذا العقار لازال مسجلا في اسم المدعين الذين يعتبرون بذلك المالكين له ورفض اعتبار ما ثبت للطاعن من حقوق ناشئة عن اتفاقاته العقدية مع المدعين، يكون قد طبق الفصل 67 المشار إليه تطبيقا سيئا وأهمل مقتضى فقرته الأخيرة المانعة من الإضرار بحقوق الأطراف بعضهم على بعض والمترتبة عن اتفاقاتهم التعاقدية مما يعرضه لنقض[11].
الفقرة الثانية: الأشخاص الذين يحتج ضدهم بالتقييد الاحتياطي
ينتج التقييد الاحتياطي كالتقييد النهائي آثاره إزاء الكافة سواء فيما بين الأطراف أو في مواجهة الغير بمقتضى الأثر المطلق للتقييد الذي يهيمن على نظام التحفيظ العقاري المغربي، إلا أن الفصل 202 من ظهير 2/6/15 لم يعرض آثار الدعوى إلا في مواجهة الغير، وهذا طبيعي حيث تسري آثار الدعوى فيما بين الأطراف تلقائيا دونما حاجة إلى الالتجاء إلى التقييد الاحتياطي من جهة أخرى، فإن التقييد الاحتياطي ينتج آثاره في مواجهة أولئك الذين توجد لهم حقوق لاحقة له أي أولئك الذين يتخذون تقييدات نهائية لاحقة له بغض النظر عن تاريخ الاتفاق أو الحكم المستند إليه في التقييد النهائي،كما أن التقييد الاحتياطي ينتج آثاره في مواجهة المالك المقيد صاحب التقييد السابق مباشرة إلا أنه لا يحتج به في مواجهة مالكي الحقوق السابقة لحق هذا المالك المقيد صاحب التقييد السابق مباشرة سوى في حالة المطالبة بالتشطيب على حقوقهم وشريطة إدخالهم في الدعوى.
وهكذا يمكن تصنيف الأشخاص الذين يحتج بالتقييد الاحتياطي في مواجهتهم على صنفين، أولهما حقوق مقيدة مباشرة قبل التقييد الاحتياطي، وثانيهما أصحاب الحقوق المقيدة بعد التقييد الاحتياطي.
1 : المالك المقيد مباشرة قبل التقييد الاحتياطي
تبعا لمبدأ تسلسل واستمرارية التقييدات النهائية، فإنه يجب لكي يقيد أي حق من الحقوق الواجبة التقييد بالسجلات العقارية تقييدا نهائيا، أن يكون هذا الحق المعني بالأمر مأخوذا مباشرة من المالك المقيد صاحب التقييد النهائي السابق مباشرة، وسبق أن التقييد النهائي للحق قد يتعذر مما جعل المشرع يقر بالتقييد الاحتياطي لحماية هذا الحق، والذي ولو كان احتياطيا فإنه يجب أن يأخذ مباشرة أو بكيفية غير مباشرة من المالك المقيد صاحب التقييد السابق مع ضرورة تسلسل الانتقالات إن وجدت وتعددت.
وهكذا فأول شخص يحتج بالتقييد الاحتياطي في مواجهته هو المالك المقيد صاحب التقييد النهائي السابق مباشرة، وهذا الحكم طبيعي لأنه من جهة أولى يكون هذا الأخير هو مصدر الحق الذي يدعيه المستفيد من التقييد الاحتياطي، ومن جهة أخرى فإنه في نظر القانون يعتبر هو المالك للعقار، وبهذه الصفة يظل حرا في التصرف في عقاره، وأن هذا التصرف يمكن أن يضمن بالرسم العقاري كما سبق ولو مع وجود التقييد الاحتياطي، سوى في حالة التقييد الاحتياطي بموجب سند، وحماية للمستفيد من التقييد الاحتياطي من تقييد مثل هذا التصرف وجب التقييد الاحتياطي، وكان من نتائجه الاحتجاج به في مواجهة المالك المقيد صاحب التقييد السابق مباشرة، وضد أي تصرف كان قد يصدر منه سواء بحسن نية أو سوء نية، إلا أن التقييد الاحتياطي لا ينتج أي أثر في مواجهة أصحاب الحقوق المقيدة قبل تقييد المالك صاحب التقييد السابق مباشرة، سوى إذا كان موضوع هذا التقييد الاحتياطي هو المطالبة بالتشطيب على حقوقهم بسبب ترابطها والادعاء بتواطؤ أصحابها أو بتدليسهم أو تزويرهم أو مشاركتهم في تزوير المستندات المعتمد عليها في إجراء التقييد النهائي لحقوقهم، أو لأي سبب آخر من الأسباب القانونية الموجبة لبطلان حقوقهم أو إبطالها، وبالتالي التشطيب عليها من السجلات العقارية.
وليكون التقييد الاحتياطي فاعلا في مواجهة هؤلاء ينبغي إدخالهم في الدعوى المرفوعة أمام القضاء من جهة، وأن يقيم المستفيد من التقييد الاحتياطي الدليل على تواطئهم وتدليسهم حتى يتمكن من هدم القوة الثبوتية المطلقة التي تنتجها التقييدات النهائية لحقوقهم.
هذا وكنتيجة هامة لآثار التقييد الاحتياطي في مواجهة المالك المقيد صاحب التقييد النهائي السابق مباشرة أو في مواجهة أصحاب الحقوق الأخرى المقيدة قبله فإن هؤلاء جميعا سواء بوصفهم أطرافا في الالتزامات التعاقدية التي تربطهم أو بوصفهم أطرافا في الدعوى أو الدعاوي المقامة في مواجهتهم كمدعى عليهم يظلون ملزمين برد ما دفع من ثمن ومصروفات العقد والتعويض عن الأضرار اللاحقة بهم إن اقتضى الحال ذلك، وذلك في حالة تحول التقييد الاحتياطي إلى التقييد النهائي أو التشطيب على التقييد المطلوب.
2 – أصحاب الحقوق المقيدة بعد التقييد الاحتياطي
إن أول أثر ينتجه التقييد الاحتياطي في مواجهة أصحاب الحقوق المقيدة بعده هو عدم اعتبارهم أغيارا مقيدين عن حسن نية، فهو ينذر هؤلاء بوجود حق مقيد احتياطيا يمكن أن يتحول إلى حق يقيد تقييدا نهائيا، وبالتالي فإنه لا يمكن لهؤلاء التنصل من آثاره.
أما الأثر الثاني للتقييد الاحتياطي في هذه الحالة هو نتيجة للأثر الأول ويتجلى في التشطيب على تقييد حقوق الأشخاص المذكورين في حالة توصل الحق المقيد احتياطيا إلى أن يتحول إلى تقييد نهائي وقبولهم لذلك نظرا لعلمهم بوجوده وتحملهم نتائجه.
هذا وتجدر الإشارة في الأخير إلى أن هذه الآثار لا تتعلق فقط بالحقوق بل أيضا حتى بالإجراءات التحفظية الأخرى من حجوز ولو كانت تنفيذية، وتقييدات احتياطية أخرى لاحقة له حتى يكون مصيرها أيضا التشطيب في حالة تحقيق التقييد الاحتياطي لآثاره الإيجابية.
يخلص مما سبق أن التقييد الاحتياطي ليس فقط إجراء مؤقت للحفاظ على الحقوق غير القابلة للتقييد النهائي، لكنه إجراء فعال في إشهار الحقوق، إذ ينبئ بأن هنالك حقوقا قد ترتب على العقار إلا أنها إما في طور التأسيس أو النشر وإما في حالة انتظار محكمة القضاء.
على أن ثمة ملاحظة هامة يجب ذكرها فإنه لكي ينتج التقييد الاحتياطي آثاره السابقة يجب أن تكون هذه الآثار محددة وموحدة مع موضوعه، وذلك يستلزم تطابق المستندات المعتمد عليها في التقييد الاحتياطي مع تلك المؤسس عليها التقييد الاحتياطي لحق المقيد احتياطيا سواء كانت عبارة عن عقود واتفاقات أو عن مقالات الدعوى وأحكام قضائية مكتسبة لقوة الشيء المقضى به.
وبالتالي فإنه لا يمكن تحويل هذا الموضوع أو إضافة واقعة أخرى إليه إلا بتمديد مفعوله بواسطة دعوى قضائية تضمن بالرسم العقاري أو بإصلاح أو تمديد موضوع الدعوى القضائية المثبتة بهذا الرسم العقاري.
[1] – حسن فتوح: التقييد الاحتياطي وعلاقته بالحجوز والإنذارات العقارية، الطبعة الأولى 2008
ص 15.
[2] – قانون 14.07 المنفذ بظهير شريف رقم 177-11-7 صادر في 25 من ذي الحجة 1332 (22 نونبر 2001) والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 24 نونبر 2011 يتمم ظهير 12 غشت 1913.
[3]- وهذا الرأي تبنته محكمة الاستئناف بالرباط في قراريها الصادرين بتاريخي 5/9/1931 و29/5/1964 المنشورين في مجموعة قرارات محكمة الاستئناف بالرباط 1930-1933 ص 165.
[4]- إذ أن التقييد الاحتياطي يحافظ مؤقتا على الحق المحتمل خاصة في مواجهة الغير الذين يقدمون للمحافظ على الأملاك العقارية والرهون عقودا قصد تقييدها بنفس الرسم العقاري ويكون بإمكان هؤلاء الغير إذا ما خشوا أن يعترف القضاء بالحق المقيد احتياطيا فتضيع حقوقهم أن يطلبوا لهم أنفسهم تقييدات احتياطية لمصلحتهم، وهذا جائز بحيث إن تقييدا احتياطيا بعد تقييد احتياطي جائز ويكون له أثره وقيمته، وفي هذه المرحلة يمكن للتقييد الاحتياطي أن يعرقل حرية التصرف بهذا الملك إذ قد لا يجرؤ الشخص مثلا على شراء ملك موضوع تقييدات متعاقبة خوفا من المصير الذي سيؤول إليه هذا الملك من جراء الأحكام القضائية التي ستصدر في الموضوع باستثناء حالة التقييد الاحتياطي المتخذ بناء على سند، فإن التقييد الاحتياطي لا يوقف سير التقييدات لعدم وجود نص قانوني خاص يعطي للتقييد الاحتياطي أثر إيقاف سير التقييدات.
[5] – كان ينص عليها الفصل 6 من ظهير فاتح يونيو 1915 بشأن المقتضيات الانتقالية.
[6]- على أن أثر التقييد الاحتياطي في حالة الوعد بالبيع يرجع في تعيين رتبة تسجيل عقد البيع لا لتاريخ التقييد الاحتياطي للوعد بالبيع بل لتاريخ انعقاد البيع إذ عندها اكتملت عناصر البيع الذي من شأنه أن يرتب نقل ملكية العقار إلى المشتري.
[7] – قرار محكمة الاستئناف بالرباط الصادر بتاريخ 20/2/51 منشور بمجلة محاكم المغرب 1951
ص 132.
[8]- منشور بمجموعة قرارات محكمة النقض 7/5/35 عدد 1501 ص .7
[9]- منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 67 ص 412.
[10]- منشور مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 29.
[11]- قضاء المجلس الأعلى عدد 53-54 ص 55.
مقارنة بين الفقه والقانون من حيث الحيازة – المغرب