الارهاب والمقاومة / قراءات في تحديد المفهوم الدكتور حيدر ادهم الطائي (ج: 1)

الارهاب والمقاومة 

تثير مسالة تحديد مفهومي الارهاب والمقاومة تساؤولات متعددة تعكس الجانب
غير المتفق عليه في النظرة الى موضوع مشروعية استخدام العنف لتحقيق غايات او اهداف
محددة, ففضلا عن الجانب القانوني الذي يرتبط بموضوع التطرق للمفهومين المذكورين
يبقى جانب سياسي واضح ينعكس على التوجهات القانونية بشكل او باخر يمثل جوهر التوجه
في تحديد الخط الفاصل بين ما يعد ارهابا, وهو اسلوب غير مشروع في استخدام القوة
بالمطلق وما يمكن ان يعد مقاومة مشروعة تبتعد في اساليبها العنيفة عن وصف ظاهرة
الارهاب كسلوك غير مقبول من النواحي القانونية والاخلاقية. وفي ضوء ما تقدم حيث
النسبية غير المنضبطة عند معالجة الجانب المذكور فما يعد ارهابا بالنسبة للبعض
يمكن ان يعد دفاعا عن الحرية لدى البعض الاخر سنتطرق الى جانبين مهمين يرتبطان
بتحديد مفهوم الارهاب من جهة التعريف فضلا عن تحديد مفهوم المقاومة وصلته بالحق في
تقرير المصير.
اولا: تعريف الارهاب في ضوء دوافعة
وابعاده السياسية
من الصعوبة الحديث عن تعريف متفق عليه
للارهاب, فظاهرة الارهاب في حد ذاتها محل خلاف كبير من جهة تحديد المفهوم او ما
يمكن ان يعد ارهابا وما ينتفي عنه الوصف المذكور. ومع ذلك نجد محاولات متعددة بل
وكثيرة جدا لتعريف الارهاب بذلها فقه القانون الدولي, فهذا “سوتيل” يعرف
الارهاب باعتباره (العمل الاجرامي المصحوب بالرعب او العنف او الفزع بقصد تحقيق
هدف محدد) في حين يشير فقيه اخر الى ان النظرة الى الارهاب يمكن ان تتم من خلال
مفهومين: الاول يتضمن نظرة واسعة للظاهرة, والثاني يشتمل على نظرة ضيقة لها.
بالنسبة للمفهوم الواسع فهوعبارة عن جناية او
جنحة سياسية او اجتماعية ينتج عن تنفيذها او التعبير عنها ما يثير الفزع العام لما
لها من طبيعة ينشا عنها خطر عام. في حين يراد بالارهاب طبقا للمفهوم الضيق الاعمال
الاجرامية التي يكون هدفها الاساسي نشر الخوف والرعب كعنصر شخصي وذلك باستخدام
وسائل تستطيع خلق حالة من الخطر العام كعنصر مادي.
ويذهب “ويلكنسون” الى تعريف
الارهاب كونه نتاج العنف المتطرف الذي يرتكب من اجل الوصول الى اهداف سياسية معينة
يضحى من اجلها بكافة المعتقدات الانسانية والاخلاقية, وهو يصف جرائم الارهاب, ويعد
الارهاب الحربي اي اللجوء لطرق مختلفة بهدف نشر الرعب بين المواطنين من خلال
استخدام الاسلحة, كالمقذوفات, والاسلحة النارية, والقنابل, والارهاب القمعي, ويراد
به اتخاذ موقف معين في اطار نظام للتدابير القمعية, والارهاب الثوري الذي يستهدف
تقويض النظام السياسي في الدولة والاستيلاء على السلطة, والارهاب شبه الثوري اي
الافعال التي ترتكب دون بواعث سياسية او ايديولوجية ولا يكون الهدف منها الاستيلاء
على السلطة في الدولة.
اما “واردلو” فيعرف الارهاب
السياسي بانه استخدام العنف او التهديد باستخدامه من فرد او جماعة تعمل اما لصالح
سلطة قائمة او ضدها عندما يكون الهدف من ذلك العمل خلق حالة من القلق الشديد لدى
مجموعة من الضحايا المباشرة للارهاب, واجبار تلك المجموعة على الموافقة على
المطالب السياسية لمن قام بالعمل الارهابي. ويرى كاتب اخر هو “ليمكن” ان
جريمة الارهاب الدولي تقع اذا توافرت العناصر التالية:
1.تكرار وقوع افعال
الارهاب او تنوع افعال الارهاب
2.ان تكون التصرفات
الارهابية بقصد خلق توتر او اضطراب في العلاقات الدولية
3.ان يكون هناك
اختلاف بين جنسية الفاعل وجنسية الضحية وجنسية المكان الذي وقع فيه ارتكاب الجريمة
ويذهب “عبد العزيز محمد سرحان” الى
تعريف الارهاب الدولي باعتباره كل اعتداء على الارواح والاموال والممتلكات العامة
او الخاصة بالمخالفة لاحكام القانون الدولي العام بمصادره المختلفة, فهو جريمة
دولية الا ان هذا الفعل لا يعد ارهابا, ومن ثم فان القانون الدولي لا يعاقب عليه
اذا كان الباعث عليه الدفاع عن الحقوق المقررة للافراد وحقوق الانسان او الشعوب,
وحق تقرير المصير, والحق في تحرير الارض المحتلة, ومقاومة الاحتلال ذلك ان هذه
الافعال تقابل حقوقا يقررها القانون الدولي للافراد والدول بحيث يرتبط الامر هنا
باستعمال القوة بطريقة مشروعة وطبقا لما تقضي به احكام القانون الدولي ذات المصدر
الاتفاقي والعرفي.
على مستوى الاتفاقيات الدولية فتعد اتفاقية
جنيف المبرمة عام 1937 اول اتفاقية دولية في العصر الحديث تعالج مشكلة الارهاب رغم
انها لم تدخل حيز التنفيذ لعدم حصولها على العدد اللازم من تصديقات الدول, وتعرضت
هذه الاتفاقية لشكل وحيد من اشكال الارهاب الدولي, وهو الارهاب الثوري,
والاعتداءات الموجهة ضد حائزي السلطة في الدولة, وهكذا فقد عرفت المادة الاولى من
الاتفاقية في فقرتها الثانية اعمال الارهاب باعتبارها الاعمال الاجرامية الموجهة
ضد دولة تهدف او تخطط الى احداث حالة من الرعب في افكار اشخاص معينين او مجموعة من
الناس او لدى العامة.
وتعرف الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب
المبرمة عام 1998 في مادتها الاولى جريمة الارهاب باعتبارها (كل فعل من افعال
العنف او التهديد به ايا كانت بواعثه او اغراضه يقع تنفيذا لمشروع اجرامي فردي او
جماعي ويهدف الى القاء الرعب بين الناس او ترويعهم بايذائهم او تعريض حياتهم او
حرياتهم او امنهم للخطر او الحاق الضرر بالبيئة او باحد المرافق او الاملاك العامة
او الخاصة او احتلالها او الاستيلاء عليها او تعرض احد الموارد الوطنية للخطر,
وتقوم هذه الاتفاقية بتحديد الحالات التي تعد فيها الجريمة ارهابية, ومن بينها
الجرائم المنصوص عليها في بعض الاتفاقيات الدولية كاتفاقية طوكيو الخاصة بالجرائم
والافعال التي ترتكب على متن الطائرات الموقعة في العام 1964 واتفاقية لاهاي بخصوص
مكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات لعام 1970 واتفاقية الامم المتحدة
لقانون البحار قدر تعلق الامر بالقرصنة وغيرها من الاتفاقيات الاخرى.
ويلاحظ ان المادة الثانية من الاتفاقية
العربية لمكافحة الارهاب قد نصت على عدم عد حالات الكفاح المسلح بمختلف الوسائل,
بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الاجنبي والعدوان, من اجل التحرر وتقرير
المصير, وفقا لمبادئ القانون الدولي جرائم طبقا للاتفاقية ولا تعد من هذه الحالات
كل عمل يمس بالوحدة الترابية لاي من الدول العربية.
على مستوى التشريعات الوطنية عرف قانون
العقوبات السوري لعام 1949 الارهاب في المواد 304 – 306 بقوله (يقصد بالاعمال
الارهابية جميع الافعال التي ترمي الى ايجاد حالة ذعر وترتكب بوسائل كالادوات
المتفجرة والاسلحة الحربية والمواد الملتهبة والمنتجات السامة او المحرقة والعوامل
الوبائية التي من شانها ان تحدث خطرا عاما) في حين عرف القانون الفرنسي رقم 1020
الصادر في العام 1986 الارهاب بانه (خرق للقانون يقدم عليه فرد من الافراد او
تنظيم جماعي بهدف اثارة اضطراب خطير في النظام العام عن طريق التهديد بالترهيب)
ولا يتضمن قانون العقوبات العراقي النافذ رقم 111 لسنة 1969 تعريفا للارهاب الا
انه قد جرى اصدار قانون لمكافحة الارهاب يحمل الرقم 13 لسنة 2005 تم فيه تحديد
افعال معينة كونها تشكل اعمالا ارهابية, وعرفت المادة الاولى من هذا القانون
الارهاب باعتباره كل فعل اجرامي يقوم به فرد او جماعة منظمة استهدفت فردا او
مجموعة افراد وجماعات او مؤسسات رسمية او غير رسمية اوقع الاضرار بالممتلكات العامة
او الخاصة بغية الاخلال بالوضع الامني او الاستقرار والوحدة الوطنية او ادخال
الرعب والخوف والفزع بين الناس او اثارة الفوضى تحقيقا لغايات ارهابية.
صفوة القول ان هذه التعاريف المتبناة على
المستوى الدولي فضلا عن المستوى الوطني تعكس فهم الاطراف التي وضعتها لما ينبغي ان
يكون عليه مفهوم الارهاب مما يعني وجود تصورات قانونية وسياسية لفكرة الارهاب.
ونتيجة لذلك, فقد ظهرت هذه التعاريف وعكست تباينات واضحة في المفهوم بحيث يتعذر
الجمع والتوفيق فيما بينها الا انه يمكن تثبيت عدة عناصر تميز ما يمكن ان يعد
ارهابا وهذه العناصر هي:
العنصر الاول:
ان الاعمال الارهابية عبارة عن توجهات او افعال
يعبر عنها عن طريق استخدام العنف نتيجة كون هذه التوجهات او الافعال معبرة عن ردة
فعل على الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي يعيشها الجاني,
وهي تستهدف تحقيق غايات واهداف سياسية بالدرجة الاولى, فاخطر العمليات الارهابية
ارتبطت بمواقف سياسية للجناة.
العنصر الثاني:
يستهدف العمل الارهابي اشاعة الرعب والخوف في
نفوس الضحايا بواسطة اعمال عنيفة مفاجئة كاداة او وسيلة للوصول الى الغاية المرجوة
او الهدف المراد الوصول اليه.
العنصر الثالث:
يعد العمل العنيف الذي يرتكب بوسائل تشيع
الرعب والخوف لتحقيق اهداف وغايات سياسية بالدرجة الاساس عملا ارهابيا اذا كان
يتعارض مع مبادئ القانون الدولي. اما اذا كان العمل الذي تقوم به جماعة او شخص ما
يمثل استعمالا لحق مقرر في القانون الدولي فان ذلك لا يعد من قبيل اعمال الارهاب,
ولكن سوف يخضع هذا العمل العنيف والمنظم والمرتبط باهداف وغايات سياسية والمستخدم
للعنف لقواعد قانونية دولية اخرى كحالة مقاومة المحتل المرتبط بالحق في تقرير
المصير سواء بالنسبة للبلد المحتل اي الواقع تحت الاحتلال او بالنسبة للقوى القائمة
بالاحتلال.