دراسة لموضعات الحضانة والتفاصيل المتعلقة بها – بحث قانوني متميز

دراسة لموضعات الحضانة والتفاصيل المتعلقة بها – بحث قانوني متميز

 

معنى الحضانة:
الحضانة مأخوذة من الحيض، وهو ما دون الإبط إلى الكشح، وحضنا الشئ جانباه، وحضن الطائر بيضه إذا ضمه إلى نفسه تحت جناحه، وكذلك المرأة إذا ضمت ولدها.
وعرفها الفقهاء: بأنها عبارة عن القيام بحفظ الصغير، أو الصغيرة، أو المعتوه الذي لا يميز ولا يستقل بأمره، وتعهده بما يصلحه، ووقايته مما يوذيه ويضره، وتربيته جسميا ونفسيا وعقليا، كي يقوى على النهوض بتبعات الحياة والاضطلاع بمسئولياتها.
والحضانة بالنسبة للصغير أو للصغيرة واجبة، لأن الاهمال فيها يعرض الطفل للهلاك والضياع.
الحضانة حق مشترك: الحضانة حق للصغير لاحتياجه إلى من يرعاه، ويحفظه، ويقوم على شئونه، ويتولى تربيته.
ولامه الحق في احتضانه كذلك، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «أنت أحق به».
وإذا كانت الحضانة حقا للصغير فإن الأم تجبر عليها إذا تعينت بأن يحتاج الطفل إليها ولم يوجد غيرها، كي لا يضيع حقه في التربية والتأديب.
فإن لم تتعين الحضانة بأن كان للطفل جدة ورضيت بإمساكه وامتنعت الأم فإن حقها في الحضانة يسقط بإسقاطها إياه، لأن الحضانة حق لها.

وقد جاء في بعض الاحكام التي أصدرها القضاء الشرعي ما يؤيد هذا، فقد أصدرت محكمة جرجا في 23 / 7 / 1933 ما يلي: إن لكل من الحاضنة والمحضون حقا في الحضانة، إلا أن حق المحضون أقوى من حق الحاضنة، وإن إسقاط الحاضنة حقها لا يسقط حق الصغير.
وجاء في حكم محكمة العياط في 7 أكتوبر سنة 1928: إن تبرع غير الأم بنفقة المحضون الرضيع لا يسقط حقها في حضانة هذا الرضيع، بل يبقى في يدها ولا ينزع منها مادام رضيعا.
وذلك حتى لا يضار الصغير بحرمانه من أمه التي هي أشفق الناس عليه وأكثرهم صبرا على خدمته.

الأم أحق بالولد من أبيه:
أسمى لون من ألوان التربية هو تربية الطفل في أحضان والديه، إذ ينال من رعايتهما وحسن قيامهما عليه ما يبني جسمه وينمي عقله، ويزكي نفسه ويعده لحياة.
فإذا حدث أن افترق الوالدان وبينهما طفل، فالأم أحق به من الاب، ما لم يقم بالأم مانع يمنع تقديمها، أو بالولد وصف يقتضي تخييره.
وسبب تقديم الأم أن لها ولاية الحضانة والرضاع، لأنها أعرف بالتربية وأقدر عليها، ولها من الصبر في هذه الناحية ما ليس للرجل، وعندها من الوقت ما ليس عنده، لهذا قدمت الأم رعاية لمصلحة الطفل.
فعن عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يارسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال: «أنت أحق به ما لم تنكحي».
أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه.
وعن يحيى بن سعيد قال: سمعت القاسم بن محمد يقول: كانت عند عمربن الخطاب امرأة من الانصار، فولدت له عاصم بن عمر، ثم إن عمر فارقها، فجاء عسر قباء – فوجد ابنه عاصما يلعب بفناء المسجد.
فأخذ بعضده فوضعه بين يديه على الدابة، فأدركته جدة الغلام، فنازعته إياه حتى أتيا أبا بكر الصديق.
فقال عمر: ابني، وقالت المرأة: ابني.
فقال أبو بكر: خل بينها وبينه.
فما راجعه عمر الكلام رواه مالك في الموطأ.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث مشهور من وجوه منقطعة ومتصلة، تلقاه أهل العلم بالقبول.
وفي بعض الروايات أنه قال له: الأم أعطف وألطف وأرحم وأحنى وأخير وأرأف، وهي أحق بولدها ما لم تتزوج.
وهذا الذي قاله أبو بكر رضي الله عنه من كون الأم أعطف وألطف هو العلة في أحقية الأم بولدها الصغير.

ترتيب أصحاب الحقوق في الحضانة:
وإذا كانت الحضانة للام ابتداء فقد لاحظ الفقهاء أن قرابة الأم تقدم على قرابة الاب، وأن الترتيب بين أصحاب الحق في الحضانة يكون على هذا النحو:
الأم: فإذا وجد مانع يمنع تقديمها انتقلت الحضانة إلى أم الأم، وإن علت. فإن وجد مانع انتقلت إلى أم الاب، ثم إلى الأخت الشقيقة. ثم الأخت لام، ثم الأخت لاب، ثم بنت الأخت الشقيقة فبنت الأخت لام. ثم الخالة الشقيقة، فالخالة لام. فالخالة لاب. ثم بنت الأخت لاب. ثم بنت الاخ الشقيق، فبنت الاخ لام، فبنت الاخ لاب، ثم العمة الشقيقة، فالعمة لأم فالعمة لاب، ثم خالة الأم، فخالة الاب، فعمة الأم، فعمة الاب، بتقديم الشقيقة في كل منهن.
فإذا لم توجد للصغير قريبات من هذه المحارم، أو وجدت وليست أهلا للحضانة، انتقلت الحضانة إلى العصبات من المحارم، من الرجال على حسب الترتيب في الارث.
فينتقل حق الحضانة إلى الاب، ثم أبي أبيه، وإن علا، ثم إلى الاخ الشقيق، ثم إلى الاخ الاب، ثم ابن الاخ الشقيق، ثم ابن الاخ الاب، ثم الغم الشقيق، فالعم لاب، ثم عم أبيه الشقيق، ثم عم أبيه لاب.
فإذا لم يوجد من عصبته من الرجال المحارم أحد، أو وجد وليس أهلا للحضانة، انتقل حق الحضانة إلى محارمه من الرجال غير العصبة.
فيكون للجد لام، ثم للاخ لام، ثم لابن الاخ لام، ثم للعم لام، ثم للخال الشقيق، فالخال لاب، فالخال لام.
فإذا لم يكن للصغير قريب عين القاضي له حاضنة تقوم بتربيته.
وإنما كان ترتيب الحضانة على هذا النحو، لأن حضانة الطفل أمر لابد منه، وأولى الناس به قرابته، وبعض القرابة أولى من بعض.
فيقدم الأولياء لكون ولاية النظر في مصالحه إليهم ابتداءا، فإذا لم يكونوا موجودين، أو كانوا ووجد ما يمنعهم من الحضانة، انتقلت إلى الاقرب فالاقرب.
فإن لم يكن ثمة قريب، فإن الحاكم مسئول عن تعيين من يصلح للحضانة.

شروط الحضانة:
يشترط في الحاضنة التي تتولى تربية الصغير وتقوم على شئونه، الكفاءة والقدرة على الاضطلاع بهذه المهمة، وإنما تتحقق القدرة والكفاءة بتوفر شروط معينة، فإذا لم يتوفر شرط منها سقطت الحضانة، وهذه الشروط هي:

1- العقل:
فلا حضانة لمعتوه، ولا مجنون، وكلاهما لايستطيع القيام بتدبير نفسه، فلا يفوض له أمر تدبير غيره، لأن فاقد الشئ لا يعطيه.

2- البلوغ:
لأن الصغير ولو كان مميزا في حاجة إلى من يتولى أمره ويحضنه، فلا يتولى هو أمر غيره.

3- القدرة على التربية:
فلا حضانة لكفيفة، أو ضعيفة البصر، ولا لمريضة مرضا معديا، أو مرضا يعجزها عن القيام بشئونه، ولا لمتقدمة في السن تقدما يحوجها إلى رعاية غيرها لها. ولا لمهملة لشئون بيتها كثيرة المغادرة له، بحيث يخشى من هذا الاهمال ضياع الطفل وإلحاق الضرر به. أو لقاطنة مع مريض مرضا معديا، أو مع من يبغض الطفل، ولو كان قريبا له، حيث لا تتوفر له الرعاية الكافية، ولا الجو الصالح.

4- الأمانة والخلق:
لأن الفاسقة غير مأمونة على الصغير ولا يوثق بها في أداء واجب الحضانة، وربما نشأ على طريقتها ومتخلقا بأخلاقها، وقد ناقش ابن القيم هذا الشرط فقال: مع أن الصواب أنه لا تشترط العدالة في الحاضن قطعا وإن شرطها أصحاب أحمد والشافعي رحمهما الله وغيرهم. واشتراطها في غاية البعد.
ولو اشترط في الحاضن العدالة لضاع أطفال العالم، ولعظمت المشقة على الأمة، واشتد العنت ولم يزل من حين قام الإسلام إلى أن تقوم الساعة أطفال الفساق بينهم، لا يتعرض لهم أحد في الدنيا مع كونهم هم الاكثرين، ومتى وقع في الإسلام انتزاع الطفل من أبويه أو أحدهما بفسقه، وهذا في الحرج والعسر واستمرار العمل المتصل في سائر الأمصار والاعصار على خلافة بمنزلة اشتراط العدالة في ولاية النكاح، فإنه دائم الوقوع في الأمصار والاعصار والقرى والبوادي مع أن أكثر الأولياء الذين يلون ذلك فساق، ولم يزل الفسق في الناس.
ولم يمنع النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة فاسقا في تربية ابنه وحضانته له، ولامن تزويجه موليته.
والعادة شاهدة بأن الرجل لو كان من الفساق فإنه يحتاط لابنته ولا يضيعها.
ويحرص على الخير لها بجهده وإن قدر خلاف ذلك فهو قليل بالنسبة إلى المعتاد.
والشارع يكتفي في ذلك على الباعث الطبيعي. ولو كان الفاسق مسلوب الحضانة وولاية النكاح لكان بيان هذا للامة من أهم الأمور واعتناء الأمة بنقله وتوارث العمل به مقدما على كثير مما نقلوه وتوارثوا العمل به.
فكيف يجوز عليهم تضييعه واتصال العمل بخلافه، ولو كان الفسق ينافي الحضانة، لكان من زنى، أو شرب الخمر، أو أتى كبيرة فرق بينه وبين أولاده الصغار والتمس لهم غيره. والله أعلم.

5- الإسلام:
فلا تثبت الحضانة للحاضنة الكافرة للصغير المسلم، لأن الحضانة ولاية، ولم يجعل الله ولاية للكافر، على المؤمن {ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا}، فهي كولاية الزواج والمال، ولأنه يخشى على دينه من الحاضنة لحرصها على تنشئته على دينها، وتربيته على هذا الدين، ويصعب عليه بعد ذلك أن يتحول عنه، وهذا أعظم ضرر يلحق بالطفل ففي الحديث: «كل مولود يولد على الفطرة إلا أن أبويه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» وذهب الأحناف وابن القاسم من المالكية وأبو ثور إلى أن الحضانة تثبت للحاضنة مع كفرها وإسلام الولد لأن الحضانة لا تتجاوز رضاع الطفل وخدمته، وكلاهما يجوز من الكافرة.
وروى أبو داود والنسائي: أن رافع بن سنان أسلم، وأبت امرأته أن تسلم، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: ابنتي – وهي فطيم. أو شبهه، وقال رافع: ابنتي.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم أهدها» فمالت إلى أبيها فأخذها والأحناف وإن رأوا جواز حضانة الكافرة، إلا أنهم اشترطوا: أن لا تكون مرتدة، لأن المرتدة عندهم تستحق الحبس حتى تتوب وتعود إلى الإسلام أو تموت في الحبس، فلا تتاح لها الفرصة لحضانة الطفل، فإن تابت وعادت عاد لها حق الحضانة.

6- أن لا تكون متزوجة:
فإذا تزوجت سقط حقها في الحضانة.
لما رواه عبد الله بن عمرو أن امرأة قالت: يا رسول الله أن ابني هذا كان بطني له وعاء، وحجري له حواء، وثديي له سقاء، وزعم أبوه أنه ينزعه مني، فقال: «أنت أحق به ما لم تنكحي» أخرجه أحمد وأبو داود والبيهقي والحاكم وصححه.
وهذا الحكم بالنسبة للمتزوجة بأجنبي فإن تزوجت بقريب محرم من الصغير، مثل عمه، فإن حضانتها لا تسقط، لأن العم صاحب حق في الحضانة وله من صلته بالطفل وقرابته منه ما يحمله على الشفقة عليه ورعاية حقه فيتم بينهما التعاون على كفالته بخلاف الاجنبي.
فإنها إذا تزوجته فإنه لا يعطف عليه ولا يمكنها من العناية به.
فلا يجد الجو الرحيم ولاالتنفس الطبيعي ولا الظروف التي تنمي ملكاته ومواهبه.
ويرى الحسن وابن حزم أن الحضانة لا تسقط بالتزويج بحال.
7- الحرية:
إذ أن المملوك مشغول بحق سيده فلا يتفرغ لحضانة الطفل.
قال ابن القيم: وأما اشتراط الحرية فلا ينتهض عليه دليل يركن القلب إليه، وقد اشترط أصحاب الائمة الثلاث.
وقال مالك رحمه الله في حر له ولد من أمة: إن الأم أحق به إلا أن تباع فتنتقل فيكون الاب أحق به وهذا هو الصحيح.

أجرة الحضانة:
أجرة الحضانة مثل أجرة الرضاع، لا تستحقها الأم مادامت زوجة، أو معتدة، لأن لها نفقة الزوجية، أو نفقة العدة، إذا كانت زوجة أو معتدة.
قال الله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف}.
أما بعد انقضاء العدة فإنها تستحق الاجرة كما تستحق أجرة الرضاع، لقول الله سبحانه: {فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى}.
وغير الأم تستحق أجرة الحضانة، من وقت حضانتها، مثل الظئر التي تستأجر لرضاع الصغير.
وكما تجب أجرة الرضاع وأجرة الحضانة على الاب تجب عليه أجرة المسكن أو إعداده إذا لم يكن للام مسكن مملوك لها تحضن فيه الصغير.
وكذلك تجب عليه أجرة خادم، أو إحضاره، إذا احتاجت إلى خادم وكان الاب موسرا.
وهذا بخلاف نفقات الطفل الخاصة من طعام وكساء وفراش وعالج ونحو ذلك من حاجاته الأولية التي لا يستغني عنها، وهذه الاجرة تجب من حين قيام الحاضنة بها وتكون دينا في ذمة الاب لا يسقط إلا بالاداء أو الابراء.

التبرع بالحضانة:
إذا كان في أقرباء الطفل من هو أهل للحضانة وتبرع بحضانته وأبت أمه أن تحضنه إلا بأجرة.
فإن كان الاب موسرا فإنه يجبر على دفع أجرة للام، ولا يعطى الصغير للمتبرعة، بل يبقى عند أمه، لأن حضانة الأم أصلح له، والاب قادر على إعطاء الاجرة.
ويختلف الحكم في حالة ما إذا كان الاب معسرا فإنه يعطى للمتبرعة لعسره وعجزه عن أداء الاجرة مع وجود المتبرعة ممن هو أهل للحضانة من أقرباء الطفل.
هذا إذا كانت النفقة واجبة على الاب.
أما إذا كان للصغير مال ينفق منه عليه فإن الطفل يعطى للمتبرعة صيانة لماله من جهة، ولوجوده من يحضنه من أقاربه من جهة أخرى.
وإذا كان الاب معسرا والصغير لا مال له، وأبت أمه أن تحضنه إلا بأجرة، ولا يوجد من محارمه متبرع بحضانته، فإن الأم تجبر على حضانته، وتكون الاجرة دينا على الاب لا يسقط إلا بالاداء أو الابراء.

انتهاء الحضانة:
تنتهي الحضانة إذا استغنى الصغير أو الصغيرة عن خدمة النساء وبلغ سن التمييز والاستقلال، وقدر الواحد منهما على أن يقوم وحده بحاجاته الأولية بأن يأكل وحده، ويلبس وحده، وينظف نفسه وحده.
وليس لذلك مدة معينة تنتهي بانتهائها بل العبرة بالتمييز والاستغناء.
فإذا ميز الصبي واستغنى عن خدمة النساء وقام بحاجاته الأولية وحده فإن حضانتها تنتهي.
والمفتى به في المذهب الحنفي وغيره: أن مدة الحضانة تنتهي إذا أتم الغلام سبع سنين، وتنتهي كذلك إذا أتمت البنت تسع سنين.
وإنما رأوا الزيادة بالنسبة للبنت الصغيرة لتتمكن من اعتياد عادات النساء من حاضنتها.
وقد جاء تحديد سن الحضانة في القانون رقم 25 لسنة 1929 مادة 20 ما نصه: وللقاضي أن يأذن بحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى تسع.
وللصغيرة بعد تسع سنين إلى إحدى عشرة سنة إذا تعين أن مصلحتها تقتضي ذلك فتقدير مصلحة الصغير أو الصغيرة موكول للقاضي.
وأوضحت المذكرة التفسيرية لهذا القانون هذه المادة بما نصه: جرى العمل إلى الان، على أن حق الحضانة ينتهي عند بلوغ سن الصغير سبع سنين وبلوغ الصغيرة تسعا.
وهي سن دلت التجاوب على أنها قد لا يستغني فيها الصغير والصغيرة عن الحضانة، فيكونان في خطر من ضمهما إلى غير النساء، خصوصا إذا كان والدهما متزوجا بغير أمهما.
ولذلك كثرت شكوى النساء من انتزاع أولادهن منهن في ذلك الوقت، ولما كان المعول عليه في مذهب الحنفية أن الصغير يسلم إلى أبيه عند الاستغناء عن خدمة النساء، والصغيرة تسلم إليه عند بلوغ حد الشهوة.
وقد اختلف الفقهاء في تقدير السن التي يكون عندها الاستغناء بالنسبة للصغير.
فقدرها بعضهم بسبع سنين، وبعضهم قدرها بتسع، وقدر بعضهم بلوغ حد الشهوة بتسع سنين، وبعضهم قدره بإحدى عشرة.
رأت الوزارة أن المصلحة داعية إلى أن يكون للقاضي حرية النظر في تقدير مصلحة الصغير بعد سبع، والصغيرة بعد تسع.
فإن رأى مصحلتهما في بقائهما تحت حضانة النساء فقضى بذلك إلى تسع في الصغير وإحدى عشرة في الصغيرة.
وإن رأى مصلحتهما في غير ذلك قضى بضمهما إلى غير النساء المادة 20 في السودان: وقد قرر الاستاذ الدكتور محمد يوسف موسى أن العمل في المحاكم الشرعية بالسودان كان جاريا على أن الولد تنتهي حضانته ببلوغه سبع سنين، والأنثى ببلوغها تسع سنين، إلى أن صدر في السودان منشور شرعي رقم 34 في 12 12 1932 وجاء في المادة الأولى منه: وللقاضي أن يأذن بحضانة النساء للصغير بعد سبع سنين إلى البلوغ، وللصغيرة بعد تسع سنين إلى الدخول.
إذا تبين أن مصلحتهما تقتضي ذلك.
وللاب وسائر الأولياء تعهد المحضون عند الحاضنة وتأديبه وتعليمه.
ثم نص المنشور نفسه بعد ذلك في المادة الثانية منه على ما يأتي: لا أجرة للحضانة بعد سبع سنين للصغير، وبعد تسع للصغيرة.
وفي المادة الثالثة: لو زوج الاب المحضونة، قاصدا بتزويجها إسقاط الحضانة، فلا تسقط بالدخول حتى تطيق.
وإذا رجعنا إلى النشرة العامة رقم 18 6 1942 الصادرة في الخرطوم في تاريخ 5 12 1942 نجدها شرحت هذه المواد السابقة وخلاصتها ما يأتي:
1- أن المنشور الشرعي رقم 34 زاد سن حضانة الغلام إلى البلوغ، والبنت إلى الدخول، وهذا على غير ما عرف من مذهب أبي حنيفة، وهذه هي الحالة الخاصة التي خالف فيها المنشور مذهب أبي حنيفة.
عملا بمذهب مالك.

ويظهر أنها حالة استثنائية يلزم للسير فيها الاتي:
1- لا يمد القاضي مدة الحضانة إلا إذا طلبت الحاضنة من المحكمة الاذن لها ببقاء المحضون بيدها، لأن المصلحة تقتضي ذلك مع بيان المصلحة، أو تمانع في تسليم المحضون للعاصب لهذا السبب نفسه.
فإذا لم يوافق العاصب على بقاء المحضون بيده الحاضنة تكلف الحاضنة تقديم أدلتها، أو تتولى المحكمة تحقيق وجه المصلحة للغلام أو البنت، فإذا لم تقدم أدلة، أو قدمت ولم تكن كافية للاثبات ولم يتضح للمحكمة أن المصلحة تقتضي بقاء المحضون بيد الحاضنة، فإن المحكمة تحلف العاصب اليمين بطلب الحاضنة فإن حلف على أن مصلحة المحضون لا تقتضي بقاءه بيد الحاضنة حكمت بتسليمه إليه، وإن نكل رفضت دعواه.
2- أما إذا لم تعارض الحاضنة في ضم المحضون للعاصب أو لم تحضر أصلا فإنه يجب على المحكمة تطبيق أحكام مذهب الإمام أبي حنيفة، ويسلم المحضون الذي جاوز سن الحضانة للعاصب متى كان أهلا لذلك، ولا يطالب بإثبات أن مصلحة المحضون تقتضي بذلك.
3- إذا كانت الحاضنة غائبة عند طلب تسليم الصغيرة فلها أن تعارض في الحكم وتطلب بقاءه في يدها، وتتخذ المحكمة نفس الاجراءات التي اتبعت مع الحاضنة الحاضرة.
4- إذا أفتت المحكمة ببقاء المحضون بين النساء لمصلحة تقتضي ذلك، ثم تغير وجه المصلحة، وعرض عليها النزاع مرة أخرى أجاز لها، بعد أن تتحق من أنه لم يبق للمحضون مصلحة تقتضي بقاءه بيد الحاضن إن تقرر نزعه وتسليمه للعاصب.

تخيير الصغير والصغيرة بعد انتهاء الحضانة:
وإذا بلغ الصغير سبع سنين، أو سن التمييز وانتهت حضانته، فإن اتفق الاب والحاضنة على إقامته عند واحد منهما أمضي هذا الاتفاق.
وإن اختلفا أو تنازعا، خير الصغير بينهما، فمن اختاره منهما فهو أولى به، لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يارسول الله: أن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة، وقد نفعني.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت» فأخذ بيد أمه.
فانطلقت به رواه أبو داود.
وقضى بذلك عمر وعلي وشريح، وهو مذهب الشافعي والحنابلة، فإن اختارهما، أو لم يختر واحدا منهما، قدم أحدهما بالقرعة.
وقال أبو حنيفة: الاب أحق به…ولا يصح التخيير، لأنه لا قول له ولا يعرف حظه.
وربما اختار من يلعب عنده ويترك تأديبه ويمكنه من شهواته، فيؤدي إلى فساده ولأنه دون البلوغ.
فلم يخير كمن دون السابعة.
وقال مالك: الأم أحق به حتى يثغر.
وهذا بالنسبة للصغير، أما الصغيرة فأنها تخير مثل الصغير عند الشافعي.
وقال أبو حنيفة: الأم أحق بها حتى تزوج أو تبلغ.
وقال مالك: الأم أحق بها حتى تزوج ويدخل بها الزوج.
وعند الحنابلة: الأب أحق بها من غير تخيير إذا بلغت تسعا، والأم أحق بها إلى تسع سنين.
والشرع ليس فيه نص عام في تقديم أحد الابوين مطقا، ولا تخيير الولد بين الابوين مطلقا..والعلماء متفقون على أنه لا يتعين أحدهما مطلقا.
بل لا يقدم ذو العدوان والتفريط على البار العادل المحسن.
والمعتبر في ذلك القدرة على الحفظ والصيانة.
فإن كان الاب مهملا لذلك، أو عاجزا عنه، أو غير مرض والأم بخلافه فهي أحق بالحضانة، كما أفاده ابن القيم.
قال: فمن قدمناه بتخيير، أو قرعة، أو بنفسه، فإنما نقدمه إذا حصلت به مصلحة الولد.
ولو كانت الأم أصون من الاب وأغير منه قدمت عليه ولا التفات إلى قرعة ولا اختيار للصبي في هذه الحالة، فإنه ضعيف العقل يؤثر البطالة واللعب، فإذا اختار من يساعده على ذلك لم يلتفت إلى اختياره، وكان عند من هو أنفع له وأخير، ولا تحتمل الشريعة غير هذا.
والنبي صلى الله عليه وسلم قد قال: «مروهم بالصلاة لسبع، واضربوهم على تركها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع».
والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة}.
وقال الحسن: علموهم وأدبوهم، وفقهوهم فإذا كانت الأم تتركه في المكتب وتعلمه القرآن، والصبي يؤثر اللعب ومعاشرة أقرانه، وأبوه يمكنه من ذلك فإنها أحق به بلا تخيير ولا قرعة وكذلك العكس.
ومتى أخل أحد الابوين بأمر الله ورسوله في الصبي وعطله، والآخر مراع له، فهو أحق وأولى به.
قال: وسمعت شيخنا رحمه الله يقول:
تنازع أبوان صبيا عند بعض الحكام، فخيره بينهما، فاختار أباه، فقالت له أمه: اسأله لاي شيء يختار أباه، فسأله فقال: أمي تبعثني كل يوم للكتاب، والفقيه يضربني، وأبي يتركني للعب مع الصبيان، فقضى به للأم قال: أنت أحق به.
قال: قال شيخنا: وإذا ترك أحد الابوين تعليم الصبي وأمره الذي أوجبه الله تعالى عليه، فهو عاص ولا ولاية له عليه، بل كل من لم يقم بالواجب في ولايته فلا ولاية له.
بل إما أن يرفع يده عن الولاية ويقام من يفعل الواجب وإما أن يضم إليه من يقوم معه بالواجب.
إذ المقصود طاعة الله ورسوله بحسب الإمكان. انتهى.

الطفل بين أبيه وأمه:
قال الشافعية: فإن كان ابنا فاختار الأم كان عندها بالليل ويأخذه الاب بالنهار في مكتب أو صنعة، لأن القصد حظ الولد، وحظ الولد فيما ذكرناه، وإن اختار الاب كان عنده بالليل والنهار، ولا يمنعه من زيارة أمه، لأن المنع من ذلك إغراء بالعقوق وقطع الرحم، فإن مرض كانت الأم أحق بتمريضه، لأنه بالمرض صار كالصغير في الحاجة إلى من يقوم بأمره، فكانت الأم أحق به، وإن كانت جارية فاختارت أحدهما كانت عنده بالليل والنهار، ولا يمنع الآخر من زيارتها من غير إطالة وتبسط، لأن الفرقة بين الزوجين تمنع من تبسط أحدهما في دار الاخر، وإن مرضت كانت الأم أحق بتمريضها في بيتها، وإن مرض أحد الابوين والولد عند الآخر لم يمنع من عيادته، وحضوره عند موته لما ذكرناه، وإن اختار أحدهما فسلم إليه ثم اختار الآخر حول إليه، وإن عاد فاختار الأول أعيد إليه لأن الاختيار إلى شهوته، وقد يشتهي المقام عند أحدهما في وقت، وعند الآخر في وقت، فاتبع ما يشتهيه كما يتبع ما يشتهيه من مأكول ومشروب.

الانتقال بالطفل:
قال ابن القيم: فإن كان سفر أحدهما لحاجة ثم يعود والآخر مقيم فهو أحق، لأن السفر بالولد الطفل – ولا سيما إذا كان رضيعا إضرار به وتضييع له، هكذا أطلقوه ولم يستثنوا سفر الحج من غيره.
وإن كان أحدهما منتقلا عن بلد لاخر للاقامة والبلد وطريقه مخوفان أو أحدهما، فالمقيم أحق.
وإن كان هو وطريقه آمنين، ففيه قولان: وهما روايتان عن أحمد رحمه الله:
إحداهما أن الحضانة للاب ليتمكن من تربية الولد وتأديبه وتعليمه، وهو قول مالك والشافعي رحمهما الله، وقضى به شريح.
والثانية أن الأم أحق.
وفيها قول ثالث: إن كان المنتقل هو الاب فالأم أحق به وإن كان الأم فإن انتقلت إلى البلد الذي كان فيه أصل النكاح فهي أحق به.
وان انتقلت إلى غيره فالاب أحق وهذا قول أبي حنيفة.
وحكوا عن أبي حنيفة رحمه الله، رواية أخرى: أن نقلها إن كان من بلد إلى قرية فالاب أحق، وإن كان من بلد إلى بلد فهي أحق، وهذه أقوال كلها كما ترى لا يقوم عليها دليل يسكن القلب إليه.
فالصواب النظر والاحتياط للطفل في الاصلح له، والانفع الإقامة أو النقلة فأيهما كان أنفع له وأصون وأحفظ روعي ولا تأثير لاقامة ولا نقلة.
هذا كله ما لم يرد أحدهما بالنقلة مضارة الاخر، وانتزاع الولد منه، فإن أراد ذلك لم يجب إليه والله الموفق.

أحكام القضاء:
وللقضاء الشرعي أحكام يعسر إحصاؤها في القضايا الخاصة ومشاكلها، وللكثير من هذه الاحكام دلالات وقواعد صدرت عنها ومبادئ قررتها، ونكتفي هنا بأن نشير إلى هذه الاحكام.

الحكم الأول:
وقد صدر من محكمة كرموز الجزئية بتاريخ 10 إبريل 1932 وتأيد من محكمة الاسكندرية الابتدائية في 29.
مايو سنة 1932 وهو يقضي برفض دعوى أب طلب ضم ابنته الصغيرة إليه، لاقامة أمها وهي زوجته في بلد بعيد عن البلد الذي كان محل إقامتهما، وفيه عقد زواجها، وهذا يسقط حقها شرعا في الحضانة.
وقد استندت المحكمة في حكمها إلى أن الثابت فقها أن الأم أحق بالحضانة قبل الفرقة وبعدها وأن نشوز الزوجة لا يسقط حقها في الحضانة، وعلى الاب إذا أراد ضم الصغير إليه أن يطلب دخول أمه في طاعته مادامت الزوجية قائمة، فإن لم يفعل وطلب ضم الصغير وحده كان ظالما ولا يجاب إلى طلبه، لأن ذلك يفوت على الأم حضانته وحق رويته.
وهكذا قرر هذا الحكم هذه القاعدة: إذا انتقلت أم الصغير بولدها ولو إلى مكان بعيد فليس للاب حق نزعه منها مادامت الزوجية قائمة لأن له عليها سلطان الزوجية وإدخالها في طاعته، فيضمه بضمها إليه.
وكذلك المعتدة لوجوب إسكانها بمسكن العدة.

الحكم الثاني:
وقد صدر من محكمة ببا الجزئية في 25 مايو سنة 1931 وتأيد استئنافيا من محكمة بني سويف الكلية في 20 يوليو سنة 1931 وقد قرر هذه القاعدة: يرفض طلب الاب ضم ابنه الصغير إليه، لعدم تمكنه من الحضور من بلده إلى بلد أمه وحاضنته لرؤيته والعودة قبل الليل، مادامت الأم مقيمة في بلد هو وطنها، ولم يكن بينه وبين بلد الاب التي ابتعد هو عنها تفاوت كبير يمنعه من الذهاب لرؤية ولده والعودة إلى بلده قبل الليل، سواء أكان ابتعاده عن ذلك البلد بإرداته أم بغير إرادته لأنه لا ذنب للحاضنة في هذا على كل حال.
ويؤخذ من وقائع هذه الدعوى أن المدعي كان قد تزوج المدعي عليها في بلدها بني مزار، ثم رزقت منه حال قيام الزوجية ببنت وطلقت منه في البلد المذكور وانتهت عدتها بوضع الحمل، ثم أقامت المدعي عليها دعوى بمدينة نبا وأخذت عليه حكما من محكمتها بحضانة الصغيرة بتاريخ 29 أكتوبر سنة 1930 حين كان المدعي مقيما ببني مزار، وانتهى الأمر باقامته بأسيوط بحكم وظيفته حيث رفع هذه الدعوى طالبا ضم ابنته إليه وهي لا تزيد سنها عن سنتين وثمانية أشهر.

الحكم الثالث:
وقد صدر من محكمة دمنهور في 25 اكتوبر سنة 1927 ولم يستأنف وهو يقرر في حيثياته أن المنصوص عليه شرعا أن غير الأم من الحاضنات ليس لها نقل الصغير من بلد أبيه إلا بإذنه.
ولكن بعض الفقهاء حمل المنع على المكانين المتفاوتين، بحيث لو خرج الاب لرؤية ولده لا يمكنه الرجوع إلى منزله قبل الليل لا المتقاربين، حيث لم يفرق بين الأم وغيرها في ذلك.
وهكذا نرى أنه من الضروري الوقوف على أحكام القضاء التي تعتبر تطبيقا عمليا للنصوص الفقهية، ففيها تعالج مشاكل الحياة العملية وينظر القاضي لهذه النصوص على ضوء الواقع في الحياة نفسها.