الاعتقال
الاعتقال detention هو سلب حرية المحكوم عليه به وإلزامه بأعمال أقل مشقة من الأعمال التي يلتزم بها المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة، فهو من العقوبات المانعة للحرية التي تحرم المحكوم عليه به حريته إطلاقاً بإلزامه الإقامة في مكان معين والخضوع فيه لبرنامج يومي إلزامي.
والاعتقال عقوبة جنائية أصلية قديمة يحكم بها في الجرائم السياسية والعادية على السواء، وهذه العقوبة كعقوبة الأشغال الشاقة في الآثار القانونية التي تترتب عليها، فهي تستتبع حتماً، عقوبات فرعية:
ـ عقوبة التجريد المدني أو العسكري إذا كان المحكوم عليه عسكرياً.
ـ عقوبة الحجر القانوني.
وتطبق هاتان العقوبتان في آن واحد مع عقوبة الاعتقال الأصلية من دون الحاجة إلى التصريح بهما في الحكم.
لقد أتى القانون الفرنسي الصادر عام 1810 على عقوبة الاعتقال للحكم بها على مرتكبي الجرائم السياسية عوضاً عن الأشغال الشاقة؛ وذلك للتخفيف عنهم مقدّراً أن جرائمهم هي صورة ـ وإن كانت شاذة ـ للنشاط السياسي وهو في الأصل حق لكل مواطن، ومقدّراً كذلك تجرد بواعثهم من الأنانية وابتعادهم عن الدناءة.
تسربت عقوبة الاعتقال من فرنسة إلى قانون الجزاء العثماني لعام 1858 مع أن المشرع العثماني لا يقبل فكرة العقوبات السياسية، وطبقت في سورية ولبنان أسوة بسائر أقطار الدولة العثمانية، ثم إن اللجنة التي وضعت قانون العقوبات اللبناني الصادر بالمرسوم التشريعي ذي الرقم /340/ والنافذ أول تشرين الأول عام 1944 أخذت بعقوبة الاعتقال بنوعيه المؤبد والمؤقت (المادة 44 عقوبات لبناني). وسار على هذا النهج قانون العقوبات السوري الصادر بموجب المرسوم التشريعي ذي الرقم /148/ لعام 1949 الذي استمد أصوله من روح القانون اللبناني ومن أكثر نصوصه. فقد نص على عقوبة الاعتقال بنوعيه المؤبد والمؤقت عقوبةً تطبق على مرتكبي الجرائم العادية (المادة 37) وعلى مرتكبي الجرائم السياسية (المادة 38). أما قانون العقوبات المصري فإنه استبعد الاعتقال بنوعيه وحدد العقوبات الأصلية للجرائم الجنائية السياسية والعادية بالإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة والأشغال الشاقة المؤقتة.
للاعتقال قواعد تجعل تنفيذه أخف وطأة من الأشغال الشاقة فلا يمكن استخدام المحكوم عليهم به خارج السجن إلا برضائهم ولا يجبرون على ارتداء زي السجناء. لكنه يشبه الأشغال الشاقة من حيث الحكم به عقوبة جنائية تستتبع التجريد المدني والحجر القانوني، ويشبه الحبس مع الشغل من حيث تنفيذ العقوبة فيُشغَّلُ المحكوم عليه به داخل السجن لا خارجه.
أنواع عقوبة الاعتقال
عقوبة الاعتقال على نوعين:
عقوبة الاعتقال المؤبد: وتدوم مدى الحياة، وغالباً ما تطبق هذه العقوبة على مرتكبي الجرائم السياسية في الدول التي تنظر إلى المجرم السياسي نظرة عطف تميزه من غيره من المجرمين، وهذا هو الشأن في تشريعات البلاد الديمقراطية كفرنسة وسورية ولبنان، وأكثر الدول التي بقيت في نطاق مجموعة التشريعات اللاتينية.
ويُقضى بعقوبة الاعتقال المؤبد على مرتكبي الجرائم العادية الذين تدفعهم إلى جرائمهم مصلحة ذاتية بحتة.
وتطبق عقوبة الاعتقال المؤبد على مرتكبي الجرائم المختلطة التي توصف بأنها اعتداء على حق فردي لتحقيق غرض سياسي كتزييف أوراق الدولة المالية بقصد إضاعة الثقة بالحكومة لا لكسب غير مشروع، كما تطبق على مرتكبي الجرائم المرتبطة التي تتفق مع الجريمة المختلطة في طبيعتها وغايتها ولكنها تختلف عنها في اتصالها بأحوال سياسية كحالة ثورة أو حرب أهلية.
وقد يقضى بعقوبة الاعتقال المؤبد عوضاً عن الاعتقال المؤقت إذا رأت المحكمة الأخذ بأسباب التشديد.
ويمكن أن تطبق مع عقوبة الاعتقال المؤبد عقوبات فرعية أو إضافية أخرى كالغرامة الجنائية (المادة 64/ عقوبات) والعزل (المادة 167/ من قانون العقوبات العسكرية السوري).
وتجدر الإشارة إلى أن المشرع السوري استثنى الأحداث من تطبيق عقوبة الاعتقال المؤبد عليهم رأفة بهم لصغر سنهم، فإذا كانت الجريمة من الجنايات المستحقة هذه العقوبة وارتكبها حدث أتم الخامسة عشرة من عمره فإنه يحكم بالحبس مع التشغيل من خمس سنوات إلى عشر (المادة 29/ من قانون الأحداث لعام 1974). أما إذا كان الحدث لم يتم الخامسة عشرة فلا تفرض بحقه عقوبات وإنما تطبق عليه تدابير إصلاحية (المادة 3/ أحداث).
وعقوبة الاعتقال المؤبد هي عقوبة في الأصل مؤبدة تستمر مدى الحياة ولكن يمكن أن تسقط أو تبدل بالأسباب التي تسقط بها أو تبدل الأحكام الجزائية كالعفو العام والعفو الخاص. وهذا ما أخذ به المشرع السوري في قوانين العفو العام الصادرة عن السلطة التشريعية بموجب أحكام (المادة 150/ عقوبات سوري). فمن هذه القوانين ما نص على إسقاط كامل العقوبة عن مرتكبي الجرائم من المسنين والمصابين بمرض عُضال غير قابل للشفاء (مثال ذلك قانون العفو العام ذو الرقم 11/1988)، ومنها ما نص على تبديل العقوبة في بعض الجرائم ـ من الاعتقال المؤبد إلى الاعتقال المؤقت لمدة محددة (عشرون سنة بموجب القانون ذي الرقم /6/ لعام /1985/ وخمس عشرة سنة بموجب القانون ذي الرقم 26 لعام /1978/).
وعقوبة الاعتقال المؤبد تسقط أو تبدل إلى الاعتقال المؤقت بموجب العفو الخاص الذي يمنحه رئيس الدولة، بعد استطلاع رأي لجنة العفو، أحد المحكومين بهذه العقوبة (المواد 151-152-153/ عقوبات)، ويستفيد المحكوم عليه غيابياً بعقوبة الاعتقال المؤبد من أحكام التقادم (مرور الزمن)، ومدتها خمس وعشرون سنة (المادة 162/ عقوبات).
الاعتقال المؤقت: هو عقوبة جنائية محددة المدة تطبق على جميع أنواع الجرائم. وبعض الدول التي أدخلت عقوبة الاعتقال المؤقت ضمن عقوباتها الجنائية نصت تشريعاتها صراحة على حدّي العقوبة الأدنى والأعلى بحسب نوع الجريمة المعاقب عليها وملابساتها والأسباب التي دفعت الجاني لارتكابها، وبعضها الآخر اختار أن ينص على الحد الأدنى للعقوبة ويترك للمحكمة اختيار الحد الأعلى بما يتناسب مع كل جريمة على حدة.
والمشرع السوري نص على حدي العقوبة الأدنى والأعلى، في أكثر الجرائم، أما في الأوضاع التي لم ينطو القانون على نص خاص لحدي العقوبة فإن الحد الأدنى يكون ثلاث سنوات والأعلى خمس عشرة سنة (المادة 44/ عقوبات) ويمكن أن يبلغ الحد الأعلى استثناء الثلاثين سنة في حالة التكرار.
ويُقضى بعقوبة الاعتقال المؤقت عوضاً عن الاعتقال المؤبد إذا وجدت في القضية أسباب مخففة (المادة 243/ عقوبات)، كما يُقضى به في حالة التكرار عوضاً عن الإقامة الجبرية (المادة 248/ عقوبات). على ألا تتجاوز المدة ما بقي من عقوبة الإقامة الجبرية. وقد طبقت عقوبة الاعتقال المؤقت باتساع على مرتكبي الجرائم الواقعة على أمن الدولة الداخلي والخارجي وعلى مرتكبي الجرائم من العسكريين واستثني الأحداث الفتيان من هذه العقوبة لتطبق بحقهم عقوبة الحبس مع التشغيل مدة تُراوح بين سنة وخمس سنوات (الفقرة /5/ من المادة 29/ أحداث).
وإن عقوبة الاعتقال المؤقت تلازمها حكماً عقوبتا التجريد المدني والحجر القانوني فتطبقان في آن واحد مع العقوبة الأصلية ويسقطان بنفاذها. ويمكن أن تضمّن المحكمة قرارها عقوبات فرعية أخرى أو تدابير احترازية كمنع الإقامة والعزلة. وتسقط عقوبة الاعتقال المؤقت أو تبدل بالأسباب التي تسقط بها الأحكام أو تبدل، فيأتي قانون العفو الخاص لإنهاء الالتزام بتنفيذ العقوبة كلياً أو جزئياً أو التعديل منه عن طريق أن يستبدل به الالتزام بتنفيذ عقوبة أخف.
وقوانين العفو العام تشمل عقوبة الاعتقال المؤقت، والقوانين التي صدرت لأعوام /1978/ و/1985/ و/1988/ نصت على إسقاط ثلث العقوبة أو نصفها ما لم تُستثْنَ بنص خاص. وأحكام التقادم تسري على عقوبة الاعتقال المؤقت: فمدة التقادم هي ضعف مدة العقوبة التي حكمت بها المحكمة على ألا تتجاوز عشرين سنة أو تنقص عن عشر سنوات (المادة 162/2 عقوبات).
تنفيذ عقوبة الاعتقال
إن المحكوم عليهم بالاعتقال ينفذون العقوبة في السجون التي غالباً ما يكون التفريق بينها مبنياً على أساس من المعيار التقليدي في تقسيمها، وهو يستند إلى نوع العقوبة المحكوم بها إضافة إلى التفريق بين الأحداث والبالغين من جهة وبين الذكور والإناث من جهة أخرى.
وقد كانت تحكم نظام السجون في سورية نصوص تشريعية قديمة ومتعددة، لكن هذه النصوص أصبحت لا تفي بالغرض بسبب التطور الاجتماعي والاقتصادي، فاستبدل بأكثرها نصوص جديدة أو ألغي وحلت محله النصوص الواردة في قانون أصول المحاكمات الجزائية وفي قانون العقوبات، ومع أن قانون العقوبات لمَّح في المادة /58/ منه إلى قانون «تنفيذ العقوبات» فإن هذا القانون الأخير لم يصدر بعد.
ترتبط السجون في سورية بوزارة الداخلية لكنها تخضع أيضاً لإشراف السلطة القضائية. وقد أخذ المشرع السوري بالمعيار التقليدي في تقسيم السجون بحسب نوع العقوبة المحكوم بها:
فقد نصت المادة (56 عقوبات) أنه يحبس في أماكن مختلفة:
ـ المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة.
ـ المحكوم عليهم بالاعتقال المؤبد والمؤقت.
ـ المحكوم عليهم بالحبس مع التشغيل.
ـ المحكوم عليهم بالحبس البسيط.
هذا لمرتكبي الجرائم العادية من المدنيين، أما مرتكبو الجرائم من العسكريين فإنهم ينفذون العقوبة في سجون خاصة بهم، وثمة أماكن خاصة لمرتكبي الجرائم السياسية.
والتشريع السوري نص صراحة على عدم إجبار المحكومين بالاعتقال على ارتداء زي السجناء، فالسجناء على اختلاف أصنافهم يرتدون ملابسهم العادية، وأما الزي الموحد الخاص بالسجناء فيوزع على الفقراء من بينهم.
ونص أيضاً على منع تشغيل المحكومين بالاعتقال خارج السجن إلا برضائهم، فيشغلون داخله في أحد الأشغال التي تنظمها إدارة السجن وفقاً لما اختاروه عند بدء عقوبتهم (المادة 46/ عقوبات)، وتكون تلك الأشغال بمصانع تدار إما مباشرة من قبل الدولة أو بوساطة متعهدين، وينظم العمل بصورة لا تسمح للمحكوم عليه بالبطالة. ويوزع نتاج العمل بين المحكوم عليهم والدولة بحسب كيفية إدارة أعمال السجن، ومع أن المحكوم عليه بالاعتقال تفرض عليه عقوبة الحجر القانوني ويمنع من التصرف بأمواله فإنه يحق له التصرف بقسم من نتاج عمله بحسب الأنظمة المعمول بها، وعقوبة الحجر لا تحول دون ذلك (المادة 50/ عقوبات).
يخضع المحكومون بعقوبة الاعتقال لأنظمة السجن كلها كغيرهم من السجناء كالتعليم والعبادات وحضور جلسات القراءة والمحاضرات، ويستفيدون من الخدمات الصحية، ويخضع المخالفون منهم للعقوبات المنصوص عليها بموجب أنظمة السجون.
ولا بد من الإشارة إلى أن الفروق بين تنفيذ عقوبة الاعتقال وعقوبة الأشغال الشاقة هي فروق نظرية صرفة، إذ ليس ثمة فرق في التطبيق العملي بين تنفيذ الاعتقال وتنفيذ الأشغال الشاقة، وكلتاهما تنفذان كعقوبة الحبس مع التشغيل. والمحكوم عليهم بالاعتقال، كسائر المحكومين، يستفيدون من أحكام وقف الحكم النافذ إذا بدت عليهم دلائل أكيدة على ائتلافهم مع المجتمع، فإذا كان الحكم بالاعتقال المؤبد أُفرِجَ عن المحكوم عليه بعد سجنه عشرين سنة، وإذا كان الحكم بالاعتقال المؤقت أُفرِجَ عن المحكوم عليه بعد أن ينفّذ ثلاثة أرباع عقوبته إذا ثبت أنه أُصلِحَ فعلاً (المادة 172/ عقوبات).
إلا أن وقف الحكم النافذ لا تأثير له في العقوبات الفرعية والإضافية فتبقى عقوبة التجريد المدني ما لم تقرر إعادة اعتبار المحكوم عليه، ويبقى الأخير في حالة الحجر القانوني حتى انقضاء مدة عقوبته ما لم تقرر المحكمة خلاف ذلك.
توضيح قانوني هام لمفهوم الاعتقال