بوش والعراق بقلم : أ.د. حكمت شبر عميد معهد العلمين للدراسات العليا سابقا.

بوش والعراق
بقلم : أ.د. حكمت شبر



بوش والعراق
بقلم : أ.د. حكمت شبر عميد معهد العلمين للدراسات العليا سابقا.

      مات بوش الرئيس الأمريكي الأسبق هذا اليوم الأول من كانون الثاني . وبهذه المناسبة قدمت العديد من القنوات الفضائية إنجازات ذلك الرئيس – مجرم الحرب – معتبرين أن أهم إنجازاته ضرب العراق وتدميره ، متجاوزاً ما عرف بانسحاب القوات العراقية من الكويت .
      كان سعيداً ذلك المجرم وهو يخطب في مجلس الكونجرس بتحرير الكويت ، ولكنه غض الطرف عما أحدثته قواته العسكرية وصواريخه ودباباته بالشعب العراقي وبنيته التحتية ، وكانت الجرائم التي أرتكبها المجرمون الأمريكان من طيارين وعسكريين بالجيش العراقي المنهزم مجزرة بل جريمة حرب كبرى بحق العراقيين ، يجب أن يحاكم عليها هذا المجرم ، فقد أبادت الطائرات الأمريكية آلاف الجنود العراقيين المنسحبون من الكويت ، وكانت جثثهم وسياراتهم تغطي المساحة بين الكويت والحدود العراقية .
      أبيد في الانسحاب من الكويت في (طريق الموت) عشرات الالاف من الجنود العراقيين بين الحدود الكويتية وصفوان ، وتحدث الخبراء بين 16 كانون الثاني و27 شباط 1991 ألقي على العراق ما زنته (ثمانية وستون ألف طن من القنابل) أي ما يعادل القوة التدميرية لسبع قنابل ذرية من قنابل هيروشيما .
      أستمرت قوات التحالف وبشكل رئيسي الولايات المتحدة الأمريكية في ألقاء قذائف اليورانيوم المنضب ضد الوحدات المدرعة العراقية ، ووفقاً لما ذكره أحد المراقبين (سيمونزم) أن الولايات المتحدة خلّفت مالايقل عن أربعين طناً من اليورانيوم المنضنّب في ميادين معارك حرب الخليج ، واستنادا إلى تقرير سري ومنعته مؤسسة الطاقة الذرية البريطانية ، يشير التقرير إلى وجود ما يكفي من هذه المادة القاتلة في جنوب العراق إلى حدوث نصف مليون حالة وفاة ، ونحن الآن وفي ما مضى من سنوات شهود على تزايد حالات السرطان لدى العراقيين في البصرة وغيرها من المدن ، وحصول التشوهات الكثيرة لدى الأطفال .
    وذكرت وثائق أطلقت بموجب قانون حرية المطبوعات الأمريكي أن الجيوش الأمريكية والبريطانية والسعودية أطلقت زهاء (4000) قذيفة من اليورانيوم المنضّب وأن طائرات (F15) التابعة للقوة الجوية الأمريكية أطلقت حوالي (940000) طلقة عيار (330) ملم ، ويوجد في مناطق شاسعة من العراق 300 طن متري من اليورانيوم المشع ومن المعروف أن الإشعاع المؤين (ألفا غاما) يسبب السرطان وأعترف الجيش الأمريكي أن بعض من تعرضوا من الجنود الأمريكان إلى أشعاع اليورانيوم أصيبوا بأمراض غير معروفة سميت أمراض (عاصفة الصحراء) .

     واستنادا إلى صحيفة الكارديان البريطانية يذكر (سيمونزم) أن مصادر سعودية غير رسمية ذكرت في نهاية الحرب أن عدد الأصابات العراقية بلغ زهاء (100ألف) . وتسرّب تقرير من وكالة الأستخبارات الأمريكية قدّر عدد الإصابات بـ (400ألف) أصابه ، وأكثر من ذلك فقد هاجمت طائرات التحالف المدن والمنشأت المدنية والصناعية والملاجئ ، وتعرضت مدينة البصرة إلى القصف المتواصل من طائرات (B52) ووفقاً لما قاله (رمزي كلارك) فقد دمّرت المستشفيات والمحاكم ومناطق سكنية كاملة ، كما دُمرّ الكهرباء ومحطات تصفية المياه وغيرها من الجرائم الحربية التي تعاقب عليها محكمة الجنايات الدولية .
    وفي 13 شباط 1991 أحرق القصف الأمريكي في (ملجأ العامرية) في بغداد (400) مدني بين رجل وامرأة وطفل ، تلك الجريمة التي هزّت ضمائر شعوب العالم لتجاوزها كل حدود المجالات المسموح بها في الحروب .
    وقبل انتهاء الحرب قدرّتْ جمعية الهلال الأحمر الأردنية حجم الخسائر بين السكان بـ (113ألف) مواطن عراقي شكّل الأطفال نسبة 60% منهم.
   وقامت منظمة الصحة العالمية بدراسة صحية عن سكان العراق ، فوجدت أن معدل الوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة قد أزداد ستة أضعاف ، وتعزو المنظمة هذا الوضع إلى عامل مهم وأساسي هو سوء تغذية الأمهات والأطفال وهذه الأمراض تتفاعل مع بعضها البعض .
     وتسببت الذخائر غير المنفلقة في قتل الناس الأبرياء في العراق ، فقد ذكرت مؤسسة التعليم الطبي البريطاني أن نسبة ستة أشخاص يقتلون يومياً بالتقاط ذخيرة غير منفلقة ، أو عند الوقوف عليها ، وذكرت منظمة الزراعة والغذاء (FAO) أن أكثر من مليون عراقي ماتوا بسبب تلك الحروب العبثية . بينهم (567ألف) طفل نتيجة مباشرة للحرب الاقتصادية التي واكبت العدوان على العراق واستمرت بشكل غير قانوني وغير أنساني في تكملة نتائج العدوان الأمريكي على العراق .
     ولم تقتصر جريمة بوش على العدوان المباشر باسم تحرير الكويت بل تعدى ذلك في خيانة ثوار العراق في انتفاضة شعبان .
     كان العراقيون يستمعون كل يوم إلى نداءات بوش من راديو العراق الحر بالنهوض والإطاحة بنظام صدام حسين ، وعندما نهض العراقيون في انتفاضة عارمة ضد النظام شملت (14) محافظة عراقية ، تخلى بوش عن وعوده بمساعدة العراقيين ضد النظام وكان في ذلك يستجيب لنداء الملك فهد الذي طلب منه عدم مساندة الثورة في العراق لخوفه من نظام آخر يشبه النظام الخميني في أيران ، فأمر بوش جيشه بالتوقف عن الزحف إلى بغداد ومساعدة النظام العراقي بأطلاق دباباته المحاصرة وسمتياته ، التي قامت بقتل مئات الآلاف من الشعب الثائر في الجنوب والشمال . وكانت مجزرة مكملة لمجزرة الحرب الأمريكية على العراق . وشهدت المقابر الجماعية على جرائم الإبادة التي أجازها بوش ونفذها صدام ضد العراقيين ولم يقصّر نجل بوش (بوش الأبن) في استكمال ما بدأه والده من جرائم أبادة وتدمير بحق العراق والعراقيين ، عندما أحتلت جيوشه العراق مسببة قتل أكثر من مليون أنسان عراقي ومدمرة في نفس الوقت البنية التحتية للعراق ، وما زلنا نعاني من الأضرار التي  سببتها جرائم بوش الآب والأبن . وقد تمت هذه الجرائم لمصلحة الاستعمار الأمريكي وإسرائيل ، التي كانت تخشى من سطوة هذا البلد العظيم المتصدي لمشاريعهم الاستعمارية والصهيونية .
*حكمت شبر : استاذ القانون الدولي العام في جامعة بغداد والمستنصرية وعميد معهد العلمين للدراسات العليا الماجستير والدكتوراه القانون والعلوم السياسية – النجف سابقا.