هكذا تعاهدت شعوب العالم في منتصف السبعينات وضمنت عهدها في وثيقة دولية سميت بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ، هكذا نصت المادة 11 منها وقد صادق عليها السودان في 18 مارس 1986م .
رغم ان المعاهدة لاحقة للقانون وانه بحسب قاعدة تنازع القوانين فان السيادة تكون للمعاهدة لانها جاءت لاحقة لازال المدين في الالتزامات التعاقدية يحبس لحين السداد .
(لكل شخص حرم من حريته بالتوقيف أو الاعتقال حق الرجوع إلى محكمة لكي تفصل هذه المحكمة دون إبطاء في قانونية اعتقاله، وتأمر بالإفراج عنه إذا كان الاعتقال غير قانوني).
اراهن ان هذا النص لم يكن حاضرا في مداولات البرلمان حين اجاز قانون الامن الوطني وأجاز حبس المواطنين لفترات طويلة . لاحقا اصدر مدير جهاز الامن لائحة منح نفسه فيها حق النظر في قانونية الاعتقال !
(لكل شخص كان ضحية توقيف أو اعتقال غير قانوني حق في الحصول على تعويض).
عندما يتأخر اطلاق سراح المحكومين الذين اكملوا فترة محكوميتهم لعدة أشهر ، وعندما يتراخي موظفو المحكمة في ارسال أمر اطلاق السراح لعدم وجود أحد قرابته لمتابعة الاجراءات ، وعندما يتم حبس المتهمين لفترات طويلة تمتد لاكثر من عام بحجة التحريات ويتبين انهم ابرياء بحكم قضائي ، وعندما يقوم رجل الشرطة القضائية بالابقاء علي المتهم الذي اعلنت المحكمة للتو براءته وامرت باطلاق سراحه ، حين يبقي حتي نهاية يوم العمل لمساومته علي حريته ، كل هذه حالات لاعتقال غير قانوني يوجب تحمل المتسببين فيها ومخدمهم للتعويض.
المصادقة علي هذه المعاهدات توجب الالتزام بها ، ومراعاة حقوق المواطن الاساسية لكونه انسانا في المقام الأول وإلا فعلينا الانسحاب من هذه المعاهدات بما فيها الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، ثم متي اعلن العالم عن وثيقة جديدة فعلينا ان نتحفظ فورا علي البنود التي تمنح حقوقا نرفض الاعتراف بها للانسان السوداني ، تماما كما رفضنا الانضمام لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) رغم وجود المملكة العربية السعودية بحجمها الديني والسياسي ضمن الموقعين المتحفظين علي بعض البنود (تاريخ الانضمام 2000) .
للتذكير نقول ان المعاهدات الدولية وبمجرد المصادقة عليها تصبح جزء من القانون الوطني حتي لو لم يتم تبني النص بالقانون كما حدث لقانون الطفل وحقوقه ، أما في حالة التعارض بين المعاهدة والقانون فيتم الرجوع اولا للدستور لأن بعض الدساتير تمنح التزامات الدولة الدولية السيادة علي القانون الوطني كما هو الحال في فرنسا ، فاذا جاء الدستور خاليا من هذا النص فيتم النظر لتاريخ المصادقة ، فاذا جاءت المصادقة لاحقة للقانون فيكون هذا بمثابة التعديل ، اما ان جاء القانون لاحقا فما علي القضاء الا تطبيق القانون لأن هذا يعتبر تنصلا من الالتزام الدولي وعليها مواجهة عواقب هذا التنصل .
بقلم المحامي سلمان الطاهر