تفتيش فاقدي الوعي والمصابين في حوادث الطرق العامة

تفتيش فاقدي الوعي والمصابين في حوادث الطرق العامة.

(١)كثيرا ما يتعرض الناس لحوادث في الطرق العامة فيسقطوا فاقدي الوعي ويتم علي اثرها نقلهم الي اقرب مستشفي بغية إنقاذهم ولكن قبل النقل أو في اثناءة أو عند وصول المصاب الي المستشفي قد يجري تفتيش متعلقات المصاب أو ملابسه بغيه التعرف علي شخصيته من واقع بطاقة الرقم القومى أو اي مستند يحقق شخصيته بل أنه عن دخوله المستشفي جري العمل علي تفتيشه لجمع ما معه من متعلقات وحصرها خشيه السرقه أو الضياع كي ترد اليه أو الي اهله.

ولا يري جمهور الفقه بائسا من اجراء هذا التفتيش اذ دعه اليه الضرورة العاجلة ويستهدف مصلحة المصاب فهو ليس تفتيش يستهدف البحث عن ادله جريمة وقعت وانما اجراء اداري املته ضرورة التعرف علي شخصية المصاب والحفاظ علي متعلقاته وبالتالي فلا يتقيد بضمانات التفتيش كاجراء تحقيق ويصح مباشرته من رجال الاسعاف والشرطه واحاد الناس بل من إدارة المستشفي المنقول اليها فهو إجراء مشروع فإذا ظهرت أثناء اجراءه جريمة كما لو عثر رجل الأسعاف عند تفتيشة فى جيوب المصاب أو حقيقته على مادة مخدرة أو سلاح غير مرخص تحققت بذلك حالة التلبس

(د.محمود نجيب حسني-شرح قانون الإجراءات الجنائية-١٩٨٨-ص٤٣٥:د.رمسيس بهنام الإجراءات الجنائية تاصيلا وتحليلا-١٩٨٤ص٢٤١؛د.حسن صادق المرصفاوي-أصول الإجراءات الجنائية-٢٠٠-ص٣٦٥:د احمد فتحي سرور-الوسيط في قانون الإجراءات الجنائية-الجزء الأول ٢٠١٤-ص٥٤٣؛د.مامون سلامة د-الإجراءات الجنائية في التشريع المصري-٢٠٠٨-ص٥٤٣؛د فوزيه عبد الستار-شرح قانون الإجراءات الجنائية-٢٠١٦-ص٣٤١؛د.محمد زكي أبو عامر-الإجراءات الجنائية-٢٠١٣-ص٥٤٣؛د عوض محمد عوض-قانون الإجراءات الجنائية-الجزء الاول-١٩٩٠-ص٣٩٧)

وهنا تحول التفتيش من اجراء يستهدف مصلحة المصاب الي وبالا عليه اذ اسفر عن دليل جريمة ضده!.وهذا ما تراه محكمة النقض إذ قضت فى هذا الصدد أن تفتيش المصاب الغائب عن الوعى فى هذه الحالة لا يعد تفتيشاً بالمعنى الذى قصده الشارع ولا يعتبر عملاً من أعمال التحقيق ، ولا ينطوى على إعتداء على حرية المريض أو المصاب ومن صميم واجبات رجل الإسعاف فى الظروف التى تؤدى فيها خدماته فهو اجراء مشروع وأن اسفر عن دليل جريمة اخذ المصاب به وعوقب علي اساسه

(نقض 10/1/1956س 7 رقم 9 ص21؛ نقض 29/4/1958 مج المكتب الفنىس 9رقم 122 ص 446؛نقض 5/5/1958 س 9 رقم 124 ص457؛نقض 20/4/1959 س 10رقم97 ص441؛نقض 30/6/1959 س 1رقم160 ص736؛نقض 6/2/1961س 2 رقم3ص181؛نقض 16/11/1978س 29 رقم161 ص788).

(٢)غير أن هذا الاستقرار القضائي والفقهي لم يمنع استاذنا الدكتور عبد الفتاح الصيفي في مؤلفه تأصيل الاجراءات الجنائية طبعه ٢٠٠٢من معارضة هذا التفتيش ونعته بعدم المشروعية إذ في ظاهره الرحمه بالمصاب وباطنه العذاب بتعرضه للعقاب أن اسفر التفتيش عن دليل جريمة.ولقد استعرضنا هذا الخلاف في مؤلفنا التفتيش الاداري وقلنا بمشروعية هذا التفتيش مع تقييده بالعديد من الضمانات اولها:الا يستطيع المصاب التعبير عن إرادته بسبب الإصابة وثانيها:تعذر التعرف علي شخصيه المصاب إلا بتفتيشه بمعني أنه إذا كان رفقه المصاب أحد من اهله أو معارفة يمكن من خلاله التعرف علي المصاب امتنع التفتيش وثالث هذه الضمانات” التقيد بالغرض من هذا التفتيش وهو التعرف علي شخصيه المصاب فإن استهدف التفتيش غايه أخري كضبط ادله جريمة كما لو جري التفتيش في موضع مستحيل أن يضع فيه الشخص بطاقه الرقم القومي كورقه سلفونيه مغلفه صغيره الحجم أو استنفد غرضه بالحصول علي تحقيق الشخصيه ورغم ذلك تم مواصله التفتيش وقع باطلا في حدود التجاوز. ولكن قضاء النقض مضطرب حول هذه الضمانات ففي بعض الأحكام يطبقها وفي بعض الاحكام الاخري يتفاغل عنها.

(٣)ومن الأحكام التي طبقت فيها محكمة النقض هذه الضمانات ما قضت به من أن تفتيش فاقدي الوعي ” مقيد بالغرض منه وهو التحقق من شخصيه المصاب من واقع بطاقة الرقم القومى ولا يصح تجاوز هذا الغرض بالتنقيب في ملابسه وامتعته وما يحمله بحثا عن دليل جريمة والا غدا تفتيش باطل وقالت في ذلك أنه لما كان الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أنه أثناء وجود ضابط الواقعة بكمين بخدمته الليلية حضرت له سيدة في حالة إعياء شديد وعدم اتزان وفوجئ بها تسقط مغشياً عليها فطلب لها سيارة إسعاف ثم فتح حقيبة يدها للتعرف على بياناتها من واقع بطاقة تحقيق شخصيتها فوجد بها ورقة مالية فئة الخمسة جنيهات ملفوفة بطريقة غير منتظمة ففضها ليتبين بها كمية من مسحوق بيج اللون يشبه مخدر الهيروين فأبلغ ضابط المباحث الذى حضر لضبطها واصطحابها لديوان القسم .

وتساند الحكم إلى ما أورده فيما سلف في معرض رده على دفع الطاعنة المشار إليه بوجه الطعن . لما كان ذلك ، وكان الواضح مما سرده الحكم المطعون فيه أن ضابط الواقعة في سبيل معرفة شخصية الطاعنة قد قام بفتح حقيبة يدها ، وهو في مباشرته لهذا الإجراء إنما يقوم بدوره الإدارى الذى خوله إياه القانون ، إلا أن ذلك مشروط بمراعاة ضوابط الشرعية المقررة للعمل الإدارى فلابد أن يستهدف مصلحة عامة وأن يكون له سند من القانون وأن يلتزم بالحدود اللازمة لتحقيق غاية المشرع من منحه هذه الصلاحية وأن يلتزم في مباشرتها بالقواعد الدستورية والقانونية وإلا وصف عمله بعدم المشروعية والانحراف بالسلطة ، وإذ كان البين مما سرده الحكم المطعون فيه أن المخدر المضبوط لم يضبط مع شخص الطاعنة بل تم ضبطه في حقيبة يدها بداخل لفافة من العملة الورقية ، وأن ضابط الواقعة لم يقف دوره عند التحقق من شخصيتها ومعرفة بياناتها من واقع بطاقة تحقيق شخصيتها التى وجدها بالحقيبة ، بيد أنه جاوز في مباشرته لهذا الإجراء حدود غرض المشرع من منحه هذه الصلاحية إلى اتخاذ إجراء من إجراءات التحقيق ،

بأن فتش في حقيبة يدها ليستكشف الأشياء المغلقة غير الظاهرة دون مبرر ، فإن تجاوزه لحدود الإجراءات الواجبة للتحقق من شخصيتها وعسه في أمتعتها ليفض لفافة العملة الورقية يتسم بعدم المشروعية وينطوى على انحراف بالسلطة يؤدى به إلى البطلان . ومتى كان التفتيش الذى تم على الطاعنة باطلاً لما سلف بيانه فإن الدليل المستمد منه يضحى باطلاً كذلك بما فيه شهادة من أجراه وما أسفر عنه التفتيش من ضبط المخدر ومن ثم تكون الدعوى قد خلت من أى دليل صحيح على مقارفة الطاعنه للجريمة المسندة إليها ويتعين لذلك نقض الحكم المطعون فيه والقضاء ببراءة الطاعنة من التهمة المسندة إليها عملاً بنص الفقرة الأولى من المادة 39 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ، وبمصادرة المخدر المضبوط

(الطعن رقم 6370 لسنة 75 جلسة 2012/10/24 س 63 ).

(٤)ومن الاحكام التي غفلت فيها محكمة النقض أعمال هذه الضمانات ما قضت به من ان بحث الضابط في جيوب الشخص الغائب عن صوابه لجمع ما فيها وتعرفه عليه قبل نقله إلى المستشفى لعلاجه جائز بحسبانه تفتيش ضروره اجراء مشروع وبالتالى فأن دفع المتهم المصاب ببطلان التفتيش لانتفاء التلبس يعد دفعا ظاهر البطلان لا يعيب الحكم أن التفت عنه ايرادا وردا وقالت في ذلك لما كان الحكم المطعون فيه في معرض تحصيله لواقعة الدعوى وأقوال ضابط الواقعة أورد بما مفاده : ” أنه أثناء مروره بدائرة مركز ….. شاهد حادث طريق لدراجة بخارية وأن سائقها ملقى على الأرض فاقداً للوعي وبه عدة إصابات من جراء الحادث الذي تعرض له وبالبحث عن تحقيق شخصيته ليتمكن من نقله للمستشفى لإسعافه عثر على المضبوطات ” .

لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن ما يقوم به الضابط من البحث في جيوب الشخص الغائب عن صوابه قبل نقله إلى المستشفى لجمع ما فيها وتعرفه عليه ، هذا الإجراء لا مخالفة فيه للقانون إذ هو من الواجبات التي تمليها الظروف على من يقوم بنقل المصاب ، وليس من شأنه أن يكون فيه اعتداء على حرية المريض أو المصاب الذي يقوم بنقله للمستشفى لإسعافه ، فهو بذلك لا يعد تفتيشاً بالمعنى الذي قصد الشارع إلى اعتباره عملاً من أعمال التحقيق ، ويكون ما دفع به الطاعن في هذا الخصوص لا يعدو أن يكون دفعاً ظاهر البطلان لا على المحكمة إن هى التفتت عنه ومن ثم فإن ما ينعاه في هذا الشأن يكون غير سديد

(الطعن رقم 5271 لسنة 82 جلسة 2013/10/08)

هذا القضاء محل نظر لانه وإن انطلق من مقدمه صحيحه حاصلها ان تفتيش فاقد الوعي للتعرف علي شخصيته لا يرتهن بضوابط الضبط والتفتيش المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية اذ هو إجراء دعت اليه الضرورة. الا ان الحكم طبق تلك المقدمة بطريقة مجملة اذ لم يستظهر ما إذا كان ضبط المخدر بملابس المتهم فاقد الوعي قد حدث عرضا وقبل تحصل رجل الضبط علي تحقيق شخصيته وان رجل الضبط لم يستمر في مواصله التفتيش بعد الحصول علي تحقيق الشخصية مما يعيبه ويكون الدفع ببطلان التفتيش له محل وكان يجب علي الحكم أن يورد الدفع ويرد عليه بطريقه سائغة إذ أن استنفاد الغرض من تفتيش الضرورة كما أوضحنا وكذا تجاوزه يبطله وهو مالم تتبينه محكمة الموضوع ولم تراجعها فيه محكمة النقض.