دور المؤسَّسة الدينيَّة في إدارة الأزمة العراقية المدرس الدكتور سماح مهدي صالح العلياوي


دور المؤسَّسة الدينيَّة في إدارة الأزمة
العراقية
المدرس الدكتور سماح مهدي صالح العلياوي
  

دور المؤسَّسة الدينيَّة في إدارة الأزمة العراقية
المدرس الدكتور سماح مهدي صالح العلياوي
 تعتبر المذاهب
الإسلاميَّة مدارس عقدية وفقهية تندرج تحت الدين الإسلامي؛ فيما تكون الاختلافات
الفقهية ليست بالكبيرة بين المذاهب الإسلاميَّة بشكل عام، لكن الاختلافات العقدية
هي المؤثرة من الناحية الدينيَّة والسِّياسيَّة أساساً، ومن ثمَّ الإجتماعيَّة،
ويمكن حصر المذاهب الإسلامية في ثلاثة مذاهب أساسيَّة، وهي: المذهب الإباضي،
وهم “حملة العلم”، وقد تأسس على يدَّ “عبد الله بن أباض” إمامة
أشياخ المذهب في مدينة البصرة العراقية، وهو أول مذهب يظهر على السَّاحة الإسلاميَّة
لكن اتساع دائرة المذهب الأباضي باعتباره دعوة إسلاميَّة سياسيَّة عامة جعل المذهب
لا يكسب طابعاً خاصاً يغلب عليه مدرسة بعينها، أو ينسب إلى مدينة بعينها، ولعبت الأباضية
دوراً سياسياً في كل من جنوب الجزيرة العربيَّة وشرقها “اليمن، وحضرموت ثُمَّ
سلطنة عمُان”، وفي شمال إفريقيا “ليبيا، وتونس، والجزائر”.
أمَّا مذهب أهل السنة والجماعة، وينتمي إليها الغالبية
العُظمى من المسلمين، ويستند إلى مصادر الشَّريعة الإسلاميَّة، وهي القرآن، وسنة النبي
“مُحَمَّد بنِ عَبد الله”
(ص) المتمثلة في الأحاديث
النبوية المنسوبة إليه، والصحيحة منها، ويأخذون الفقه عن الأئمة الأربعة، ويعتقدون
بصحة خلافة الخلفاء الأربعة الأوائل، وهم: “أبو بكر
الصديق” و”عمر بن الخطاب”، و”عثمان بن عفان”، و”علي
بن أبي طالب”، ويؤمنون بعدالة كل الصحابة، فالصحابة جميعهم عدول. وتنقسم
المذاهب السنية إلى أربعة أقسام، وهي، الأول، المذهب الحنفي المؤسَّس “أبو
حنيفة النعمان”
في مدينة الكوفة في العراق، والثاني، المذهب المالكي
المؤسَّس “مالك بن أنس” في المدينة المنورة، والثالث، المذهب الشافعي
المؤسَّس “محمد بن إدريس الشافعي” في مدينة غزة في فلسطين، والرابع، المذهب
الحنبلي
المؤسَّس “أحمد بن حنبل” في مدينة بغداد في العراق.
أمَّا المذاهب الشيعية الّتي تؤمِّن بالإمامة بالنص
السماوي، فتنقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي: الأول، المذهب الجعفري نسبة إلى
“أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق”، والثاني، المذهب الإسماعيلي
نسبة
إلى “إسماعيل بن جعفر الصادق”، والثالث،
المذهب الزيدي
نسبة إلى “زيد بن علي”. وتنحصر الاختلافات العقدية بين
المذاهب الإسلاميَّة في محاور، وهي: محور الإمامة، ويعتبر التقسيم فيه بناءً على عدد
الأئمة الّذي يؤمِّن
فيه الشيعية، ومحور تقديس بعض الصحابة.
 أمّا من ناحية الصِّراع
على السُّلطة، فإنَّ الاعتقاد بالإمامة بشرطَيها “العصمة والنص بالتعيين”،
عند المسلمين الشِّيعة، شكَّل محور الخلاف السِّياسيّ مع السُّلطة في العراق، وأعطت
كلّ سلطة تعاقبت على الحكم، مبرراً للتضييق، وحتى القمع ضدَّ الشِّيعة طالما يقرّون
ابتداءً بعدم شرعية الحكم القائم، لكن الشيعة أدركوا أن حقوقهم الإجتماعيَّة، ومشاركتهم
في السُّلطة لن تأتي تلقائياً، بل من خلال المواجهة ، وبدأت هذه النزعة نتيجة للصدام
بين السُّلطة ومجتهدي الشِّيعة في بداية عشرينيات القرن العشرين، والّتي بدورها مثَّلت
البداية الحقيقية لسعيهم للحصول على مكانة في الخارطة السِّياسيَّة العراقية، ولاعتبارات
مختلفة، ظهرت نزعة عند البعض بالتشكيك بانتماء الشِّيعة للقومية العربيَّة، وهو ما
رفضه الشِّيعة، بشكلٍ مُطلق وبتأكيد نظري وعملي، لكنهم اصطدموا بمحاولات الأنظمة السِّياسيَّة
الفاقدة للشَّرعية، بالتشكيك في هويتهم العربيَّة.
إن الشِّيعة، جمهوراً وقادة، ليسوا ممن يحوِّلون الاستثمارات
السِّياسيَّة للعاطفة الدينيَّة إلى خطط
إستراتيجية، فهم عراقيو الأصل، حيث قامت الّتيارات السِّياسيَّة العراقية، وعلى رأسها الّتيارات الشيعية، بثورة عارمة ضدَّ الاستعمار البريطاني
سُمِّيت “ثورة العشرين” عام 1920، وقد نُصِّب “صالح جبر”
رئيساً للوزراء عام 1941، وهو أوَّل شيعي يصل لهذا المنصب، لكنهم ونتيجة لعدم حصولهم
على حقوقهم في العهد الملكي رحبّوا باستيلاء الضبَّاط الأحرار بقيادة “عبد الكريم
قاسم” تزامناً مع تغلغل الأحزاب الماركسية في العراق، ما دفع المرجع الشيعي السَّيد
“محسن الحكيم” إلى إصدار فتوى تُحرم الشيوعية والانتماء إليها، ولم يتمكَّن
“عبد الكريم قاسم” من تغيير معادلة الخلاف بينهم وبين السُّلطة، سيّما وأنَّه
كان شديد الانتماء للجبهة الشيوعية. وبعد وصول حزب البعث العربي الإشتراكي إلى السُّلطة
في إنقلاب شباط/فبراير 1963، وتولّي “عبد السلام عارف” رئاسة العراق، تحوُّل
الخلاف بين الشِّيعة والسُّلطة من خلافات دينية إلى خلافات سياسيَّة، ومع احتدامها
حدثت مظاهرات في سبعينيات القرن العشرين، قادها “حزب الدعوة الإسلامي”
انتهت في بداية الثمانينيات بإعدام السَّيد “محمد باقر الصدر”، وتصفية
“آل الحكيم” من قِبَل السُّلطة.
ونتيجة الاجتياح العراقي للكويت عام 1990، شكَّلت
الولايات المتَّحدة تحالف دولي لإخراج الجيش العراقي سُمِّيت “حرب الخليج الثانية”،
وقد
بدأت الولايات
المتَّحدة ضمن النظام الدَّولي الأحادي القطبية بتطبيق إستراتيجية التدخُّل
الإنساني، وإذكاء مفاهيم القوَّة الصِلَبة، وإستراتيجية افتعال الأزمات؛ وقد
طبَّقت هذه الاستراتيجيات على العراق، إذ أصبح مختبراً لتجربة كلّ أنواع الأسلحة،
ونتيجة للضغط الأميركي على مجلس الأمن الدَّوْلي صدر قرار حظر الطيران
“الملاذ الآمن”
(safe haven) المرقَّم (688) في نيسان/أبريل 1991،
بحجَّة حماية الأكراد في الشمال من قمع السُّلطة العراقية،
وقد وجد الشيعة فرصةً مناسبة لإعلان انتفاضة سُمِّيت بـ”الشعبانية”
في آذار/مارس 1991، ضدَّ تعسّف السُّلطة في وسط وجنوب العراق، وقد جُوبهت بإبادةٍ
جماعية، وتدمير للمدن من قِبَل النظام، وتغاضي الإدارة الأميركية على الرغم من أن  
مجلس الأمن الدَّوْلي عاد ليؤكِّد قرار حظر الطيران في أيار/مايو 1992، بحجَّة حماية الشِّيعة في الجنوب، وامتدت منطقة
الحظر شمالاً من خطّ العرض
(36) وجنوباً حتى خطّ العرض (32)،  وقد استفاد الكُرد من “الملاذ الآمن”
في تشكيل إقليم تحت الحماية الغربية؛ بينما بقى الشِّيعة في الجنوب تحت إكراه السُّلطة
، وبقيت السُّلطة
العراقية تمارس القمع ضدَّ رموز الشِّيعة، كان آخرها اغتيال السَّيد “محمد صادق
الصدر” عام 1999.
وبعد اجتياح القوَّات الانجلو أميركية للعراق في
نيسان/أبريل 2003، شكل الشِّيعة تيارات سياسيَّة، وأفواج مقاومة ضدَّ المحتل منها “جيش
المهدي”
، وبناءً على “اتِّفاق نقل السُّلطة”
(Power transfer agreement) بين القوَّات الأميركية ومجلس الحكم الانتقالي العراقي،
تمَّ تشكيل لجنة برئاسة “عدنان الباجه جي”، لإعداد مسودَّة قانون إدارة الدَّولة
للمرحلة الانتقالية، وقد عارض الشِّيعة صياغة مواد قانونية خارج إرادة الشَّعب، وأكَّدوا
على ضرورة صياغتها من قِبَل جهاز مُنتخب ديمقراطياً، وثبَّت المرجع الشيعي السَّيد
“علي السيستاني” بعد توضُّح النيَّات بين الأكراد والحاكم المدني “بول
بريمر”
(Paul Bremer)، ومحاولة الأخير إعطاء كركوك
لهم، معارضته للمادة
(3) البند (أ)، إذ نصّ بأنَّه
لا يجوز تعديل قانون إدارة الدَّولة إلاَّ بأكثرية ثلاثة أرباع أعضاء الجمعية الوطنيَّة،
وإجماع مجلس الرئاسة، كذلك المادَّة
(61) البند (ج) حيث نصّ بأنْ يكون
الاستفتاء ناجحاً ومسودَّة الدستور مُصادق عليها عند موافقة أكثرية الناخبين، وإذا
لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر. وقد تمثَّلت اقتراحات الشِّيعة على
إلغاء موافقة مجلس الرئاسة على تعديل القانون، لأنَّه سلطة تنفيذية لا علاقة له بتشريع
القوانين، وفي اعتماد ثلاث محافظات غير متجاورة أصلاً لحساب نتيجة الاستفتاء بنسبة
الثلثين، أو ستّ محافظات باحتساب نسبة
(51) بالمئة لاحتساب
النتيجة المطلوبة.
كما نصت المادَّة (26)
على أن القوانين والأنظمة والأوامر والتعليمات الصَّادرة عن سلطة الائتلاف المؤقَّتة
تبقى نافذة المفعول إلى حين إلغائها، أو تعديلها بتشريع يصدر حسب الأصول
، وهي فرصة زمنية أوجدها
الحاكم المدني “بول بريمر”، لكن قبل الوقت المحدَّد لإجراء الانتخابات
النيابيَّة، إذ خلال هذه الفترة لا تعود المحظورات الّتي يقرّها القانون الدَّوْلي
نافذة على الخصخصة، ويُمكن للمُستثمر الأجنبي شراء موجودات عراقيَّة، فإذا قرَّرت
حكومة مُنتخبَة تغيير قواعد الاستثمار يجوز للمُستثمر رفع دعوة قضائية للمُطالبة
بتعويضات. لذلك، حاول المرجع الشيعي السَّيد “علي السيستاني” منع خطَّة الحاكم
المدني “بول بريمر”، فقد دعا إلى إجراء انتخابات مُباشرة، وإلى سنِّ
دستور يُكتَب بعد الانتخابات وليس قبلها، وأيُّ من الأمرين لو نُفِّذَ من شأنه أن
يُغلق الفرصة الزمنية المُتاحة لقوانين الخصخصة
.
وقد تجنَّب قادة الشِّيعة إثارة قضية الأغلبية
السُّكَّانية الشيعية في العراق، خشية من الوقوع في فخ المواجهة السِّياسيَّة على أساس
طائفي، وليس وطني، وهو ما حدث بالفعل بعد الاحتلال. فقد استغلت الأطراف
الإقليميَّة والدَّوْلية البُعد المذهبي من أجل تجويف منظومة القِيَم الإجتماعيَّة؛
وإثارة الفتن الّتي كادت تؤدِّي أكثر من مرة إلى الحرب الأهلية لولا الوعي المشترك
لِكلاِ المذهبين السني والشيعي، لا سيّما لرجال الدين، وحثّ المُجتمع على تجنّب الفتنة
المذهبية.
وظهرت
عدَّة مظاهر للوحدة الوطنيَّة كردة فعل من الشَّعب العراقي الّذي ينظر إلى قوَّات
الاحتلال نظرة تتَّسم بالريبة والقلق. فقد كان موقف مرجع الشِّيعة السَّيد “علي
السيستاني” واضحاً من حيث كتابة دستور من قِبَل لجنة عراقيَّة مُنتخبَة،
وإجراء انتخابات قبل عام 2004، وتسليم السِّيادة إلى العراقيين، ولكن الإدارة
المدنية للاحتلال بقيادة
“بول بريمر”،
ظلَّت تبتدع إستراتيجية التهرُّب بشكل مستمر، وتالياً أكَّد رئيس مجلس النواب
العراقي السنّي “محمود المشهداني” أن وحدة العراق واجب وأيَّة يدَّ أو
لسان يُلحقان ضرراً بهذه الوحدة، من خلال الإساءة والاستفزاز يستحقان القطع، وفي
أكثر من مناسبة، تدارس رؤساء عشائر سنيَّة شيعيَّة إجراءات
من شأنها الحفاظ على الوحدة الوطنيَّة، وقد أدرك الرأي العام العربي في العراق ضرورة
حفظ الوحدة الوطنيَّة باعتباره متغيراً له أثره على التماسك الإجتماعي، والوقوف
بوجه السياسات المذهبية، ومحاولات التفرُّقة، وإثارة النعرات القومية، وطريقاً
لامتلاك السِّيادة الوطنيَّة بعد زوال الاحتلال.
غير أن تحوُّلات خطيرة استهدفت
الشِّيعة ورموزهم الدينيَّة، لا سيّما تفجير
محافظة النجف الّذي راح ضحيَّته
السَّيد “محمد باقر الحكيم” في آب/أغسطس 2003، إلاَّ أن المواقف
الوطنيَّة الجياشة بقيت هي الفيصل في العلاقة، وجسَّدت التآلف المذهبي، مثل دعم
المقاومة السنيَّة لانتفاضة “جيش المهدي” الأولى بزعامة السَّيد
“مقتدى الصدر” ضدَّ القوَّات الأميركية في النجف، وبدأ التلاحم الوطني
بين المذهبين، متمثِّلاً باتِّصال الشيخ “أحمد الكبيسي” مع السَّيد
“مقتدى الصدر” أثناء محاولة الأخير تشكيل حكومة عراقيَّة مستقلَّة في
تشرين الأول/أكتوبر 2003، وتقديم المساعدات الشيعية إلى مدينة الفلوجة ذات
الغالبية السنيَّة، عندما تعرَّضت لهجوم من قِبَل القوَّات الأميركية في نيسان/أبريل
2004، واشتراك عناصر “جيش المهدي” في الدفاع عنها، ورافقه تصعيد
سياسي، إذ قدَّم وزراء شيعة استقالتهم من مجلس الحكم الانتقالي، استنكاراً
للعمليات العسكرية للجيش الأميركي في مدينة الفلوجة، ومنهم وزير الداخلية
“نوري بدران”.
لكن، سرعان ما فشلت المحاولات
الرامية إلى تحقيق الوحدة، وأصبح التخندق الطائفي سِمَة واضحة في الحياة
السياسيَّة الّتي انعكست على الحياة الإجتماعيَّة، وانحرف العمل المسلَّح عن نهج
المقاومة الوطنيَّة، بعد أن تمكَّنت الجماعات الطائفيَّة من مدِّ نفوذها، وتحولت
المناصب الحكومية إلى خنادق قتاليَّة، يرعاها الأميركيون، وقد حذَّرت منظَّمة
الأمم المتَّحدة في شباط/فبراير 2004، من أن العراق على شفير الحرب الأهلية، بسبب
وجود جماعات لا تفكِّر إلاَّ بمصالحها، وما حذَّرت منه المنظَّمة بدأ يتحوَّل إلى
واقع، خاصَّة بعد تحالف بعض الجماعات الجهادية الأجنبية مع ممثَّل تنظيم القاعدة
في بلاد الرافدين “أبو مُصعب الزرقاوي” الأردني الجنسيَّة،
والقسوة الناتجة عن عقليته المتعصِّبة في تكفير
أبناء المذهب
الشيعي، وجاءت أعماله الارهابيَّة بقتل المدنيين في المناطق الشيعيَّة لتزيد من
توتُّر العلاقات بين المذهبين، إلاَّ أن الحدث الأهم في مشاهد الأعمال الطائفية هو
قيام تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بتفجير مرقد الإمامين “علي الهادي
والحسن العسكري”
في محافظة سامراء في شباط/فبراير 2006.
لقد لحق هذه العملية موجة عارمة
من التطهير والعنف المذهبي استهدفت أبناء المذهبين في وقتٍ واحدٍ، وتمَّ استهداف دُور
العبادة والمراقد المقدَّسة ما أدَّى إلى خلط تداعيات الأزمة داخلياً، لتحقيق
أجندة خارجيَّة، وأنذر بجرِّ العراق إلى أتون الحرب الطائفيَّة، وتأخُّر عملية نقل
السُّلطة، وتقويَة المزاعم الأميركية باحتمال قيام حرب أهلية، وأدركت القيادة
الدينية لِكلاِ المذهبين أن الاحتلال يُمكن أنْ يكون عاملاً لإذكاء الطائفية، وفي
هذا الاتِّجاه حذَّر أئمة المساجد ومراجع الدين من الفتنة الطائفية، والنزعة
التعصبية وأن من يقوم بأعمال القتل والتهجير ليس مسلماً، وإنَّما يعمل لجهة تريد
القضاء على الوحدة.
وتوصُّل رجال دين غداة هجمات طالت
مساجد لِكلاِ المذهبين إلى اتِّفاق، يفضي بتشكيل “المجلس المشترك لمعالجة
القضايا الطارئة”
يضمّ رجال دين من المذهبين، لمعالجة الأزمات بسبب تطرُّف
البعض من الفئتين، وفي آذار/مارس 2005، شجبت هيئة علماء المسلمين السنة في العراق
العنف المذهبي الّذي يستهدف الشعب العراقي بالقول: “إن هذه العمليات تفتح
الباب أمام أعدائنا لتنفيذ المزيد من مخططاتهم الشريرة”
، وأكَّد مشايخ
الهيئة بأنَّها ليست طريقة لإخراج المحتلّ؛ وقتل العراقيين لا يعني التحرير.
 وشكَّل الخطر الطائفي هاجساً مستمراً لأوساط وقِوى
مختلفة من احتمال إشاعة النعرات الطائفية والمشاحنات المذهبيَّة، ولو استفحلت ستؤدِّي
إلى حرب أهلية يكون الجميع ضحاياها، ولذلك، وبدعم من الحكومة العراقية، أسَّست
الجماعات القبلية ما يسمّى “مجالس الصحوة” أو “مجالس
الإسناد”
في المحافظات الّتي تتمركَز فيها الأعمال الطائفية، لا سيّما الغربية،
وأخذت على عاتقها قتال الجماعات المتشدِّدة، خاصَّة تنظيم القاعدة، وطردها من
مناطق نفوذها، وخلق أجواء مؤاتيه لدَّور سلمي أكثر إيجابية، وجاءت الاتِّصالات
الّتي قام بها ممثلو عشائر الأنبار مع الّتيار الصَّدري مشيرةً إلى إمكانية عمل
مشترك بين المذهبين “السني والشيعي”، واعتباره تحالفاً مذهبياً
لدرء الفتنة الطائفية والتعصُّب المذهبي، وخياراً وطنياً لا مناص منه، ليؤكِّد على
إجلاء قوَّات الاحتلال، بالتزامن مع الدَّعوة إلى توحيد الجهود، وهذا ما برز من
خلال تشكيل تكتل سياسي، عرف باسم “لقاء الأحزاب الخمسة”، وقد ضمّ
أحزاباً من جميع الطوائف، إذ قدَّم العديد من المشاريع لتفادي حرب طائفية أو نزعة
تعصبيَّة، ذات منحى مذهبي، وقد ساهمت المراجع الدينية لكِلاِ المذهبين في ردع
الفتنة المذهبية، وقد أكَّد المرجع الشيعي السيد “علي السيستاني” على
الوحدة الوطنية بين المذاهب الإسلامية قائلا:
لا
تقولوا اخواننا بل قولوا أنفسنا”
.
وبعد الأزمة السورية في ظلّ ما يُسمَّى “ثورات
الربيع العربي”
عام 2010، تمكن زعيم تنظيم القاعدة في العراق “أبو
بكر البغدادي”
من تشكيل تنظيم الدَّولة الإسلاميَّة
في العراق والشام “داعش” عام 2013،
وقد بدأت معارك
مستمرَّة بين تنظيم القاعدة وتنظيم “داعش” الّذي طارد الكتائب
والفصائل المعارضة، حيث أحكم سيطرته على المناطق الحدودية، إذ هيمنَ على أربع
محافظات عراقية، وهي: نينوى، صلاح الدين، الأنبار، وديالى، وأربع محافظات سورية، وهي:
الرقة، إدلب، دير
الزور، وحلب، في حزيران/يونيو 2014، وهو ما أدَّى إلى
تهجير وقتل المدنيين،
وقد أُجبرت الولايات المتَّحدة على
تشكيل “التحالف الدَّوْلي”
(International
Coalition
) بمشاركة حوالى (59)
دولة، بدعوى مكافحة تنظيم “داعش” الإرهابي في العراق وسورية في
أيلول/سبتمبر 2014.
لكن
التحالف

الدَّوْلي
لم يتمكن من القضاء على “داعش” على الأرض، لهذا أصدر المرجع
الشيعي السيد “علي السيستاني” فتوى “الجهاد الكفائي”،
وتمَّ تشكل قوَّات مسلّحة باسم “الحشد الشعبي” تابعة لرئاسة
الوزراء في

حزيران/يونيو
2015، بهدف تحرير الأراضي، ودعم القوَّات الأمنيَّة، وإعادة الهيبة إلى الدَّولة
العراقية. كما دعمت المؤسَّسة الدينيَّة الشيعية المطالبات الجماهيرية بالإصلاح
عام 2019، وأكَّدت على منع التدخل من قِبَل الأطراف الإقليميَّة والدَّوْلية في
الشؤون العراقية، وإشارة إلى أن
الشَّعب العراقي
هو الجهة الوحيدة الّتي تقرَّر مصيره السِّياسيّ.