وسنستعرض في هذا المطلب بإيجاز موقف المشرع الاردني في فرع أول وأثار سن الزواج القانونية في فرع ثان .
الفرع الاول
موقف المشرع الاردني
يعتبر المشرع الأردني من أوائل المشرعين الذين وضعوا سناً معينة لا يجوز الزواج قبلها حيث ورد في قانون العائلة الأردني المرقم 114 لسنة 1927 وفي المادة الثالثة منه من الفصل الثاني ” يشترط في أهلية النكاح أن يكون سن الخاطب والمخطوبة ست عشرة سنة ” .([1])
وجاء في قانون حقوق العائلة ( الرقم 26 لسنة 1947) المؤقت [2] في مادته الثالثة ( يشترط في اْهلية النكاح اْن يتم كل من الخاطب والمخطوبة الخامسة عشرة من عمره وللقاضي حق تزويج البكر والثيب التي اْتمت الثامنة عشرة من عمرها من الكفوء حال عضل الولي وأمتناعه عن تزويجها وذلك بعد طلبها.)
وفي قانون حقوق العائلة رقم 92 لسنة 1954 تم رفع سن الزواج أو ما سماها القانون (اهلية النكاح) إلى سن الثامنة عشر في الذكور وسبع عشرة سنة في الإنثى واعطى للقاضي أن يأذن لمن أكمل الخامسة عشرة منهما بالزواج مع اشتراط رضا وليها .([3])
أما القانون رقم 61 لسنة 1976 (قانون الاحوال الشخصية) . فإنه أخذ بحكم مماثل وإن غير بعض الصيغ عما سبقه . فبقي الأصل أن يشترط أتمام الثامنة عشرة سنة للطرفين مع جواز أن يأذن القاضي لهما إذا ما كان في مثل هذا الزواج مصلحة ، ولم يترك المشرع تقرير المصلحة للسلطة التقديرية للقاضي فقط بل ربط أن تحدد أسسها بمقتضى تعليمات يصدرها قاضي القضاة لهذه الغاية . أي أن تكون هناك أسس موضوعية يتقيد بها القاضي في هذا المجال .
اما القانون النافذ (رقم 36 لسنة 2010) ، فإنه أبقى على الأصل العام الذي هو إتمام الثامن عشرة سنة شمسية من عمره ، (م/10/أ ) وأبقى الأستثناء لمن يتم الخامسة عشرة سنة من عمره وقد وردت المادة العاشرة بهذا الشكل :
” أ- يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وأن يتم كل منهما ثمانية عشرة سنة شمسية من عمره .
ب- على الرغم مما ورد في الفقرة أ من هذه المادة يجوز للقاضي وبموافقة قاضي القضاة أن يأذن في حالات خاصة يزواج من أكمل الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره وفقاً لتعليمات يصدرها لهذه الغاية إذا كان في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة ويكتسب من تزوج وفق ذلك أهلية كاملة في كل ماله من علاقة بالزواج والفرقة وأثارهما ” .
ورغم تأييدنا لما جاء به قانون الأحوال الشخصية الأردني في مادته العاشرة من حكم إلا أن هناك بعض النقد يمكن أن يوجه ألى صياغة هذه المادة مثل :
1- ورد لفظ (من عمره) مرتين في النص وهو لفظ زائد على الصياغة ويعتبر من حسن صياغة النص القانوني الاختصار فيه على أقل عدد من الكلمات التي تؤدي المعنى وبشكل جامع مانع .
2- الألتباس الحاصل في اصدار الموافقة وأصدار التعليمات فالنص القديم في قانون 1976 كان يوضح بصورة جلية أن الأذن يصدر من القاضي والتعليمات التي توضح (المصلحة) تصدر من قاضي القضاة .
أما النص الجديد (قانون 2010) فإنه ربط الأمر بإصدار تعليمات من قاضي القضاة وكذلك حصول الأذن لكل حالة من سماحة قاضي القضاة ، والذي سيصدر تعليمات لنفسه ليلتزم بها ، بينما التعليمات تصدر من الأعلى إلى الأدنى ليلتزم بها .
3- كان النص القديم قد قصر حالة الأستثناء على المصلحة التي تحدد ضوابطها من قبل سماحة قاضي القضاة بينما القانون الجديد جاء بتعبير (ضرورة تقتضيها المصلحة) مما يشكل التباساً بين مفهومي الضرورة والمصلحة ، وكيفية الأرتباط بينهما . فكانت صياغة النص السابق أكثر وضوحاً في هذا الأمر .
4- أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم لغير القانون، وهذا ما نص عليه الدستور لذا فكان الأولى أن تعطى هذه الصلاحية للقاضي يستعملها وفقا ً لسلطته التقديرية . وهذا ما أخذت به بعض القوانين .بدون تعليمات لا ترقى الى مستو النص القانوني ،مع فائق تقديرنا للمكانة التي يمثلها سماحة قاضي القضاة.
5- عبارة (وأن يتم كل منهما ثمانية عشرة سنة) واعتقد أن الأصح لغة ( وأن يتم كل منهما ثماني عشرة سنة ) .
6- عبارة ( على الرغم مما ورد في الفقرة أ ) وهي عبارة أريد بها وضع استثناء على عموم الحكم الوارد في الفقرة ( أ ) وقد جاءت بصورة غير سلسة وكان يمكن الأستغناء عنها بتعبير مثل ( ويجوز لمن أتم ….التقدم بطلب الى . . ) .
ورغم الأعتراضات الشكلية على صياغة هذه المادة إلا أننا نتفق مع الحكم الوارد فيها والذي أختار من الفقه الأسلامي الموقف الذي يعد أكثر توافقاً مع روح العصر وحاجات المجتمع الأردني . وأعتقد أن هذا الحكم لا يحتاج التبرير الذي احتاجه الفقه المصري سابق الذكر من القول بحق الامام في تحديد الدعاوى أو تقييد المباح . لأنه متفق مع توجهات تيار أصيل في الفقه الاسلامي يرى وجوب تحديد سن للزواج لمنع زواج الصغار.
[1] أنظر نص القانون على موقع تشريعات أردنية . www.lob.gov.jo
[2] منشور على موقع تشريعات أردنية /www.lob.gov.jo
[3] م4 من القانون رقم 91 لسنة 1954 (قانون حقوق العائلة)