الارهاب والمقاومة / قراءات في تحديد المفهوم الدكتور حيدر ادهم الطائي (ج: 2)

الارهاب والمقاومة
ثانيا:المقاومة والحق في تقرير
المصير
يبدو ان قضية التمييز بين الحق في مقاومة
المحتل المرتبط بالحق في تقرير المصير مسالة تشبه محاولات اوائل فقهاء القانون
الدولي التي انصبت على التمييز بين الحرب العادلة والحرب غير العادلة رغم تحفظنا
على اتجاهات وغايات تلك المحاولات الاولى التي ارتبطت بعقائد دينية خالصة.
يراد بالحق في تقرير المصير ان يملك كل شعب
الحق الطبيعي والسلطة العليا في سبيل تقرير مصيره دون اي تدخل اجنبي, وكانت الثورة
الفرنسية التي قامت في العام 1789 قد نادت به الا انه ظل بعيدا عن مجال اهتمام
القانون الدولي حتى نهاية الحرب العالمية الاولى عندما بدات المرحلة الاولى باتجاه
تصفية الامبراطوريات الاستعمارية (العثمانية, والالمانية, والنمسا والمجر) وكانت
نقاط الرئيس الامريكي “ويلسن” الاربعة عشر التي اعلنها في العام 1918 قد
تضمنت المبدا المذكور, كما ورد هذا المبدا ايضا في اعلان السلام الذي اصدرته
الحكومة السوفيتية بعد ثورة اكتوبر التي قامت في العام 1917, واعلنه
“لينين” عام 1920 الا ان عهد العصبة جاء خاليا منه حيث استعيض عنه بنظام
الانتداب, وبهذا يكون عهد عصبة الامم قد اعترف بالمبدا ولكن في حدود معينة لا تسمح
بالمساس بمصالح الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى. وقد شاب الشك القيمة
القانونية للمبدا خلال فترة ما بين الحربين العالميتين ليستقر بعد الفترة المذكورة
باعتباره من المبادئ القانونية العامة التي اقرتها الامم المتمدنة في ميثاق الامم
المتحدة الذي ذكره في المادة (1/2) والمادة (55), وعلى اساس من هذه النصوص اصدرت
الجمعية العامة للامم المتحدة قرارات شهيرة لتصفية الاستعمار, كالقرار الصادر
بتاريخ 14 كانون الاول 1960 والذي اكدت فيه على ضرورة وضع نهاية سريعة وغير مشروطة
للاستعمار في كافة صوره واشكاله, وقرارات اخرى مهمة وضعت على اساسها نهاية
للاستعمار في القارة الاسيوية والافريقية على وجه الخصوص.
وينبني على الحق في تقرير المصير ان لكل شعب
الحق في المقاومة لاستعادة ارضه المغتصبة, ومن هنا جاءت مشروعية حروب التحرير وفكرة
المقاومة حيث كانت البداية في مؤتمر بروكسل المعقود عام 1874 الذي توصلت الدول فيه
لمشاريع قراءات اعترفت بحق الشعوب في مقاومة الاحتلال الا انها لم تعترف بحق
المقاومة التي يمكن ان تنظم بعد الاحتلال ولم تتم الموافقة على هذه المشاريع في
المؤتمر المذكور لكنها حظيت بالموافقة في مؤتمر لاهاي للسلام في الاعوام 1899
و1907 وهكذا فان النظرية التقليدية تعترف بحق المقاومة في مرحلة الغزو ولا تعترف
بالحق في المقاومة اذا تم احتلال الاقليم وترسخت فيه سلطة قوات الاحتلال.
وبعد انعقاد مؤتمر جنيف للفترة من 21 نيسان
لغاية 12 اب 1949 وابرام اتفاقيات جنيف الاربعة فقد اعترفت المادة (4) من
الاتفاقية الثالثة الخاصة بمعاملة اسرى الحرب بحق المقاومة اذ نصت المادة المذكورة
على (أ.اسرى الحرب, في المعنى المقصود بهذه الاتفاقية, هم الافراد الذين يتبعون
احدى الفئات التالية عند اسرهم من قبل العدو.
1.افراد القوات المسلحة, التابعون لاحدى
اطراف النزاع, وكذلك افراد المليشيات والوحدات المتطوعة, التي تعتبر جزءا من هذه
القوات
2.افراد المليشيا الاخرى, وافراد الوحدات
المتطوعة الاخرى, بما في ذلك الذين يقومون بحركات المقاومة النظامية, ويتبعون احدى
اطراف النزاع ويعملون داخل او خارج اراضيهم, حتى لو كانت هذه الاراضي محتلة بشرط
ان تتوفر في هذه المليشيا او الوحدات المتطوعة, بما فيها تلك المقاومات المنظمة
الشروط الاتية:
اولا: ان تكون تحت
قيادة شخص مسؤول عن مرؤوسيه
ثانيا: ان تكون مميزة
بعلامة معينة, يمكن تمييزها عن بعد
ثالثا: ان تحمل اسلحتها
بشكل ظاهر
رابعا: ان تقوم
بعملياتها الحربية طبقا لقوانين واعراف الحرب
3.افراد القوات المسلحة النظامية الذين
يعلنون ولائهم لحكومة او لسلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة
4.سكان الاراضي غير المحتلة الذين يحملون
السلاح باختيارهم عند اقتراب العدو, لمقاومة القوات الغازية, دون ان يكون لديهم
الوقت الكافي لتنظيم انفسهم في وحدات نظامية مسلحة, بشرط ان يحملوا السلاح بشكل
ظاهر وان يحترموا قوانين الحرب واعرافها)
ويلاحظ على ما جاءت به اتفاقية جنيف الثالثة
انها كرست شروطا صعبة للغاية لكي يحصل افراد المقاومة على وصف او مركز “اسير
حرب” وهكذا فقد ظهرت مدرستين الاولى تنادي بضرورة عدم تشجيع حركات المقاومة
لتوفير اكبر قدر ممكن من الحماية للمدنيين, وهي تذهب الى ضرورة توافر الشروط
الاربعة في اعضاء حركة المقاومة, فهي تعترف بها ولكن في نطاق ضيق, وضمن شروط
الاتفاقية الثالثة. بينما يرى جانب اخر من الفقه بضرورة الاعتراف بحركات المقاومة
دون التضييق من فكرتها حيث ان العدوان قد اصبح جريمة في الوقت الحاضر مما يعني
السماح من الناحية القانونية بفكرة اوسع للمقاومة في سبيل محاربة العدوان ذلك ان
الاتجاه التقليدي او المضيق انما يعكس افكار وتوجهات بقايا الامبراطوريات القديمة,
وهو ما يتناقض مع ما ورد في الميثاق من جهة الاعتراف بحق تقرير المصير واستخدام
القوة للدفاع عن النفس